مجلة علمية دينية
يصدرها معهد الشيخ الحاج مالك سي
للدراسات السلمية والبحوث العلمية
بتواوون .
السنة الخامسة ـ العدد 05
مولد عام 2017
تأسيس
}الشيخ عبد العزيز سي المين{
المشرف العام :
الشيخ أبوبكر سي محمد المنصور
الخليفة العام للطائفة التجانية
رئيس التحرير :
خليفة لو
khalifalo1@live.com
مدير التحرير :
مصطفى سي المدير
سكرتير التحرير :
عبد العزيز باه
elhadjiabdouba@yahoo.fr
هيئة التحرير :
الدكتور بشير انغوم ـ الحاج مالك فال ـ عبد
العزيز صار ـ امبي درامي ـ عبد العزيز كيبي ـ بابا
مختار كيبي -سيدي أحمد سي عبد العزيز سي
- الحاج مالك محمد المنصور سي – السيد مور
نيانغ- محمد فاي – ألفا سين
المخرج الفني:
أبو سيراندو
776543837
المراسلت:
khalifalo129@gmail.com أو
B . P : 8 TIVAOUANE
TEL: (+221)339552655 /
(+221)339552020
(+221)775767594
القر الرئيسي:
معهد الشيخ الحاج مالك سي للدراسات
السلمية والبحوث العلمية، حي »بام« شمال
المدرسة الثانوية الحكومية في تواوون.
1
الفتتاحية
يطـل علينـا المولـد النبـوي الشـريف فـي هذا العـام 1439 هــ كعادتـه، يعيد إلى
ذاكـرة البشـرية جمعـاء، وإلـى المـة المسـلمة بوجـه خاصـة، ذكـرى ولدة النمـوذج
العلــى فــي الكمــال البشــري، والقــدوة المثــل فــي التأســي الحســن، وإذا كانــت
هــذه الذكــرى الغاليــة فــي نفــس كل مســلم ومؤمــن – ومهمــا واكبتهــا مــن أحــداث
وظــروف اجتماعيــة أو اقتصاديــة أو سياســية حرجــة- تشــكل فــي حــد ذاتهــا عيــدا،
وأي عيــد !! نحتفــل ونبتهــج بقدومــه، ونســتعيد باحتفالنــا وتخليدنــا لهــذه الذكــرى
ِ كل القيــم والمثــل، التــي تستبشــر النســانية وتهــرع مهرولــة نحوهــا، لمــا تُجســدها
مـن خـاص وانعتـاق وتحـرر مـن العبوديـة والجاهليـة والنانيـة المدمـرة للنسـانية،
نقـول بـأن ذكـرى المولـد فـي هـذه السـنة، لهـا نكهـة حامضـة ووقـع اسـتثنائي مريـر
علـى الشـعب السـنغالي المسـلم، بـكل مـا تمثلـه مـن نزعـات وأطيـاف ومراكـز دينيـة.
فلقـد شـكل الرحيـل المفاجـئ والمتقـارب لعـام كبـار، وجهابـذة أفـذاذ مـن
أعــام وشــيوخ الطريقــة التيجانيــة فــي تــواوون، فــي فتــرات زمنيــة ليســت ببعيــدة،
صدمـة كبـرى ونكسـة عاطفيـة عظمـى علـى قلـوب الكثيـر مـن أبنـاء هـذا الشـعب،
ممــن تعــودوا وألفــوا أن يــروا وجــوه هــذه الكوكبــة الراحلــة مــن العــام والشــيوخ
ّ الجـاء، يذكـرون النـاس عنـد اقتـراب هـذه الذكـرى بمغزى هـذه المناسـبة، ويعيدون
شــحن بطاريــة القلــوب بطاقــات هائلــة مــن كهربــاء الحــب المحمــدي، وبفولتــات
عليـا مـن هـذا النـور الحمـدي، ويفخمـون بحضورهـم مجالـس المواليـد، ويشـعر
وجودهـم النـاس بحالـة مـن الطمأنينـة والسـكينة الروحيـة والمعنويـة.
وقـد كان مـن هـؤلء الشـيخ أحمـد التجانـي سـي المكتـوم )نـور اللـه ضريحـه(
وهـو – بـا شـك- فـارس الكلمـة الـذي ل يسـابقه أحـد فـي هـذا الميـدان، وملـك
الحكـم والنـوادر والعبـر والـدروس المسـتفادة مـن سـيرة هـذا الرسـول العظـم، فكـم
أحيـا مـن ليـال محمديـة !!، وكـم أطـرب القـوم مـن سـير ووقائـع أحمديـة !!.
وتــاه فــي قائمــة الوجــوه النيــرة، التــي ســتظلم أجــواء الحتفــال بالمولــد
النبــوي فــي تــواوون بغيابهــم هــذه الســنة، صنــوه وشــقيقه ورديفــه فــي حمــل أعبــاء
تعبئـة النـاس واسـتنفارهم لحيـاء ذكـرى مولـد النبـي الجليـل؛ الشـيخ عبـد العزيـز
سـي الميـن )قـدس اللـه سـره(، ذاك الـذي كانـت طلعتـه البهيـة فـي وسـائل العـام
المرئيـة والمسـموعة، إعانـا للنـاس باقتـراب المولـد النبـوي، وإيذانـا بوجـوب أخـذ
العـدة والعتـاد اسـتعدادا لهـذا العيـد الوطنـي الكبيـر.
لقـد كان الشـيخ الميـن الراحـل رجـل المبـادرات الطموحـة لجعـل الحتفـال
والقامــة فــي تــواوون مريحــا ومرتاحــا، وكان بمثابــة القلــب النابــض، والبوصلــة
الدقيقـة فـي توجيـه النـاس وإحساسـهم عبـر منابـر الحتفـال بالمولـد النبوي الشـريف
إلــى القضايــا الوطنيــة المصيريــة، وإعطــاء النصــح والــرأي الرشــيد فــي التصــرف
الواجـب تجاههـا، وقـد كان مجـرد إحسـاس برعايتـه وتبنيـه وإشـرافه للمولـد بلسـم
شـفاء ومظنـة توفيـق ونجـاح لمناسـبات المولـد.
إن مجلـة »الفاتـح«، إزاء هذيـن الحدثيـن الكبيريـن، تتقـدم بتعازيهـا الصادقـة
ومواسـاتها القلبيـة إلـى كل :
مــن أســرة وأنجــال الفقيــد »الشــيخ أحمــد التيجانــي ســي المكتــوم«، وفــي
مقدمتهـم السـيد محمـد المنصـور، والشـيخ محمـد المصطفـى سـي ، المرشـد العـام
لدائــرة المسترشــدين والمسترشــدات، وإلــى كافــة أبنائــه الكــرام، ومحبيــه العــزاء
وإلـى أسـرة وأنجـال الشـيخ »عبـد العزيـز سـي الميـن« ويتقدمهـم بابكـر عبـد
العزيــز، وإخوتــه: ومحمــد المصطفىــى، وعبــد الحميــد، والشــيخ أحمــد التجانــي
ســي، وســيدي أحمــد، وكافــة أبنــاء الشــيخ النجبــاء، وأصفيــاءه الكــرام.
وكذلــك تتقــدم المجلــة بالعــزاء الجميــل إلــى روح الفقيــدة البــارة الصديقــة
الســيدة فاطمــة ســي منصــور، فــي شــخصية نجلهــا الســيد شــيخ أحمــد التجانــي
محمــد المنصــور ســي، وكافــة إخوانــه وأخواتــه.
كمــا تتقــدم المجلــة بالنيابــة عــن كافــة قراءهــا والمتابعيــن لهــا، بتعــازي
صادقــة، ودعــوات خالصــة إلــى روحــي الشــيخين الجليليــن والعالميــن الكريميــن؛
الشــيخ مــود مالــك هــادي تــوري، والشــيخ مصطفــى تفســير سيســه، فليســكنهما
المولــى أعلــى جنــات الفــردوس، مــع الصديقيــن والشــهداء والصالحيــن، وحســن
أولئــك رفيقــا.
رئيس التحرير
N° AL FATHI.indd 1 23/11/2017 06:38
2
· مولده ونسبه:
لقـد بـرز الشـيخ أحمـد التجانـي سـي إلـى الوجـود
فــي التاســع والعشــرين مــن شــهر ديســمبر عــام ألــف
وتســع مئــة وخمــس وعشــرين للميــاد ) 29 ـ 12 ـ
1925 م ( الموافـق 23 جمـادي الخـرة 1345 هجـري
فــي مدينــة ســان لويــس )Louis Saint ) بالســنغال .
فوالــده هــو العالــم ّ التقــي والولــي الصفــي الشــيخ
الخليفــة أبــو بكــر ســي ابــن الشــيخ الحــاج مالــك ســي
رضــي اللــه تعالــى عنهمــا، وولــد الســيد الخليفــة فــي
عــام 1885م، الموفــق لـــ 1303 هــ بســان لويــس،
وتوفـي فـي 25 مـارس 1957م، الموافـق لـــ 1376 هــ
فــي تــواوون.
َ ْس ُ ــت َ )عائشــة ( ك ْ ــن
وأمــا والدتــه فهــي الســيدة ا
بنـت السـيد الحـاج عبـد الحميـد كـن، ووالـدة السـيدة
َ أســت هــي الســيدة مــارم بــاه بنــت عبــد اللــه بــاه صنــو
َ ْس ُ ـت
ُ المجاهـد الكبيـر مابـاه جـخ بـاه، وولـدت س ْ ـخَن ا
كـن فـي مدينـة كولـخ عـام 1900م، الموافـق لـــ 1317
هجـري، وتوفيـت فـي 5 مايـو 1965م الموافـق 4 محـرم
1385 هجــري فــي تــواوون.
ّ وتجـدر الشـارة هنـا إلـى أن الشـيخ أحمـد التجانـي
هـو البـن الثالـث لوالـده بعـد السـيد محمـد المصطفـى
ُ ســي )جميــل ( والســيد محمــد المنصــور ســي )ب ُ ــر ْوم
َد َارِج(، وينتهــي نســب هــذه الســرة مــن جهــة والدهــم
إلــى فاطمــة بنــت محمــد عليــه الصــاة والســام عبــر
ُ فاطمـة النصاريـة والـدة ب َ وتـي فـاي أم فاطمـة و ّ اد ِ وِلـي.
لقـد جـرى فـي كثيـر مـن أنديتنـا أقـوال فـي تسـميته،
فيقـول البعـض إنـه ولـد واسـمه مكتـوب علـى جسـده،
وقيـل: غيـر ذلـك، ولكـن الواقـع الصحيـح مـن كل هـذه
القــوال هــو مــا أخذتــه عــن الســتاذ خليفــة أبــي بكــر
ُ امبــي ابــن الحــاج امبــي د ْون ِ ــد امبــي، وهــو أخــذ عــن
َسِـرْن ِج ت َج ْ ـان ِ تَي ْ ـام الـذي أخبـره بمـا حـدث حقيقـة فـي
ولدة هـذا القـرم العظيـم.
قـال: لمـا انتهـى الخليفـة أبـو بكـر سـي مـن نونيتـه
الشـريفة التـي مـدح بهـا مؤسـس الطريقـة التجانيـة أبـا
العبــاس الشــيخ أحمــد التجانــي الشــريف رضــي اللــه
تعالــى عنهمــا، أخبــره الممــدوح مكاشــفة بــولدة ذكــر
N° AL FATHI.indd 2 23/11/2017 06:38
3
ّه بالقطــب
لــه بعــد ســبعة أشــهر، وأوصــاه بــأن يســمي
ّ التجانـي، ولعـل ّ هـذا سـبب قـول الش ّ ـيخ أحمـد التجانـي
ســي :
َِتي
ِل ِي ر ًض ِى بِولَاد
َ ْد ِ ول ْد ُت َ و
َولَق
َِج التّ ّجِاني
َنْه
َِت ِي في م
ِلِولَاد
ْرِ بِه
ٍَم
ِن ُ ي سِم ُ يتِ م ْن ا
نَ
َ
ِ ا
َول
ِّاني
سم
َتً ِى بِه َ
ِ إلَهُ ف
َ َجزَى ال
ف
وإليكــم أبيــات مــن نونيــة الشــيخ الخليفــة التــي هــي
الســبب الساســي لهــذا المــر العجيــب.
َتُهُ
ِريق
ُْخ التّ َجِان ِ ي الذ َي ش َ اع ْت َ ط
َشي
َِاهِين
ْبَر
َْه ُ ان ال
بَريِّة بُـــر
ِْ
َْن ال
بَي
ُِ م ْن
َِائر
َ ْد تَ ِْسر ّ ي السر
ْ َح ّق ق
ُ ال
َة
ِريق
َط
ٍْظ َ وتَ ْحِصِين
َْم َشِا ِربِ ف ِي حف
ِْن ال
َعي
َ َجِائِب َ و ْ ال
ْع
َِار ال
َ ْسر
َحازَ ْتِ ب َم ْجُم ِوع ا
ِغرِ ف َي غايَِات تَ ْحِسِين
ُْ
َِائِب ال
َ ـغر
ِردًا
َ
ُنْف
ُِ بَو ْصٍف َ ك َ ان م
ُوم
َ ْن يَر
يَا م
ْيِين
ب
ِن َ يك َ ع ْن تَْوِكِيد تَِ
ْ َحِال يُ ْغ
َوال
َا
ُْم ْمِسُك َونِ به
ِمنُ َون ال
و
ُْمْ
ْلَ َح ال
ف
َ
َ ْد ا
ق
ّ ِا م َن ِ اللهِ في يُ ٍْسر َ وتَ ْمِكِين
َن
م
·نشأته وتربيته:
ّ نشـأ الشـيخ أحمـد التجانـي سـي وتربـى على بسـاط
ظــل حضــرة والديــه الكريميــن أدبــاه فأحســنا تأديبــه،
أديــا دورا عظيمــا فــي بنــاء هويتــه وتكويــن شــخصيته؛
كانــت والدتــه تهتــم بشــأنه اهتمامــا بالغــا، فهــي أول
مــن قامــت بتعليمــه قبــل التحاقــه بالكتاتيــب، وكانــت
ّ حريصـة علـى صـاح حـال ولدهـا، كمـا أن عنايـة والـده
بـه أيضـا كانـت خيـر عنايـة .. إذ كان قائمـا علـى تربيتـه
وتهذيبــه وتثقيفــه، وبذلــك أصبــح الشــيخ التجانــي
متمتعــا بجا ُ لــة الخــاق والصفــات التــي يعــرف بهــا
الصالحـون والمقربـون مـن عبـاد اللـه، فهـو بحـق ثمـرة
يانعـة مـن حقـل الجهـود التـي بذلهـا والـداه فـي تكوينـه
ّ وتربيتــه، وهــو أيضــا ممــن يمثــل مصداقيــة قــول جــده
ُ َعرف فــي الحفــاد«.
الشــيخ الحــاج مالــك ســي: »ســا
ولعـل تلـك الجهـود هـي التـي جعلتـه متمتعـا بعـدة
ّـزه عـن كثيـر مـن معاصريـه ونذكـر منهـا:
مواصفـات تمي
ّ ـ النســانية المطلقــة التــي ل تفــرق بيــن الغنــي
والفقيــر، ول بيــن العزيــز والذليــل، ول بيــن الكبيــر
والصغيــر، وذلــك علــى أســاس نظرتــه لجميــع الخلــق
ّ كعيــال رب واحــد هــو اللــه ســبحانه وتعالــى.
ّ ـ النبســاط الفع ّ ــال والســتئناس الدائــم برب ّ ــه عــز
ّــات والنســانيات ومبتعــدا عــن
ّ وجــل مشــتغا ّ بالرباني
الشـيطانيات والمغريـات، ممـا جعلـه منعـزل فـي غالـب
الوقــات هــا هــو يقــول فــي إحــدى المناســبات :
ِني
ِو ُج
َ َصالِ ُح َ هَذ ّ ا الدِين تُ ْح
لَْولَا م
ْ ُض َ ح َ اجِاتي
ُ ِوج َ ولَْولَا بَع
ُْخر
ِالَى ال
ُ ْحتَِجبًا
َ م
ّ ْهر
ِع ُ يش الد
ْ ُتِ م َم ْن يَ
لَِصر
َ ِات
َاف
ُْخر
الس ْجِن َ ع ْن َ هِذي ال
َ ْع ُمِق ّ
ِفي ا
ـــ الجـود الـذي ل يـكاد يقـارب بجـود فـي الوقـت،
ّ وخيـر مثـل لسـخائه، موقفـه الفعـال فـي صاحـب ديـن
عجـز عـن القضـاء، وقامت السـلطة آنئـذ ببيـع ممتلكات
الدائــن حتــى المنــزل الــذي كان يســكن فيهــا وأســرته،
فلمـا علـم الشـيخ بحالـه، قـام بإنقـاذه مـن براثـن هـذه
المصيبــة، فأرســل إليــه مبلغــا يزيــد علــى الديــن دون
مجالسـة هـذا المعـوق الفقيـر.
· ّ تعلمه وشيوخه في العلم:
ّ لمـا بلـغ الشـيخ التجانـي سـن التمـدرس بـدأ قـراءة
القـرآن كمـا هـو العـادة فـي مـدارس الصوفيـة السـنغالية ،
ّ أول علـى يـد ّ والدتـه، ثـم أتـم علـى أيـدي شـيوخ حفـاظ،
ا َب ِ ج ْين ّ ـغ، والحـاج مختـار صـال،
نذكـر منهـم: الشـيخ ِ
َ والشـيخ مامـا لـوح، والحـاج شـيخ انجـاي مِابيـي، كان
بيــن هــؤلء حتــى حفــظ القــرآن حفظــا تامــا حســنا،
ّ وأجـاده رســما وكتابــة فــي ســن مبكــرة مــن عمـره، ثــم
ّ بعــد حفظــه للكتــاب شــرع فــي تعلــم كتــب المجالــس
N° AL FATHI.indd 3 23/11/2017 06:38
المعروفــة، فتعــزز بوجــود شــيوخ وأســاتذة عظمــاء،
منهـم:
العالــم الكبيــر ســرنج علــي غــي الــذي كان ينظــر
إليـه فـي السـرة المالكيـة كمكتبـة متنقلـة تحـوي العلـوم
والمعـارف فـي رفوفهـا، كذلك بالسـتاذ الجليل الشـيخ
شـيبة فـال الـذي مـا زالـت اللسـنة تحكـي عـن مواقفـه
ّ البطوليــة، ثــم الحــاج مختــار صــال والشــيخ بــران ســار
ّ ،.. ومـن بيـن معلميـه عمـه الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز
ســي الــذي أصلــح لســانه وســاعده علــى التخلــص مــن
شــوائب العجمــة واللحــن.
مكـث الشـيخ فـي مجالـس هـؤلء حتـى درس منهم
جميـع المـواد والعلـوم التـي كانـت تـدرس فـي مجالـس
العلمـاء وقتئـذ، مـن تفسـير، وحديـث، وسـيرة، وفقـه،
وأصـول فقـه، ولغـة، ونحـو، وصـرف، ومنطـق، وباغـة،
وعـروض، وغيـر ذلـك مـن العلـوم النقليـة والعقليـة.
ذكــر الشــيخ فــي محاضرتــه التــي ألقاهــا فــي معــرض
دكار بتاريــخ 29 ينايــر عــام 2000 م، بعــض المــواد
والعلــوم والشــيوخ الذيــن أخذهــا عنهــم، ومنهــا:
ـ الشــعراء الســت، وابــن رشــد، والعشــماوي مــن
والــده الشــيخ الخليفــة.
ـ الكواكــب النيــرة فــي مــدح خيــر البريــة )بــردة
المديــح( مــن الشــيخ بــران ســار.
ـ ابـن دريـد ، ومقامـات الحريـري مـن الشـيخ شـيبة
فا ل
ـ ديــوان الشــيخ الحــاج مالــك ســي، ومختصــر
ّ الشــيخ خليــل مــن ســرنج علــي غــي.
ّ وذكـر أنـه وقتئـذ كانـت توجـد فـي تـواوون خمسـة
عشـرة محضـرة يتنقـل مـن بينهـا للدارسـة.
وأمـا الجانـب الروحـي والعقـدي مـن تكوينـه فقـد
تلقــاه مــن والــده الشــيخ الخليفــة رضــي اللــه تعالــى
عنهمــا.
فمــن هــؤلء العظمــاء درس مــا درس حتــى نبــغ
ولح نجمــه فـي سـماء العلـم حتـى أنـه ل يـكاد يدانيـه
فــي العلــم أحــد مــن أقرانــه رغــم عــدم خروجــه إلــى
البلـدان العربيـة للتعلـم والدراسـة، ويجـدر بنـا أن نتذكـر
فـي هـذا المقـام تلـك البيـات التـي نظمهـا للتعبيـر عـن
ذلــك الوقــت الذهبــي مــن عمــره، فقــال:
ُْم يَ ْطلُبُنَا
ِعل
ْ
َ َ ان ُ كنّ َ ا و َك َ ان ال
زَم
َ َ اع ِات
ُْه َد ِى ف ُي ك ّل ق
ً َ ا و َك َ ان ال
ْق
ِرف
لَُفنَا
ْ
َْوُز يَا
ْف
َ َ ان ُ كنّ َ ا و َك َ ان ال
زَم
ْ ُن يَ ْشُملُنَ ِا ف ُي ك ّل َ حالَ ِات
َم
ْا
َوال
َتًى
ْ ُ آن َ ص ْو َت ف
ُْقر
َ َ ان يُ ْسِمُعنَا ال
زَم
َ ْصَو ِات
َْو َق ا
ا ف
ّ
يَ ْد ُعو ِالَ ِ ى الله َ حق
ِه
ِت
ٍرِ بِح ْك َم
بُو بَ ْك
َ
َ َ ان يَ ْد ُعو ا
زَم
ّ ّ الد َعايَِات
َ النّ ُ اسِ م ْن َ شر
ِلم
ِليَ ْس
وقوله:
ً
اسة
َ َ
ْ َحيَِاةِ در
َ ْسبَ َ اب ال
ْ ُت ا
ْنَي
ف
َ
ا
َِان
ْف
ِعر
ْ
َوبَلَْو ُت ُ ك ّل َ و َسِائِل ال
وأمـا مـا يتعلـق بمؤلفاتـه فكثيـرة للغايـة، ول تسـعنا
هــذه الفرصــة لســردها جميعــا، ولكــن علــى ســبيل
المثــال نكتفــي بذكــر الكتــاب المســمى بــ )الركان
الرواســخ فــي غرائــز أبنــاء المشــائخ( الــذي ألفــه فــي
الســن الســادس عشــر مــن عمــره ) 16 ans) .
· ّ تعلمه اللغة الفرنسية:
ل يختلـف اثنـان فـي تمتعـه بازدواجيـة اللغـة العربية
والفرنســية، هاتــان اللغتــان اللتــان أتقنهمــا وأحســنهما
كأهلهمـا، والـذي دفعـه إلـى اكتسـاب لغـة مولييـر كثيـر،
نذكـر منهـا المكانـة التـي تحتلهـا الفرنسـية فـي العالـم،
ومـا تسـتلزمه الدعـوة السـامية والعمـال الحركيـة مـن
الثقافــة العامــة والنفتــاح، لذلــك شــمر الشــيخ بســاق
ّ الجــد لتعلــم اللغــة الفرنســية بفضــل مجهــوده الفــردي
المبـذول فـي حداثـة عمـره.
ّ وقــد شــرع فــي هــذا الفــن حيــن بلغــه أن رفيقــه
ِ أبــا بكــر غ ُ ــي ابــن م َوم ْ ــر ِ غ ّ ــي أحــد أتبــاع جــده الشــيخ
الحــاج مالــك ســي، التحــق بالمــدارس الرســمية لتعلــم
ّ
اللغــة الفرنســية، فلــم يــر وقتئــذ إل أن يأتــي أبــا بكــر
عنـد قدومـه مـن المدرسـة فيأخـذ منـه الـدروس، فـكان
4
N° AL FATHI.indd 4 23/11/2017 06:38
َ ْس ُ ـت كـن يـردد
علـى ذلـك حتـى سـمعته والدتـه سـخن ا
البجديــة الفرنســية فــي البيــت، فأخــذت بيــده متجهــة
إلــى الشــيخ الخليفــة خوفــا لضيــاع دراســاته الســامية
لشــدة اهتمــام الشــيخ التجانــي بالفرنســية.
ولمــا كان الخليفــة علــى علــم بالمــر، زاده ذلــك
الجهـد حبـا وثقـة بولـده ووارث سـره، فقـال: نشـكر اللـه
علـى هـذا المجهـود وندعـوه البركـة والتوفيـق بـه.
ّ ولعــل موقــف والــده فــي المــر يومئــذ هــو باعــث
اهتمامـه العالـي فـي الفرنسـية، وقـد حملـه هـذا الهتمام
إلـى بحـث معلـم متقـن للفرنسـية فوجـد مأميـن مانـي
أحـد مدرسـي الفرنسـية فـي تـواوون آنئـذ.
ّ وتجــدر الشــارة هنــا إلــى أن الشــيخ التجانــي لــم
ّ يكتـف بمـا يدرسـه مـن معلمـه ، بـل كان يصفـح الكتـب
والمعاجـم لهـدف واحـد وهـو حفـظ مئـة كلمـة فرنسـية
يبـدأ كل واحـدة بحـرف اللـف ثـم حـرف البـاء وهكـذا
إلـى اليـاء. وهكـذا كان حتـى أصبـح مـن أفهـم هـذه اللغـة
وأحسـنها كتابـة.
وإليكم قطوف دانية من مقالته بالفرنسية:
1 -La foi musulmane cherche
l’homme dans sa qualité de citoyen
universelle. Elle ignore les particularités qui, au lieu de servir de base à un
dialogue fécond, deviennent pour le
malheur de notre monde des barrières
infranchissables où toute vigilance et
toute autre volonté restent paralysées à
jamais.
2 -Aujourd’hui aucune valeur spécifque ne peut guider les poids de l’humanité. Seules les valeurs inter-universelles sont proposées pour résoudre les
grandes crises engendrées par la fausse
modernité. Celle-ci a pour conséquences la déprime et la perversion.
3 -si la prière cesse d’être sacralisation de nos actes quotients malheur en
ceux qui par ignorance en deviennent
les victimes car la prière est à l’âme ce
que l’engrais est à la surface du sol ou il
l’améliore ou il l’écrase : c’est une question de dosage, une question surtout
d’éducation mystique
4 -Une vie sans religion est une vie
sans principes et une vie sans principes
est un bateau sans gouvernail.
5 -L’expérience démontre aisément
que nous obéissons plutôt aux superstitions et à la tradition qu’à la doctrine
pure dont nous avons héritée du Prophète. L’héritage de Mouhamad, c’est
l’ensemble de toutes les vertus qui ont
fait les héros du Ciel.
6 -L’Islam n’est qu’un tremplin, et le
plus sûr pour guider l’humanité vers le
salut.
7 -L’Islam peut être considéré comme
une aventure passionnante ; aventure
qui a pour point de départ le ventre
maternel et qui ne saurait prendre fn
qu’avec les fancs inconsolables de la
tombe.
8 -La littérature coranique n’a-t-elle
pas permis aux musulmans de se familiariser avec tous les grands systèmes, à
la seule condition qu’un souffe divin y
soit maintenu.
9 -Il s’agit non seulement d’organiser
la vie mais plus précisément d’éterniser la vie par une action rémunératrice
et permanente. Il s’agit enfn d’aimer
l’action de vie de rendre culte à Dieu.
Il s’agit enfn d’ériger la conscience en
centre d’attraction où tous les jeux de
perfectionnement sont autorisés.
· شعره وخصائصه:
ّ إن الشــيخ أحمــد التجانــي ســي لواحــد مــن أجلــة
ْ ُ خــل لنقــر أبــدا بــأن لــه
أدبــاء المــة الســامية، ول نب
مــن الفضــل فــي هــذا المجــال وغيــره مــا ل يجــده إل
قليلــون مــن أقرانــه، فهــو عالــم حــذق، وأديــب أريــب،
وخطيــب بــارع، وتلــك ُ مواهــب لدنيــة عرفهــا منــه
القاصــي والدانــي.
لقــد حظــي بملكــة أدبيــة فريــدة، وقريحــة شــعرية
غريبــة، ل يحــس بعنــاء ول تكلــف فــي قــرض الشــعر،
وتهيـأت هـذه الشـاعرية للشـيخ فـي أكثـر مـن موضـع،
5
N° AL FATHI.indd 5 23/11/2017 06:38
منهــا:
أول: وراثـة دمويـة، مـن والـده الشـيخ الخليفـة أبـي
َ بكـر سـي، وجـده الشـيخ الحـاج مالـك سـي اللذيـن كانـا
مـن أشـعر شـعراء وقتهمـا.
ثانيـا : نشـأته فـي بيئـة أدبيـة خصبـة، مـن بيـن مـن
ّ يعــدون مــن أكابــر فصحــاء ّ وبلغــاء الســنغال؛ كعمــه
الشـيخ عبـد العزيـز سـي، والشـيخ علـي غـي، والشـيخ
شـيبة فـال، والسـيد محمـد يحيـى العلـوي الموريتانـي.
ولقـد سـبقه الكثيـر والكثيـر مـن سـكان هـذا البلـد
العزيــز، وأســاف هــذه المــة وأعامهــا فــي قــرض
ّ الشــعر، ولهــم الفضــل فــي التقــدم، لكننــي أعتقــد بأنــه
ْ ظفـر بقصـب السـبق فـي ذلـك؛ لكونـه شـاعرا ذا موهبـة
ِخ ْص ْ بـة، وقريحـة مع ْ طـاءة، وقلـم مطـواع، وبيـان سـائغ،
فـي عبـارات محكمـة، ولحسـن سـيره علـى دربهـم لكـن
ّ بأســلوب علمــي ّ متــأدب وبليــغ.
ُ بالضافــة إلــى مــا يــذاق مــن شــعره مــن التجــدد
فـي الغـراض، والتجـرؤ فـي قـدح زنـاد الميـول، ونقـد
مـا جـار عـن قصـد السـبيل مـن الطموحـات والتقاليـد
ومـا اسـتورده قومـه مـن مجـون الثقافـة والحضـارة، مـع
التنــوع فــي الوزان، واســتعمال اللغــة العربيــة الراقيــة،
والتعمــق فــي الفكــر والدقــة فــي التصــور، والتأثــر
بالقــرآن ومامــح اليمــان، والعنايــة بالصــور البيانيــة
والمحسـنات البديعيـة؛ ولهـذا يجـد البعـض صعوبـات
فــي فهــم كامــه.
ويمكــن أن نقــول: إنــه اســتخدم جميــع البحــور
الشــعرية أو أغلبهــا، مــن البســيط والمديــد والكامــل
والوافــر والطويــل… وغيــر ذلــك ممــا يتناســب مــع
موضوعاتــه وأغراضــه، وإنــه لــم يتــرك حرفــا مــن
الحــروف الهجائيــة إل اســتعمله كــروي . وعالــج مــن
خـال شـعره الكثيـر مـن القضايـا الدينيـة والجتماعيـة
والسياســية والقتصاديــة …
ونأتـي علـى سـبيل المثـال بقصيدتـه الكامليـة التـي
تبلــغ 74 بيتــا، ألفهــا ســنة 1998م، هــذه القصيــدة
التــي تنوعــت موضوعاتهــا وتعــددت، حيــث أشــار
ّ فيهــا إلــى كل مــا يهــم ّ حياتنــا اليــوم، فكأنــه أراد بذلــك
أن يظهرثقافتــه الواســعة، وإلمامــه للحقائــق المســيطرة
علــى الزمــان والمــكان .
وإليكم أبيات من القصيدة :
َ ْجنُــونَـا
ًـا م
َ ْص َ بـح َ عالَم
ْ ُب ا
َْغر
ل
َ
ا
ْتُــونَا
َف
َو َغ َ ــدِا ب َش ْكِـل ُ جنُِونِـه م
ٍَة
ْــر
َةٌ َ ع ْ ــن َ حي
ــنِ ف ِيـهِ عبَــار
ّ َ
ْف
اَل
ُنُونَا
ََو ِاتِ فِيه ف
َف
ْه
َى ال
ر
َ
َ ِ ـا لي ا
م
َةُ نُّظ َم ْ ـت
َةُ َ والتّ َجـار
لَْولَا الّ َ تجـار
الس َم َ ا وتَِدينَا
ِي ّ
ِلتَنُ َ ـوب َ ع ْن َ و ْح
َا
ِة ُ كلّه
ْبَِس َ يط
َ ْهِل ال
ْ ُ ـتِ م ْ ــن ا
ْب
لََطل
َ ِ ـا تِنينَــا
ًــا لَه
ِْــزلُ َ ـوا ح َكم
َ ْن يَع
ا
ِانْ َس َ انِ م ْن
ْ
ِة تَ ْمنَ ُ ـع ال
َ
ْ َح َضـار
َ ِا لل
م
ُْهـونَـا
ِق ِيـه ال
ِو ِيـن َ ش ْخِصيٍَـة تَ
تَ ْك
َـا
ّ بُنُ ِ ــوكه
ُ ِ ضـد
ْ َكــار
ف
َ
ْا
تَتَ َح ّط ُ ـم ال
َا تَ ْحِمينَا
ْبُنُ ُوك َ عِن ّ الشق
َو َهِـل ال
ُ َهـا
زْ َهـار
َ
ً ا
َـة
َ ُ ــاغ َ حِديق
ِل َ ـق ّ الدم
ُخ
ّ ُ عيُـونَا
ِقــر
َْو تُ
تُ ِْحي ُ ــي عُقــولًا ا
ً
َــة
ْــلُـوم
َع
ً م
َ ُ ح ّ ــو َل دَْولَـة
ْيَ ْ ــوم
َال
ف
ُْعونَا
َل
َا م
ِْض ِ ـي ب ُس ِ ـوءِ ن َظِامه
تُـر
َ ْخــلَ َ اقِ فــي
ْا
َ ال
تَّمــم
ُ
ِ ا
ِعثْ ُ ـت ل
ِانّـي بُ
ُونَا
ُر
ِم َ ك ْي تَ ُسودَ ق
َْم َك ِـار
ِظ ّ ــل ال
وعلـى هـذا أيهـا القـارئ فـإذا طلبـت شـاعرا محنـكا
خبيــرا بأســرار الدب وفنونــه المســتجدة، فهــو ذلــك
الخبيــر ..
·شخصيته الوطنية والاجتماعية:
هــذه الناحيــة مــن حيــاة شــيخنا التجانــي
مديـدة للغايـة ل يسـعها هـذا البحـث الموجـز، نكتفـي
بالغرفـة التـي نسـقيها القـراء وسـنعود إلـى هـذا المعيـن
الصافــي إن شــاء اللــه فــي التــي مــن الزمــان.
ّ نقــول إن ّ ــه يمثــل فــي جميــع تصرفاتــه أمريــن
متعاكســين: أصالــة ومعاصــرة، تقليــد وتطويــر، وذلــك
مــن إطاعــه الواســع علــى ثقافــات متباينــة لتقانــه
ّـة
العربيـة والفرنسـية. ولعـل هـذا هـو سـبب رفضـه بالكلي
ّ التقاليـد الفاسـدة بشـتى أنواعهـا، والتعصـب والنحيـاز
العمـى، ولـه سـمات عديـدة تبرهـن شـخصيته العظيمـة
ّـزه عـن كثيـر مـن أبنـاء زمانـه ونذكـر منهـا مـا
التـي تمي
يأتــي: - شـهد عـام عـدم الدولـة علـى قـدرة توفيـر الغـذاء
للشــعب ، كمــا كانــت عاجــزة عــن تأميــن التوزيــع
العـادل لمنتجاتهـا لزمـة اقتصاديـة شـديدة فـي السـنغال
وقتئـذ، وقـد أدى هـذا النقـص الشـديد للمـوارد الغذائيـة
إلــى فقــدان الرز الــذي هــو المــورد الساســي للغــذاء
6
N° AL FATHI.indd 6 23/11/2017 06:38
السـنغالي، فـكان النـاس يصبحـون ويمسـون لطلـب مـا
يســد احتياجاتهــم اليوميــة منهــا.
وعلــى هــذا قــام واحــد مــن أتبــاع الشــيخ بالبحــث
عنــه خوفــا مــن أن يعانــي مــا يعانيــه النــاس فــي طلــب
المعيشــة، وجــاء بأكيــاس عديــدة مــن الرز إليــه،
فأخــذ منهــا الشــيخ كيســا واحــدا بعــد أن استحســن
ّ الفعـل، ثـم قـال لـه: دعنـي أعانـي مـا يعانيـه العامـة فـي
الشــدة والعنــاء، وأمــره بتوزيــع الباقــي إلــى المعوقيــن
والمحتاجيــن. - ومـن ذلـك أيضـا، كثـرة انقطـاع التيـار الكهربائـي
فـي السـنغال سـابقا، هـذه المشـكلة اليوميـة التـي كانـت
ّ تؤثـر علـى كل شـيء، المنـازل، المستشـفيات، المراكـز
ّ الصحيــة، الميــاه، وكل المصالــح الحيويــة إضافــة إلــى
الضطرابـات النفسـية والسـلوكية، وغيـر ذلـك ممـا يؤثـر
ســلبا علــى الشــعب، فجــاءه أحدهــم بمولــد كهربائــي
)électrogène Groupe ) يريــد إراحتــه مــن العنــاء
والشــدة، فاستحســن الشــيخ الفعــل، ولكنــه لــم يــرض
أن يقـام ذلـك المولـد الكهربائـي فـي بيتـه وقـال لـه : ل
أريـد أن أسـتضيء وحـدي والباقـي فـي الظـام، وأيضـا:
لهـذه اللـة صـوت مزعـج، وأنـا ل أريـد أن أضـر جيرانـي
بصوتــه، فدعنــي أســتعمل مــا يســتعمله العامــة حتــى
تعـود المـور علـى طبيعتهـا. - ومنهــا أيضــا: فعلــه الغريــب الــذي ل ينســى
ول يمحــى، وهــو طلبــه رخصــة مــن وكاء الغابــة )
)Manguier( شــجرة قطــع فــي ( Aux et forêt
كان يريــد إســقاطها، والشــجرة فــي داخــل بيتــه بــدكار،
وهـذا لمثـل نبيـل فـي الوطنيـة، بالضافـة إلـى عاقاتـه
الوطيـدة بأعيـان عصـره، وخاصـة بالسـر الدينيـة، إنـه ل
يحاسـب ول يهتـم بالنتمـاء الدينـي ول الطائفـي، فهـو
إنســان متســامح، وعالمــي يســعى بالعدالــة والنســانية.
ولقـد سـبق الكثيـر مـن أبنـاء الشـيوخ إلـى الحتراف
بعـد التعلـم، كمـا أوصـى فـي بيتيـه التاليين :
ّ ّ م احترف وتطورا
بعد التعل
كتطور العلماء والحكماء
ّة
ودع الجمـــود فإنّه لمذل
ّة للماء
ّكود مضر
فكما الر
اشــتغل الشــيخ بالتجــارة فــي البــاد وخارجهــا،
فـكان لـه دكان فـي باريـس عاصمـة فرنسـا منـذ العهـد
الســتعماري، كمــا مــارس النقــل والفاحــة، ولــه
حقـول وبســاتين فـي سـالوم وكجـور ،.. وعـرف أيضـا
بالصناعــة فــكان أحــد الشــركاء الساســيين فــي شــركة
تســويق الســمنت )سوكوســيم SOCOCIM )حــاز
بنسـبة مرتفعة مـن رأس مـال الشـركة؛ لهـذا عيـن كرئيـس
للمجلـس الداري، فـكان علـى ذلـك حتـى رزقـه اللـه مـا
رزقـه مـن النعـم الجسـيمة، فاسـتكفى بعـرق جبينـه عـن
ثــروات النــاس ومغرياتهــم.
ّ وصــار مــن بعــد رمــزا خالــدا فــي ســد الحاجــات
وكشـف الكـرب، فبـدأ ينفـق بـا خـوف من القـال ول
التقطيـر، وخاصـة علـى عيالـه والمحتاجيـن والضعفـاء
ّ والمعوقيـن والمتسـولين، امتثـال لقولـه عـز ّ وجـل َ : )وَمـا
ْـراً
ْ ٍـر َ تِج ُـد ُوه ِ ع َ نـد َ الل ِـه ُ ه َـو َ خي
أ ُنفِس ُـك ّم م ْ ـن َ خي
َ
ُتَقّدُم ِ ـوا ل
َ ْجـراً(.
َ ْعَظ َ ـم ا
َوا
·شخصيته السياسة:
كمــا ذكرنــا مســبقا هــذا الميــدان أيضــا مــن حيــاة
الشـيخ ل يسـع فـي بحـث كهـذا، بـل يسـتوجب مجـال
أوسـع لمـا تتسـم حياتـه مـن تعـدد النشـاطات والقضايـا
السياسـية التـي ل تمحـى فـي صفحـات التاريـخ وذلـك
منـذ عهـد السـتعمار.
وإن دلــت جهــوده فــي هــذه الســاحة علــى شــيء
ّ فإنمـا تـدل علـى اهتمامـه الشــديد بسـير بلـده وشـؤون
ّ مواطنيــه، وأن الديــن ل يصلــح فــي وطــن فســدت
سياســته، وهــذا مــا جعلــه يخاطــب رجــال الديــن وهــو
فــي الســجن قائــا:
َى
َْور
َ ال
َ يَا نُ َجم
ِا ْسلَام
ْ
ا سادَةَ ال
يَ َ
َى
ْ يُ ْشتَر
َِا ْن لَم
ِا ْسلَام
ْ
َ ال
َم
َ ْكر
َا ا
م
ُِا ْن َ طَغ ْت
َة
ْ ُحُكوم
ُ َ وال
َة
ْ ُحُكوم
َطَغ ْت ال
َى
وِاد َ ك َم َ ا جر
ُْفَ
َِاب ُلِ بال
ًا تُق
يَْوم
و َها
َ ْع َضاُ
ٍة ا
َ
َام
َ ّس ْتِ بُك ّل َ كر
م
َى
َر
ْق
َه
ُ ق
َة
ْ ُحُكوم
َا تَ ْمِشي ال
َِوب َم ّسه
لَى
ُ
ْا
َْو ِى بال
َّن ّ الد َ ين يَق
َعلُّم ِوا با
َى
ًا لَ ْن يُ ْخ َسر
َ ْغنَم
ِق َيدةَ م
َ
ْع
َلُوا ال
َجع
ٍم
َِاه
ِْ بَدر
ُونَُكم
ِلَذ َ اك يَ ْخِتَبر
َ و
َى
َ ْن َ خلَ َق الثّر
َِ رزْ ُق م
َِاهم
ّر
ِا ّن الد
ْقُظوا
ِ
َِ دِيننَ َ ا و ْ استَي
ِئ َمة
َ
ُوا ا
ُوم
ق
َا
ِْمر
َ َ وال
َودَُعوا التّنَ ُازَع َ والتَّكاثُر
بـدأ الشـيخ نشـاطاته السياسـية فـي السـن الخامـس
والعشــرين مــن عمــره، أي: منــذ عــام 1950 م حيــث
انتمــى إلــى الكتلــة الديموقراطيــة الســنغالية ) BDS) ،
وشـارك فـي اسـتفتاءات عـام 1958م، كمـا شـارك فـي
7
N° AL FATHI.indd 7 23/11/2017 06:38
النتخابــات التشــريعية فــي 22 مــارس 1959م، تحــت
مظلـة حزبـه )حـزب التضامـن السـنغالي( )PSS )هـذا
الحــزب الــذي أسســه فــي ظــروف صعبــة مــع رفقــاءه
فـي النضـال والمقاومـة، كالشـيخ الحـاج إبراهيـم انيـاس
الكولخــي، وزيــدو إبراهيــم انــدو، وغيرهــم ممــن كان
معهــم للدفــاع عــن الســام ومصالــح الوطــن، انتهــت
تلـك النتخابـات بغصـب الجتهـاد الشـتراكي علـى )
UPS ) – حـزب مامـدو جـاه ولوبولـد سـدار سـنغور-
علــى جميــع الكراســي )80 كرســيا(، وهــذا مــا جعــل
ّ حــزب التضامــن الســنغالي لــم ينــل مــن يمثلــه فــي
البرلمــان، وانتقــد الشــيخ النتائــج لمــا فيهــا مــن غــش
وتخميــن، واســتمر فــي نضالــه ومقاومتــه حتــى تــم
اعتقالــه، فأوقفتــه الســلطة فــي الســجن، وقضــى فــي
سـجن دكار سـتة أشـهر، ثـم بعـد ذلـك صالحـه سـنغور،
فاتفقــا علــى بعــض المبــادئ، ولتوطيــد ودعــم هــذه
ّنـه سـنغور سـفيرا بالقاهـرة؛ ليمثـل بـاده فـي
العاقـة عي
الجمهوريــة العربيــة المتحــدة، ولــم تطــل هــذه القامــة
بالقاهـرة لسـباب لـم يعرفهـا إل قليـل، فعـاد إلـى البـاد
واســتمر فــي نشــاطاته الدينيــة والسياســية حتــى ســجن
مــرة ثانيــة لمواقفــه البطوليــة فــي الميــدان السياســي،
وبعـد إطـاق سـراحه رأى بعـض أقاربـه أن ينصحـوه بـأن
يغيـر هـذا النـوع مـن مواجهـة السـلطة، وأن يختـار منهـج
المـدارة والمكيـدة، فأنشـد قائـا:
قالوا لي اختر مكيدات مع الدول
تسلم بها من مكيدات ومن حيل
فقلت والحق فيما قلت يشهدني
كفاني القطب في حالي عن الشغل
ما قوة المنطق السفلى ولو سحرت
أمام قوة روح القطب بالمثل
فكيف يمكن للدنيا تصرفها
إن لم يكن ثم أمر الله في الزل
ّ يا بارك الله جل الله يا عجبا
ّ يا بارك الله في حل ومرتحل
إن كان سيري إلى العراض من لعب
ّذل
ّق الله سير الاعب الر
ل حق
إن كان ذاك لتأييد الحقائق في
عصر الباطيل عصر الجور والزّلل
ّب الله ظنّي تحققه
ل خي
ّكلي
ّ وفي تفضله يا خير مت
لــم تتوقــف نشــاطاته السياســية فــي عهــد ســنغور
وأعوانـه، بـل اسـتمر مـع الرئيـس عبـد جـوف الـذي ناب
عـن سـنغور بعـد اسـتقالته للسـلطة، ثـم مـع الرئيـس عبد
ّ اللــه واد ّ ، وتــم معاملتــه معهمــا بأحســن معنــى الكلمــة،
ولـو جـرى بينـه وبيـن الرئيسـين مـا جـرى، ولكـن -كمـا
قلنــا – لــم يكــن هــدف الشــيخ فــي ولوعــه للسياســية
نيـل السـلطة كمـا قالـه مـرارا فـي محاضراتـه، بـل للدفـاع
عـن السـام ووحـدة المـة.
·أقواله الحكيمة وأفكاره المنطقية:
ّ يعــد هــذا المجــدد العبقــري مــن أعظــم حكمــاء
وقتــه وأكبــر مفكريــه، ويبــدو ذلــك بارعــا فــي أقوالــه
ّ وأعمالـه؛ فإن ِ ـه يتمتـع بحكـم شـقية وفلسـفة صائبـة، كمـا
ّــز بفهــم صحيــح ودقيــق للقــرآن والســنة.
تمي
ولعــل هــذه الخاصيــة هــي التــي جعلتــه يخالــف
فـي الكثيـر بعـض معاصريـه مـن الفقهـاء فـي القضايـا
الجتماعيــة والمســائل الخاصــة والعامــة.
َ ولقــد هــم قــوم بقريــة مــن قــرى البــاد علــى
هــدم مســجد تــم بنــاؤه بعــد أن تأكــدوا بــأن المســجد
أخطـأ القبلـة، فاتصلـوا ببعـض الفقهـاء فأفتـوا بالهـدم،
ولمــا أخبــر الشــيخ التجانــي بالمــر، قــال لهــم: الهــدم
فســاد كبيــر وضيــاع مــال كثيــر، فالســام لــم يطالــب
مــن البنــاء اســتقبال القبلــة بــل المصلــي نفســه، ضعــوا
المســجد كمــا هــو، واســتقبلوا القبلــة إذا دخلتمــوه.
وهـذا الحكـم الصيـل والفكـر المنطقـي يـذاق فـي
8
N° AL FATHI.indd 8 23/11/2017 06:38
كثير من كتاباته وأقواله، أليس هو القائل:
ّلي
ما منطق إل ودون تعق
ما عبرة إلّا ودون بياني
ّ فتزو ّ دت نفسي بكل بديعة
وبدائعي تبقى على الزمان
ومن أقواله وكتاباته:
ّا وبسيرها
باء تسير تنق
ّد البنيان
ولدت خطوط مشي
ّ ّ وحيد قبل بعشها
ما نقطة الت
ما بسطة الخط المديد الثّاني
ــ ومنها مفهوم المسلم عنده:
ــم ُ اكم
قــال: » ُ انطلقــا مــن قولــه تعالــى: )ه َ ــو َ س ّ
ُ ّ (، ويفهـم مـن هـذه اليـة أن المسـلم
ْـل
َب
ُْم ْسِـل َ مينِ م ْ ـن ق
ال
ّ ليـس هـذا الوحشـي الـذي يتعص ّ ـب لمحمـد علـى غيـره
ّ ّ ســل ،… وليــس هــذا العاجــز الــذي يتحمــل
مــن الر
ســيطرة المســتعمرين فــي الجزائــر وفــي المغــرب وفــي
ّهـا … وليـس هـذا المتواضـع الـذي يـرى
بـلد العـرب كل
فــي التطوعــات دون الواجبــات أســمى معانــي الحيــاة،
ّ وليـس هـذا الشـاب الـذي ينتفـخ عندمـا يذكـر السـلم
أو يُ ّ ذكـر محم ّ ـد بالسـوء، وليـس هـذا المثقـف العصـري
الــذي يدافــع عــن الهويــات والرياســات وعــن طيبــات
مـن الـرزق.
إنّمــا المســلم هــو تلــك الصــورة الحســية الخالــدة
التــي نشــأت وتطــورت مــع ذلــك المعتــرف وســوف
يبقـى معـه إلـى أن تسـيّ ّ ر الجبـال وتسـجر البحـار وتـزوج
النفوس ..«
ــن ن ْطَف ٍ ــة
ّ
اّن َ ــا خَلْقَن ْ ــا الِأ َ نس َ ــان ِ م
ـــ ومنهــا قولــه: )ِ
َْتِل ِ يـه َ ف َجَعْلَن ُ ـاه َ س ِ ـميعاً َ ب ِصيـراً(، إنـا خلقنـا …
َ ْمَش ٍ ـاج ّ نب
ا
تلتقــي فيهــا اليجابيــات والســلبيات، وتختلــط حقائــق
اليجــاد كلهــا مــن نطفــة يوجــد فيهــا كل أصــل مــن
الصــول التــي بتجمعهــا وباحتــكاك بعضهــا ببعــض
تكــون الســيادة، ويكــون الشــرف، وهــذا عيــن البتــاء
)فجعلنــاه ســميعا بصيــرا( ســميعا يهتــدي ببصــره إلــى
قسـط وافـر مـن الفهـم وهـذا بعهـد قديـم، وأمـن وثيـق،
َ جـرى بينـي وبينـه عنـد تَلِقـي صورتـه الطينيـة بماييـن؟
ـ ومنهــا قولــه: ففــي وحدانيــة اللــه يــرى الســلم
وحــدة النســانية، وفــي كمــال الصفــات الغيبيــة يــرى
انسـجام الخـلق البشـرية، وفـي أزلية السـلطة السـماوية
يــرى تأمينــا للصالــح البشــري .. ويــرى فــوق ذلــك أن
التعايــش الســلمي الــذي تقدســه القــارات باللســان ول
تؤكـده بالفعـال، ليـس إل صـورة حقيقيـة لهـذه الوحـدة
التــي مــن أجلهــا قــال القــرآن: َ )و َل َ تَن َازُع ْ ــوا َ فَتْف َش ُــل ْوا
َوَتْذَه َ ــب ِ ر ُيحُك ْ ــم(.
ّــات ل
ـ ومنهــا قولــه: »ل نجــاة إذا إل فــي القطعي
ّـات .. ثـم ل كرامـة إذا إلّا فـي الراء الصائبـة ل
فـي الظني
ّفـة«.
فـي الدعايـات المزي
·وباللغة الفرنسية قوله:
- Etre trop juif, trop chrétien et même
trop musulman, cela risque de nous
basculer dans le vide du sectarisme.
Soyons partisans de Dieu directement si nous voulons vivre en paix . - Il faut rénover les méthodes
de pratiques religieuses plutôt
que l’Islam lui-même, car nous
croyons que nos déformations
sont nées plus de l’analphabétisme et de l’incompréhension des
adeptes que de la structure même
de l’Islam.
.3 L’Islam peut être considéré comme
une aventure passionnante ; aventure qui a pour point de départ le
ventre maternel et qui ne saurait
prendre fn qu’avec les fancs inconsolables de la tombe - L’essentiel c’est de mettre l’ac9
N° AL FATHI.indd 9 23/11/2017 06:38
cent sur ce que l’Islam appelle « AL
HAQAA-IQAL KOUBRA «, c’est
à dire les grandes réalités. Les réalités
de tous les temps et de tous les siècles
et qui veulent que l’homme ait pour
objectif principal la réalisation de
l’unité profonde et organique de la
création. - Maîtriser le Verbe de sorte qu’Il reste
le fondement du dialogue, dialogue
entre Créateur et créature et, dialogue entre les hommes, dialogue
entre la société et la nature ; mais
que ce dialogue soit authentifé par
une action concrète et parfaitement
réaliste
!!! - L’homme n’est autre chose qu’un
élément de synthèse dont l’humilité
reste non seulement le fondement,
mais la signifcation de sa grandeur.
C’est effectivement un moyen et
une occasion pour ce dieu tombé du
Ciel de redevenir ici-bas le favori
de la compétition inter-universelle.
C’est là le sens que le Créateur accorde à la liberté et c’est une manière qui lui singulière de désigner
un vicaire. Un sens et une manière
qui ont pour point de référence la
dignité de l’homme. Cette dignité
qui fait appel chaque jour à toutes les
dispositions physico-cérébrales afn
que l’équilibre soit maintenu à tous
les niveaux chez l’homme et dans
tous les domaines où il évolue:
c’est l’âme avec son inclination au sacré
c’est l’intelligence avec sa soif de découverte
c’est l’esprit avec ses ressources inépuisables
c’est la passion plongée dans sa quête d’approfondissement perpétuel et de divertissement
c’est le corps humain avec son légitime besoin d’aliments nutritifs
c’est surtout l’homme élément qui est là
pour en assurer équitablement la répartition. Sinon, tout est obscur dans le plus
obscur des mondes.
·وباللغة اPولفية قوله :
سبُوبَُل
س َك ْل َ
ّ ّ
كِ ن ُيك ْك يَال
ـ نَ ّ
ِق ْ يب لُ ُول
ْد يَ َ الِ ب ْسِ دنَ َجْو َ ك
ـ لُ َ وجنِ
ْ َ ــب
ِتُكــو بَِاي َ ــف َ كام
َيَّك
ْ ، بُف
ِّ ت ُيقلُ ْ ــب َ جــام
َ تَــد
ّ َ ور
ِـ فيَــال
بُ ُ ــد ْلِ ف َ يس ِ ــت
ََكِ ت َيد َكهُْ ك َك ْن
ِتير
ََك َل تَ
ْ َجنَ ِة تير
ل
َ
ـ ا
َ ـ جانْ َك يَ ُ اك ْلِ نيَ َ اك َ جانْ َك يَ َ اك
ْ
ِن َ يكم
ِل ْت دُ ْ وت تِ ِخِ ج َك ْو ُ س ْ وف ، نَُس ْ وف تِ ِخِ ج
ُ ـ ج
ْ
َْل َ جــام
لَ ُ ــل ُ كــر
َ
َ ا
ُ ُ ــك ، تُــوم
ُوم
ْ م
ْ َ ــلِ يِيفيــر
ِلت
لَ ُ ــل ُ ج
َ
ــت ا
ـ نَ ّ
ُ ُ ــك
ُوم
م
َتُ ُك
ِري يَ ّ اقِ ج ُك َ جر
نَ
ُ
ِ ـ وتنْب
ـ نت نيك لُُمُدونْ َل
ـ بُ ُب دُبُ ُبِ ك ُك ُ ص ّل
سبَ َج ْك
َ ْي َ
ْ ُك م
ُ ـ كوتُولُولُ ْلِ ي ْن بُل
تلــك أخــي القــارئ ، قطــوف دانيــة مــن أقوالــه
الحكيمــة وأفــكاره المنطقيــة.
ّ الستاذ علي انغير
10
N° AL FATHI.indd 10 23/11/2017 06:38
فهــذه عبــرات وخطــرات تســكب علــى روح فقيــد المــة، ومجــدد روح الهمــة فيلســوف
الســلم، وحكيــم العــلم الشــيخ أحمــد التجانــي، أســكنه اللــه فــي الجنــان.
اللـــه أكبـــر والقديـــم تعالـــى جلـــت مشـــيئته وجـــل جـــال
ل عـــدم يعـــرو وجـــده ويـــزول كلــــ ل وجـــود من فـــي العالميـــن زوال
ّ َ ـــق الحـــوال
خلق الممـــات كـــذا الحيـــاة وإن مو ت جليلنـــا قـــد رق
ليـــث النضـــال وقائـــد الجيـــال يـــا لفنائـــه مـــن قائـــد أجيـــال
ّـــد ِ دل الوجـــود علـــى الرقـــي مثَـــال
ينبـــوع فكـــر راشـــد متوق
فاعجـــب بـــه فهو المـــام ابـــن الما م ابـــن المـــام المعتلـــي المثـــال
هالـــت مواهبـــه وراع بيانـــه إذ قـــام يبـــدي فـــي الوفـــود مقـــال
تَ ِ ـــت الخافـــة نحـــوه منقـــادةً
ا وأتـــى لهـــا فوفـــى لهـــا المـــال َ
ـــح القفـــال
ْتَ ُ
للـــه مـــن بَ ْح ٍ ـــر تاطـــم موجـــه ّ فـــي كل فـــن يَف
شـــمس المعانـــي والمعـــارف آيـــة فـــي الفهـــم والتبليغ صـــال وجال
ا ِ لـــى البـــاد بأســـرها
ّـــاً جـــوال َ الرحيـــلِ
ّ َ يهـــدي الشـــعوب معلم
شـــد
ْ يدعـــو بأســـلوب الحكيـــم مجـــددا ِشـــداً دلل
ر
ُ
ُ ّ طـــورا بـــل م
وم
َ جمـــال ِوي الباغة في الورى
َ ْت رقاب ذ
َ َ ـــاق َخ َضع
ِل َجا ِ لـــه ّ الدبـــي فف
أيـــن العباقـــر منـــه والحـــكام روا د السياســـة بينهـــم قـــد دال
حلقـــات أهـــل العلـــم تبكـــي فقـــده والذكـــر يـــذرف دمعـــه إســـجال
َنَـــا ترحـــال
َومـــي، آذ
مـــات المعلـــم والمربـــي فالنـــدى والعلـــم ق
ب المـــوال
ُ ّ
ســـر
دمـــث الســـجايا فـــي الحيـــاة وحاتم يـــوم الســـخاء يُ
الشـــيخ أحمـــد التجانـــي مركـــز ينحـــو إليـــه الزائـــرون ممـــال
ّ ُ وكذا النجـــاح َ لمـــن رأوه ثمال ة بلقائـــه
للعاشـــقين مســـر
تـــرك المـــام لنـــا تراثـــا قيمـــا عبـــرا تـــرى للناشـــئين ثقـــال
ِل َمِات ِ ـــه
َ َ ك
يـــد َ ج بََدِائِعـــي تبقـــى كذلـــك قـــال َالَـــة
ُ
ٌ ِ يَز
َو ِتبـــر
ْه َمـــا كـــي يُنجـــد الطابـــا ً
ْتَيِ
جمـــع الشـــريعة والحقيقـــة مرضيـــا ِكل
ا ْخـــال
َـــى يخـــل بشـــأنها ِ
ْف
ُل
َ ي
أخاقـــه مـــن أكـــرم الخـــاق ل
ـــي العبـــاد زلل
ُ
ـــده ِف
ّ
ُ ٍ عـــن والـــد َ عـــن ج
ـــه
ُ
عـــن شـــيخه تَ ْك َ نفحات
َِد الصـــدق الرضـــا حال
ْع
ْ راضيـــا متنعمـــا فـــي مق
م
ُ
ِ يـــا ســـيدي د
َ ْ ـــن ول
ســـحب الصاة كـــذا الســـام لحمد والل والصحـــاب مـــع م
س مجـــده وتعالـــى
َ َ ـــد ّ
يـــا رب أحســـن فـــي المـــور ختامنا يـــا مـــن تَق
بقلم/ الشيخ مود مالك عبد العزيز الدباغ سي
11
N° AL FATHI.indd 11 23/11/2017 06:38
قال الشيخ الصوفي السني الحاج محمد المنصور سي بن الشيخ الحاج مالك
يوصي بها أخاه الشيخ عبد العزيز سي الدباغ )رضي الله عنهما(
عبــد العزيــز أعرنــي القلــب أوصيــكا وصيــة عنــك تشــفي كل مــا فيــكا
فــي الزمــان الــذي عــم الفســاد بــه ول تــرى أحــدا فيــه يصافيــكا
فغــض طرفــك ل تفحــص أخــي أبــدا ول تكونــن تعــادي مــن يعاديــكا
ل ترفعــن خطــوة إل وترفعهــا إلــى الــذي كان عنــه البــر يجزيــكا
للمــرء ل شــك أخــاق تــدل بــه عــن الســؤال فأحســن مــن معانيــكا
وحيــث كنــت فقــرب للجنــاب أخــا يحــض فــي اللــه أوقاتــا يواســيكا
يحتــاج كل جليــس مــن مجانســة مــن المجالــس فاختــر مــن يؤاخيــكا
تخالـف الجنـس حـال قـد يضـر أخـي وعـاص مـن بحظـوظ النفـس يرديـكا
إذا هممــت بأمــر فاستشــر نبهــا يخشــى اللــه لعــل اللــه يهديــكا
ومــن أســاء فســامحه وصــل أبــدا مــن قاطــع هاتــك بالقــذف يرميــكا
وســو أهــل الغنــى والفقــر فيــك ومــن أتــى يــذم ومــن قــد كان يطريــكا
والصبـر والعفـو والحسـان مـن شـيم ترضــي اللــه وللخيــرات تغريــكا
ول تــزك بدعــوى النفــس معتقــدا فضـا علـى الغيـر فاحـذر مـن أمانيـكا
12
N° AL FATHI.indd 12 23/11/2017 06:38
فالصــدق أن تدعــي حــال يصدقــه لســان حالــك حقــا مــن دعاويــكا
تخــاف مكــر اللــه الدهــر معتكفــا تحــت المشــيئة ل تختــر فيهويــكا
وذو العمـى ل يقـود النفـس خـل علـى تدبيــر نفســك مــن يــدري مغازيــكا
أمــن مــن المكــر ل تأمــن مراقيــكا ّ كــم مــن جبــال كبــار حــط منصبهــم
ول تلــن جانبــا منــه فيلهيــكا ّ واطــرد وكــذب لــواش وابغضــن بــه
أهــل الزمــان جواســيس العيــوب فــا تأمــن علــى أحــد فيمــا يداريــكا
فاحــذر وحــذر برفــق مــن غوائلــه فاللــه مــن كان ذا رفــق يعافيــكا
إن الكريــم الــذي يحمــي مآثــره ول تجــازي مســيئا كان يقذيــكا
كــن للعظيــم الــذي والك محترمــا فللعظيــم علــى فــي الخــق يعليــكا
واحـذر شـياطين إنـس واخـش حزبهـم كــم أوغلــوك بمكــر فــي مراقيــكا
ل تأمنــن إذا مــا هــم قــد احتشــدوا أن يرفعــوك بوجــه كان يرضيــكا
تــأن ل تــك مــن أقوالهــم أبــدا مســتعجا عــن جنــاب اللــه وافيــكا
كـم منهـم ابتـاع دنيـا الشـيخ مـن طمع بدينهــم بيــس مــن باللــه يخزيــكا
ومــن رضــاه بســخط الــرب منهمــكا وأحدثــوا بدعــا منهــم تنافيــكا
خافــوك فــي اللــه توقيــرا بحرمتكــم ومــا رعــوا حــق باريهــم وباريــكا
علــى أمانــات مــولك ائتمــن أبــدا منهــم صفيــا يصافــي مــن يصافيــكا
والظلـم والفـك أقصـى قربهـم ولهـم مــن بالنميمــة يســعى بيــن ناديــكا
وأنـت يـا نـدب مسـئول بمـا اجترحـوا وهـم علـى العكـس فيمـا كان يعنيـكا
هــم الرعيــة يــا راعــي فيســأل عــن تلــك الرقيــب فــا تخفــى خوافيــكا
مـا العيـش فاربأ على الدنيا سـوى كدر ول بهــا لــذة فــي الحــال تجديــكا
ل تتعــب النفــس فيمــا لســت تدركــه ّ مــا دامــت النفــس ل تقبــل ترجيــكا
لقــد خلقنــا أخــي النســان فــي كبــد تســلية مــن كام اللــه تكفيــكا
وانهــض إليــه بقلــب ليــس يشــغله عــن العوائــق شــيء جــل هاديــكا
فــا يزيــدك إقبــال الــورى شــرفا عنــد الكريــم ول الدبــار يقصيــكا
هــذه النصيحــة خذهــا يــا أخــي ثقــة ل زال يــكلك المولــى ويعليــكا
يـا رب صـل علـى المختـار مـن مضـر والل والصحــب مــا دامــت أياديــكا
13
N° AL FATHI.indd 13 23/11/2017 06:38
مــا بيــن دقــات القلــب ونبضاتــه، وخلجــات
النفــس وإشــراقات الــروح، ونظــرات العيــن وهمســات
الذن، يجـد النسـان نفسـه، تـارة أمـام رمـوز وإشـارات
ودللت، يحــاول أن يصــوغ منهــا مــا يعبــر بــه، عمــا
يكــن فــي قلبــه، ويختلــج فــي نفســه، مــن المشــاعر
والحاســيس، التــي ل يســتطيع مهمــا أوتــي مــن قــوة
البيــان وفصاحــة اللســان وفصــل الخطــاب.
وذلـك، فعـا مـا عرانـي وأنـا أقـف موقـف مـن يريد
اسـتعراض مشـوار حيـاة أحـد جهابـذة المـة السـامية
وأعامهـا البارزيـن، وأعنـي بـه مولنـا الطـود الشـامخ ،
والعلـم الراسـخ عمـاد المـة وصخرتهـا الراسـية ؛ الشـيخ
عبــد العزيــز ســي الميــن؛ الخليفــة العــام للطريقــة
التجانيـة رضـي اللـه عنـه وأرضـاه وعنـا بـه آميـن.
وهــل مــن الممكــن أن يقبــر جهبــذ، وشــخصية
متكاملــة، وعيلــم ترعــرع فــي كنــف وحضــن والــده؛
العــارف باللــه مولنــا الشــيخ أبــي بكــر الصديــق رضــي
اللـه عنـه، الـذي لمـس فيـه منـذ نعومـة أظفـاره، مامـح
النباهـة والصـدق والمانـة والبراعـة، فقربـه إلـى نفسـه،
وجعلــه أميــن ســره، وعضــده اليمــن، الــذي شــهد لــه
الجميـع بعلـو المقـام وعـزة النفـس، وانشـراح الصـدر،
والتفانــي فــي نشــر رســالة الســام، ديــن الســماحة
والوســطية والعــدل، والدعــوة إلــى اللــه بالحكمــة
والموعظــة الحســنة والجــدال القائــم، علــى أســس
ودعائــم الحــوار الجــاد المقنــع، والهــادف إلــى ترســيخ
مبــادئ الســلم الجتماعــي والوحــدة الوطنيــة والمــن
العــام لكافــة الطبقــات الجتماعيــة.
إنــه الجهبــذ، الــذي لــم يــأل جهــدا فــي الدعــوة
دائمــا إلــى مجــاوزة الخافــات الهامشــية والفــوارق
الطبقيـة السـائدة فـي نفـوس النـاس، وتكويـن اتحـادات
وجمعيــات إســامية ذوات نشــاطات متعــددة فــي
محاربــة الجهــل والميــة ومحاربــة الفسـاد والســتبداد،
انســجاما مــع كل مــا تدعــو إليــه مهمــة تغييــر المســار
التاريخــي المنحــرف نحــو غــد مشــرق أفضــل.
ول شــك، أن التاريــخ يســجل لــه فــي أنصــع
صفحاتــه مواقفــه البطوليــة فــي فجــر اســتقال بــاده،
كشــهم مغــوار مكافــح خــاض كل المعــارك الحيويــة
لفائــدة الشــعب الســنغالي الباســل.
الشــيء الــذي جعــل منــه الناطــق الرســمي باســم
جمعيــات ومراكــز وحــركات الدعــوة الســامية علــى
اختــاف فروعهــا ومؤسســاتها الدينيــة والجتماعيــة
والثقافيــة والعلميــة، التــي لعبــت أدوارا بــارزة فــي بنــاء
دعائــم الدولــة وهياكلهــا وقياداتهــا.
فكيـف يتسـنى ذلـك؟ وهـو صاحـب الدوار البـارزة
والمشـاركات الرائـدة فـي كل منحـى مـن مناحـي الحيـاة
الخاصــة والعامــة، الــذي فطرهــل اللــه ســبحانه وتعالــى
علـى حـب الخيـر والفـداء، والبـذل والعطـاء، والجهـاد
المسـتمر المتواصـل، فـي سـبيل تقـدم وطنـه المحبـوب،
ودفــع عجلــة التنميــة الشــاملة، إن فــي مجــال التعليــم
والتربيــة الوطنيــة أو فــي مجــال ترســيخ القيــم الروحيــة
والفضائـل النسـانية فـي نفـوس الناشـئة.
فقيمــة كل امــرئ، تقــدر علــى قــدر مــا يقدمــه فــي
نفـع الغيـر، مـن العمـل المجـرد والحسـان إلـى النـاس،
مهمـا كلفـه ذلـك مـن ثمـن.
وهــذا مــا فهمــه فقيدنــا الغالــي، الــذي ظــل طــول
حياتـه يعطـى، ول يأخـذ، يسـهم بجسـده وروحـه وقلبـه
وقالبــه، فيمــا ينفــع النســانية ويرفــع مقامهــا ويجمــع
ول يفــرق، ويتغنــى بأهازيــج اليمــان باللــه عــز وجــل،
وإخـاص العبوديـة والـولء للـه رب العالميـن، وأهازيـج
للحبيــب المصطفــى صلــى اللــه عليــه وســلم، وترديــد
الـولء للجنـاب الحمـدي التجانـي الفاطمـي السـامي،
وجميـع خلفائـه الكـرام البـرار، الذيـن واصلـوا المسـيرة
المظفـرة، لحـل بعـض مـن معـادلت الحيـاة النسـانية
المعقــدة وأســرارها المجهولــة.
وكان مـن جملـة معاونيـه فـي تلـك الحقبـة الزمنيـة،
الذيــن وقفــوا بجانبــه لمؤازرتــه الســادة الكــرام؛ الحــاج
بقلم/ الشيخ مود مالك عبد العزيز الدباغ سي
14
N° AL FATHI.indd 14 23/11/2017 06:38
محمــد المختــار جينــغ المــام، والســيد الشــيخ محمــد
البشـير لـي نجـل الشـيخ ابـن العربـي لـي، وغيرهمـا مـن
الســاتذة الذيــن تركــوا بصمــات واضحــة، فــي ســاحة
الدعـوة السـامية وخصوصـا فـي تلـك الفتـرة الصعبـة
مــن تاريــخ بادنــا المجيــد، حيــث كانــت مخلفــات
الســتعمار الفرنســي الغاشــم مرتســمة فــي كل خليــة
ونسـيج ، مـن خايـا وأنسـجة الدولـة الفتيـة التـي عانـت
مــا عانــت مــن الضمــور والجمــود والتخلــف الفكــري،
الــذي شــمل البنــى التحتيــة والفوقيــة.
نعــم كان فقيدنــا الغالــي الصخــرة الراســية،
والمناضـل الوفـي، الـذي عايـش هـذه الحـداث برزانـة
عقلــه، وخبرتــه الواســعة وحنكتــه الفائقــة، ودرايتــه
ومقدرتــه فــي مواجهــة التحديــات التــي كانــت، ومــا
زالــت تعتــرض مســيرة الدعــوة الســامية فــي كافــة
الوســاط والمناطــق المختلفــة.
ولقـد لمسـنا فـي شـخصه الكريـم الـورع والعفـاف،
وغنـى النفـس وعلـو الهمـة واليمـان الفـولذي، والرزانة
والسـتماتة فـي الدفـاع عـن الثوابـت الدينيـة والعقديـة
والخلقيــة والفكريــة، وترســيخها فــي نفــوس النــاس
وصقـل عقـول الناشـئة وتنويرهـا ودحـض كل الشـبهات
الباطلـة المشـارة حـول التشـريع السـامي ، والتصـوف
السـني الصحيـح.
نعـم لمسـنا فيـه السـخاء، وكـرم النفـس والمبالغـة
فــي إكــرام الذيــن يشــدون الرحــال إلــى بابــه الواســع
المفتــوح، للقريــب والغريــب، ومســح دمــوع البائســين
والصبــر علــى أذاهــم، والغضــاء عــن هفواتهــم.
لمســنا فيــه شــفافية الــروح، وحــب أهلــه وذويــه
وإخوتـه، والسـهر التـام علـى مراعـاة حقوقهـم، وإدخـال
الســرور فــي قلوبهــم، وحثهــم علــى التمســك بتــراث
ســلفنا الصالــح رضــوان اللــه عليهــم أجمعيــن.
لمســنا فيــه قــوة التحمــل والصبــر والعزيمــة،
والثبابــت علــى الحــق والســتقامة.
وباختصــار، يمكــن القــول بــأن المنزلــة الرفيعــة
والمكانــة الســامية التــي حظــي بهــا فــي قلــوب النــاس
داخـل البـاد وخارجهـا كانـت نتيجـة شـمائله وخصالـه
الفريــدة، التــي كانــت تظهــر فــي كل تصرفــات مــن
تصرفاتـه، وفـي كل خطـوة مـن خطـوات حياتـه المباركـة
الحافلــة بالمجــاد والنجــازات فــي كافــة المياديــن.
وأذكــر علــى ســبيل ل الحصــر، المجهــودات
المبذولــة فــي ســبيل تكويــن وتأطيــر وتوعيــة الشــباب،
مــا نتــج عنــه مــن إنشــاء معهــد إســامي للدراســة
الســامية بمدينــة تــواوون المحروســة، ويحمــل اســم
جدنـا المجاهـد مولنـا الشـيخ الحـاج مالـك سـي رضـي
اللــه عنــه.
وأمــا نشــاطاته العلميــة، والثقافيــة والجتماعيــة،
فقــد جــازوت حــدود البــاد، حيــث لــه عاقــات،
وروابــط وثيقــة مــع كثيــر مــن العطــاءات العلميــة
والكاديميــات المختلفــة، فــي كثيــر مــن بلــدان العالــم
العربــي والســامي.
فكـم شـارك فـي فعاليـات المؤتمـرات، والنـدوات
واللقــاءات، المنعقــدة فــي الخــارج، إن فــي المملكــة
العربيـة السـعودية، حيـث عمـل عضـوا نشـطا فـي رابطـة
العالـم السـامي فـي مكـة المكرمـة، كمـا كان عضـوا في
جمعيـة الدعـوة السـامية بالجمهوريـة العربيـة الليبيـة،
وعضـوا بـارزا فـي مؤسسـة علمـاء المغـرب والسـنغال،
ومشــاركا فــي كافــة النــدوات والمحاضــرات الصوفيــة،
التـي احتضنتهـا المملكـة المغربيـة الشـقيقة.
كانــت عاقاتــه بجميــع المرجعيــات الروحيــة
والقيــادات الدينيــة داخــل البــاد وخارجهــا متميــزة،
لمــا كان يتمتــع بــه مــن الكفــاءات العلميــة والثقافيــة،
والسـتيعاب التـي لجميـع القضايـا السـاخنة والتيـارات
الفكريــة التــي يعيشــها العالــم العربــي والســامي،
والمجتمــع الدولــي بصفــة عامــة.
ولـم يكـن ليداهـن أو يـراوغ مـع النتهازييـن، الذيـن
يعيشــون فــي عالــم تــداس فيــه العقائــد والمقدســات،
عالــم يطغــى فيــه التحكــم والتســلط علــى أهــل الحــق
العارفيــن باللــه، بــل كان البطــل الباســل، الــذي يوقــف
بجــرأة جمــوح كل مــن طغــى وتجبــر، وعــا وتمــرد.
جــزاه اللــه عنــا وعــن الســام والمســلمين خيــرا،
وقــدس ســره، وأســكنه فســيح جناتــه، مــع الذيــن أنعــم
اللــه عليهــم مــن النبيئيــن والصديقيــن والشــهداء ،
وحســن أولئــك رفيقــا بجــوار الحبيــب المصطفــى،
صلــى اللــه عليــه وســلم.
وختامــا أســرد هــذه البيــات الشــعرية التــي قيلــت
فــي مناســبة كهــذه :
سـألت النـدى والجود ما لـي أراكما
تبدلتمــا عــزا بــذل مؤبــد
ومـا بـال ركـن المجـد أمسـى مهدما
فقــال أصبنــا بابــن يحيــى محمــد
فقلــت فهــا متتمــا بعــد موتــه
وقــد كنتمــا عبديــه فــي كل مشــهد
فقــال أقمنــا كــي نعــزي بفقــده
مســافة يــوم ثــم نتلــوه فــي غــد
15
N° AL FATHI.indd 15 23/11/2017 06:38
ّ كان خبــر وفــاة الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن،
ّ الخليفـة العـام للط ّ ريقـة التيجانيـة ليلـة الجمعـة الفاتـح
مــن المحــرم 1439 ً فاجعــة كبــرى هــزت البــاد مــن
أقصاهــا إلــى أدناهــا بمختلــف مســتوياتها وأطيافهــا
وشــرائحها، وقــد كان الشــيخ الراحــل معلمــة دينيــة
وموجهــا اجتماعيــا ومربيــا للجيــال الصاعــدة، كان
ذا وعــي للواقــع ودرايــة للديــن، فحياتــه بعبــارة أخــرى
كانـت ترجمـة لمقتضيـات قولـه تعالـى )فلـول نفـر مـن
كل فرقــة منهــم طائفــة ليتفقهــوا فــي الديــن ولينــذروا
قومهــم إذا رجعــوا إليهــم لعلهــم يحــذرون(.
فالشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن عنــد الحديــث
عنــه ل يــكاد المــرء يعــرف مــن أيــن يبــدأ وإلــى أيــن
ينتهـي ومـاذا يقـول عنـه؟ ومـاذا يتـرك منـه؟، فهـو محيط
يصعـب وصفـه وكل يصعـب تجزئتـه، غيـر أننـا فـي هذه
الســطور نــود أن نشــير إلــى بعــض إنجازاتــه فــي إنشــاء
وترســيخ دعائــم المنظمــات الســامية، والجمعيــات
والمراكــز التربويــة والتعليميــة، فلــه بصمــات راســخة
ودور فعـال فـي إنشـاء وتنشـيط العديـد مـن المنظمـات
والهيئـات والتجمعـات السـامية والتربويـة والتعليميـة
فــي الســنغال منــذ فتــرة مــا قبــل اســتقال البــاد ومــا
رافـق تلـك الفتـرة مـن حـركات شـبابية تدعو لاسـتقال
وحريـة الرادة والقـرار فـي مختلـف الـدول المسـتعمرة
من قبل فرنسا.
فـكان المطلـب الساسـي والشـعار المرفـوع علـى
سِــر ْيو (،
َ ْ
ُــوم
أرض المنطقــة هــو )ملكيــة البــاد ( )م
ّ وقـد بلغـت هـذه المطالـب أوجهـا خـال فتـرة مـا بيـن
الربعينـات إلـى أواخـر الخمسـينات وفـي الوقـت نفسـه
كان المشــايخ فــي مختلــف البيوتــات الدينيــة يــؤدون
دورا مهمــا فــي نشــر التعليــم الدينــي فــي المحاضــر
العلميــة والزوايــا الصوفيــة، تلــك الزوايــا التــي ظلــت
تتعـرض لتهامـات بأنهـا أجهـزة لسـتغال المواطنيـن،
وعلــى هــذه الوتيــرة مــن الهجــوم و الدفــاع والخــذ
والــرد، ولــدت جمعيــات بعضهــا تهاجــم الصوفيــة
وبعضهــا تدافــع عنهــا وكان الصــراع بيــن التشــكيلتين
مريـرا جـدا فتـرة مـا بيـن 1953 إلـى 1958 ثـم بـدأت
بــادرة التقــارب والتفاهــم تلــوح فــي الوســاط فكونــت
لجنــة التنســيق للجمعيــات الثقافيــة الســامية وكان
للشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن، نصيــب الســد فــي
نشـأة هـذه الجمعيـة والتـي كانـت تسـمى لجنـة التنسـيق
للجمعيـات الثقافيـة والسـامية فـي تيـاس ثـم تحولـت
مــع اليــام إلــى لجنــة التنســيق للجمعيــات الســامية
فــي الســنغال وفــي هــذه الفتــرة ولــدت أولــى جمعيــة
إسـامية فـي السـنغال وهـي التحـاد الثقافـي السـامي
الـذي أسـس يـوم الثانـي عشـر مـن أكتوبـر عـام 1953 و
كان أول رئيـس لهـا الشـيخ صالـح كانجـي و لـم يمكـث
طويـا علـى رأس الجمعيـة حيـث خلفـه السـتاذ شـيخ
تــوري، و قــد شــهدت هــذه الفتــرة حالــة تــأزم شــديد
16
بقلم /الستاذ مصطفى سي مدير
N° AL FATHI.indd 16 23/11/2017 06:38
بيـن أنصـار البيوتـات الدينيـة وأولئـك الذيـن رجعـوا مـن
بعــض الــدول العربيــة وبالخــص تلــك التــي تعــارض
التصــوف، فقــام شــباب البيوتــات الدينيــة، فأسســوا
جمعيـات ثقافيـة إسـامية لظهـار مـا ورثـوه مـن آبائهـم
وأجدادهــم مــن التعاليــم الســامية الصحيحــة المبنيــة
علـى أسـاس القـرآن والسـنة. فـي هـذه الونـة تكونـت:
1 / هيئــة مدرســي اللغــة العربيــة برئاســة الحــاج
مصطفــى سيســى وعمــر جــاه فــي عــام .1955
2 / الجمعيــة الثقافيــة الســامية بإيحــاء الســيد
الشــيخ أحمــد التجانــي ســي فــي تــواون عــام 1957
برئاســة الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن.
3 / وتتابعــت الجمعيــات، فــي جوربــل، التحــاد
التقدمــي الســامي فــي جوربــل.
4 / جمعية أنصار الدين في كولك.
5 / جمعيـة التعاضـد السـامي – فـي دكار – )فـي
دار المـام الكبر(.
لمــا وصــل عــدد الجمعيــات إلــى 14 جمعيــة،
بــرزت فكــرة توحيــد الصفــوف، بعــد محــاولت كثيــرة
للتقـارب المفاهيـم والفـكار، نظـرا لن هدفهـم جميعـا
واحــد، وهــو نشــر الســام علــى أصــح الوجــه فــي
البــاد.
وفــي فتــرة مــا قبــل الســتقال، لمــا لحظــت
السـلطات الفرنسـية أن شـوكة الشـريحة المثقفة بالعربية
بـدأت تقـوى يومـا فيومـا ، بسـبب مـا تنتجـه الزعامـات
الدينيـة ل سـيما الزوايـا الساسـية مثـل تـواون، وطوبـى
ُُط ٍ ــر مثقفــة
)جوربيــل( وكاولخ ولييــن ودكار ، مــن ا
، توجســت الســلطات، وخافــت، وانزعجــت مــن هــذا
التيــار العلمــي الناشــئ، فوضعــت عقبــات وشــروطا
تعجيزيـة أمـام التعليـم العربـي السـامي فـي البـاد، و
مـن ذلك منع اسـتخدام السـبورة والطاولـة والمقاعد عند
تعليـم الولد ، وكذلـك منـع تعليـم مـادة اللغـة العربيـة
عنــد مزاولــة التعليــم الدينــي، غيــر أن هــذا القــرار كان
مرفوضـا بحروفـه ، وكلماتـه، وجملـه، لـدى معلمي اللغة
العربيـة، والسـواد العظـم مـن أتبـاع البيوتـات الدينيـة،
فلجــأ الســتعمار إلــى اســتدعاء واســتجواب رؤســاء
الجمعيــات الرافضــة لهــذا التخطيــط الســتعماري،
وعلــى مقدمتهــم الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن،
والشــيخ مصطفــى سيســي، والشــيخ الحــاج عمــر جــا،
وكانــوا يقضــون ســاعات بــل يومــا بأكملــه أمــام مقــر
الشـرطة المركزيـة ليـردوا علـى أسـئلة مـا المسـؤول عنهـا
بأعلـم مـن السـائل: لمـاذا التعليـم العربـي فـي السـنغال
والبلــد غيــر عربــي ؟ أيــن أخذتــم البرامــج والمناهــج
التعليميــة؟ مــا صلتكــم بالخــارج؟ مــا مصيــر الطــاب
بعــد تخرجهــم؟ ومــن جــراء ذلــك تــم قفــل عــدد مــن
المـدارس، هنالـك قـام الشـيخ عبـد العزيـز سـي الميـن
ومــن معــه، بجولــة تنويريــة لــدى الزعامــات الدينيــة
لتبيــان مخاطــر هــذه المســاعي الســتعمارية.
و فـي عـام 1963 ، قـام الطـاب السـنغاليون فـي
المغــرب باعتصــام رافقتــه أعمــال شــغب فــي ســفارة
الســنغال بالمملكــة المغربيــة حيــث بــددوا وكســروا
وخربـوا السـفارة، فتدخلـت السـلطات المنيـة وألقـت
القبــض عليهــم ثــم رحلتهــم إلــى الســنغال و كان
عددهــم ســتة و ســبعين طالبــا )76(، وفــور الوصــول
إلــى المطــار حيــث اســتقبلهم الشــيخ عبــد العزيــز ســي
والشــيخ مصطفــي سيســي، تــم ترحيلهــم فــورا إلــى
معتقـل )الشـرطة المركزيـة( بـدكار، ثـم إلـى المحكمـة،
ثــم إلــى الســجن ثــم إلــى القصــر الجمهــوري لمقابلــة
الرئيـس سـنغور بطلـب ومبـادرة مـن الشـيخ عبـد العزيـز
ســي الميــن ومــن بيــن الطــاب الذيــن حضــروا فــي
هـذه المقابلـة الشـيخ مرشـد أحمـد عيـان تيـام الرئيـس
الحالـي للمجلـس السـامي العلـى بالسـنغال، هنالـك
قـام الشـيخ عبـد العزيـز سـي الميـن بمسـاع جـادة حيث
أظمـأ نهـاره وأسـهر ليلـه، هـو ومـن معـه فـي ذلـك، وقـد
نتــج مــن هــذه المقابلــة التاريخيــة مــا يلــي :
أن هــؤلء الطــاب مــن الزعامــات الدينيــة وأن
حبســهم يعنــي حبــس أولئــك المشــايخ أنفســهم
صــدور قــرار لتكويــن لجنــة تعتنــي بمنــح طــاب
اللغــة العربيــة،
إرجــاع الطلبــة إلــى المغــرب فــورا، مــع تعويضهــم
لمــا فــات مــن المنــح الماليــة،
وكان رئيس الجمهوري لووپول سـدار سـنغور ينظر
بعيــن الســوء إلــى الطــاب الســنغاليين الدارســين فــي
مصـر نسـبة لخوفـه مـن أفـكار الرئيـس المصـري آنـذاك
جمــال عبــد الناصــر، وبإيضاحــات الشــيخ عبــد العزيــز
ســي الميــن تبيــن للرئيــس ســنغور أن تخوفاتــه مجــرد
أوهـام وأن هـؤلء الطـاب ل يمكـن أن يرجعـوا بأفـكار
هدامـة، بـل إن مثلهـم كمثـل سـائر الطـاب فـي الـدول
الخـرى .وكان الطـاب السـنغاليون بالقاهـرة يراسـلون
الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن عــن طريــق رئيســهم
فـي مصـر آنـذاك وهـو المرحـوم حمـزة جـا، بحكـم كـون
الشــيخ عبــد العزيــز ســي زعيمــا دينيــا ورئيــس اتحــاد
الجمعيـات الثقافيـة السـامية حيـث كان يبلـغ مطالـب
الطلبــة إلــى الســلطات الســنغالية لتحلهــا وقــد كان
موفقـا فـي ذلـك ، كمـا أدى دور تقريـب المفاهيـم بيـن
الطرفيـن. ولمـا قامـت فكـرة إنشـاء اتحـاد عـام لطـاب
17
N° AL FATHI.indd 17 23/11/2017 06:38
السـنغاليين فـي العالـم العربـي، استحسـن الشـيخ عبـد
العزيــز هــذه الفكــرة ووقــف معهــم فــي تنفيذهــا كمــا
نصحهـم أن يراسـلوا رئيـس الجمهوريـة لسـماحهم بعقـد
هـذا المؤتمـر بـل أن يتحمـل تكاليفـه، غيـر أن سـنغور
أول المــر؛ كان قــد رفــض هــذا الطلــب برمتــه فاعتبــر
أنـه خطـر علـى خطـر وأن ذلـك قـد يـؤدي إلـى أعمـال
شـغب ضـد الحكومـة ، فقـام الشـيخ عبـد العزيـز سـي
بالوسـاطة إلـى أن قبـل الرئيـس انعقـاد المؤتمـر بشـرط
أن يكـون الشـيخ عبـد العزيـز سـي ومـن معـه مسـؤولين
عـن كل مـا قـد يحـدث قبـل خـال أو بعـد المؤتمـر مـن
أعمــال شــغب، وفعــا انعقــد هــذا المؤتمــر التاريخــي
بـدكار ،27/05/1963 وهكـذا ظـل الشـيخ مشـمرا عـن
ســاعد الجــد، مــن أجــل الدفــاع عــن التعليــم الدينــي
العربــي فــي الســنغال، ومــا أكثــر المــرات التــي قابــل
فيهـا الشـيخ عبـد العزيـز سـي والشـيخ مصطفـى سيسـي
رئيـس الجمهوريـة بهـذا الخصـوص، وأنـا شـاهد عيـان
فـي هـذه اللقـاءات.
وللشــيخ عبــد العزيــز ســي مســاع مقــدرة، فــي
تمكيـن دعائـم التعليـم العربـي والدينـي فـي المـدارس
العموميـة، حيـث سـاند الحـركات النقابيـة الناشـطة فـي
هـذا المجـال، وبحكمـي الكاتـب الداري لنقابـة معلمـي
اللغـة العربيـة لمـدة عشـرين سـنة فقـد كنـا ناقـي عـدة
عراقيــل وعقبــات وكان الشــيخ عبــد العزيــز ســي يــد
عـون ووجـاء ل غنـى عنـه، وقـد ظـل الشـيخ عبـد العزيـز
سـي يطمئـن السـلطات تجـاه التعليـم العربـي السـامي
داخــل وخــارج البــاد ، وقــد أنتجــت هــذه المســاعي
ورد نتائــج كثيــرة لصالــح التعليــم العربــي
ٍ بعــد أخــذ ّ
الســامي، حيــث تــم ابتعــاث عــدد مــن الطــاب إلــى
المغــرب، وتونــس، والجزائــر، ومصــر، والســعودية.
وكثيــر منهــم لمــا رجعــوا أصبحــوا موظفيــن فــي
الوظائــف العموميــة؛ بعضهــم ســفراء لــدى البلــدان
العربيـة مثـل الشـيخ مصطفـى سيسـى، والشـيخ صالـح
امبكــي، والشــيخ بوبكــر ســي، والشــيخ أحمــد عيــان
تيـام، عمـل فـي عـدة سـفارات والسـتاذ إسـماعيل ديـم
والسلســلة أطــول مــن هــذه المقالــة. وبعضهــم أســاتذة
مثـل: السـتاذ حمـزة جـاه، سـاجو سيسـى، عبـد اللـه باه،
د. تيرنـو كاه الحبيـب، د. خـادم امبكـي؛ بابكـر صمـب،
عددهــم يعجــز القلــم. وعلــى المســتوى الســري كان
الشــيخ عبــد العزيــز ســي منــذ قبــل وفــاة والــده اليــد
المحركــة للدوائــر التيجانيــة مثــل دائــرة الكــرام، فــكان
يحضـر الحتفـالت ويـزور ويسـتقبل وينصـح ويوجـه.
ولــه بصمــات كذلــك فــي مجــال العــام، حيــث
كان المشــرف علــى جريــدة الفريقيــة المســلمة، التــي
كانــت تصــدر باللغــة العربيــة، ثــم بالعربيــة والفرنســية
مؤخــرا، وقنــاة بيــان إف إم فــي مدينــة تــواوون كانــت
بمبادرتـه وتحـت إشـرافه، كمـا أن لـه مسـاع جبـارة فـي
جمـع ونشـر وتوزيـع مـا تذخـر بـه الحضـرة المالكيـة من
عطـاء علمـي، فقـد جمـع ذلـك علـى شـكل موسـوعة،
ومــن آخــر مــا أصــدره الشــيخ عبــد العزيــز مــن العطــاء
العلمــي كتابــه )الفيــاض ّ (، كمــا خلــف مــا ينيــف علــى
مائـة محاضـرات، ومخطوطـات قـد تبـرز، وتنشـر لحقـا
إن شــاء اللــه بــإذن زعمــاء الســرة.
ُ وحســب الشــيخ عبــد العزيــز ســي إنجــازا الــدور
الريــادي الــذي أداه فــي اتحــاد الجمعيــات الســامية
فـي السـنغال مـن النشـأة عـام 1962 إلـى حيـن ارتحالـه
إلـى الرفيـق العلـى، ويعتبـر هـذا التحـاد أحـد دعائـم
التعليــم العربــي الســامي فــي الســنغال فتــرة مــا بعــد
اســتقال البــاد. ويتكــون مــن عشــرات الجمعيــات
التــي تنشــط فــي مجــال التربيــة والتعليــم أو الدعــوة
عمومــا. وقــد كان التحــاد مستشــار الدولــة فــي أمــور
البــاد وفــي مجــال التعليــم، وكل مــا يخــص الســام
ولغتــه، ولقــد ظــل التحــاد تحــت القيــادة الحكيمــة
للشــيخ عبــد العزيــز ســي، يــؤدي دورا توعويــا واســع
النطــاق فــي البــاد، و يرجــع فضــل ميــاد العديــد مــن
المؤسسـات التربويـة التعليميـة إلـى مسـاعي الشـيخ عبـد
العزيـز سـي، حيـث قـام موفقـا بتزكيـة منشـئيها برسـائل
إلــى جهــات التمويــل ومــا شــاكل ذلــك؛ مثــل مــدارس
الزهــر للشــيخ مرتضــى امبكــي، والحنفيــة فــي لوغــا
للشــيخ عبــاس صــال، ومنــار الهــدى للشــيخ الســتاذ
أحمــد لــو فــي لوغــا كذلــك. والجامعــة الســامية فــي
مدينـة پـر حيـث صـدر القتـراح منـي فـي مؤتمـر دولـي
انعقــد فــي مدينــة قبــرص حيــث نلــت شــرف تمثيــل
الشــيخ عبــد العزيــز فيــه، ثــم طلــب الشــيخ الحــاج
مصطفــى سيســي أن يكــون مقــر هــذه الجامعــة مدينــة
پـر وعلـى الصعيـد العلمـي كان التحـاد ينظـم حلقـات
التفسـير خـال شـهر رمضـان المبـارك، ففـي دكار كان
يقودهـا الحـاج مختـار جنـغ، وفـي رفسـك الحـاج عمـر
جـا، وفـي پكيـن الحـاج عمـر سـي، وفـي تيـاس الحـاج
انچــاس امپــي، والحــاج خليفــة كبــي، والحــاج حســين
جيتـي والحـاج امبـر كبـي وغيرهـم ، وفـي تـواون الحـاج
منصــور جــوف، ثــم الســتاذ حســين جيــن والشــيخ
أحمــد تجــان واد حاليــا، وفــي مخــي الســتاذ جانــج،
وفــي لوغــا الحــاج محمــد مجيــب جــوب، والمــام
صالــح ديــم حاليــا و فــي ســانت لــوي الحــاج عمــر
جالــو والشــيخ أحمــد تجــان جالــو حاليــا، وفــي داغانــا
كان ممثـل التحـاد سـعيد جـاك، الـذي هـو بـدوره كان
ُيعيــن القائميــن بهــذه المهمــة، وفــي زغينشــور المــام
18
N° AL FATHI.indd 18 23/11/2017 06:38
علــي حيــدر، والمــام الحــاج صمــب انجــاي، و فــي
جربيـل فـي منـزل الحـاج الشـيخ كانجـي كانـت تتـم هذه
النشــطة، و فــي لنغيــر المــام عبــد العزيــز لكــور، كمــا
كان لاتحـاد برنامـج إذاعـي فـي الذاعـة الوطنيـة وهـو
)صـوت السـام ( وكان مـن مقدميـه الحـاج مصطفـى
غــي والحــاج أحمــد ســانخي والحــاج عثمــان صــار.
وكان التحــاد ينظــم عــدة محاضــرات فــي مختلــف
ربــوع البــاد، بجانــب نــدوات دوليــة مثــل تلــك التــي
كانــت بعنــوان الســام والزنوجــة عــام 1972 وأخــرى
عـام 1985 بعنـوان )السـام والتحديـات المعاصـرة(،
وكان يتــم ذلــك بحضــور جمــوع ووفــود مــن مختلــف
العالــم وكان يشــارك فيهــا جهابــذة، وأعــام، أمثــال
الشــيخ أحمــد التيجانــي ســي. وقــد انفتحــت أبــواب
المدرسـة العليـا لـإدارة أمـام الدارسـين بالعربيـة بفضـل
مســاعي التحــاد وبقيــادة الشــيخ عبــد العزيــز ســي،
كمــا نتــج مــن هــذه المســاعي المهمــة انفتــاح فــرص
النخـراط فـي الوظائـف العموميـة بالنسـبة للمسـتعربين،
والمشــاركة ضمــن أعضــاء بعثــات الحــج، والشــراف
عليهــا.
ونرجــع إلــى الــوراء قليــا ونقــول: بعــد ميــاد
التحــاد يــوم 2 أكتوبــر 1962 ، بعضويــة 14 جمعيــة؛
مـن بيـن الكيانـات الكثـر نشـاطا مثـل التحـاد الثقافـي
الســامي والجمعيــة الثقافيــة الســامية، وهيئــة
مدرسـي اللغـة العربيـة ، تـم تنظيـم أول امتحـان للشـهادة
البتدائيـة عـام 1966 وكان ذلـك تحـت ظـروف صعبـة
لن الحكومـة لـم تقـف معـه فـي تحصيـل المتطلبـات ،
وتذليـل العقبـات ، وقـد بـذل الشـيخ عبـد العزيـز سـي
كل غـال ونفيـس مـن أجـل الحصـول علـى الترخيـص
، فتحقــق لــه ذلــك فأصبــح التحــاد حــرا فــي تنظيــم
المتحانـات لطابـه، وقـد بلغـت جملـة الشـهادات التـي
حررهــا التحــاد فتــرة مــا بيــن 1983 و2017 قرابــة
44818 شــهادة ابتدائيــة و 20379 شــهادة إعداديــة
و5645 شـهادة ثانويـة وكان وزيـر التربيـة و التعليـم فـي
بدايـة هـذه التجربـة ،البرفسـور أحمـد مختـار امبـو. مـن
هنــا تطــرق التحــاد إلــى تقويــة دعائــم التعليــم العربــي
فوضـع مناهـج تعليميـة عصريـة، علـى مسـتوى مناهـج
الــدول العربيــة، وعلــى غــرار ســائر المــدارس الفرنســية
العموميـة فـي السـنغال، وبعـد عشـر سـنوات مـن انطاق
الشـهادة البتدائيـة، تمكـن التحـاد تحـت قيـادة الشـيخ
عبـد العزيـز سـي مـن تنظيـم الشـهادة العداديـة، وكان
ذلــك عــام ،1976 وبعــد عشــر ســنوات أخــرى نظــم
التحــاد وللمــرة الولــى عــام 1986 امتحــان الشــهادة
الثانويـة. وبشـهادات التحـاد كان العديـد مـن الطـاب
ينخرطــون فــي الوظائــف العموميــة فــي البــاد، أو
يجـدون منحـا لمواصلـة الدراسـة فـي الـدول العربيـة، بل
إن الشـهادة الثانويـة التـي أنشـأتها حكومـة الرئيـس مكـي
صــال كانــت بمســاندة مــن الشــيخ عبــد العزيــز ســي،
حيـث قـام بمراسـلة الرئيـس نيابـة عـن سـائر البيوتـات
الدينيـة، وكان ذلـك تحـت إشـراف لجنـة السـهر للتعليـم
العربــي الســامي والتــي مقرهــا فــي التحــاد بــدكار،
وكاتــب المقــال هــو رئيــس تلــك اللجنــة.
قــل ول تخــف، إن كل الحــركات والنشــطة
والمؤسســات الســامية الســوية داخــل البــاد للشــيخ
عبـد العزيـز سـي فيهـا بصمـات إيجابيـة ماديـا أو معنويـا
أو همــا معــا. وكان الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن
ُعضـوا فـي جميـع المنظمـات العالميـة السـامية مثـل:
/1 رابطة العالم السامي بمكة المكرمة.
2 / منظمة المؤتمر السامي بجدة.
3 / المجلــس العلــى للشــؤون الســامية بمصــر
القاهــرة.
4 / جمعيــة الدعــوة العالميــة الســامية بليبيــا فــي
طرابلــس.
َ وممــا ت ّ ــوَج مســاعي الشــيخ عبــد العزيــز ســي
الميـن، إنشـاءه معهـدا إسـاميا كبيـرا فـي مدينـة تـواون.
))معهــد الشــيخ الحــاج مالــك ســي للدراســات
الســامية والبحــوث العلميــة((
وشــرفني بتحميــل مســؤولية المديــر العــام لهــذا
المعهــد علــى كاهلــي.
ّ كمـا أنـه اتفـق مـع الدولـة علـى بنـاء معهـد شـامل
المرافــق فــي مدينــة تــواون، ويتولــى رئاســته الشــيخ
أبوبكــر ســي دبــاغ.
بنـاء علـى كل مـا رأينـا ومـا لـم نـر لضيـق الوراق،
فإنـه يسـتحق بتسـميته فقيـد البنـاء والتعميـر.
هــذا أيهــا القــارئ الكريــم قليــل مــن كثيــر يمكــن
قولـه عـن هـذا المنهـل المعطـاء الشـيخ عبـد العزيـز سـي
الميـن، عليـه رحمـة اللـه ورضـاه.
19
N° AL FATHI.indd 19 23/11/2017 06:38
عندمــا شــرعت فــي كتابــة هــذه الســطور، أصبــت
بنــوع مــن الرتبــاك لشــدة النفعــال الــذي غالبــا مــا
يجعــل حــدا لخصــب الخيــال وســهولة الــكام،
وبالرغـم مـن ذلـك، أمسـكت القلـم، فأخـذت أصابعـي
ترتعــش، ولكــن خيالــي كان يجــول ويصــول، فذكــرت
اللــه وســألت مــن نفســي: مــن أيــن أبــدأ شــهادتي هــذه
علــى الشــيخ الحبيــب / عبــد العزيــز الميــن؟ وهــل
بوســعي، يــا تــرى أمــام هــول المصــاب، أن أصــوغ فــي
قالــب لغــوي فصيــح، وبإخــاص تــام، مشــاعري التــي
تتزاحــم فــي صــدري وتندفــع أيمــا اندفــاع مثــل أمــواج
بحــر زاخــر.
ولــم ل وقــد باغتنــا وباغــت العالــم بأســره صــوت
الناعــي إذ نعــاك، يــا عبــد العزيــز الميــن، فاندهشــت
العقــول، وحزنــت القلــوب، واكتأبــت النفــوس،
وانهمـرت الدمـوع، ولكـن مشـيئة اللـه ل تقهـر، )لـكل
أجـل كتـاب(، هـذه سـنة اللـه فـي الكـون؛ حيـاة ومـوت،
أفــراح وأحــزان.
ودعتنـا، ولـم تجـف بعـد، دموعنـا لفقـدان أخويـك
ورفيقيــك فــي خدمــة الســام والمســلمين: الشــيخ
/ أحمــد التيجانــي ســي المكتــوم، والشــيخ مصطفــى
سيســي الســفير رحمــة اللــه الواســعة عليكــم جميعــا.
آه على الدنيا الغدارة!
أه على المنية العمياء إنها مسلك كل حي.
رحلـت عنـا، أيهـا الميـن، ونحـن فـي أمـس الحاجة
إليـك، لنـك كنـت وعـاء مسـتفيضا، ينهـل مـن معينـه
كل النـاس علـى اختـاف مشـاربهم ومسـاربهم، ل فـرق
بيـن زيـد وديـد، ول بيـن فـان وعـان.
غبـت عنـا فـي ظـروف تركـت فيهـا المـة السـامية
ثكلـى، ففـي بلـدك السـنغال -مثـا- كنـت أول صـوت
يســمع لجمــع الشــمل، ولــم الشــعث، وإصــاح ذات
البيــن، فكانــت حياتــك كلهــا عطــاء وتضحيــة، وكــدا
وعنـاء. لـم تلتـذ براحـة، ولـم تشـك قـط مـن نصـب!
ولذا فإنك لم تمت! ألم يقل أمير الشعراء
لـم يمـت مـن لـه أثـر
أدعــه غائبــا وإن
إنمـا الميت من مشـى
مـن إذا عـاش لـم يفـد
وحيــاة مــن الســير
بعــدت غايــة الســفر
ميــت الخيــر والخبــر
وإذا مــات لــم يضــر
إن من خيراتك ما يلي:
فــي المجــال الخارجــي، وبالخصــوص، عاقاتنــا
مـع العالـم السـامي والعربـي، وضعـت، أنـت وأخـوك
مصطفــى سيســي اللبنــات الولــى لعاقــات التعــاون
والتبــادل فــي جميــع المجــالت الدينيــة والثقافيــة
والقتصاديــة والسياســية.
رعيــت وراعيــت، وعــززت الروابــط التاريخيــة
والروحيــة التــي تربــط الســنغال بالمغــرب القصــى
والمشــرق العربــي.
ســعيت – دومــا- لتحقيــق الســام والوئــام
والتعايــش الســلمي بيــن الجنــاس. وكنــت فــي ذلــك
كلـه قـدوة ل يلمـس خلـل ول تناقـض ول تعاكـس بيـن
خطابـك وسـيرتك الذاتيـة ول بيـن نظرياتك وسـلوكك..
ول غــرو -إذن- فــي أن يلقبــك الشــعب بالميــن! إن
ذاتـي المتواضـع لشـاهد علـى مطابقـة السـم بالمسـمى.
فكــم حظيــت بالســفر معــك إلــى المملكــة العربيــة
السـعودية، والمغـرب وليبيـا، والجزائـر، وفـي كل رحلـة
مـن هـذه الرحـات تكتشـف جوانـب كامنـة لمانتكـم:
فــي المعاملــة، فــي الهــدوء، والرزانــة، ونكــران الــذات،
فــي علــو الهمــة والتواضــع والكــرم.
جــزاك اللــه خيــرا أيهــا الميــن، وجعلــك مــع
بقلــم الشــيخ/ إســماعيل ديــم/ المديــر القلمــي
لرابطــة العالــم الســامي بالســنغال
20
N° AL FATHI.indd 20 23/11/2017 06:38
عبد العزيز عظيم من عظماء التاريخ
غتنم خمسا قبل خمس، وعاش لخمس، وقاوم خمسا :
شــبابه قبــل هرمــه، وصحتــه قبــل ســقمه، وفراغه قبــل
شــغله، وغنــاه قبــل فقــره، وحياتــه قبــل موتــه.
وعــاش وصايــا والــده الخمــس: الديــن الطريقــة الحرفــة.
الدوائـر مدينـة تـواوون
قاوم الجهالة والبطالة، والخرافات والعصبية والانانية.
وقـد حقـق في كل مرحلـة مـن تلـك المراحـل الذكـر الجميـل
والثنـاء الجليـل، رحمـه اللـه تعـالى، وأسـكنه جنتـه»
•الشيخ المرب الحاج صمب جان رئيس جمعية التهذب
والإرشاد الإسلامية سانار
•الإمام الحسي فال نغاي٢
•الحاج مالك فال في بر
•الشيخ المقدم علي بوي غيول
•محمد الكبي غاجاكا – دينغراي
«فيك وجدت جمعية الوسط راعيا، وسندا، وداعم، ومشجعا، ومنوها.
وغيابك يا شيخ الإسلام خسارة أيا خسارة للجمعية» وللأمة جمعاء ».
لمين لو
رئيس جمعية الوسط للدعم
والتربية الإسلامية – بدينة
تواوون
البـرار فـي علييـن، رفقـة النبييـن والصديقيـن والشـهداء
والصالحيــن وحســن أولئــك رفيقــا.
وفــي مجــال العمــل الســامي، كــم قضينــا أيامــا
وسـهرنا ليالـي، فـي إطـار اتحـاد الجمعيـات السـامية
فــي الســنغال، فــي الســبعينات الثمانينــات، يــوم
كانــت الســاحة خاليــة إل قليــا، واللــه يشــهد والنــاس
يشـهدون، أن الوطـن والسـام واللغـة العربيـة والعلمـاء
والئمـة والسـاتذة ومختلـف طبقـات الشـعبية، ينعمـون
اليـوم بثمـرة جهودكـم المضنيـة التـي بذلتمـوه فـي فتـرة
عويصــة مــن مســيرتكم المظفــرة.
أه أه!
إننــا اليــوم، إذ تنهمــر دموعنــا وتســيل، وتتكمــد
قلوبنــا وتتحســر، لمتيقنــون بأنهــم الســابقون ونحــن
الاحقــون، ولكننــا نحــزن كمــا حــزن النبيــاء والرســل
فــي مثــل هــذه المواقــف. فمــا نحــن إل بشــر نبكــي،
وإن كان البـكاء ل يجـدي، نبكـي لننـا نعلـم أننـا فقدنـا
بوفاتكـم مـا كنتـم تمثلونـه مـن العلـم والحلـم، وحسـن
الخلــق، وعــزة وحســن المؤخــاة والمواســاة.
مــا كنــت أحســب أن يــوم لقائنــا
يــوم الفــراق إلــى آخــر الدهــر
يــا بهجــة الدنيــا والديــن معــا
جــزاك رب الــورى يــا ابــن أبــي بكــر
لقــد أحييــت ذكــرك بالحســان، وخلــدت اســمك
بصالــح العمــال، ول يشــك فــي ذلــك القاصــي ول
الدانــي، عــدوا لــدودا كان أو صديقــا حميمــا.
واللــه، لــو كان نظــم القريــض ميســرا لــي لقلــت
اليـوم قصيـدة تـدوي فـي الفـاق، ولكنـي أعتـرف لـك
يـا حفيـد مالـك، بعجـزي، آمـا أن تعذرنـي، فمـا هـذا
إل جهــد المقــل وكيــف ل وقــد:
كنـت الصديــق والصـدوق وكنـت لــي
ســندا علــى نوائــب الزمــان
أعليــت شــأن تــواوون وجعلتهــا
بالعلــم ســرحا شــامخ البنيــان
بمــدارس، بمعاهــد، بجوامــع
بمجالــس ومحاضــر القــرآن
هــذي التعــازي مــن محبــك أدمــع
مســكوبة لتراكــم الحــزان
طيــب اللــه ثــراك وأحســن مثــواك، وجعــل الجنــة
مــأواك
21
N° AL FATHI.indd 21 23/11/2017 06:38
)ومـن الثابـت أن التصـوف السـامي
لــه جانبــان؛ جانــب نظــري، وآخــر
علمــي؛ فالطــرق الصوفيــة هــي التــي
تمثــل الجانــب العملــي، الــذي
يرتبــط بحيــاة الفــراد والمجتمعــات
الســامية، وجماهيــر النــاس فيهــا،
عبــر العصــور التاريخيــة، ارتباطــا
مباشــرا(
مقتطفات من كتاب: الفياض
تأليف: الشيخ عبد العزيز سي المين
·ترجمته:
هـو الشـيخ عبـد العزيـز سـي ابـن الشـيخ الخليفـة
أبــي بكــر ســي ابــن العالــم العامــة الحــاج مالــك ســي
رضــي اللــه عنهمــا )أحــد زعمــاء الطريقــة التجانيــة
البارزيــن فــي الســنغال( وهــو مــن مواليــد ســنة 1928م
فــي مدينــة تــواون، )مدينــة تبعــد عــن دكار العاصمــة
الســنغالية بحوالــي 97 كلــم(،
أحــد أكبــر العلمــاء الســنة والطريقــة التجانيــة
الســنغاليين، ورئيــس اتحــاد الجمعيــات الســامية فــي
الســنغال وعضــو بــارز للجنــة التنســيقية لرابطــة العالــم
22
N° AL FATHI.indd 22 23/11/2017 06:38
الســامي، والمكتــب التنفيــذي لجمعيــة الدعــوة
السـامية سـابقا ويعـد مـن أكثـر 50 شـخصية إسـامية
تأثيـرا فـي السـنغال مـن قبـل إذاعـة فرنسـا الدوليـة سـنة
2006م
·حياته ونشأته:
نشــأ الشــيخ عبــد العزيــز وتربــي فــي بيــت علــم،
وورع، حيــث نهــل مــن معيــن علــم والــده الغزيــر،
الخليفــة الشــهير، الشــيخ الخليفــة أبــي بكــر ســي ابــن
العامـة الشـيخ الحـاج مالـك سـي، ولمـا بلـغ الخامسـة
مــن عمــره عهــد بــه والــده الشــيخ الخليفــة أبــو بكــر
سـي الـى أحـد تاميـذه ومريـده )الشـيخ مـم لـو( الـذي
تولـى تعليـم الولـد النجيـب القـرآن الكريـم إلـى أن حفـظ
كتـاب اللـه عـن ظهـر قلـب، ثـم بـادر الـى التبحـر فـي
الفقــه والنحــو والدب علــى يــد أخيــه الشــقيق المفكــر
والشـاعر الديـب )الشـيخ أحمـد التجانـي سـي( إلـى أن
تراكمـت الغيابـات مـن هـذا الخيـر؛ نظـرا لكثرة أسـفاره
وارتباطاتــه فأولــى والــده المهمــة الــى أحــد مقدمــي
الشـيخ الحـاج مالـك وهـو كاتبـه الخـاص الشـيخ علـي
غـي الـذي تابـع تدريسـه وتربيتـه إلـى أن بلـغ سـن الرشـد
فنـاداه والـده إلـى جنبـه ليتولـى مهمـة المعيـن الميـن لـه
إلــى أن صــار يــده اليمنــى ورجلــه وأذنــه وبصــره بــكل
اقتـدار ، متبعـا نهـج سـلفه فاسـتطاع التكيـف مـع بيئتـه
الرياديــة فــي حســن إدارة شــؤون الطريقــة، والحضــرة
التواونيـة، رغـم صغـره حتـى تـم تدريبـه علـى ذلـك ممـا
مكنـه مـن تخزيـن عـدد مـن الخبـرات فـي هـذا المجـال،
ورســخت قدمــاه علــى ذلــك متقلــدا زمــام المبــادرة
فــي تدبيــر شــؤون الــوراد؛ مــن التبــاع، والمريديــن،
والمقدميــن، وأهــل العلــم، كمــا تضلــع فــي تحكيــم
ّ الصلــة بيــن الخليفــة والــده وبقيــة أعضــاء الســرة؛
بعثــا وترتيبــا حينــا، إباغــا وإشــعارا حينــا آخــر، يــزور
مرضاهــم، ويســأل عــن غائبهــم، ويواســي فقيدهــم،
ويشــفي مرضاهــم، ويصلــح ذات بينهــم…
ومــع كل ذلــك كان يمــارس مهنــة التدريــس،
والتعليــم، فــي محضــرة والــده فكــون ثلــة ل بــأس بــه
مـن طلبـة علـم أكفـاء بعدمـا رباهـم ودربهـم علـى العلـم
والعمـل والصـدق والخـاص وبعـد انتقـال والـده الـى
جــوار ربــه؛ عكــف الشــيخ عبــد العزيــز ســي )الميــن(
علــى إدارة شــؤون الحضــرة مــع بقيــة أعضــاء الســرة
الــى أن وافقــوا علــى تنصيبــه كناطــق رســمي للحضــرة
المالكيــة التواونيــة بامتيــاز تحــت إدارة عمــه وســميه
الشــيخ الحــاج عبــد العزيــز ســي الدبــاغ الخليفــة بعــد
والــده، فواصــل تحســين ســير أمــور الحضــرة بطريقــة
فريــدة مــن نوعــه.
وفـي بدايـة السـتينيات تولـى منصـب رئيـس اتحـاد
الجمعيــات الســامية فــي الســنغال، وهــو آنــذاك
أول منظمــة إســامية محليــة تهتــم بشــؤون المســلمين
وخاصــة طلبــة العلــم رغــم اعتراضــات الحكومــة
ووضــع العراقيــل تحــت أقدامهــم، كمــا أن الشــيخ كان
عضــوا دائمــا فــي رابطــة العالــم الســامي، وجمعيــة
الدعـوة السـامية، وشـارك فـي كثيـر مـن المؤتمـرات
والنــدوات الدوليــة بصفتــه عضــوا للجنــة العليــا لكلتــا
المنظمتيــن، وبصفتــه مفكــرا وباحثــا صوفيــا كبيــرا
ومحاضـرا عبقريـا يـرأس عبـر البـاد؛ طولهـا، وعرضهـا؛
عــددا كبيــرا مــن المحاضــرات والمهرجانــات الثقافيــة
الســنوية، والموســمية، فــي جميــع الماكــن خــارج
البــاد وداخلهــا، وألــف عــدة مؤلفــات فــي الفكــر
الســامي مثــل الكتــاب »إلــى النــور« وفــي التصــوف
الســامي مثــل كتــاب »الفيــاض« الــذي تــم طبعــه
وإصــداره مؤخــرا، وعــدة خطــب وبحــوث علميــة فــي
المجــال الدينــي والدعــوي. كمــا يحتــل مكانــا مرموقــا
فــي هــرم الشــخصيات البــارزة فــي العالــم الســامي،
والغيـر السـامي الـى جانـب مـا تميـز بـه مـن تقمـص
ثـوب رجـل عمـل ناجـح فـي مجـال الزراعـة، والتجـارة،
حتــى صــار مــن أهــم شــخصياته.
·الشيخ عبد العزيز سي هذا العبقري:
لقــد صــدق المثــل القائــل » أن النــاء بمــا فيــه
ينضــح«؛ وهــذا متطابــق مــع شــخصيتنا الشــيخ عبــد
العزيــز ســي الــذي نحــن بصــدد الحديــث عــن جانــب
23
N° AL FATHI.indd 23 23/11/2017 06:38
مــن حياتــه المبــارك؛ حيــث عبقريتــه فــي حســن إدارة
شــؤون الحضــرة المالكيــة التواونيــة 60 ســتون عامــا
دون أدنــى خلــل، إلــى أن توفــي غــرة محــرم والحضــرة
ٍ بــل العالــم راض عنــه وهــذا شــيء يــكاد مســتحيا اذا
نظرنـا مـا صاحـب تلـك العـوام مـن تحديـات عديـدة،
ومشــكات متنوعــة، ولــول عبقريتــه وحنكتــه فــي
مواجهتهــا لصــارت تلــك المســاعي المحمــودة مــن
الجــد المؤســس الشــيخ الحــاج مالــك وخليفتــه مــن
بعـده الشـيخ الخليفـة ابـو بكـر سـي ومـن بعدهمـا مـن
خلفــاء الحضــرة التواونيــة هبــاء منثــورا بــل ملقــاة فــي
ســلة المنهيــات لكثــرة العراقيــل والعقبــات؛ فبجهــود
هــذا العبقــري اســتطاعت الحضــرة أن تســترد بيــاض
صفحتهــا الامعــة ونصاعــة وجههــا الباهــرة وأن تعيــد
كتابــة تاريخهــا المجيــد بمــداد مــن ذهــب.
نعـم التاريـخ يعيـد نفسـه، فبعـد ولدتـه فـي بيـت
علــم وورع وتقــى لــم يفلــت هــذا الولــد النجيــب مــن
إعـادة تلـك الدوار التـي كانـت شـبه مفقـودة إلـى خشـبة
الداء، متقنــا تفننــه فــي تقلــد وتقمــص شــخصيات
عديــدة ومتنوعــة فــي لوحــة واحــدة وعــرض واحــد،
إنهـا عبقريـة هـذا الشـيخ الفريـد ولولهـا لمـا اسـتطاع
رغـم صغـر سـنه إثـر انتقـال والـده المنعـم الـى الرفيـق
العلـى )وهـو فـي التاسـعة والعشـرين( أن يديـر بأمانـة
شــؤون الحضــرة بعــد والــده، بــإذن مــن عمــه وســميه،
وكل شــيء آنــذاك تحــت المســتوى المطلــوب نحــو
النهـوض، وإذا قارنـا تلـك العـوام بمـا جـرى فـي زمـن
الحبيـب المصطفـى، وزمـن مـن أتـوا بعـده مـن خلفائـه
الراشــدين، لقلنــا بــأن الشــيخ عبــد العزيــز أدي باقتــدار
وفـي أقـل وقـت ممكـن تلكـم الدوار دون أدنـى شـك؛
فحينــا صديــق فــي الحكمــة والفــاروق همــة وعــدل
َوذا النوريــن حلمــا وعمــا وعليــا فــي العلــم حينــا آخــر
والحبيــب فــي جمعهــا فــي آن واحــد.
·همزة وصل حقيقي:
فبينمـا الحضـرة فـي انشـقاق وتفـرق؛ فهـو الـذي
كان يشــكل همــزة وصــل بيــن كافــة أطرافهــا الــى أن
أكـده فـي ذلـك أخـوه الكبـر الشـيخ محمـد المصطفـي
سـي الملقـب بالجميـل لجمـال خلقـه وخلقـه سـائا لـه
بعـد مـدة لـم يـزره: مـا هـذه القطيعـة؟ مخبـرا إيـاه بـأن
وحــدة الحضــرة مســؤولية تقــع علــى عاتقــه، ومردفــا:
)قـد أسـمح بقطـع عـرى التواصـل مـن الجميـع إل منـك
فأنــت همــزة وصــل بينــي وبيــن باقــي أفــراد الســرة(،
مـن هنـا تقمـص رداء الشـخصية الجامـع المانـع الـذي
ل يـكل ول يمـل فـي جمـع الصفـوف وتوحيـد الكلمـة
إلـى أن تمكـن مـن تقويـة عـرى الصـات والروابـط بيـن
كافـة أبنـاء وأحفـاد الجـد المؤسـس، وبحسـن سياسـته
وكياســته الفــذ، نجــح فــي ذلــك نجاحــا باهــرا؛ فــكان
رسـول سـام، ووئـام، بيـن أبنـاء الحضـرة بشـكل فريـد.
كان ل يمــل، ول يــكل، فــي الســعي وراء توحيــد
أعيــان الحضــرة بمختلــف مشــاربها إلــى أن حكــم
توثيـق عـرى التفاهـم بيـن المقدميـن والشـياخ، وبيـن
المريديـن مـن جانـب، وبيـن باقـي شـرائح الحضـرة، من
جانـب آخـر، نتذكـر يـوم تولـى الشـيخ محمـد المنصـور
زمـام المـور بوصيـة عمـه الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز؛
كخليفــة بعــده فبــادر الشــيخ عبــد العزيــز الميــن علــى
تنصيبــه وتأكيــده علــى ذلــك دون انتظــار مــدة انتهــاء
العــزاء بــل هــو الــذي دعــا إلــى مبايعتــه فــورا، كــون
الشــيخ محمــد المنصــور أكبــر أحفــاد الشــيخ الحــاج
مالــك ســي )الجــد المؤســس( ســنا.
·ا\داري والفني والدبلوماسي:
ولــم يبــق هــذا العبقــري فــي زمــرة المبايعيــن
فحسـب؛ بـل تعـداه إلـى أكثـر مـن ذلـك وهـو العكـوف
علـى حسـن إدارة خافـة الشـيخ محمـد المنصـور وفتـح
بــاب العــون والمســاعدة لــه فــي إنجــاح مهمتــه، فتــارة
بتولــي زمــام أمــور خافتــه وتنظيــم الحــركات والدوائــر
لـه، وتـارة أخـرى فـي تقمـص شـخصية مبعوثـه الخاص
وحامـل كلمـة الحضـرة باقتـدار، وبعـث روح الحيـاة فـي
شــرايين جميــع أعضــاء الحضــرة بتنظيــم محاضــرات
ونــدوات، ومؤتمــرات، ترمــي إلــى توعيــة التبــاع،
والمريديــن، وتربيتهــم تربيــة، إســامية صحيحــة، ولــم
يحــل تلــك المســاعي عقبــة دون أداء مهمتــه الدعــوي
فــي إدارة شــؤون تلكــم التحــادات والجمعيــات التــي
يرأســها أثنــاء مســيرته الناجــح، وهــذا مــن اكبــر دلئــل
عبقريتــه.
24
N° AL FATHI.indd 24 23/11/2017 06:38
كمـا أنـه آنـذاك يتابع عـن كثب مشـاريع إعـادة ترميم
مســجد والــده وتحويلــه الــي درة لمعــة تنيــر وجــه هــذه
الحضـرة، فيسـلب العجـاب مـن القاصـي، والدانـي، إلـى
جانـب أعمالـه الجبـارة فـي سـبيل توفيـر أماكـن ومسـاكن
لسـتضافة زوار الحضـرة، وضيوفها، إلـى أن تمكن بفضل
نفـوذه الدينـي، وثقلـه السـتراتيجي أن يرجـح وزن أحقيـة
هـذه المدينـة العريقـة علـي برنامـج خـاص مـن الحكومـة
بلغـت عشـرات المليـارات، لوضـع تلـك المشـاريع قيـد
التنفيــذ وفــي أســرع وقــت ممكــن تمكنهــا مــن تحطيــم
الرقــام القياســية باســتكمال مشــروعين ضخميــن؛ فــي
تسـعة أشـهر ووضـع تـواوون؛ قبلـة أنظـار مريـدي ومحبـي
الطريقــة التجانيــة، ضمــن أولويــات البرنامــج التنمــوي
للحكومــة الحاليــة، بمباركــة مــن فخامــة الرئيــس ماكــي
صــل الــذي لــم يدخــر أي جهــد فــي ســبيل تلبيــة نــداء
هــذا الشــريك الوفــي والمعاهــد التقــي. الــى جانــب
نشــاطاته الميدانيــة فــي حقــل الدعــوة الســامية مــن
إقامــة المعاهــد، وبنــاء المســاجد، والزوايــا، والمشــاركة
فــي النــدوات، والمؤتمــرات، وتقديــم المبــادرات فــي
حـل الخافـات، والنزاعـات الدوليـة، والمحليـة )نتذكـر
الجهـود الجبـارة التـي بذلهـا فـي سـبيل حـل النـزاع الدائـر
بيـن العـراق وإيـران أثنـاء حربهمـا وكلهـا خلـف السـتار
ووراء الكواليــس(.
·الموحد والمجمع:
إن حـال أسـرة الشـيخ الحـاج مالـك سـي -كباقـي
الســر الدينيــة- لــم يخــل مــن زمــن ركــود وأزمــة كمــا
يحـدث لجميـع السـر نظـرا لختـاف الطبائـع والمزجـة
فإلـى الشـيخ عبـد العزيـز وأخيـه الشـيخ أحمـد التجانـي،
يرجــع فضــل لــم شــمل أبنــاء الســرة الكريمــة، لكــي ل
يــؤدي تلــك الخافــات إلــى أزمــة دائمــة، وكان هــذا
الخيـر يـردد دائمـا بأنـه ل يريـد أن يلقـى ربـه، تـاركا وراءه
أزمــة انشــقاق داخــل أســرة الشــيخ الحــاج مالــك، فأتــى
بمبــادرة جريئــة وشــجاعة، أنهــت خافــا دام أكثــر مــن
نصـف قـرن، ولـم يكـن المهنـدس لهـذه المبـادرة العظيمة
إل الشــيخ عبــد العزيــز؛ لمــا أكــده الســيد الشــيخ أحمــد
التجانــي ســي المكتــوم الخليفــة آنــذاك بديــا لــه ونائبــه
فــي المهمــات قائــا لــه: )إن ثقتــي بــك يــا عبــد العزيــز
ســي ل نهايــة لــه بــل هــي مســتمرة الــى قيــام الســاعة(.
فبــادر الشــيخ ببســالته المعروفــة رغــم ثقــل الســنين
بأخــذ الوحــدة، واللفــة شــعارا لــه فوضــع الســرة أمــام
مسـؤولياتها مـع شـحذ الهمـم نحـو وحـدة حقيقيـة؛ مـن
القمــة، إلــى القاعــدة، حتــى كتــب لــه النجــاح والتوفيــق
فــي ذلــك وهــذه قطــرة مــن بحــر.
وقــد يتســاءل البعــض كيــف اســتطاع الشــيخ عبــد
العزيــز أن يديــر كل هــذه المــور بشــكل فريــد، ويتقــن
سياسـته وهـو فـي سـن قـد تجـاوز السـبعين مـن عمـره؟
ألــم يــأن لهــذا المجاهــد أن يخلــد إلــى راحتــه ويجــرد
راحلتــه، ويشــق عصــا الترحــال، تــاركا زمــام المــور
للجيــل الصاعــد، ومــن فــي حضانتــه مــن أبنــاء وأحفــاد
الجـد المؤسـس؟ وكيـف يمكـن لرجـل فـي طـراز الشـيخ
عبـد العزيـز أن يتعـب نفسـه وينهـي أنفاسـه وعضاتـه فـي
تلــك المهمــات الجســيمة دون ملــل أو كســل؟ وهــل يــا
تـرى رجـل مـن أبنـاء تلـك السـرة الكريمـة، ل يسـتطيع
أن يفعـل مـا يفعلـه الشـيخ منـذ رشـده إلـى يومنـا هـذا؟
وكيــف أن كل واحــد مــن أبنــاء الحضــرة لــو ســئل لــم؟
أو لمـاذا؟ لجـاب بـكل فخـر واعتـزاز بـأن عبقريـة هـذا
الشـيخ ل يشـق لـه غبـار وإنـه ل ولـن يسـتطيع أن يرادفـه
فــي المهمــة التــي نيطــت عليــه؟ إنهــا عبقريتــه!
لقـد عكـف الشـيخ بإيمانـه الراسـخ أن لـكل إنسـان
ميـزة قـد ميـزه البـاري جـل فـي عـاه علـى باقـي خلقـه،
وأن هـذه الموهبـة هـي التـي تصنـع الفـرق، وتنتـج المجـد
ويجعـل جهـود صاحبـه تذكـر وتشـكر مـدى الحيـاة، إنهـا
الموهبـة التـي جبـل النسـان عليـه فيعمـل مـن أجلـه دون
تعـب، ول ملـل، ويتقنـه بصفـة ل تتوفـر علـى غيـره؛ وإن
كان غيـره قـد أصـاب مـا أصـاب مـن مجـد وشـرف. وهذا
حــال الشــيخ عبــد العزيــز لقــد تميــز بصفــات خلقيــة؛
جعلتـه مثـال يحتـذى بـه فـي الصـدق، والـورع، والمانـة،
والتقـوى، والعفـاف، وحـب الغيـر، والنفتـاح، والصبـر،
والرضـا بمـا قسـمه المولـى، بـل كان ملهـم الجيـال فـي
الجــد والعمــل، وموجــه الحبــاب الــى صفــاء القلــب،
ورحابــة الصــدر، ومعلــم العظمــاء جــودا، وســخاء،
ونشـر الخيـر، وامامـا فـي صلـة الرحـم، ومواسـاة اليتـام
والفقــراء، وأمينــا فــي حفــظ العهــود والمواثيــق، ومثــا
أعلـى فـي الهمـة والصـاح، إنـه خليفـة جـده ووالـده أدى
المهمـة الـى أن وافتـه المنيـة فإلـى الرفيـق العلـى يـا أبـا
الحبيــب!
25
إعداد/ سيدي أحمد عبد العزيز سي
أحد أبناء الفقيد
N° AL FATHI.indd 25 23/11/2017 06:38
الحمـد للـه رب العالميـن، الهـادي إلـى أقـوم
طريـق والداعـي إلـى الحـق وإلـى صـراط مسـتقيم
عبــاده المؤمنيــن، المتجلــي عليهــم بمحبتــه
ورحمتــه فــي كل وقــت وحيــن، الذيــن اصطفاهــم
مــن خيــرة خلقــه فجعــل منهــم أنبيــاء ومرســلين
وأوليــاء مرشــدين رحمــة منــه بخلقــه أجمعيــن ،
والصـاة والسـام علـى مصـدر كل خيـر ومنبـع كل
جـود صاحـب الحـوض المـورود واللـواء المعقـود
إنســان عيــن الوجــود وعلــى آلــه مصابيــح الهــدى
وأنـوار العطـاء الموصـول وأبـواب السـمو والقبـول
وصحابتــه المنــاء علــى وحــي الســماء
اللهــم صــل علــى ســيدنا محمــد الفاتــح لمــا
أغلــق والخاتــم لمــا ســبق ناصــر الحــق بالحــق
والهــادي إلــى صــراط المســتقيم أمــا بعــد.
فـإن الديـن الـذي جـاء بـه سـيدنا محمـد بـن عبـد
ٌ اللــه، عليــه أفضــل الصــاة وأزكــى التســليم، هــو ديــن
ِ قائــم علــى الوحدانيــة للــه رب العالميــن، وطاعــة ســيد
الخلــق أجمعيــن، فاقتــدى بــه وبمــاء جــاء بــه جماعــة
الصحابــة الوليــن، وأفضــى إلــى تأســيس مجتمــع
ٍ متســامح مبنــي علــى الخــوة والمســاواة والعــدل بيــن
النـاس فـي كل وقـت وحيـن، ول يتمايـزون فيمـا بينهـم
إل بالعمــل الصالــح، طاعــة للــه ملــك يــوم الديــن.
وكان صحابــة رســول اللــه
صلــى اللــه عليــه وســلم نســاء
ً ورجــال ً مثــال ُ يحتــذى بهــم فــي
الوفــاء بالعهــد الــذي عاهــدوا
ُ
اللــه والرســول عليــه، وهــم أول
ّ جيــل تلقــى الرســالة، فأصبحــوا
شــهوداً علــى العلــم الــذي ورثــوه
فــي تجلياتــه الظاهــرة والباطنــة،
ّ ومــن ثمــة نقلــوه إلــى كل أولئــك
الذيــن أتــوا مــن بعدهــم، فنهلــوا
ْــع ذاكرتهــم وشــهادتهم.
مــن نب
ّمــون الوائــل ضمــن
إنهــم المعل
سلســلة متواصلــة بــدأت مــع
أبــي بكــر وعمــر وعثمــان علــي
وســلمان والحســن رضــي اللــه
عنهــم، لتســتمر عبــر جيــل آخــر مــن الرجــال كالحســن
البصــري وجعفــر الصــادق ورابعــة العدويــة… ثــم فــي
زمـن متأخـر مـع مؤسسـي الطـرق الصوفيـة أمثـال عبـد
القــادر الجيانــي وأبــي الحســن الشــاذلي وأحمــد بــن
علـي الرفاعـي وغيرهـم، لقـد شـكل هـؤلء الزهـاد رفقـة
أتباعهـم دوائـر تولـدت عنهـا العديـد مـن المـدارس فـي
المدينــة المنــورة، ومكــة المكرمــة، والكوفــة، والبصــرة،
وبغــداد، وبلــخ، والقاهــرة، والقيــروان، وبجايــة،
وتلمســان، وفــاس، وقرطبــة….
وقــد بــرزت الطــرق الصوفيــة بعدئــذ بزواياهــا
وشـيوخها وقواعدهـا ومناهجهـا، وكانـت تربيـة المريـد
ّ تمــر عبــر المازمــة التلقائيــة لعــدة شــيوخ، وهــذا مــا
ّ يفسـر أهميـة الترحـال والتغـر ّ ب والصحبـة والدب عنـد
القــوم.
والطــرق الصوفيــة هــي امتــداد لتلــك العاقــة
ّ الروحيـة التـي ربطـت بيـن النبـي صلـى اللـه عليـه وسـلم
والصحابـة والتابعيـن ومـن جـاء بعدهـم مـن رجـال اللـه
الصالحيـن، وهـي تخليـد لهـا عبـر الزمـان والمـكان إلـى
أن يــرث اللــه الرض ومــن عليهــا.
فالتصــوف إذن، هــو وارث الحكمــة الكونيــة ذات
ّ البعــد الروحانــي والباطنــي الســاري فــي الصفــوة مــن
خلقـه والتـي سـميت فـي القـرآن الكريـم بالحنفيـة مثلمـا
26
N° AL FATHI.indd 26 23/11/2017 06:38
ّ تذكرنــا بــه اليــة الكريمــة: )ومــا أمــروا إل ليعبــدوا اللــه
مخلصيــن لــه الديــن حنفــاء ويقيمــوا الصــاة ويؤتــوا
الــزكاة وذلــك ديــن القيمــة(.
وفــي أوائــل القــرن الثامــن عشــر بزخــت شــمس
ٌ رجـل كان لـه شـأن وأي شـأن فـي حمـل مشـعل التصوف
إلـى النسـانية قاطبـة، فقـد انخـرط رضـي اللـه عنـه فـي
ّ الطريـق الصوفـي ولمـا لـم يـزال شـاباً يافعـا،ً إنـه سـيدي
الشـيخ العـارف باللـه المؤسـس للطريقـة التيجانيـة أحمد
التيجانـي الـذي ولـد بقريـة عيـن ماضـي 1150 هجريـة
1737 وتوفـى بمدينـة فـاس عـام 1230 هجريـة 1815
للميــاد ودفــن بزاويتــه بالحومــة المعروفــة بالبيليــدة
مـن محروسـة فـاس، حيـث حفـظ القـرآن ولـم يتجـاوز
الســبع ســنين، وطلــب العلــوم وبــرز فيهــا، ولمــا بلــغ
21 سـنة تطلـع إلـى النهـل مـن معيـن التصـوف فسـافر
ســفره الول إلــى فــاس 1771 هجريــة قاصــداً كبــار
ّ أهــل اللــه مــن الشــيوخ والعارفيــن، وتنقــل إلــى بلــدان
شـتى فـي مغـرب العلمـاء والوليـاء والصالحيـن ليتلقـى
عنهــم علــوم الســام والتصــوف والتربيــة والســلوك،
وكان الشــيخ فيهــا طالبــاً باحثــاً عــن العلــم والمعرفــة
والشـيوخ وكثيـر السـفار والرحـات آخـذاً عـن جميـع
شـيوخ الطـرق وتلقـى رضـي اللـه عنـه عـدة طـرق كمـا
ورد فــي ترجمــة حياتــه فــي مراحلــه الولــى، عمــاً كان
يلقنهـا مــن المشـايخ، فأخـذ الطريقـة القادريـة بفـاس،
والناصريــة عــن ســيدي محمــد ابــن عبــد اللــه التزانــي
بالريــف، وأخــذ طريقــة الشــيخ العــارف باللــه ســيدي
محمــد الحبيــب السجلماســي الصديقــي عــن بعــض
شـيوخها بفـاس، ويتضـح ممـا ذكـر عـن سـيدي أحمـد
التيجانـي رضـي اللـه عنـه جـال فـي ربـوع المغـرب مـن
فــاس إلــى تــازة والريــف ووزان وجبــل العلــم حيــث
مرقــد القطــب الكبيــر مولنــا عبــد الســام بــن مشــيش
رضــي اللــه عنــه، كان ذلــك طلبــاً لماقــاة كبــار شــيوخ
العصــر مــن الصوفيــة المربيــن، وبعدهــا ذهــب إلــى
الحـج وزار مصرإلـى أن اسـتوطن الشـيخ سـيدي أحمـد
التيجانـي مدينـة فـاس فسـطع نجمـه وظهـر علمـه وذاع
صيتـه حيـث تعـرف عليـه مولنـا سـليمان العلـوي رضـي
اللـه عنـه وهـو المـام العـدل العالـم فأكـرم مثـواه وأنزلـه
منزلــة رفيعــة وأســكنه دارا مــن دوره المعتبــرة.
ثــم نجــد أنــه فــي مرحلــة مــا بعــد 1796 ّ ، تفــرد
ســيدي الشــيخ احمــد التيجانــي بطريقتــه الخاصــة بــه
ّ وتصــدر للمشــيخة وإعطــاء الطريقــة ووضــع منهجــاً
سـلوكياً تربويـاً بقواعـد مضبوطـة وشـروط معتبـرة إل أن
دخولــه فــاس واســتيطانه بهــا كان مرحلــة هامــة حيــث
لـم يغادرهـا إلـى غيرهـا علـى سـبيل القامـة وبهـا بنـى
زاويتــه فكانــت منطلــق طريقتــه وبهــا موطنــه ومدفنــه
ومنهــا خرجــت هــذه الطريقــة المباركــة وانتشــرت فــي
الفـاق، ولكـن للطريقـة التيجانيـة القـدم الراسـخ واليـد
الطويلــة فــي نشــر الثقافــة والعلــوم الســامية وتربيــة
الجيــال تلــو الجيــال علــى المحبــة والســام والوئــام
محقــق بذلــك وحــدة روحيــة وهويــة ثقافيــة تجمــع
شـعوب أفريقيـا وقبائلهـا وأجناسـها وحـدة تجمـع بيـن
ّ المــادة والــروح والعلــم والعمــل والديــن والدنيــا وإن
فقيدنــا الراحــل ســيدي الشــيخ عبــد العزيــز ســي ممــن
حمـل هـذه الرايـة التيجانيـة فـي السـنغال وورثهـا كابـراً
عـن كابـر فـكان خيـر خلـف لخيـر سـلف، فقـد نشـأ فـي
بيـت تيجانـي بعلومـه وآدابـه ومعارفـه ودعوتـه إلـى اللـه
وإلــى محبــة رســول اللــه والوليــاء والصالحيــن.
فقـد عرفتـه رحمـه اللـه وكان لـي شـرف اللقـاء بـه
فــي الــدروس الحســنية التــي تقــام فــي حضــرة مولنــا
أميــر المؤمنيــن جالــة الملــك محمــد الســادس فــي
المملكـة المغربيـة الشـريفة، وكانـت هـذه فرصـة طيبـة
مباركــة أن نتلقــي بالعلمــاء والوليــاء مــن شــتى بلــدان
عالمنــا الســامي، فــزادت محبتــي لــه عامــاً تلــو العــام
لمـا وجـدت فيـه سـماحة الخلـق وغـزارة العلـم ومحبـة
الصالحيــن وإقبــال النــاس عليــه، وكان لــي شــرف
زيارتـه بصحبـة سـفير دولـة فلسـطين فـي السـنغال فـي
ُ زاويتـه فـي السـنغال حيـث رأينـا كـرم الضيافـة وحسـن
الســتقبال وأبنــاءه وأتباعــه مــن خيــرة الرجــال.
فمـن حـق أهـل اللـه والعارفيـن بالله وأهـل التصوف
27
N° AL FATHI.indd 27 23/11/2017 06:38
الحقيقـي أمثـال سـيدي عبـد العزيـز سـي أن نذكرهم وأن
نعــرف لهــم فضلهــم وهداهــم، فــإن صفحــات التاريــخ
يســجلها الرجــال وتتناقلهــا الجيــال جيــل بعــد جيــل،
ولذلـك فـإن شـكر النعمـة واجـب والعتـراف بالجميـل
لهلــه فضيلــة، ول يعــرف الفضــل لــذوي الفضــل
إل ذوو الفضــل ولذلــك يقــول رســولنا العظــم صلــى
اللــه عليــه وســلم »ل يشــكر اللــه مــن ل يشــكر النــاس«
وراحلنـا العزيـز الولـي العـارف باللـه سـيدي عبـد العزيـز
سـي مـن هـؤلء الرجـال الذيـن صدقـوا مـا عاهـدوا اللـه
عليــه فمنهــم مــن قضــى نحبــه ومنهــم مــن ينتظــر ومــا
بدلـوا تبديـا(.
فهـو واحـد مـن هـؤلء ومـن صفـوة الوليـاء الذيـن
ّــه اللــه
ّ لهــم قــدم صــدق عنــد ربهــم أحــب اللــه فأحب
ّ وأرضــاه وأحــب رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وســلم
فأفــاض عليــه مــن أنــواره وذلــك بمــا ســار علــى نهــج
والــده العــارف باللــه المقــدم فــي الطريقــة التيجانيــة
وحامـل لواءهـا فـي السـنغال وفـي دول افريقيـا ، ونـراه
رحمـه اللـه ظـل حياتـه منـذ نعومـة أظفـاره وفيـاً لوالـده
مقربــاً إليــه ينهــل مــن علمــه ومعرفتــه ويقــوم علــى
خدمتـه إلـى أن انتقـل إلـى جـوار ربـه وأخـذ بعـد رحيـل
والــده يواصــل مهــام الطريــق والدعــوة إلــى اللــه حيــث
ّ توجـه فـي إفريقيـا وغيرهـا مـن البلـدان ليتلقـى عنـه أبنـاء
ً السـام خلـق السـام مجسـدة فـي أخاقـه قبـل كامـه
وفـي أفعالـه قبـل أقوالـه، فأخـذ عنـه وتلقـى عنـه اللف
مــن أبنــاء الســام ومــن خــال لقاءاتــي بــه المتعــددة
ومعرفتــي بــه عــن قــرب قــد وجــدت فيــه رحمــه اللــه
حبــاً فياضــاً لل بيــت رســول اللــه والدعــوة إلــى حــب
الصالحيــن والوليــاء فكــم اســتضاف فــي بيتــه كبــار
العلمـاء والوليـاء وفـي مقدمتهـم شـيخ الزهـر فضيلـة
الســتاذ الدكتــور عبــد الحليــم محمــود العالــم الربانــي،
وأكــرم وفادتــه كمــا هــي عادتــه مــع علمــاء المســلمين
وأبنــاء التصــوف، وكنــا نجــد فتحقــق فيــه رحمــه اللــه
قــول الرســول صلــى اللــه عليــه وســلم أحبــوا اللــه لمــا
يغدوكـم بـه مـن نعمـه وأحبونـي لحـب اللـه وأحبـوا آل
بيتـي لحبـي فمـا بالنـا وأن يكـون المحـب واحـداً ممـن
ّ يتقــرب إلــى اللــه بحــب آل بيتــه ويســعى بيــن أيديهــم
وإن كان مـن يصحـب الشـريف الولـي يحظـى بالقـرب
والرفعـة حتـى ولـو كان ممـن ضـرب القرآن المثـل به في
صحبـة أهـل الكهـف فذكـر مـع أنـه كلـب فقـال تعالـى:
)سـيقولون ثاثـة رابعهـم كلبهـم( فمـا بالنـا حيـث يكـون
المصاحــب مــن التقيــاء الوليــاء الصفيــاء وفــي هــذا
ُرّد علــى مــن يزعــم خــاف ذلــك كمــا قــال القائــل:
قال تشقى بحب آل بيت النبي
قلت هذا كام غاوي شقي
ٌ فاز كلب بصحبة أصحاب كهف
ّ أفأشقى بحب ّ آل بيت النبي
هـذا ونحـن إذ ننظـر إلـى نسـله الكريم أبنـاءه الوفياء
التقيـاء الذيـن تربـوا فـي مدرسـة أبيهـم نـرى فيهـم خيـر
خلـف لخيـر سـلف ونـرى مواكبـة أهـل اللـه والمحبيـن
لهــذا الــذي يخلــف الوالــد العظيــم والولــي الشــيخ أبــو
بكـر محمـد منصـور سـي فنـردد قـول رب العـزة )أل إن
أوليـاء اللـه ل خـوف عليهـم ول هـم يحزنـون( وحيـث
تتـم البيعـة للشـيخ أبـو بكـر محمـد المنصـور سـي إنمـا
ّــر بهــا مصداقيــة التصــوف الحقيقــي الــذي يعمــر
نعب
الدنيــا بســناه وهــداه وعرفنــاه منــذ حيــاة الشــيخ عبــد
العزيـز سـي وهـو نمـوذج منـذ النشـأة الطاهـرة المبـرورة
وسـلوك طريـق الحـق والهـدى والنـور والعلـم والمعرفـة
والثقافــة الواســعة فأتــم اللــه عليــه النعمــة وزاده خيــراً
علـى خيـر فـي مواصلـة الطريـق وحمـل الرايـة التيجانيـة
والفكــر الصوفــي المســتنير بعــد شــيخه ســيدي الشــيخ
عبــد العزيــز ســي تغمــده اللــه برحمتــه وأســكنه فســيح
جناتـه وجمعنـا اللـه بـه مـع الذيـن أنعـم اللـه عليـه مـن
النبييــن والصديقيــن والشــهداء والصالحيــن وحســن
أولئـك رفيقـا
28
N° AL FATHI.indd 28 23/11/2017 06:38
ّعز في نفس شيخ الخليفة )رض( مجيئ هذا المولود
الناشئ، بمامح ذلك الوجه المشرق، وسمات تلك
الطفولة الواعدة، فاستبشر به خيرا، وتفاءل برؤيته حسنا،
وكان أن اختار له من بين السامي أحسنها وأروعها »عبد
العزيز«، ولسان حاله يقول: رب كما جعلتني أفتخر تيها
ُوعجبا بدخولي تحت قولك يا عبادي، فاجعل وليدي
ّ هذا مقبول عندك عبدا، وشرفه يا عزيز، بقبوله من بين
عبيدك العزاء، إنه لدينا لعزيز.
ولقد نشأ فتى الفتيان وترعرع، في بيت علم وأدب
وخلق رفيع، وكان له من بركة النشأة وأصالة التربية،
أن عاش في جنب الوالد الملهم الشيخ الخليفة، يلهم
خطواته، ويرشد مشيته، ويوجه مسيرة حياته، وقد تنبأ
-ونعم المتنبئ-أن سيكون لهذا الفتى دور رئيسي
في مستقبل الرث المالكي، فأعده ليكون أها وكفؤا
لمقتضيات هذا الرث العظيم.
وكان من أجمل ما عرف عن الشاب عبد العزيز،
حسن اهتمامه بمظهره وهندامه، وجمال تأنقه في لبسه
وأزيائه، وطريقة تسريحه لشعره، فكان يبدو في عيون
ناظريه، شابا وسيما، بهي الطلعة أنيق المنظر، رغم مهابة
الشيخ، ووقار السيد اللذين لزماه صغيرا وكبيرا.
وفي وقت كانت مدينة تواوون، مأوى أفئدة
المتعطشين للعلم والمعرفة، يتوافد إليها أجناس وقبائل
السنغال المختلفة من كل صوب وحدب، ينهلون
العلم من ينبوعه العذب ومعينه الصافي، على يد عالمه
المتجرد، الشيخ الحاج مالك سي، أو على يد الصفوة من
تامذته، الذين لم يبارهم أحد في ميدان امتاك قصب
السبق في العلم والتأليف والتعليم، إل سبقوه فيه، قضى
الفتى الناشئ طفولته في هذه المدينة.
وعاش الفتى عقده الول والثاني، في هذه البيئة
العلمية والثقافية والمعرفية، يطرب أذنيه دروس مجالسه
العلمية، ويرهف سمعه أحاديث والده الوارث لسر
جده والمتربع على عرش الخافة التجانية العامة في
السنغال، وكان حسن إصغائه إلى أحاديث تلك اللقاءات
العلمية، وإنصاته لخطب والده وتعاليمه ورإشاداته أبلغ
الثر، في قولبة شخصيته، وتكوين عاقاته الواسعة مع
شريحة كبيرة من أبناء بلده ومجتمعه، وقد هيأته تلك
العاقات في اكتساب القدرة على التعامل مع كل الوقائع
والحداث التي ستجري لحقا في مسيرة حياته، وقد
ُعِهَد عنه صغيرا الفصاحة في المنطق، فلم يعهد منه قط،
الغراب في الكام، أو تعقيد المعاني، أو اللجوء إلى
ضعف التركيب، أو تنافر الكلمات، أو التأتأة اللفظية،
وقد كان لهذا العامل، أثره الكبير في توليته مهام الناطق
الرسمي باسم الحضرة المالكية مستقبا.
كان ما يتداوله طاب حوزة جده وآبائه، من
موضوعات شتى في العلوم والمعارف السامية والعلوم
اللغوية، يصقل لبه، ويعيد تشكيل عقله، وكان تطلعه
وتعطشه المبكر للعلم والطاع، يدفعان دفعا إلى
المشاركة في كل هذه المناقشات، فيدلي فيه برأيه، مناقشا،
ومعلقا، وشارحا، ومفسرا، وكانت شجاعته الدبية،
وجرأته الشخصية سمتان بارزتان عرفتا عنه منذ الصبا،
وكان له من شرف المعاصرة والمصاحبة والمجالسة، أن
ّ عاصر الكثير من خريجي زواية جده الشيخ، من الوافدين
من الصقاع المختلفة لهذه الباد، فنهل من علومهم،
التي نهلوها من جده مود مالك سي، واستقي المعارف
29
N° AL FATHI.indd 29 23/11/2017 06:38
والداب، من أفواه رجال تلقوها مشافهة وتلقينا، من
الحبر الهمام ذي المآثر الجليلة، والمحاسن الرائعة،
والزوايا الكثيرة.
ولقد كانت لمناسابات إحياء المولد النبوي، التي
تتكرر على مدار السنوات، وعلى مدار الشهور، في جل
مدن هذه الباد، ويتولى إحياءها جهابذة الحضرة المالكية
من أعمامه وكبار تابعيهم، أثرا كبيرا في صقل مواهبه،
وتنمية حسه النتمائي، وكان الفتى العزيز يشهد كل
المناسبات، ولربما وكل إليه القيام بمهمة من المهامات
الساسية في تسيير أو إدارة هذه المناسبات، فكان يقوم
بذلك على أحسن وجه وأكمله.
ولكم كان الفتى العزيز محظوظا في تتلمذه، فقد كان
من أساتذته بعض أعمامه وبعض من خالص المريدين
الذين انتدبهم والده الكريم، ليتولوا أمر تعليمه وتدريسه،
فأظهر من أمارات النبوغ وعامات الذكاء، ما كان يثلج
قلوب شيوخه ومقرئيه، ولقد كان حريا به أن يكون
كذلك، فهو الشبل ابن السد ابن الهزبر.
وكان من دأب والد الشاب عبد العزيز، أن يوفده
أحيانا، -شأنه في ذلك شأن باقي إخوته- إلى العديد
من المناسبات الجتماعية أو الدينية أو الوطنية، يمثله،
أو ينوب عنه في القيام بواجب التهنئة أو تقديم العزاء،
أو تمثيل الحضرة ، أو وضع حجر أساس لمسجد شرع
في بنائه، أو مدرسة قيد النشاء، أو ترأس ليلة مولد
تقام في ذلك القطر، أو تلك المدينة في ربوع السنغال
الواسعة، وكانت أصداء تمثيله، للحضرة المالكية تترك
أثرا كبيرا في نفوس وقلوب من يستمعون إليه، فلمقدرته
اللغوية، وطاقه لسانه، وإحاطته علما ودراية بالمواضع
التي يتناولها في هذه المناسبات المختلفة، إضافة إلى
تمكنه الفريد في مخاطبة مستمعيه، وإدارته الحكيمة
لدفة الخطاب، متنقا بين القصص الهادفة، والشعار
الحكيمة، والروايات المسلية، والشواهد التاريخية
مفعولها في جذب انتباه وإصغاء من يستمعون إليه.
ولو قدر لك أن تستمع إلى عزيز قومه، وهو يلقي
َ محاضرة أو يخطب جموع الناس، لَه َال َك من ضمن ما
يهولك مقدرته العجيبة في تذكر الشخاص والتواريخ،
ولدهشت وأنت تسمعه يردد لك التفاصيل الدقيقة في
الحداث الوطنية أو الدينية الغابرة في القدم، فكم يحلو
الجلوس بين يدي العزيز عبد العزيز لاستماع إليه وهو
يسرد التاريخ لك سردا.
وكان الفتى العزيز، في تمثيله للحضرة المالكية،
أولغيرها من الهياكل التنظيمية التي انخرط فيها، قائدا
لها، أو عضوا فيها، يزاوج بين حنكته السياسية، وخبرته
بالمور الدارية والجراءات الخاصة بالسلطة، وبين
مقدرته على قراءة الحداث الجتماعية والسياسية،
إضافة إلى رباطة جأشه، وقوة عزيمته، وصابة إرادته،
ليكون خيرا سفير لمن أوفدوه وأختاروه ناطقا باسمهم،
وما أكثرهم!!
وقد عايش عزيز قومه، كل الحداث الجتماعية
والدينية والعلمية لجيل زمانه، فتأثر به وأثر فيه، وكانت
له مواقفه التاريخية والبطولية في صنع الحداث، وتوجيه
مسارها، فلم يعرف منه -قط-القبول بالمر الواقع،
ولم يرضخ أبدا لوضع مفروض عليه، وإزاء الحداث
السياسية والوطنية التي شهدتها مدينة تواوون، إبان
فترة الستقال وما تاها من أحداث جسام، وتغييرات
جذرية، تولد لديه نضج سياسي مبكر، ووعي وطني يقظ
بالقضايا الوطنية، وبخاصة منها تلك المتعلقة بشريحة
السر الدينية.
وإبان تأسيس اتحاد الجمعيات السامية في
السنغال في فترة السبعينات، وقف الشاب عبد العزيز
طودا شامخا، وجبا راسخا، مدافعا ومناضا عن كل
القضايا والمسائل التي تخص هذه الجمعيات، فأكسبته
مواقفه تلك ثقة نظرائه، وموافقة الجمعيات السامية
الخرى على أن يستند إليه رئاسة هذا التحاد، فكانت له
مع التحاد مواقف محمودة تذكر فيشكر عليه.
وتشاء القدار، أن يصبح الفتى كها، ثم شيخا، وتتحول
التسمية التي كانت تطلق عليه تحننا وتحببا » عبد العزيز
الصغير« إلى » عبد العزيز المين«، فقد أصبح يشكل وجوده
عاما جوهريا في إدارة وتسيير أمور الحضرة المالكية، وإذا
بأشقائه وبني أعمامه، الكبر منه سنا أو من دونه في العمر، ل
يبتون في أمر ، ول يحسمون في شأن، إل بعد أخذ مشورته،
وإل بعد استخارته، فانطبق السم على المسمى، وأصبح
العزيز أمينا.
وعاقته بإخوته، وبالخص مع العميدين اللذين يكونان
معه -في الوقت الحالي- السرة المالكية التواوونية، ممثلة
في الشيخ أبي بكر المنصور، والشيخ مود مالك عبد العزيز،
أصبح ما تكون بتاحم الجسد الواحد، يذود عن حياضهم،
ويتبنى قضاياهم، ويحمل همومهم، وحرى به أن يكون كذلك
معهم، فكلهم يرونه في تصورهم ملجأ حصينا، وركنا شديدا،
وأخا أمينا، يؤتمن جنابه في المحن والشدائد.
ّ وسياسيته في لم شمل العائلة، وتوحيد كلمتها، أعظم به
ّ من سياسة، فإذا ما جد في ساحتها جديد، أو طرأ طارئ،
هب عزيز قومه، يستجمع كلمتهم، ويشرك قاصيهم ناهيك
عن دانيهم، فإذا بالمر الذي بدا عصيا على الحل، صعبا على
المعالجة، يصبح هينا سها.
ول تسأل عن أيامه، فكل حياته سعي إلى مجد أصيل،
وكل ارتحاله من أجل كسب الخير للحضرة المالكية، وقد
فاض خيراته حتى عم غير أهل حضرته،
30
N° AL FATHI.indd 30 23/11/2017 06:38
التعزية والمواساة
ببالــغ الحــزن والســى وبقلــوب
مؤمنــة بقضــاء اللــه وقــدره، تتقــدم
دائـرة المقتفيـن بآثار البـاء والجداد
بخالــص تعازيهــا للمــة الســامية
عامــة والمــة الســنغالية خاصــة فــي
وفــاة فقيــد المــة حفيــد مجهــول
المــة )الســيد الشــيخ عبــد العزيــز
سـي الميـن( الـذي انتقـل إلـى جـوار
ربــه فــي صبيحــة يــوم الجمعــة 22
ســبتمبر 2017م المواقــف 1 محــرم
1439 هــ ودفـن فـي فنـاء مسـجد والـده شـرقا بمدينـة تـواوون المحروسـة تغمـده اللـه
برحمتــه وأســكنه فســيح جناتــه.
ذلــك الولــي الــذي ســجل أعمالــه القيمــة وصفاتــه الحميــدة فــي صفحــة التاريــخ
البشـري وشـاع صيتـه فـي جميـع أنحـاء البـاد السـنغالية والعالـم السـامي فبفضـل
بصيرتـه الثاقبـة، وجهـده الـدؤوب، وبفضـل مؤازرتـه إخوانـه نظـم الحضـرة المالكيـة
التجانيـة وجعلهـا نموذجـا يحتـذي بـه، ورعـي تـراث الجـداد والبـاء رعايـة سـامية
فـي تسـيير التحـادات والدوائـر وإرشـاد التبـاع والحبـاب إلـى معرفـة القيم والشـعور
التـام بانتمائهـم الحقيقـي للطريقـة التجانيـة، ول يماثلـه أحـد بالقيـام ببنـاء المسـاجد
والزوايـا والجوامـع، والمـدارس والمعاهـد وغيرهـا ممـا ل يمكـن إحصـاؤه.
وكان ـ رضـي اللـه عنـه ـ متميـزا بالحكمـة والمعرفـة واللباقـة والشـجاعة والعزيمـة
والســخاء وصفــات القائــد الرائــد المرشــد الشــيخ المربــي والمصلــح الجتماعــي
الواعــي .المــر الــذي جعــل رجــال الديــن والدولــة والسياســة يلجــأون إليــه لجهــود
الوسـاطة، يقـوم بهـا عندمـا تنشـأ أزمـة مـن الزمـات فـي كل منطقـة مـن المناطـق . كان
كمـا كان والـده أبوبكـر سـي رضـي اللـه عنهمافـي الهـدي والقـرى )ففـي حالـة يهـدي
وفـي حالـة يقـري(.
جعـل اللـه لـه دمـوع باكيـه دمـوع الرحمـة والغفـران تفيـض علـي قبـره ويمـل ميزانـه
بالحسـنات فللـه مـا أعطـى وللـه مـا أخـذ.
إنا لله وإنا إليه راجعون!.
محمد المصطفي سي رئيس دائرة المقتفين بآثار الباء
31
N° AL FATHI.indd 31 23/11/2017 06:38
مــن أجلــك نصبــت الخيــام والســرادقات،
ونكسـت الرايـات والعام، ولفقـدك تبكي القلوب
والفئــدة، ولغيابــك تظلــم الديار،وبأمجــادك
يتذاكــر الخطبــاء، وبمزايــاك يفصــح الشــعراء،
وعــن أخاقــك يمــدح المادحــون، ومهمــا تفنــن
الكتــاب فــي تعــداد خصالــك ومناقبــك، فلــن
ّ يبلغــوا المعشــار فــي ذلــك، ولــو أن نفســا تفــدى
بنفـس، لفدينـاك بـآلف مـن نفوسـنا، فأنـى لنـا مـن
عبــد عزيــز مثلــك؟
بفقــدك فقدنــا العطــف والحنــان والصــدق
والخــاص، فمــن ســيعوضك فــي ذلــك؟، ومــن
ِعَو ُضـك فـي مواقفـك المشـرفة مـن تحقيـق لاسـتقرار
الجتماعـي وتثبيـت للسـام الوطنـي؟ ومـا موقفـك فـي
حادثـة باخـرة »لجـول« عنـا ببعيـد! فمـن أيـن لنـا بشـبيه
مثلــك؟
َ جســدت بامتيــاز المصلــح الجتماعــي، والوســيط
المقبــول، وســفير النوايــا الحســنة، فقربــت وجهــات
النظــر بيــن الفرقــاء، وأعــدت الوفــاق بيــن الســلطة
والمعارضــة والنقابــة، وشــواهد التاريــخ ناطقــة بذلــك،
شــاهدة لــك بتمكنــك مــن إطفــاء نيــران الشــقاق بيــن
الســنغال وموريتانيــا، وبيــن الســنغال وغامبيــا، بــل
اســتعان بــك رئيــس غينينــا فــي درء فتنــة نشــبت بيــن
القبائـل والعشـائر الغينيـة، فوحـدت الشـمل، ووحـدت
الصفــوف، ورأبــت الصــدع إثــر الزيــارة التاريخيــة التــي
ّ قمــت بهــا خاطبــا فــي القــوم، وجاســا فيهــم النبــض
الســامي الخــوي القــوي، فمــن ســيقوم بمواقفــك
تلــك؟
فيــك -ننعــى- المكافــح والمناضــل والمقــاوم
َ والمجاهـد الـذي لـم يـكل ولـم يتعـب ولـم يتـوان يومـا
-منـذ عهـد السـتعمار، وحتـى بعـد السـتقال- فـي
دعــم قضيــة الثقافــة الســامية واللغــة العربيــة -لغــة
القــرآن- فــي الســنغال، فكنــت حجــر الســاس فــي
إنشــاء اتحــاد الجمعيــات الســامية فــي الســنغال،
وعملـت علـى أن تضـم رحابـه الفيحـاء كل النتمـاءات
ُ الفكريـة والعقديـة والطائقيـة والقبليـة السـنغالية، وقـدت
مســيرتها حقبــا مــن الدهــر دون أدنــى ســآمة أو ملــل،
وحققـت لإسـام وللغـة العربيـة وللشـريحة المسـتعربة
مــن الســنغاليين فــي هــذا الكيــان الثقافــي إنجــازات
ضخمـة، تذكـر وتشـكر عليهـا، فمـن يقـدر مـن الاعبيـن
أن نســتبدلك بــه؟
تبكيــك المراكــز الدينيــة الســنغالية جمعــاء، تبكــي
حكمتـك الفـذة فـي تعاملـك معهـا، وفـي خلـق قنـوات
تواصــل بيــن بعضهــا البعــض، وفــي فــكك لقيــود
32
N° AL FATHI.indd 32 23/11/2017 06:38
النانيـة والنرجسـية التـي كانـت تأسـر بعضهـا، فجعلتهـا
بمسـاعيك وحـدة منسـجمة، يـرى كل طـرف فيهـا بمدى
مـا للخـر مـن فضـل وخيـر، ويشـعر بمـا يكنـه لـه مـن
محبــة واحتــرام وتقديــر.
براعتــك وروعتــك ونموذجيــة المســاعي التــي
أقدمـت عليهـا إحيـاء وتخليـدا وتنشـيطا لرابطـة علمـاء
المغـرب والسـنغال، ومـا قطعتـه مـن أشـواط مـن أجـل
تجديـد الحيـاة فيهـا، تبقـى سـطورا مـن الذهـب يخلدها
التاريـخ، وقـد عملـت ضعفهـا عنـد مـا تـم تحويلهـا إلـى
مؤسسـة محمـد السـادس للعلمـاء الفارقـة، فمـن يبـرع
فيهـا بعـدك؟
بغيابــك، افتقــد الساســة شــهما نبيــا، ســعيت
فــي توجيههــم، وتقديــم المشــورة والنصيحــة الغاليــة
لهــم، فاســتفاد مــن خبرتــك الكثيــرون مــن السياســيين
فــي ســاحات السياســة، وبلباقــة دينيــة متميــزة، يبقــى
ســرها محتفظــا بــه لديــك، ومثلهــم اســتفاد المعلمــون
والمربــون والقتصاديــون مــن معيــن بحركــم الصافــي،
ومنهـل معارفكـم العـذب، ومـا خطواتكـم علـى الصعيـد
التعليمــي والتربــوي، ودعواتــك المتكــررة لهــذه الفئــة
مـن المعلميـن والسـاتذة والمربيـن بـأن يكونـوا قـدوة،
وتوجيهاتكــم الرائــدة والواعيــة للسياســيين، وآراءكــم
الحكيمــة والصائبــة لاقتصادييــن إل قطــرات مــن
بحــر الســجل المشــرق الشــاهد علــى عظمتكــم ونفــاذ
بصيرتكــم، فأنــى لنــا مــن مثلــك؟
َت ُ نــد ٌب مَو َ اراتــك الثــرى لجنــة المتابعــة لحــال
الســام وتحقيــق الوئــام بيــن العــراق وإيــران، والتــي
كنـت فيهـا عضـوا فاعـا، وتبكـي فقـدك جمعيـة الدعـوة
الســامية، التــي ســافرت مــن أجلهــا إلــى ماليزيــا،
وســيريانكا، وإلــى ليبيــا عشــرات المــرات، وإلــى
بلــدان المغــرب العربــي؛ تونــس والجزائــر والمغــرب
مــرات ل تعــد ول تعصــى، فبليــت البــاء الحســن فــي
كل مواقفكـم النسـانية والسـامية، وشـاركتم بعلمكـم
وحلمكــم وفكركــم ومالكــم وتجربتكــم وحنكتكــم
ورويتكــم ودرايتكــم أيمــا مشــاركة!.
ودواليـك كانـت رحاتكـم الدعويـة الجهاديـة إلـى
القــارة القديمــة أوروبــا؛ إســبانيا، وفرنســا، وإيطاليــا،
ومالطــا، وإلــى القــارة الجديــدة أمريــكا، وتوغلــت
فــي عمــق إفريقيــا وأدغالهــا؛ فحــط رحالــك أرض
الجمهوريــة الســامية الموريتانيــة، وغينيــا بســاوو،
وغينيــا كوناكــري، والغابــون، ومالــي، وســاحل العــاج،
وجمهوريــة توغــو، وســيراليون، وغامبيــا، ومــا كانــت
أغراضــك ومراميــك النبيلــة مــن هــذه الســفار إل:
تجديــد العهــد، وصلــة الرحــم، وتوعيــة الحبــاب،
وحثهــم علــى الكــدح والعمــل الجــاد، والعتمــاد علــى
النفس،وبأريحيــة منقطعــة النظيــر، أنفقــت أمــوال
طائلـة، وعانيـت فـي هـذه السـفار مشـقات جمـة، ومـا
تراجعــت، ول تــرددت فــي إعــاء كلمــة اللــه، ورفــع
راياتهــا عاليــة خفاقــة، علمــت، وربيــت، ووجهــت،
ونصحـت، وأرشـدت فـي فتـرة لـم تكـن فيهـا الظـروف
ول الوضـاع متاحـة وسـانحة كمـا هـي عليـه الن، ولـو
اسـتفتي النـاس فـي شـأنك، لقالـوا جميعـا بـا اسـتثناء:
َ شــكر ّ ال ُ لــه ســعيك أيهــا الســيد الميــن.
منابــر الــدروس الحســنية رزئــت بفقــدك وغيابــك
المفاجــئ، كــم تشــرفت جلســاتها بحضــورك، وكــم
تناولـت الكلمـة فيهـا ممثـا كـفءا لبنـي قومـك وبلـدك
السـنغال، معربـا ومبديـا فـي تدخاتـك موقـف المثقـف
الســنغالي فــي القضايــا المطروحــة علــى موائــد هــذه
اللقــاءات.
وفــي أرض النبــؤة والرســالة، حــط رحالــك مــرارا
للمشـاركة فـي المؤتمـرات العالميـة التـي دعيـت إليهـا،
وآخرهـا كان فـي عـام ،2008 بدعـوة مـن الملـك عبـد
اللـه، وكانـت كلماتـك فيهـا قويـة وشـريفة بقـدر شـرف
مـن تمثلهـم.
ّ شــجاعتك الدبيــة كانــت الجنــة الواقيــة، والــدرع
الحصيــن، التــي عليهــا تحطمــت خناجــر القــام
المأجــورة والســهام المغرضــة، وغيرتــك علــى الطريقــة
الحمديـة التجانيـة حميـت بهـا عـرض الطريقـة ورجالها
ومبادئهـا، فأنـت جنرالهـا ومحاميهـا والمدافـع الـدؤوب
عنهــا، فهــل تجــود اليــام بمثلــك؟
ّتــم المقدمــون والعلمــاء والئمــة
مــن بعــدك تي
والحبـاب، وأفقـرت مـن الخيـر والهدايـا ديـار الرامـل
َ والثكالـى، فجـودك الحاتمـي وحلمـك الحنفـي ر ْ فعـت
الحجــب بينــك وبينهــم، وأزالــت الحواجــز والســدود
بيــن التابــع والمتبــوع، فــا ســدود، ول حجــاب بيــن
المربــي والمتربــي، وفــي عيــن عنايتــك ورعايتــك لهــم
33
N° AL FATHI.indd 33 23/11/2017 06:38
كلهــم إخــوة وأبنــاء، وهــم يبادلونــك ويكنــون لــك مــن
المحبـة والـود مـا ل يعلمـه إل اللـه، شـاركتهم أفراحهـم
وأتراحهـم، وأغدقـت العطايـا والهبـات السـخية عليهـم،
كنــت لهــم عونــا، ونعــم المعيــن!
راعيـا، معتنيـا، مشـفقا، سـاهرا، كنـت علـى شـؤون
الســرة المالكيــة والحضــرة التجانيــة، فكنــت أخــا
اليتـام والرامـل، وأكـرم النـاس بحـق الضيـف والجـار،
فواضلــك تخجــل مــن جمهــا النامــل، فأنــت البــدر،
ل تخفــى علــى الســاري، تكفلــت بالديــون، وفككــت
العانــي، وأطلقــت الســير، وكنــت ســمح اليديــن غيــر
مقتــار، وأنفقــت ســرا وعانيــة، فمــن كفيلنــا بعــدك؟
ويـا لهـف تـواوون !! وهـي تنـدب فقيدهـا، وتبكـي
ابنهــا البــار، الــذي ســعي مــن أجــل توســيع رقعتهــا
الجغرافية،وتخطيــط أحيائهــا الحديثــة، وتحديــث
أحيائهـا القديمـة، هـي تديـن لـك بمـا وصلـت إليـه الن
مــن تطويــر وتعميــر وتنميــة، عملــت علــى أن تســتفيد
تــواوون مــن كل الخدمــات الجديــدة الضروريــة، ومــن
كل المرافــق الحديثــة الازمــة، فحملــت لهــا الخيــر،
وحققـت لهـا مشـاريع معماريـة خاقة وإبداعيـة، وكانت
نظرتـك البعيـدة والصائبـة وراء التحديـث والتعميـر الذي
أدخلتهمــا الحكومــة فــي العواصــم الدينيــة.
قلبـك الكبيـر، وأياديـك البيضـاء وفعالـك الحسـنى
تجــاوزت آثارهــا مدينــة تــواوون، فكــم مــن مــدن
وقــرى وأحيــاء فــي ضواحــي تــواوون؟، اســتفادت مــن
مكرمـات نبلكـم، سـهرت علـى أن تصـل إليهـا خدمـات
الميــاه والكهربــاء، وعلــى أن يســتفيد كل مســتحق لهــا
بهــذه الخدمــات، بصــرف النظــر عــن انتمــاءه الفكــري
أو الطائفــي، وقــد شــرفتنا بالشــراف والرعايــة لهــذه
العمـال ومتابعتهـا، ومـاذا عـن أنـاس وفـرت لهـم بقعـا
أرضيــة، وأخــذت علــى أيديهــم لبناءهــا بمســاعداتك
الســخية وهباتــك الكريمــة؟ وأنــاس وقفــت وراء
حصولهــم علــى مصــدر محتــرم للــرزق؟
أسسـت دور تربيـة وتعليـم، وأخرجـت مـن ثناياهـا
معاهـد نموذجيـة، ومـزارع تدريبيـة، تـزاوج بيـن الجانب
النظـري والجانـب العملـي فـي تكوين المواطـن الصالح،
والفــرد الخيــر، تحولــت إلــى جامعــات شــعبية وبيئــات
حاضنـة تربـى وتكـون الفـرد لاعتمـاد علـى نفسـه، ومـا
المعهـد السـامي فـي تـواوون، وتجربـة بلـل الزراعيـة
وبـال جـوب، وكـر ممـر سـار، إل أرقامـا ضمـن السلسـلة
الطويلـة مـن إنجازاتـك وجهـودك.
وأنــى يكــون لنــا مــن شــيخ تربــع علــى قمــم النبــل
والشــهامة، والعطــف، والكــرم، والعفــة، والثبــات،
والصبـر، والتحمـل، وكظـم الغيـظ، والعفو، والحسـان،
….الــخ؟،
فعلـى روحـك الزكيـة يـا عبـد العزيـز تحيـة، تحيـة
تجديــد للعهــد والمحبــة، تحيــة تأكيــد وتمتيــن لعــرى
البيعـة وميثـاق الوفـاء علـى المضـي قدمـا فـي المشـوار
والمنهـج الـذي رسـمته لنـا مـع الحبـاب، وتحيـة قسـم
آلينــا فيهــا علــى أنفســنا أن نكــون خيــر خلــف لخيــر
سـلف، فلـن نحيـد قيـد أنملـة عـن وصايـاك وتوجيهاتك
الغاليـة بالمحافظـة علـى التـراث؛ والـذي لخصتـه فـي:
علــم، ومعرفــة، وثقافــة وعبــادة وأخــاق، ولــن نتهــاون
قــط بوضعهــا نصــب أعيننــا ودعــوة الجيــل المعاصــر
لاســتنارة بهــا:
إن مــات شــيخكم مــا مــات شــرطكم
توارثــا كل أوقــات وأوقــات
فيـا مـن باغتـه يـد المنيـة، ورحـل عـن دنيانـا، بعـد أن
أوصـى ذريتـه وأهلـه بمـا أوصـى بـه النبيـون والصالحـون
بنيهــم وأتباعهــم، ويــا مــن ربــى فؤادنــا، وقــوى مــن
عزمنــا، وضاعــف ثقتنــا فــي أنفســنا، ووجــه مصيرتنــا
نحــو التقــدم والتطــور والزدهــار، وداعــا حتــى نلقــاك
فــي جنــة الفــردوس.
ويــا عبــد العزيــز، الــذي رحلــت عــن عالمنــا فــي
ظـرف عصيـب، وواقـع مريـر، نحـن فيـه بأمـس الحاجـة
إلــى تعاليمــك وتوجيهاتــك، وإرشــاداتك وكلماتــك،
ودعواتــك، ويــا خيــر والــد نحــل أولده تربيــة حســنة،
وهيــأ لهــم مــن أمرهــم رشــدا، وكان مأمونــا فــي ترقيــة
الرواح وترويضهــا علــى حــب اللــه وحــب رســوله،
وحـب سـير الصالحيـن والعمـل علـى مقتضـى الكتـاب
والسـنة، مـا أشـد وأصعـب فراقـك لنـا، لكـن إلـى جنـة
الخلــد مصيــرك.
فيــا مــن فارقتنــا، وفــي فراقــك عبــرة وعظــة، ويــا
نجمــا ســطعت أنــواره فــي ســماء تــواوون، ورســم
للسـائرين مـن بعـده نهـج السـعادة والفاحـة، ويـا مـن
رحــل عنــا جســمه وبدنــه، وأبقــى لنــا مــن بعــده ذكــرا
خالــدا، وثنــاء حســنا فــي ذاكــرة التاريــخ وفــي ضمائــر
النـاس، وداعـا وداعـا، وإلـى جنـة الخلـد، حيـث تجـزى
ّ مـن قبـل مولـى عزيـز، أعـز منـك يـا عبـد العزيـز، علـى
ثمــرات جهــودك، ونتائــج أعمالــك فــي فســيح جناتــه.
َ فتحيــة َ إكبــار وتبجيــل، وانحنــاء إجــال واحتــرام،
لتســترح روحــك الراضيــة المرضيــة فــي ظــل والــدك
الرافــل بالســعادة الشــيخ أبــي بكــر، الــذي بشــر بــأن
عبـد العزيـز عندنـا فـي كنـف عنايـة اللـه، الـذي يجـزئ
العامليــن المخلصيــن المحســنين، ولتســتقبلك مائــك
الرحمـة بافتـات »يـا أيتهـا النفـس المطمئنـة ارجعـي
إلــى ربــك راضيــة مرضيــة، فادخلــي فــي عبــادي
34
N° AL FATHI.indd 34 23/11/2017 06:38
وادخلــي جنتــي«.
وعســى مــع مــا يعترينــا مــن شــدة اللوعــة، وهــول
الفاجعــة، وشــدة الحالــة، أن يخفــف ســكب هــذه
العبـرات مـن دمـوع قلـب مفجـوع، ونفـس جريـح علـى
فـراق شـيخها، الـذي هـو السـيد النبيـل، والسـند الجليل،
ووارث أســرار الخيــار، وحامــل مفاتيــح النــوار،
أميــن المــة، وراعــي الملــة، محيــي الشــريعة والســنة،
ومصبــاح حضــرة الئمــة، مــأوى المســاكين، ومحــك
المسـتضعفين، ومنقـذ المحتاجيـن، وموئـل الملهوفيـن،
ُِ وعصمـة الرامـل، وأنيـس الفاضـل، س ْ ـعدت بصحبتـه
وبمرافقتــه طــوال ثاثيــن عامــا، فقلــت مســتعينا باللــه
وفضلــه:
ٌ إنــي لفقــدك هائــم ُ أتوجــع
عزيزنــا فــي ذمــة ال
عبــد ِ العزيــز ُ
ُ
ُ هــذا قضــاء اللــه ل رجعــى لــه
ذهـب الـذي غمـر الجميـع بعطفـه
مــن كان يبســط َ للفقيــر جناحــه
ُ
وســماحة
ٍ
وفصاحــة
ٍ
ذو همــة
ٍ
كم
ُ
ُ ولقــد رأيــت ُ فمــا رأيــت َ شــبيه
َ مـا أنـس َ ل أنـس َ الوضـاءة ّ والتقـى
واصــل َ أرحامــه
ٌ للحــق أهــل ٌ
ْ تبكــي تــواوون ُ والمدائــن حولهــا
ُ ومعاهــد َ للعلــم قــد أنشــأتها
ُ ونجــوم ِ علمــك بالبــل ِ د جميعهــا
هــم
َ َ هــدون ّ بالعلــم الــذي ور َثتُ
ي
ٍ وتتــرا حولــه مــن مالــك
ٌ بــدر
َ إن غــاب ٌ بــدر ُ عاقبتــه كواكــب
ومالــك
َ يــا آل َ ســي آل ِ الميــن ٍ
َ ْت
ك ّ ــم وتشــعب
ُ
فضل
جل ْ ــت ُ مآثــر ِ
ّ
هــم فــي قومنــا
ِ فــأد ْم َ إلهــي فضلُ
ــة
ً
ّ
ِّ يــا رب ْ أنــزل ِ بالحبيــب تحي
ـه
ُ
ر َوح
ِ فـي منـزل ِ الشـهداء ْ فاجعـل ُ
ــه
فعال ِ
إلهــي منــه كل ِ
ّ
ْ واقبــل
وفــق خليفتنــا الجديــد وكــن لــه
واجعلــه ذخــرا للنــام أهلــه
خطاه علـي خَطي خير الورى
ُ
ّسـد ْد
د
ٍ
م
ّ
م َح
ّ ِ علـي الحبيـب ُ
ِّ يـا رب َ ص ِ ـل
ــع
شــئ َ يفج ُ
ٍ
ّ ك أي
ُ ْع ِ ــد
مــا مثــل ب
ُ
ع
ُ
للــه الــذي كل َ لــه يســت َود
ٌ
ــع
ُ فــإذا المنيــة أقبلــت ل ت َدف ُ
ــع
ل ت َقط ُ
ُ
ــا رحمــة
ً ّ
وحب
ُ ً
ــرا
ّ
ِب
ــع
ُ ركــن َ اليتيــم إذا الشــدائد ت َصف ُ
ع
ُ
ٌ للعلــم أهــل ِ بالبلغــة َ يصــد
ــع
ف ُ
ّ
وبســاطة َ يتَر
ٍ
ا عــزة
ٍ
َذ
ع
َ والبــذل ُ إذ تأتــي النــام َ وتفــزُ
ع
ُ
َ َجــز
ومــن الزمــان وريبــه ل ي
ــع
ــن ِ مــن ألــم ِ الرحيــل َ وتخش ُ
ِوتئ ّ
ع
ّ تدعــو لكــم رب َ الســماء وتضــرُ
ــع
ُ تســتنير َ وتلم ُ
ً
وغربــا
ً
شــرقا
ــع
ي َقش ُ
هــم ليــل ِ الجهالــة ُ
ُ
ِ فبفضل
ــع
ُ تلــك الكواكــب ُ نور َ هــا يتشعش ُ
ــع
لــه فلــك ُ يــدور َ وينف ُ
ٌ
كل
ٌ
ــع
ول تتقط ُ
ُ أســراركم ل تنتهــي أبــداً ّ
ع
ُ
ز
ّ
تزدهــي وت َ ــو
ُ
ٍ
ّ فــي كلِ ّ حــي
ــع
ُ حاشــاك تمنــع َ مــا بســطت َ وترف ُ
ــع
رحمــة ّ تتوس ُ
ً ً
ســلما
ً
َ ْ ــردا
ب
ع
ُ
ــد
ّ
ص
الخ ِ لــد ُ ل ي ّ
ُ
ِ يغــدو بــدار
ع
جيــب َ الســائلين َ وتســمُ
يــا مــن ت ُ
ُ
وأعنــه فيمــا يبتغيــه ويشــرع
ع
ولنصــرة الســل َ م دومــا يهــرُ
ــع
ُ ّ
َ بــارك لنــا فــي كل مــا يتتب
ــع
ــد َ يرك ُ
ٌ ْ
َ مــا قــام َ بيــن َ يديــك َ عب
بقلم/خليفة لو /السكرتير الخاص للشيخ
35
N° AL FATHI.indd 35 23/11/2017 06:38
ة ِ ذ ْ ي الَقْدرِ
ُ
َ
َْق َ ى م ِشيئ
ات َك لَ َ ا تب
ُ
َ ْمِر
ا َحي
َْ
اْكَر ِام َ و ْال َخْلِق َ وال
ِْ
ذو ال
ُ
َ َارَك
َتب
َْدَما
َُعي
ًا ب
ََق ِ ا ذْكراً َ جِميل
ِْر َكَف َ اك ْ الب
ف ْ ي الَقب
ب ِ
ُ ّ
ى تَغي
ُ َ
عْقب
لْلُ
َرِحِل َ يك ِ
ه ْم
َلُ
ْ
ال َ وَقب
ٌ
ه َ ف ْض ًل ِ ر َج
ي الذ ْكِر َفَقْد َ ن َالُ
ّ
ف
اء ِ
ً َ ك َم َ ا ج َ
ال َ ق َضْو َ ا ن ْحبا
ٌ
ِر َج
ق َون ِ بَع ْهِدِه ْم
ُ
ٌام َ ص ِاد
اة ِمِن ِ ذ ْ ي الَق ْهِر ِ كَر
ٌ
هَد
ُ ْ
مَهي
ق ْ الُ
ّ
م ْ ال َح
ِل َمْولَ ُاهُ
خْلِدِه
ُ
ن ِ ات
ّ
َ ُ اع ِ وا ب َج
ف ًسا ب
ُ
َْن
ه ْم، ا
ر َفُ
َّ
از ِ وا ر َض ْ ى الب
ُ
ال َ ف َح
ٌ
َ ْمَو
َكَذِل َك ا
الَكا
ّ الدين َِس ِ
ف ِ ي خْدَمِة َج ْهِر
ه ْم ِ
َُ
ر َ و ْال َسَع َ ى س ْعي
ف ّ ي السّ
وه ِ
ف ُ
ُ
َْق
م ي
ُ
ه
يلُ
ُ
َسِب
ال ٍك
م ِ
سَل َالِة َ
ُ
ي ِ م ْن
ا ِلكّ
يب َ ف ْرٍع َ ك َم َ ا ت ْدِر َف ي ًت َ ى مِ
ص ٍول ِ ط ُِ
ُ ُ
ِبِط ِيب ا
ّبا
مَطي
َِم ًين َ ا ذ ْ ا اجِتَه ٍاد ُ
ب ا
ا ْصِل َ ذ َ ا ف ْخِر َفَش ّ
َْ
م َ ا ك َان ِ بال
ه َ
ََن َ ى م ْجَدُ
ب
ا ْخَوٍة
َ ٍاء ِ كَر ٍام َ وِ
ِآب
َِم ًينا ل
ن ْك ا ِر
ُ
طّراً ِ ب َل
ُ
ن َ و ذ ْ ا الَع ْصِر
َُ
َكَذ َ اك ب
امًة
ب ْ ال َجِم ِيع َ كَر َ
ّ
ى ح
ُ
َِم ًين َ ا حَو
ْ ا ِر
الِه ْ ال َخي
َ ْفَع ِ
ح ْسَن َ ى وا
ِلِس َيرِتِه ْ ال ُ
ع ْرِفِه
ُ
م ْ ال َجِم َيع ِ ب
ّ
َِم ًين َ ا لَقْد َ ع
ر
ي ض ا ّ
ُ
ِ َح ِ ذ
َ ْعَر َض َ ع ْن ِ ذ ْي ال َج ْهِل َ سام
َوا
حَل ِاحِلي
ُ
َْد ْ الَعِز ِيز
َ ْعِن ِ ي بِه َ عب
َ ْكِر َفا
ِبي ب
َ
ْ ِخي ا
ص ِور َ شي
ُ
ِب ْ ي ال َمْن
َ
َسِل َيل ا
ال ِك َ ع ْصِرِه
م ِ
ر َ وف َ
ُ
ى الد ْهِر َيل ّ الر َض ْ ى ال َم ْع
ّ
مَد
ً َسِل َ
ِْه ْم ِ ر َض ّ ى الر ْحَم ِان َ دْوما
َعَلي
ج ْمَعٍة
ُ
َْوَم
ه ي
ُ
ي
ُ
َ ً اح َ ا ن ْع
ََت َان َ ا صب
ف َ ي ذِل َك ا ْ الَوْق ِت ِ ذ ْ ي الَقْدِر
َلِتِه ِ
ْ
ِلَلي
رٍم
ّ
َْد ُ ا م َح
ُ آ ش ْكِر ِ ي« ب َمب
َ ْدِر
ي ز ْمَرِة ْ ال ِبَع ِام ِ »حَر ب
ُ
ف
م ِ
َْن َضّ
ه ي
َُ
َق َض َ ى ن ْحب
ا َسى
َْ
لٍ ِ م َن ال
ّ
ك
ُ
ال
ُ
ال َ ي ح
ت َ و َح ِ
قْل ُ
ُ
م ْفَرَد ْ الَع ْصِر َف
قْدَوًة ُ
ُ ً
اَماما
ت ْم ِ
ُْ
َنَعي
دِه ْم
ّ
مِم
ُ
ق ْط ِب ْ الَع ِارِف َين
ُ
ق ْطِر َخِل َيفَة
ُ
خَلَف ِاء ّ السِابِق َين ِ بَذ ْ ا ال
ُ
َعِن ْ ال
ً
ّيا
مَرب
ُ ً
ْخا
ال ِله َشي
ّ
م
ُْ
ي
َ
م ْ الِب ْشِر َوَك َان َ وا
ائُ
ه َ دِ
ُ
ه
ُ
ً َ و ْج
ً َ كِريما
َعِفيفا
ًة
ّ
َ َ ى دِني
ب
ْ
اء َ تا
َ َ
مٍة َ عْلي
َ َخ ِ ا ه ّ
م ِور َ ك ا ِذ ِ ي ح ْجِر
اُ
ُْ
ه َ سْف َس َ اف ال
ُ
َوَت ْكَر
ً
ّبا
م َحب
يًد َ ا وُ
ً َ ا سّ
اه َ ن ْدب
ُ
ِلْفَن
َ
ْ ا ِر
اَل ْ ى ال َخْلِق َ ذ َ ا ع ْزٍم َ و َح ْزٍم ِ ب َل ِ كب
ِ
اَذى
َْ
الضَر َ وال
ّ
َ ْكَثَر
ي الش ْعِر ِسِه َ ، ك ْم ا
ّ
ف
اء ِ
ً َ ك َعَل َ ى نْف َم َ ا ج َ
ِلَنْفِع ْ الَوَر َ ى حّقا
دِه
ّ
ال ِك ْ الَع ْصِر َ ج
ف َ ي م ِ
ا ْسَت ِاذِه ِ
ُ
ق ِ ب َل ل َ غ ْدٍر ِ
ّ
م ِح
ُ
ق ِ م ْن
ّ
َشَه َادَة َ ح
ٍَة َ نَفى
ك ْرب
ُ
َْق ِض َ ي وَك ْم
ف ّ ي السِر َ و ْال َج ْهِر َفك ْم َ ح َ اجٍة ي
ِْن ِ
َي
ا ْص َل ِح َ ذ ِ ات ْ الب
ِبِ
ً
ن َ ص ِادعا
يَد ِاري لَ ُ ا يَد ِاه ُ
ِْر َوَك َان ُ
اف ِ م َن ْ الَغي
ُ
َ َخ
ً ي
ق َ ف َل َ لْوما
ّ
ِب َح
ائٍر
لْل َجِل ِ يس َ وَزِ
ا َم َع ال ْمِر ِْا ْحِتَر ِام ِ
َْ
ائِل َ وال
ف ْ ي ال َم َس ِ
اه ِ
ُ
ْ ِ ي سَو
َوَرا
ه ْم
لُ
ّ
ك
ُ
ا لْل َجِم ٍيع َ و
مِع ًين ِ
ع ْسِر َوَك َان ُ
ي ْسِر َ و ْالُ
ف َ ي ح َالِة ْ الُ
ه ِ
ال َ لُ
ٌ َ
ِعي
ه ْم
لُ
ّ
ك
ُ
ق
ُ
م ْخَت ِار َ ف ْال َخْل
اء َ عِن ْ الُ
َ ْحِر َو َج َ
ر َ و ْالب
َّ
ف ْ ي الب
ب ْ الَع ْر ِش ِ
ّ
لَر
ال ِ
ٌ َ
ِعي
ً
ّ النْفِع َ ر ِ احما
ر
َ ْكَثُ
ق ْل ا
ُ
م
ُ
ه
ُّ
َ َحب
ا ا ْجر
َْ
ال ِله َ وال
ّ
ْ َل ِ ر ْضَو ِ ان م َن
ه ْم َ ني
َلُ
36
الحمــد للــه، والصــلة والســلم علــى رســول اللــه
وعلــى آلــه وصحبــه، ومــن وله.
وبعـد : فهـذه قصيـدة مـن بحـر الطويـل أنشـأها راجـي
عفـو ربـه الجليـل مـام غـور طـوب الحقيـر، يرثـي بهـا
الحكيــم الشــهير البطــل الماجــد، والعابــد الزاهــد/
مـولي عبـد العزيـز أبـي بكـر الميـن رضـي اللـه عنهـم
وعنـا بهـم ومعهـم آميـن، قائـل وباللـه تعالـى التوفيـق
وهـو الهـادي بمنـه، إلـى سـواء الطريـق :
N° AL FATHI.indd 36 23/11/2017 06:38
اضٍع
ُ
ً َ ذ َ ا تَو
ينا
ً َ لّ
طوفا
ُ
ً َ ع
كوراً َ ذ َ ا وَق ٍار ِ ب َل َسِخي َ ص ْعِر ّا
ُ
بوراً َ ش
ُ
َص
ه
ه َ وَنَه َارُ
َلُ
ْ
مَد ٌام ْتِر َ لي
اه ُ
ُ
َ ْزَك َ ى طَع ٍام َ و ْال َحِد ِ يث ِ بَل َ ا ق ِقَر
ِبا
َ ْح ِث َ ذ ِاكراً
لْلب
اَل ْ ى الَف ْجِر َو َع َ اش َ قِل َيل ّ النْوِم ِ
ِ
ب ِ ذ ْ ي ال َجَم ِال
ّ
مَن ِاجَي َ ر
ُ
ائ ٍف
ع َ خ ِ
ُ
م ْفَز
ل ِب َ
ّ
الط
ّ
يْتِم َ و
ُ ْ و الُ
ب
َ
م ْجِدِب َين َ ذ ا ِو ْ ي الَفْقر
َ َ ا و ْالُ
غَرب
ُ
ُ ْ و ال
ب
َ
ا
وَدٍد
َ َ ا و ُسْ
ا مَزاي
ً َ ذ َ
ّا
ً َ نِقي
ّا
َ ْجِر َت ي ِقي
ا ْذ ي
لش ْع ِب ِ
ّ
ل
خْل ِف ِ
ُ
َ ِاج ْ ي ال
مِن َير َ دي
ٌ
ً
مْنِفقا
ُ
م
ُ
ّس َس ْ الَقْر
َ
م ْسِجٍد َ قْد ا
لش ْكِر َوَك ْم َ
ّ
ل
ْ َس ِ
ًة َ لي
َ
ف ِيه ِ ح ْسب
َمَل ِاي َين ِ
م ْع َهٍد
مَد ِار َس َ
ّ ِ ي م ْن َ
ت ْح ِص ِيه َ ك ْالَق ْطِر َوَم َ ا ش َاد ِ حب
ُ
َمَر ِاكَز ِ عْلٍم َ ل ْس َت
م
ُ
ه
ُ
ه ْم
ُ
ت َح ِاد َ و
ّ
ِْا
ا الش ْهِر َوَك َان َ رِئ َ يس ال
ّ
اة ِ بَذ
لْلَوَف ِ
ِ ً
نَزاعا
َ ًاء ِ
اب
ِ
ح ْسِن ْدِر ْ الِخصاَِل َ وَن ْجَدٍة
ُ
ا ف ِيه ِ م ْن
م ْع َ وَف ٍاء ِ بَل َ ا غ ِل َم ِ
ٍْر َ و ِحْلٍم َ
َو َصب
ل َ ج ْمٍع َ وَن ْدَوٍة
ّ
ي ك
ُ
ف
ه ْم ِ
ثَلُ
ّ
ِْر
م َم ِخب
د ِين َ و ْال ُ
مْلَتَق ْ ى الّ
وَتَمَر ٍ ات ُ
ْ
م
ُ
َو
انِه
ِ َ
َي
ي ِ س ْحَر ب
ه ْم ْ ال َم ْر ِضّ
ُ
يب
ف ْ ي الِف ْكِر َخِط ُ
َ َان ِ
تْنِس َ يك َ س ْحب
ُ
ه
ُ
ت
َف َص َ احُ
م ْوِلٍد
َلِة َ
ْ
اء َ لي
َ َ
ا ْحي
ِ
ع ْمِر َ اضَرًة
ُ
م َح
مَد ْ ى ال ُ
ل ِ ح ٍين َ
ّ
ي ك
ُ
ف
اتِه ْم ِ
َ َارِ
ِزي
ه
ُ
ن
ل َ ى و ِسّ
ّ
َ ْخَل ٍاق َ ت َح
الشِر َك ِارَم ا
ّ
َ َم َ ى عِن
َْنا
ِْر ي
يل َ حِل َ يف ْ ال َخي
ٌ
َقِل
م ْرِشداً
ُ
ر ْم َت
ا ْن ُ
تْغِن َ يك ِ
ُ
ه
ُ
يب
ل ْت َ عِن ْ ال َح ْصِر َت َج ِار ُ
ّ
ِْد َ ج
ب َ هَذ ْ ا الَعب
اق ُ
َمَن ِ
د ْه
الُ
ة َ و ِ
ُ
اه ْ ال َخِل َيف
ُ ّ
ر َو َل َ غ ْرَو َ رب
ِْمِن َ ذ ِ ا سّ
مَهي
لْلَمْوَل ْ ى الُ
اه ِ
ق ُ
ّ
َوَر
ه
د َ فْقَدُ
ُ
ُآن َ و ْالِو ْر
قْر
ُ
م َ و ْال
َ ِر َك ْ ى الِعْلُ
ْ ب
ض ِ م ْن َ ف ِاعِل ْ ال َخي
ُ
ا ْر
َْ
ه ّ السَم َ ا وال
ُ
ََكْت
ب
لَها
ُ
َ ْه
ه َ وا
ُ
ََكْت
ً َ قْد ب
ُ اوون َ حّقا
ع ْسِر َو
ام َ ى ذ ْ وو ال ِت ُ
َ َ
اي
َْ
ُاء َ وال
فَقَر
ُ
َكَذ ْ ا ال
بَنا
ّ
اه َ ر
م ْخَت ِار َ ج َاز ُ
مِة ْ الُ
ّ ُ
ْ ِض َ و ْالَوْفِر َفَع ْن ا
ج ِان ِ ذ ْي الَفي
ّ الت ّ
ز ْمَرِة
ُ
َو َع ْن
َ ْع َم ِامِه َكَذا
ْ ٍخ َ وا
الٍد َ شي
ر َو َع ْن َ و ِ
ّ
ً َ عَل ْ ى الِب
ً َ وِطينا
ة ِ دينا
ٌ
ا ْخَو
ِ
ه
َلُ
نِة ّ الر ْضَو ِان َ دِار َ سَل ِامِه
ّ
ا َقْدِر َل َ ى ج
َ ِاء َ ذِو ْ ي ال ِ
اْنِبي
َْ
الشَهَد َ آ وال
ّ
َم َع
َ ِ اضهاَ
ّس ْع َ رْو َضًة ِ م ْن ِ ري
َْر َ و
ه ْ الَقب
ّ السْتِر َلُ
وََر ِ ه ب ْالَف ْضِل َ ذ ْ ا الَعْفِو َ و
مَنّ
ُ
م ْن
ِْر َ
م َج ِاوَر َ خي
ْ َح ٍان ُ
َ ِلَر ْجِر ْو ٍح َ وَري
ى ال ِلط ِ يف ِ بَلا ا
ّ
لْلَمْوَل
َدَع ْ ا ال َخْل َق ِ
ت ْر ِض ِيه َ ش ِاكَر َ س ْعِيِه
ُ ً
ا ن ْكِر ًرض َ ى ر ِ احما
ُ
اه ِ بَل
ُ َ
ب
َ
َ ْكِر ا
َا ب
ب
َ
تِر ِيه ا
ُ
ال َك َ ع ْصِرِه
م ِ
ص ِور َ
ُ
َ ْ ا ال َمْن
ب
َ
يِر ِيه ا ْنِشر
ا ال ُ
ّ
َ ْحَمَد َ ذ
ّ ِ اس ا
َ ْ ا الَعب
ب
َ
يِر ِيه ا
ُ
مداً
ّ
م َح
طّراً ُ
ُ
ر َ شِف َيع ْ ال َخْلِق
ّ
يِر ِيه َح
َ ْرِد َ و ْال ُ
ِْه َ سَلاماَ َ ج ِاعِل ْ الب
َعَلي
ه َ كَذا
َْن ُاءُ
ب
َ
ا ْخَو ِان ا
ِْ
ا ِر َلى ال
ِ
ٌاء
ق ْط َعَز
ُ
ك ُان َ ذ ْ ا ال
ّ
س
ُ
ا ْس َلِم
ِْ
ن ِ و د ِينَنا ال
َُ
ب
ً
افظا
ي ْد ِ بَن ْصٍر َ ذ ْ ا ال َخِل َيفَة َ ح ِ
ّ
َ
َ ْكِر َفا
ِبي ب
َ
ق ْطِبي ا
ُ
ي َ فِر ِيد ْ الَع ْصِر
ّ
َسِم
يِدي
ّ
َ ْحَمَد َ س
ّ َ ي كا
ه َ رب
ا ْخَو َانُ
ا ْصِر َوِ
ِْ
اِم ِين َ ذِوي ال
َْ
ِْن َ وال
الَكي
َم َع َ الم ِ
اتِه ْم
َ َخَو ِ
م ْع ا
ا ْخَو ِان َ
ّ الن ْصِر ِْ
َِني ال َة
َِن ِيه ب
َ ب
ص ْحب
ُ
ه ْم
ع َ و لُ
ُ
َ ْد
ه ْم ي
ُّ
َوَم ْن َ حب
ي
ّ
ً َ عَل ّ ى النب
يم َ دَواما
اة َ وَت ْسِل ٌ
ٌ
ِْر َل
اَل ْ ى ال َص َخي
َ ْص َحِابِه ِ م َن َ سِابِق َين ِ
َوا
ً
ي َ ر ِ اضيا
انّ
ّ ي الت َج ِ
ْ ِخ
ا َم َع ال ْمِر ْ ِآل َ ، ع ْن َ شي
َ
لْل
مِط ِيع َين ِ
خَلَف ِاء َ و ْالُ
ُ
َم َع ْ ال
ً في طويله
اثيا
ب َ رِ
ّ
ة ِ ذ ْ ي الَقْدِر َ ا ق َ ال ِ ح
ُ
َ َوَم
َْق َ ى م ِشيئ
ات َك لَ َ ا تب
ُ َ
َحي
37
N° AL FATHI.indd 37 23/11/2017 06:38
إن القلــوب لتتوجــع والدمــوع تســكب والقصائــد
تفيــض مــا أمكنهــا ، والعقــول مــا برحــت تخــرف مــن
جـراء انمحـاء هـذه المكتبـة العظيمـة الشـيخ عبـد العزيـز
الميـن التجانـي ذلـك اليـة فـي الزهـد والـورع والتقوى
والخلـق والصـاح. فهـو فـي الديـن رمـز وفـي الطريقـة
طــود شــامخ وعلــم راســخ. وفــي ميــراث الحكمــة
والموعظــة الحســنة جمــع الفــرض والتعصيــب. وفــي
القيــادة والمواطنــة ابــن جــاء وطــاع الثنايــا. فهــو
شــخصية متعــددة الجوانــب: دينــي علمــي سياســي
اقتصــادي اجتماعــي … ومــن بــاب السياســة نطــرق
فندخــل فــي مواطنتــه التــي مــا كانــت تنحصــر بعناصــر
المواطنــة الغربيــة الضيقــة التــي تتمثــل فــي: الدولــة ـ
المواطنيــن ـ الرض. بــل كان يتقيــد بأصــول المواطنــة
الســامية التــي حددهــا النبــي الكريــم وبيــن معالمهــا
فــي وثيقــة المدينــة والتــي كانــت تتركــز علــى الحــكام
والقيــم التــي تحــدد الحقــوق والواجبــات فــي مختلــف
جوانــب الحيــاة.
والشــيخ عبــد العزيــز رضــي اللــه عنــه بصفتــه
مواطنـا صالحـا، كان يسـعى جاهـدا مخلصـا إلـى كل مـا
يكـون فيـه خدمـة للوطـن والمـة. فلـم يغـادر فـي سـبيل
بحـث ذلـك صغيـرة ول كبيـرة إل وأحصاهـا. فقـد كان
يقـول:« قيمـة المـرء مـا يقدمـه لينفـع نفسـه والخريـن
مـن حولـه، وبمقـدار مـا يسـاهم فكريـا وعقديـا فـي بنـاء
الوطـن واسـتثمار ثرواتـه وصيانـة حقـوق أبنائـه وحمايـة
الرض مـن العـدوان تتحقـق مواطنتـه«؛ إنـه بحـق لمثـال
راق فـي المواطنـة الحسـنة.
ولذلـك الصـدد ارتـأت مجلـة الفاتـح أن تبـرز فـي
هــذا العــدد الخــاص نبــذة مــن بصمــات خــادم الدولــة
والمــة حامــي الطريقــة والملــة. رحمــه اللــه. معتمــدا
علــى هــذه النقــاط:
1 ـ مفهــوم المواطنــة فــي الغــرب وفــي الشــريعة
الســامية.
2 ـ مقومات المواطن المسلم
3 ـ بصمة المين في المواطنة الحسنة.
·مفهوم المواطنة:
تحــدد دائــرة المعــارف الســامية بأنهــا: عاقــة
بيــن فــرد و دولــة، كمــا يحددهــا قانــون تلــك الدولــة،
وتؤكـد أن المواطنـة تـدل ضمنـا علـى مرتبـة مـن الحريـة
ومــا يصاحبهــا مــن مســؤوليات،
وتســبغ عليــه حقوقــا سياســية مثــل: حــق
النتخــاب وتولــي المناصــب العامــة. وميــزت الدائــرة
بيــن المواطنــة والجنســية التــي غالبــا مــا تســتخدم
كمــرادف لهــا.
·مفهوم الجنسية في الشريعة ا\سلامية:
الفقهــاء كانــوا يطلقــون علــى الدولــة الســامية
اسـم: دار السـام. كمـا كانـوا الفـراد الذيـن يسـتوطنون
فيهــا بأنهــم أهــل دار الســام. وكان ارتبــاط الدولــة
بالسـام ارتباطـا خاصـا، ل يشـبه ارتبـاط الفـرد بالفـرد،
لن الدولــة الســامية ليســت فــردا وإنمــا هــي منظمــة
سياسـية كالدولـة، فرابطـة أفـراد شـعب دار )دار السـام
( بهــذه الــدار رابطــة سياســية وقانونيــة، ولن آثــارا
قانونيــة تنتــج عنهــا ويلتــزم بهــا الفــرد والدولــة فهــذه
الثــار هــي الحقــوق التــي يتمتــع بهــا الفــرد فــي ظــل
الدولـة والواجبـات التـي يلتـزم بهـا قبلهـا. وهـذه الرابطـة
هــي الجنســية وإن لــم يســمها الفقهــاء بهــذا الســم.
·الجنسية في المفهوم المعاصر:
»هـي نظـام قانونية تضعـه الدولة« والمواطنة حسـب
موســوعة الكتــاب الدولــي: عضويــة كاملــة فــي دولــة
أو فــي بعــض وحــدات الحكــم، وتؤكــد الموســوعة أن
المواطنيـن لديهـم بعـض الحقـوق مثـل حـق التصويـت
وحــق تولــي المناصــب العامــة وكذلــك عليهــم بعــض
الواجبــات مثــل واجبــات دفــع الضرائــب والدفــاع عــن
بلدهـم. و المواطنـة فـي صيغتهـا المعاصـرة فـي الغـرب
تركــن إلــى فلســفات معيتــة، وترتكــز علــى مبــادئ
الفلســفة الليبراليــة حيــث تعلــو فيهــا قيمــة الفــرد.
أمــا المواطنــة فــي الفقــه الســامي فإنهــا ترتكــز
علـى الحـكام والقيـم التـي تحـدد الحقـوق والواجبـات
فــي مختلــف جوانــب الحيــاة. والــذي يعنينــا منهــا هنــا
هــو جانــب الوطــن ،فــإن كان مواطنــوا البلــد كلهــم
مســلمين فالمــر واضــح فــي تســاويهم فــي الحقــوق
والواجبــات بينهــم وبيــن دولتهــم. وأمــا إن وجــد غيــر
مســلمين فدســتور المدينــة فــي الفقــرة الولــى والثانيــة
مــن البنــد رقــم ) 25 ( يقــرر المواطنــة المتســاوية
لليهــود وغيرهــم مــع المســلمين تحــت لــواء الدولــة
الســامية… يعيشــون معصوميــن دمــا ومــال وعرضــا
بحكــم مواطنتهــم الدائمــة وعلــى مــن يكتســب هــذا
الحـق أن يقـوم – فـي نظيـر ذلـك – بواجبـات مؤداهـا
38
N° AL FATHI.indd 38 23/11/2017 06:38
تحقيـق التكافـل مـع الدولـة والـولء لهـا لحفـظ كيانهـا
داخليــا وفــي هــذا دللــة علــى أمريــن:
الول: تأصيــل مبــدأ حريــة العقيــدة، وهــو مــن
المبـادئ السـاس التـي تقـوم عليهـا هـذه الدولة الناشـئة.
الثانـي : مبـدأ التسـامح مـع أهـل الديـان السـماوية
الخـرى.
وقــد حــذر الســام مــن اضطهــاد المســلم لغيــر
المســلم فقــال: ) أل مــن ظلــم معاهــدا أو انتقصــه أو
كلفـه فـوق طاقتـه أو أخـذ منـه شـيئا بغيـر طيـب نفـس
فأنــا حجيجــه يــوم القيامــة » وقولــه أيضــا: ) مــن قتــل
معاهـدا لـم يـرح رائحـة الجنـة، وإن مسـيرتها توجـد مـن
مســيرة أربعيــن عامــا(
أسـاس المواطنـة والنتمـاء للدولـة السـامية هـو:
اليمــان أول، والــولء ثانيــا. والصــل فــي هــذا قولــه
تعالــى: ) إن الذيــن آمنــوا والذيــن هاجــروا وجاهــدوا
بأموالهـم وأنفسـهم فـي سـبيل اللـه والذيـن آووا ونصـروا
أولئــك بعضهــم أوليــاء بعــض…(
وبهــذه المقومــات الســامية فــي المواطنــة، كان
الشـيخ عبـد العزيـز يتمسـك ويطبـق بهـا علـى أحسـن مـا
يـرام، فيتعـاون مـع أهـل دينـه وطريقتـه، و يتسـامح مـع
غيــر المســلمين، فــي دفــع عجلــة الدولــة إلــى النبثــاق
والتنميــة والتقــدم والتطــور..
2 ـ مقومات المواطن المسلم
إنــه رضــي اللــه عنــه فــي الحقيقــة كان متوســما
بمقومـات المواطـن المسـلم التـي تجعـل المـرء مواطنـا
صالحــا ولبنــة صامــدة نــا فعــة وهــي:
ـ العمل بالكتاب والسنة
ـ طاعة ولة المر
ـ البعد عن الخاف والختاف.
ـ الحفاظ على أمن البلد
ـ التضحية لجل البلد.
وهـذه مواقـف فـي المواطنـة الحسـنة وضـع الميـن
فيهـا بصمتـه .
· 3 ـ بصمة اPمين في المواطنة الحسنة.
إن مـن صفـات ومواصفـات المواطن الصالح طاعة
ولة المـر، ونصحهـم وتقديرهـم والتضحيـة بعـد العمل
بالكتــاب والســنة، فهــو رضــي اللــه عنــه فــي الحقيقــة
ّ لمواطـن صالـح، لنـه بعـد مـا تربـى وتكـون فـي حجـر
والــده حتــى تضلــع فــي العلــوم والمعــارف، أصبــح ذا
فكـر راشـد وبصيـرة متوقـدة مـن النـوار والمعـارف فقـد
تسـلم رايـة الريـادة فـي القيـادة و التوجيـه والرشـاد، منذ
نعومـة أظفـاره ، ورغـم ذلـك مـا كان يتناقـض مـع الـولة
ّ إل فيمـا ل يرضـي اللـه ورسـوله صلـى اللـه عليـه وسـلم،
بـل كان يمـد إليهـم يـد العـون بتوجيهـات ونصائـح مـن
شـأنها تتقـدم الدولـة وتسـعى نحـو السـلم والسـتقرار،
فــا تأخــذه فــي ســبيل نصــح الــولة وإرشــادهم لومــة
لئــم، فــكل مــا يــراه مصلحــة لهــم وللدولــة يتحمــل
مســؤوليته تجــاه ذلــك، بشــجاعة تفــوق عــن الوصــف
والتصــور. وبأســلوب حــواري متحضــر راق وذلــك
عمـا باليـة الكريمـة: ) أطيعـوا اللـه وأطيعـوا الرسـول
وأولــي المــر منكــم( فكــم مــن مواقــف أخذهــا ضــد
التمـرد. فلـم يكـن الشـيخ واقفـا فقـط موقـف المتفـرج
مـن الجـدال المحتـدم بيـن رجـال الساسـة فـي كل زمـان
زمـكان حـول قضايـا الدولـة، بـل كان دائمـا يتوسـط بيـن
المطرقــة والســندان لحــل مشــاكل الدولــة .فقــد كان
بحــق أبــا حنونــا للدولــة، وأخــا شــقيقا للــولة الدينيــة
والدنيويـة. فقـد كان يضحـى لحـل المشـاكل السياسـية
والدينيـة فـي الدولـة وفـي العالـم، بـل كان يسـتغرق وقتـا
أكثـر مـن الـازم فـي اسـتضاف المواطنيـن مـن مختلـف
مرافـق الدولـة ويسـتمع عليهـم، ثـم يبـذل مـال يسـتهان
مـن الجهـد والمكانيـات ليجـاد الحـل المناسـب لهـا.
وبهـذه المواطنـة المثاليـة جعلـت سـاحته ملتقـى الحـل
والترحــال بيــن رجــال الديــن والساســة داخــل البــاد
وخارجهـا. فهـو بحـق كان رجـل المواقـف الصعبـة.
فقــد انهــدم أحــد أركان المــة الســامية واختفــى
المثــل العلــى والنمــوذج الســمى فــي الخلــق الرفيــع
والدب والحكمــة والنســانية… وفــي ذلــك الصــدد
أقــول:
َ ِ ا بَر َحا
ِه م
َموِاط ٌن َ صالِ ٌح تَاللّ
ّيًا وَاجِبًا فِي النّشْءِ وَالْكِبرـ
مُوَد
ً
َة
َُو ّجع
َ ْصَو ٍات م
َ ُ اعِ با
ِلبق
ْ
نَ َ اح ا
ِْم ِْصرِ م ْن َ وزَر
ِْسَي َ ه ْلِ في ال
ْ َف نَف
يا لَه
ً
ْز َعة
ُِف
ُ م
َ َ مصار
ْل
لمَدِائ ُن َ وا
َ ْ
ِْكي ا
تَب
ُ َس ِ ـــر
ْل
ِة ا
ْلَ
ِقب
َ َ ـــا و
ِنِسه
و
ُْ
ْر م
ِل َخِي
ْ
َِائَد ُهم
َ ْجيَ ُ ال ق
ْا
ُ َ وال
َْمنَِابر
ِْكي ال
تَب
ُِ م ْن ُ خ َسـر
يْتَام
َ
ْل
لمَدِار ُس َ وا
َ ْ
ِْكي ا
تَب
ُه
ََكِارم
َ َ ا غابَ ْت م
ُ َ وم
ُْه َمام
َغ َ اب ال
َِر
ْغــز
بًَدا بٍَاق َ علَى ال
َ
ْ ُضهُ ا
َي
َف
ف
39
N° AL FATHI.indd 39 23/11/2017 06:38
ٍد
ََح
ُِ م ْن ا
ِا ْس َام
ْ
ُ َ وال
ْر
ْ َخي
لَْو َ خلَّد ال
ّ َِهر
َ ِى بَذا الد
بْق
َ
ُ ْدَوتُنَا ا
لََك َ ان ق
ًـا
ِه لََم َ ا خ ّصنَ َ ا خلَف
ْ َح ْمُدِ للّ
اَل
ِر
ِم بَابََك
ِو
َ
ْق
ِْخ ال
َ َ شي
َنْ ُصور
بنَ ْجِل م
ِع َدا
ُْق ْطِب الَّذ َ ي ص
َا ال
ي َ وِالِد ذ
َسِمّ
ِب َشر
ْ
َْم ْو ُص ِوفِ بال
َ ْح َمِد ال
ْا
ْزَِخ ال
ِلبَر
من الفقير إلى رحمة ربه : محمد في
40
يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله:
قــد جاءكــم مــن اللــه نــور وكتــاب مبيــن يهــدي
بــه اللــه مــن اتبــع رضوانــه ســبل الســام ويخرجهــم
مـن الظلمـات إلـى النـور بإذنـه ويهديهـم إلـى صـراط
مســتقيم )المائــدة ٥١ــــ٦١(
فالشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن قــد أدرك مــن
خـال هـذه اليـة إشـكالية القيـادة بمنهجيتهـا ومواردهـا
ومقاصدهــا. وكتابــه المســمى ”إلــى النــور“ الــذي ألفــه
إثـر تعمقـه فـي دراسـة المجتمـع تحـت مرجعيـة الكتـاب
والسـنة الغـراء، ليبقـى دليـا واضحـا علـى دقـة نظرتـه.
إذا تصفحنــا هــذا الكتــاب وجدنــا الشــيخ وهــو
يتطــرق إلــى تشــخيص الضطرابــات والمــراض التــي
تعانـي منهـا المجتمعـات السـامية )وخاصـة المجتمـع
الســنغالي( تشــخيصا جذريــا، قبــل أن يعــرض للمــة
الحلـول المناسـبة والمواقـف الازمـة لـكل مـن القيـادة
والشــعب.
فالصـور التـي تتجلـى مـن المجتمعـات السـامية
ومنهــا الســنغالي تعكــس عقليــة أغلــب المواطنيــن،
عقليـة تبـرز ميولهـم نحـو النحـراف والنهيـار الخلقـي
وتفريطهـم فـي أوامـر اللـه وفـي أداء إلتزاماتهـم الناشـئة
عــن كونهــم خليفــة فــي الرض.
هــذه العقليــة المقصــرة تولــدت مــن التغيــرات
الهائلــة فــي المجتمــع وخاصــة فــي المســاحات التــي
تنبــع منهــا، مــن حيــث المبــدإ، المــوارد التــي تــزود
الحيـاة بمعانيهـا العـدة ثـم تبلغهـا إلـى الجيـال الناشـئة
والمقبلــة. هــذه المجــالت المخصصــة لقامــة صــرح
القيـم فـي المجتمـع ـ مدرسـة كانـت أو أسـرة، جماعات
دينيــة كانــت أو أحــزاب سياســية أوحــركات المجتمــع
المدنــي-ـ تشــتتت بســبب انتشــار عوامــل الجهــل
والتســاهل والتقصيــر.
والشــيخ، كمــا تعودنــاه بوعيــه الحــاد إزاء وطنــه
الغالــي وإزاء الرســالة المحمديــة، رغــم يوميتــه التــي ل
مجـال فيهـا للفـراغ، تعـرض نفسـه بمزيـد مـن التضحيـة
لن المجتمـع كان فـي حاجـة ماسـة إلـى أضـواء كـي ل
يضيـع تـراث المجـد الـذي تورثنـاه جيـا بعـد جبـل مـن
الجـداد ذوي الهمـم العليـةـ
إن التاريــخ يخبرنــا أنــه منــذ تنصيــب مراكــز
النــور للتربيــة الســامية فــي الســنغال ل يــزال النــاس
يسترشــدون بالقــرآن، يوجهــون حياتهــم بأنــواره بــدون
تطــرف ول تشــدد، فيبــث الــروح اللهــي فــي أعمالهــم
اليوميـة وهـم واعـون بـأن بقاءهـم علـى وجـه الرض ل
يفيـد شـيئا إل إصاحهـا كمـا أمـر بـه الخالـق البـار. لكن
بقلم أ.د. عبد العزيز كيبي
)جامعة شيخ أنت جوب ـ دكار(
المفوض العام لشؤون حجاج
السنغال
N° AL FATHI.indd 40 23/11/2017 06:38
41
مـع السـف الشـديد، لحـظ الشـيخ، ونحـن معـه، أنـه
مــن يحــدق حولــه فــي الوقــت الحالــي يشــعر بالدهشــة
وكأن النــور انطفــأ وأن روح القــرآن هاجــر أجواءنــا.
والســؤال الــذي يطــارده هــو: أيــن نحــن والمجتمــع
الــذي نريــده ونطالبــه فــي أحامنــا؟
فأصبحنــا غربــاء فــي مجتمــع يحولــون التجديــف
إلـى قيمـة ويسـجلونه فـى قائمـة الحقـوق ول حـول ول
قــوة إل باللــه. وســار العــرى فــي أعيــن الحداثــة تطــورا
ومواكبــة العصــر، والســب والشــتم واللفــاظ الرديئــة
مـن مظاهـر البطولـة، ويعـد النهـب والسـرقة مـن أدوات
الرقــي الجتماعــي. أمــا تســول الطفــال فــي المــدن
الكبيـرة فيدعـي البعـض أنـه وسـيلة مـن وسـائل التربيـة
الخلقيـة، متجاهليـن تعـرض هـؤلء المسـاكين لمخاطـر
الممارسـات الهامشـية، وقلـة أوقـات التعلـم والمراقبـة.
هـذه اللوحـة المظلمـة أوجعـت كثيرا مشـاعر الشـيخ
وسـببت عنـده مؤاسـات بالغـة حتـى أدى بـه المـر إلـى
سـهر اليالـي حرصـا علـي إيجـاد حلـول مناسـبة. فترتبـت
علـى أفـكاره النيـرة هـذا الكتـاب ”إلـى النـور“، لنقـاذ
المجتمـع وإخراجهـم مـن تلـك الظـروف الحالكـة إلـى
النـوار الربانيـة.
انطاقــا مــن الصفحــة الرئيســية يســتدل الشــيخ
الميــن بهــذه اليــة فــي ســورة يس،آيــة ٠٣
)يــا حســرة علــى العبــاد مــا يأتيهــم مــن رســول
ال كانــوا بــه يســتهزءون(، ليحــث الســنغاليين علــى أن
يسـتيقظوا مـن سـباتهم وأن يعـوا بمسـؤولياتهم التاريخية
احتفاظـا بتركـة المجـد التـي ورثوهـا مـن مراكـز النـور.
فدعاهــم بليــن ورفقــة إلــى الخــذ بجــد رســالة القــرآن
التـي تهـدي خطاهــم إلـى ســيبل الرشـاد .
وبهـذا سـيحققون مسـؤوليتهم العظمـى، علـى حـد
قــول الشــيخ، وهــي الربــط بيــن المخلوقــات والخالــق،
بيــن الكــون والمكــون. ويبتعــدون عــن طريــق الهمــال
والغفلـة والكسـل، تلـك المـراض النفسـية التـي تعمـي
النسـان إمـا بسـبب الجهـل أو بسـبب علـم ل سيترشـد
بضميـر.
وأمـام هـذه الحالـة الحزنـة تجـد الشـيخ عبـد العزيز
ســي الميــن فــي موقــف مرشــد نورانــي يقــود المــة
الــى طريــق الشــعاع الــذي يضــيء القضايــا المعاصــرة
بالنوارالربانيـة السـاطعة مـن كام القـرآن لفظـا ودللـة،
كمــا ورد فــي اليــات الكريمــة:
)الــر كتــاب أنزلنــاه إليــك لتخــرج النــاس مــن
الظلمــات إلــى النــور بــإذن ربهــم إلــى صــراط العزيــز
الحميــد(. اليــة 2-1 ســورة إبراهيــم.
بصيغتـه المألوفـة بالجـرأة مـع تعقـل وتدبـر، بـدون
تعصــب ول مجاملــة فــي التحليــل ول فــي التفســير،
يوضــح الشــيخ فــي هــذا المنــوال المســائل الحرجــة
فــي المجتمــع مثــل التســول، إنتــاج الثــروات، حقــوق
النســان، الحكــم الرشــيد، مســائل الســرة، قضايــا
الصحـة بصفـة عامـة، وأحـوال المسـلمين المسـتضعفين
فـي جميـع أنحـاء العالـم )فلسـطين، الروهينجـا، قضيـة
العنــف والتطــرف والرهــاب، …الــخ.
وهكـذا كان ـ الميـن ـ، رجـل مثالـي يؤمـن بوطنـه
ويكـن لـه حبـا خالصـا ل حـد لـه، كريـم وسـخي لشـعبه،
للغايــة. يدعــو أمتــه الســنغالية بــا ملــل ول يــأس، ل
يرجـو مـن أحـد جـزاء ول شـكورا، إن أجـره إل علـى اللـه
ـ يدعوهـا لخراجهـا مـن ويـات معـادلت العصـر الـى
النورالهـادى إلـى دار السـام. ومـا كان ليقصـد بذلـك أن
يبقـى النـاس منطويـن فـي المسـاجد والكنائـس فقـط بـل
كان يشــجعهم علــى بنــاء مجتمــع فاضــل، المــر الــذي
لـن يتحقـق إل بالهمـة العاليـة والتـزام القيـادات مـا منهـا
دينيـة ومـا منهـا حكوميـة واجتماعيـة.
ولهــذا كان يعتقــد أن صــاح المجتمــع ل يقتصــر
علـى سـن قوانيـن وإنمـا يقتضـي التوفيـق بيـن التربيـة
والقـدوة الحسـنة. فقـال فـي كتابـه ”إلـى النـور“:
”فنظــام الحكــم صاحــا وفســادا يتوقــف علــى
أخــاق الشــعب. و]…[ أن القانــون وحــده ل يصلــح
المــة وإنمــا يتحقــق صاحهــا بالتربيــة علــى الدعــوة
والقــدوة.“
لن المثاليــة والقــدوة ل تنحصــران عــن المظاهــر
والتكلـف والتصنـع ولكنهـا عمـل يومـي مطابـق بأعمـال
نـور القـرآن.
هكــذا كان الشــيخ عبــد العزيــز الميــن الخليفــة،
هــذا المقــود الــذي ل يــزال الشــعب يبكيــه وســيبكيه
الدهـر، أسـكنه اللـه جنـان النبييـن والصديقيـن والشـهداء
والصالحيـن وحسـن أولئـك رفيقـا. فعلـى هـذا المرشـد
الــذي ألفنــاه بجــده ووفائــه، بعزيمتــه ورشــده، بعفتــه
وقناعتـه، بهمتـه وصبـره، بإحسـانه وعفـوه، هـذا الميـن
المعيـن ـ رفعـه اللـه مكانـا عليـا ءاميـن ـ ينطبـق عليـه
حقـا هـذه اليـة بـدون أيـة مجاملـة:
”مــن المومنيــن رجــال صدقــوا مــا عاهــدوا اللــه
عليــه فمنهــم مــن ثضــى نحبــه ومنهــم مــن ينتظــر ومــا
بدلــوا تبديــا“
صدق الله العظيم ـ الحزاب، ٣٢
N° AL FATHI.indd 41 23/11/2017 06:38
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ŏŤǀƀƧƧƍƄƼdž ŏŤƧƧǀŤŧř ŤƧƧǎ ŏƳƧƧơſوǀ ŏƳơſوǀn
ƳƧƧơſوǀ ŏŤǁƧƧƊيǀřdž ŏŤǁžيƧƧƍdž
ŤƧƧƼdž ƲƄƧƧيƥ ƪƄƧƧƢǀʬ نƧƧźǀdž ŤƧƧǁŮưƃŤƬ
ƻƧƧƵƭǁƴ njوƧƧƉ ŤƧƧǁƭلř
ƯƧƧƎǁŮƊǀ ŏƳƧƧƹƝ ͯƧƧƬ ƷƞŮƧƧƊǀ ŤƧƧǁƴ ƻƧƧƴdž
ǃƧŭŤŨǁŵ نƧيŧ ƄƢƧƎǀdž ŏͯƧƱǁلţ Ŗ ţوƧDžلţ ǃƧيƬ
ŪƧƧǁيǀŚمƚلţdž ŏƃţƄƱŮƧƧƉʬţdž ŪǁيͺƧƧƊلţ
ͭƧƧƹơ ƾوƧƧưŤŧ ŤƧƧǁǀŚŧ ƲƀƧƧDŽŤƢǀdž ƾŤƧƧƼʨţdž
ƳƧƧűţƄŭ ŖŤƧƧيŹŝ ͯƧƧƹơ ƾوƧƧƞƬŤźƼ ŏƀƧƧDžƢلţ
ƻƧƧƹơ نƧƧƼ ƄƧƧŲƴŚŧ ƈƧƧلي njƂƧƧلţ ŏͯƧƧلŤƦلţ
ǃƧʓلţ ƲƀƧمƦŭ ŏũſŤƧŨơdž ƮʭƧŽřdž ŪƧƬƄƢƼdž
mǃƧƧŮǁŵ ŸيƧƧƊƬ ƳǁͺƧƧƉţdž ǃƧƧŮمŹƄŧ
رفقاء الشيخ المين:
الخ محمداندو ، الخ خليفة كن ، الخ باطي
جوب ،الخ خليفة جنك ، الخ خليفة انجاي،
الخ إبراهيم كواجو، الخ إبراهيم جوب، الخ
انبي فال ، الخ مالك فاي ، الخ الخليفة
سل، الخ شيخ جنك، الخ شيخ جوف وكافة
الحباب أهل الحضرة المالكية
ŏŪƧƧǀŤƼʨţdž ƮƀƧƧƒلţ ŏƲƀƧƧƱƭƭŧ ŤƧƧǀƀƱƬƄƧƧŨƒلţdž ŏƪŤƧƧƭƢلţdž ŪơŤŶƧƧƎلţdž ŏƺƄƧƧͺلţdž ſوƧƧŶلţdž ŏƏʭƧƧŽʪţdž ſوƧƧمƒلţdž ŏũŖţƄƧƧŶلţdž ūŤƧƧŨŲلţdž ŏƻƧƧيƱلţdž ƮʭƧƧŽʨţ ŤƧƧǀƀƱƬ ƷƧƧŧ ^ŪƢƧƧƉţdž ŪƧƧمŹƃ ǃƧƧʓلţ ƳƧƧمŹƃ ƷšŤƖƭلţdž الخ الشيخ أحمدالتجاني صو مدينة ندر عبد العزيز الصدوق ا5مين : ŤƧƧǁŧوƹưdž ŏƌƧƧƚƢلŤŧ ŤƧƧǁولƱơdž ŏŪƧƧƎŹلوŤŧ ƄƢƧƧƎŭ ŤƧƧǀƄšŤمƕ ŬƧƧƢƕdž ƀƧƧưdž ŏƳƧƧŧƃ ƃţوƧƧŵ ͭƧƧلŝ ŤƧƧǁŮưƃŤƬ ŤƧƧƼƀƢŧ ŏŪƧƧơوƹلŤŧ ƳƧƧŧƃ ƀƧƧŨơţdž@ ͭƧƧلŤƢŭ ǃƧƧولư ũŤƧƧيźلţ ŪƧƧƹيƙ ƳƧƧيǁيơ ŦƧƧƒǀ >نƧƧيƱليţ ƳƧƧيŭŚǎ ͯƧƧŮŹ ƄǎƀƱلţ ͯƹƢلţ ͭلمولţ ǃʓلţ ŪمŹƃ Ƴيƹơ الشيخ الحاج فال صار دكار ديم ديك el haji Falle sarr dakar déme dikc ŦيŨźلţdž ͭƭƚƒلمţ Ťŧř Ƅͺŧ Ǎŧř Ťŧř Ťǎ Ƴل Ťơţſdž ǃولư ƄơŤƎلţ ƠƼ ſſƃř نƼ ŪƱű ͭƹơ Ťǀř ʬ ƳǎƆƢǀ Ťǀŝn نǎƀلţ ŪǁƉ نͺلdž ũŤيźلţ ǃŮيƼ ƀƢŧ ƮŤŨŧ njƆƢلمţ ŤمƬ ^ mينŹ ͭلŝ ŤƍŤơ ƾŝdž LjƆƢلمţʬdž الشيخ أحمد التجاني انجاي غالغ امبور {أبانا الحنون عبدالعزيز ا5مين ǃƧǎƃţوǎ ʬ ƷƧميŶلţ ƲƄƧƴƁ نƧͺلdž ŏƳمƧƊŵ ƄƧŨƱلţ ƻƧƕ ƀƧƱل ũƄƧƧƴţƁ ͯƧƧƬ ŏţƀƧƧƹžƼ ŤƧƧمšţſ Ʒƞǎ ƷƧƧŧ ŏLjƄƧƧŲلţ ŬƧƧƎơ ŏƇŤƧƧǁلţ ƄƧƧšŤمƕ ͯƧƧƬdž żƧƧǎƃŤŮلţ ŤƧƧمƬ ŏŤǁيƼřdž ŤƧƧƒƹžƼ ŏŤƧƧưſŤƑ ŤƧƧŨيŶǀ ŬƧƧƢŵţƄŭʬdž ŏūƄƧƧيƥ ŤƧƧƼdž ŬƧƧلƀŧ ͭƧƧƹơ ƛŤƧƧƭźلţ ƷيŨƧƧƉ ͯƧƧƬ ūſſƄƧƧŭʬdž ǃƧƧʓلţ ŤƱƧƧƉ ŏنƧƧيƼŤلميţ ƳƬʭƧƧƉř ůţƄƧƧŭ ^ǃƧƧŮمŹƃ ƷƧƧŧţوŧ ƲƄƧƧŨư الخ عبد الله انجاي غالغ تواوون انبور يا ساكنا في القلوب ŬǁͺƧƧƉ ƳƧƧǀʨ ƆƧƧǎƆƢلţ ƀƧƧŨơ ŤƧƧǎ ƲŤƧƧƊǁǀʬ
ŏŏŬƧƧƒƹŽřdž ŬǁƧƧƊŹř ťوƹƱلţ
ūƀƧƧDŽŤŵdž ŏŬƧƧمưřdž ŬƧƧيǁŧdž ŬƧƧƹمƴřdž
نƧǎƀلţ ŪƧƼƀŽ ͯƧƬ ŬƧƹƕŤǀdž ŏŬƧƼdžŤưdž
ƺʭƧƧƉʪţ نƧƧơ ǃƧƧʓلţ ƲţƆƧƧŵ ŏنƧƧƙلوţdž
ƺوƧƧǎ ͯƧƧلŝ ʬوƧƧƑوƼ ŖţƆƧƧŵ مينƹƧƧƊلمţdž
ţلƧƧǎƀن ^
الخ محمد سل طيبة سل
nوداعا وداعا ياعبد العزيز !!
نƧƧƊŹ ŤƧƧǁƢƼ ͭƧƧƱŨǎdž ƳمƧƧƊŶŧ ŤƧƧǁŮưƃŤƬ
ŖƄƧƧلمţ ŤƧƧمǀŝ ŏƳšŤǁű ƷƧƧميŵdž ƲƄƧƧƴƁ
نƧلم ŤǁƧƊŹ ŤƧŲǎƀŹ ƻƧƵƬ ŏǂƀƧƢŧ ŰƧǎƀŹ
ƳǁͺƧƧƉřdž ǃƧƧŮمŹƄŧ ǃƧƧʓلţ ƲƀƧƧمƦŭ ŏͭơdž
42
N° AL FATHI.indd 42 23/11/2017 06:38
mǃƧŮǁŵ ŸيƧƊƬ
المدير العام لشركة papex
الشيخ عبدالله سعد
حفظه وبارك في جهوده«
ťوƧƹưdž ŏŤƧǀƆŹdž ŪƧơلو ƄƧƊźŮŭ ƇوƧƭǁŧn
ŤƧƧǎ ƳƧƧǎƆƢǀ ŏǃƧƧʓلţ ŖŤƧƧƖƱŧ ŪƧƧيƕţƃ
ŏƮƀƧƧƒلţdž ŖŤƧƧƬلوţ ƆƧƧƼƃ ŤƧƧǎ ŔƆƧƧǎƆƢلţƀŨơ
ŤƧŽř ŤƧǁƢƼ ŬƧƎơƀƱل ƺƄƧͺلţdž ƄƧŨƒلţdž
ŏŤƧيمͺŹ ţƀƧƍƄƼdž ŏʭƧيŨǀ ţƀيƧƉdž ŏţƄƧيŨƴ
ŪƧƧŨźلمţ ͭƧƧƊǀř ʬdž ŏʭƧƧيƹŵ ŤžيƧƧƍdž
ͯƧƧŮلţ ŪƧƧŨيƚلţ ūŤƧƧمƹͺلţdž ͯل ŤƧƧDžǁƵŭ ŬƧƧǁƴ ͯƧƧŮلţ ŏŪƧƧƑŤžلţ
ŤƧƧǁŧوŨźƼ ƃƄƧƧƵŭdž ƃƄƧƧƵŭdž ŏƳƧƧǁƼ ŤƧƧمšţſ ŏŤDžƢمƧƧƉř ŬƧƧǁƴ
ŤƧƧǁŧوŨźƼ ŤƧƧǁŧوŨźƼ
ƺʭƧƉʪţ نƧơ ǃƧʓلţ ƲţƆƧŵdž ƆƧǎƆƢلţ ƀƧŨơŤǎ ƳƧل ŤƧơţſdž ŤƧơţſdž
mţƄƧيŽ
محمد بارود سي اللبناني السنغالي التواووني
تجديد الوفاء بالعهد
ŤƧƧǁƚŧƄǎ njƂƧƧلţ ŔƀƧƧDžƢلţ ͯƧƧƹơ ͭƧƧƱŨǀ ŤƧƧǁǀŝn
ͯƬ ţƀŧř ŦƧيƦŭ نƹƬ ŏƆƧǎƆƢلţ ƀƧŨơŤǎ ƻƧͺŧ
ŏƻƧͺلŤمơř żǎƃŤŮلţ ͯƧƊǁǎ نƧلdž ŏŤƧǁŧوƹư
ƄƧƧƎǀdž ŏƺʭƧƧƉʪţ ũƄƧƧƒǁل ƻͺيơŤƧƧƊƼdž
ŖŤƧƧيŹŝdž ŏŪƧƧǎƀمŹʨţ ŪƧƧƱǎƄƚلţ şſŤƧƧŨƼ
ǃƧƧʓلţ ƻƧƧƴţƆŶƬ ŏŪƧƧيͺلŤلمţ ũƄƧƧƖźلţ ůţƄƧƧŭ
نƧǎƀلţ ƺوƧǎ ͯƧلŝ ʬوƧƑوƼ ŖţƆƧŵ ŏمينƹƧƊلمţdž ƺʭƧƉʪţ نƧơ
mƳƧƹDŽř ͯƧƬ ƲƃŤƧŧdž ǃƧʓلţ ƳƧمŹƃ
maître Mbaye badiane notaire
ميتر انبي بجان
ƷƬŤŹ żƧǎƃŤŮŧ ƾوƧƬƄƢǎ ŖŤƧمƞƢلţ ƶŤƧŵƄلţ`
ƆƧƧǎƆƢلţƀŨơŤǎ ŬƧƧǀřdž ŏŪƧƧƹيƹŶلţ ƄƧƧűŘلمŤŧ
ţوƧƧƉƄƴ نƧƧǎƂلţ ŔƶŤƧƧŵƄلţ ũƄƧƧيŽ نƧƧƼ
ƻƧƧيƱلţ żيƧƧƉƄŭ ƷيŨƧƧƉ ͯƧƧƬ ƻƧƧDžŭŤيŹ
ūŤƧƧźƭƑ ƷƧƧƢŵ njƂƧƧلţ ƄƧƧƼʨţ ŏŪƧƧيǁǎƀلţ
ƲŤǎŤŶƧƧƉdž ƲŤƧƧǎţƆƼ نƧƧƼ ŜƧƧلʩŮŭ żƧƧǎƃŤŮلţ
^ƳƧƧǁơ ͯƧƧƕƃdž ǃƧƧʓلţ ƳƧƧمŹƃ
محمد مختار انجاي عبد العزيز
لا يزال العالم في حاجة إليك!
ͯƧƧƬ ƆƧƧǎƆƢلţ ƆƧƧǎƆƢلţƀŨơ ͯƧƧلŤƦلţ ŤƧƧǀƀيƱƬʊ
ŏŪƧƧƎŹdž ͯƧƧƬ ƻƧƧلŤƢلţ ƲƄƧƧŮŭř ŏŤƧƧǁŧوƹư
ųŤƧƧŮźŭ ŤƧƧمǁيŧ ũƄƧƧيŹdž ŪƧƧƎDŽſdž
ŏŤƧƧDžŭŤŢƬ ƷͺƧƧŧ ŪليŤƦǁƧƧƊلţ ŪƧƧƼʨţ ƳƧƧليŝ
ƲƄƧƧƴƁ ƀƧƧƹžŭ ũƀيƧƧƍƄلţ ƳƧƧليمŤƢŭ نƧƧͺل
ƲŖŤƧƧǁűdž
ʉƆǎƆƢلţ ƀŨơŤǎ ƳŹdžƄل Ūيźŭ
السيد جوب سي المندوب في البرلمان
مدى الدهر لا ننساك
ƫƧƧيƴdž نƧƧيƼʨţ ƆƧƧǎƆƢلţ ƀƧƧŨơ ŤƧƧǎ ƲŤƧƧƊǁǀʬ ƄƧƧDŽƀلţ LjƀƧƧƼ
ŤƧƧǁل ŬƧƧǁƴ ŏŤƧƧǁŧوƹư ͯƧƧƬ ŪžƧƧƉţƃ ƳƧƧŭŤمƒŧ ƻƧƧلŤƢƼdž ŕƲŤƧƧƊǁǀ
ŏŷوƒǀ żيƧƍ ƄƧيŽdž ŏƻƧيͺŹ ƀƧƍƄƼ ƄƧيŽdž ŏƾوƧǁŹ ťř ƄƧيŽ
ŬƧƧǁƴdž ŏƳƧƧŧƄŧ ƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹř ƀƧƧƱل ŏنƧƧيƼř ƟţƃƄƧƧيŽdž
ƠƧƧƼ ŏƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹřdž ŏŤǁƧƧƊźƼ ŤمƹƧƧƊƼ ŤƧƧǁƼŜƼ ţƀƧƧŨơ
ţƄƧƧDŽŤƙ ŏŤƧƧŨيŶǀ ŤƧƧƭيƭơ ŏƳƧƧƊƭǀ ƃƀƧƧư ŤƧƧƬƃŤơ ŬƧƧǁƵƬ ƳƧƧƊƭǀ
ʭƧƧšوƼ ŬƧƧǁƴdž ŏƳŭƄƧƧƉř ƠƧƧƼ ƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹřdž ŏŤƧƧơوǁư
ŏƇŤƧǁلţ ƠƧƼ ƳƧŮưʭơ ŬǁƧƊŹřdž ŏŤǀţوƢƼdž ţƂƧƱǁƼdž ŏţƁʭƧƼdž
ŏŤƧƧيمŹƃ ŤƧƧƬdžśƃ ţƃوƧƧŨƑ ŏŤƧƧمǎƄƴ ŤƧƧưſŤƑ ŤƧƧيمƹŹ ŬƧƧǁƴdž
Ūيǁǎƀلţ ūţſŤƧيƱلţ ƠƧƼ ƳƧŮưʭơ ŬǁƧƊŹřdž
ŬƧƧǁƴdž ŏŪيƼʭƧƧƉʪţ ūŤƧƧيƢمŶلţdž
ʬŤƧƧŲƼdž ũdžƀƧƧưdž ŏʭƧƧليſdž ŤƧƧƊيǀř
ŪƚƹƧƧƊلţ ƠƧƧƼ ƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹřdž
ūŤƧƧŧŤƱǁلţdž ŏŪƧƧƕƃŤƢلمţdž
ŤƧƧǁيƼř ŤƧƧưdžƀƑ ŬƧƧǁƵƬ ŏūŤƧƧơŤƚƱلţdž
ŤƧƧƢƼŤŵ ŤƧƧźƹƒƼ
ţƀŧř żǎƃŤŮلţ ƲŤƊǁǎ نƹƬ ƆǎƆƢلţ ƀŨơŤǎ ŬƎơ ţƂͺDŽ
ǃŭŤǁŵ ŸيƊƬ ƳǁͺƉřdž ǃŮمŹƄŧ ǃʓلţ ƲƀمƦŭ ŏƲŤƊǁǀ لنdž
محمد مختار سيس
المدير العام لشركة الكهرباء في السنغال
senel
{فقدناك أبا ومربيا وشيخا
ͯƧƧƬ ŤǀƄƢƧƧƍ ĽŤƧƧŧř ŏƲŤƧƧǀƀƱƬ ŏǃƧƧƼوư ƆƧƧǎƆơ ŤƧƧǎ ƲŤƧƧǀƀƱƬ
ǃƧƧيƬ ŤƧƧǁƭلř ŏƷƧƧšŤƖƭلţdž ƷƧƧŲلمţdž ƻƧƧيƱلţ ƾţƀƧƧƱƬ ŏǃƧƧǀţƀƱƬ
ƺƄƧƧƴdž ŏŦƧƧǀŤŶلţ نƧƧليdž ŏƃƀƧƧƒلţ ŪƢƧƧƉdž ŏǃƧƧŵلوţ ŪƧƧƍŤƎŧ
ƺƄƧƧƴdž ŏŦƧƧيŹƄŮلţ نƧƧƊŹdž ŏŪيŶƧƧƊلţ ƷƧƧŨǀdž ŏũſŤƧƧƬلوţ
ŖŤƧƧƭƑdž ŏŪƧƧƹƼŤƢلمţ ƷƧƧميŵdž ŏŖŤƧƧƦƑʪţ ťſřdž ŏũdžŤƧƧƭźلţ
ͯƧƧƬ ŤƧƧǀƀƱƬdž ŏƈƧƧƭǁلţ ũƆƧƧơdž ŏŦƧƧƹƱلţ
ŪƧƧƭƢلţdž ŏŪƧƧǀŤƼʨţdž ƮƀƧƧƒلţ ƳƧƧǀţƀƱƬ
ŏūŤƧƧŨŲلţdž ŪƧƧمǎƆƢلţdž ŏŪơŤŶƧƧƎلţdž
ƄƧƧيƥdž ŏƟƃوƧƧلţdž ƀƧƧDŽƆلţdž ƄƧƧŨƒلţdž
ƄƧƧيƥdž
ŏƳǀŤمŲŵʬŝ ŪƧƱيƱźلţ ͯƧƬ ŤǀƀƱƬ ŤƧƼdž
ƲſوƧƧDžŵdž ƳƧƧلŤمơř ͭƧƧƱŨŭ ŤƧƧمǁيŧ
ũƀƧƧلŤŽ ŪƧƧيŹ ƳƭưţوƼdž
^ƳźǎƄƕ ƃوǀdž ƆǎƆƢلţ ƀŨơŤǎ ǃʓلţ ƳمŹƃ
الحاج غور سك
تحية وداع ياعبد العزيز ا5مين
ƳƧŭŤيŹ ƷƧŹţƄƼ ŬƧƖŽdž ƀƧDžƢلŤŧ ŬƧيƬdždž ŪƧǀŤƼʨţ ŬƧǎſřƀƱƬ
ƮƀƧƧƒلŤŧ ŪƧƧمͺźلţdž ŪƧƧƬƄƢلمţdž ƻƧƧƹƢلŤŧ
ūŤƧŨŲلţdž ŪƧمǎƆƢلţdž ƏʭƧŽʪţdž ƄƧŨƒلţdž
ũƀƧƧلŤŽ ͯƧƧƱيŨŭ ūŤƧƧمƒŧ ŤƧƧǁل ŬƧƧƴƄŭdž
ƲƃŤƧŧdž ƲƄƧŵř ƫƧơŤƕdž ƲƄƧŨư ǃƧʓلţ ƠƧƉdž
ƳƧƹDŽř ͯƧƬ
njƃŤƴƀلţ ͯžولͺلţ njŤŶǀţ ƀمźƼ Żʬţ
43
N° AL FATHI.indd 43 23/11/2017 06:38
أول: التعريف به وبيان نسبه ومولده
ّ هــو الشــيخ التقــي النقــي، الطاهــر البــي، العــارف
الزاهـد، الميـن عنـد أهلـه وحضرتـه، الولـي الصالـح، الشـيخ
الحـاج عبـد العزيـز ابـن الخليفـة العظـم، والهمـام القـوم،
الشـيخ الخليفـة أبـي بكـر، ابـن العـارف باللـه مربـي القـوام
والجيـال الشـيخ السـيد الحـاج مالـك بـن عثمـان بـن معـاذ
رضـي اللـه عنهـم أجمعيـن.
ينتمــي الشــيخ عبــد العزيــز الميــن إلــى أســرة
معروفـة بالديـن والصـاح والتقـوى والدب، فوالـده –
كمـا سـبق بيانـه – هـو سـراج المتقيـن وشـمس المهتديـن،
صاحــب الفيوضــات والبــركات، الخليفــة أبــو بكــر ســه t،
وأمـا جـده فهـو ناشـر السـنة وقامـع البـدع والهـواء، العـارف
باللــه تعالــى الســيد الحــاج مالــك ســه ، هــذه الســرة
التــي بهــا تأسســت مدرســة تــواوون، مدرســة نشــرت العلــم
والمعــارف فــي البلــدان، وأخرجــت الظلــم والجهــل فــي
ّ الوطــان، وترب ُ ــى بهــا الجيــال والقــوام، مدرســة تكتســب
بهـا السـتقامة والتقـوى والـورع، كمـا شـهد بذلـك العلمـاء
والخيــار، يقــول الشــيخ الحــاج محمــد المنصــور t:
ــل ِ هَدايٍَــة
ّ
َ َح
ْ َ ه ِــذي م
ِتَواوونُُكــم
ُ
ُْه ْجــر
تــلَ ٍاف لَا يَِل ُ يــقِ ب ِــه ال
ْ
َو ُح ْس ُ ــن ائِ
ٍة
َ
َام
ــل ْ اسِــتق
ّ
َ َح
ْ َ ه ِــذي م
ِتَواوونُُكــم
ّوا
َــر
ْ م
ْلَُكــم
َب
َ ْ ــن ق
ِق ُ يم ِ وا مثْ َ ــل م
َ ْ اســتَ
لَا ف
َ
ا
َ ٍ ــاون
ــل تَع
ّ
َ َح
ْ َ ه ِــذي م
ِتَواوونُُكــم
ُ
ْ َ ــو ِى بِــه يُ ْحتَ َ ــوى النّ ْصــر
ّ َ والتّق
ِبــر
ْ
َعلَــى ال
ص ٍ ــب
ّ َ
ــل تَع
ّ
َ َح
ِت َس ٍ ــاب لَا م
ــل ْ اك
ّ
َ َح
م
ُ
ْــر
ِحب
ْ
تَانَ ِ ــا ب ِــه ال
َ
َــا ا
ض َ ــوا علَــى م
ّ َ
َع
ف
ويقـول الشـيخ سـعد أبيـه مادحـا السـيد الحـاج مالـك رضـي
اللـه عنهمـا:
َ َ ــدِارِس
ُ م
ْــر
ِْــم َ خي
ِعل
ْ
ََدِار ُســهُ ِ فــي ال
م
ْدُ
َ ِ ــا مثْلُــهُ ِ ور
َادُهُ ِ ف ّ ــي الذ ْكِــر م
َْور
َوا
ُ وأمــا والدتــه فهــي الســيدة س ْ ــخَن عائشــة كان بنــت مقــدم
البركــة القاضــي الحــاج عبــد الحميــد كان، ووالــدة الســيدة
عائشــة هــي الســيدة مريــام بــاه بنــت الســيد عبــد اللــه بــاه،
َ وهــو أخ للمجاهــد الكبيــر المــام م َاب َ ــا ج ُ اخ َ ــو ب ْ ــاه.
فهـو مـن كل الجوانـب ينتمـي إلـى أسـر عريقـة، معروفـة
بحـب الديـن والعمـل بـه، والسـعي الجـاد فـي إقامتـه.
وظهـر الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الميـن إلـى الوجـود
تحـت رعايـة هـؤلء العظمـاء الفـذاذ، وكان ظهـوره فـي عـام
1927م، وقيــل: 1928م فــي مدينــة تــواوون، فربــاه والــده
الخليفـة أبـو بكـر سـه رضـي اللـه عنـه أحسـن تربيـة، حيـث
ّ بـدأ دراسـاته الوليـة عنـده، ثـم حولـه والـده الشـيخ الخليفـة
رضـي اللـه عنـه هـو وأخويـه الشـيخ محمـد المنصور والشـيخ
أحمــد التجانــي إلــى مقــدم البركــة الشــيخ علــي غــي رضــي
اللـه عنهـم، فأخـذوا عنـده العلـوم الشـرعية وبعـض اللغويـة،
كمـا أخـذ أيضـا عـن مقـدم البركـة الشـيخ شـيبة فـال، وعـن
أخيـه الشـيخ أحمـد التجانـي سـه، وغيرهـم مـن العلمـاء.
ثانيا: الشيخ عبد العزيز رضي ال عنه أمي قومه
مــا إن بلــغ الشــيخ عبــد العزيــز الميــن ســن الرشــد
والتمييــز حتــى اختــاره والــده، فجعلــه أميــن أســراره، ووكل
ّ إليـه تسـيير كل مـا يتعلـق بأمـور البيـت والسـرة، فـكان يدبـر
أمـور المنـزل مـن نفقـات وغيرهـا، مـع وجـود إخوتـه الكبـار،
لكـن والـده أثـره علـى غيـره فـي هـذه المهمـة؛ لمـا رآه فيـه
مـن الصاحيـة لهـا، وبعـد ارتحـال والـده إلـى الرفيـق العلـى
وعمــره آنــذاك يناهــز الثاثيــن، واصــل الشــيخ عبــد العزيــز
ّنـه
الميـن عملـه برعايـة أمـور السـرة بتنفيـذ إخوتـه، كمـا عي
ّه الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الدبـاغ رضـي اللـه
عمـه وسـمي
ّ
ّ عنــه ناطقــا رســميا باســم الســرة المالكيــة، ثــم بعــده أقــره
أخــواه الشــيخ محمــد المنصــور والشــيخ أحمــد التجانــي
علــى هــذه المهمــة، أي: أنــه مكــث أكثــر مــن ســتين )60(
ســنة وهــو لســان الحضــرة المالكيــة، أكثــر مــن ســتين ســنة
وهـو الميـن عنـد قومـه، فـي زمـن أصبـح النـاس فيـه سـدى،
وعـادت المانـة فيـه غريبـة أو مفقـودة، لكنـه ِ كان لمـا
ُ اصطِفــي بــه ناهضــا، قائمــا بــه حــق القيــام، وراتقــا لفتقــه،
ّ ومتحم ّ ــا لعبــاءه دون شــكاية، فلــم يتضــور ولــم يشــتك
قـط، صـرف همتـه عـن الدنيـا وزخارفهـا، فلـم تثنيـه لذاتهـا
عــن طلــب مــا عنــد اللــه، ولــم تطبيــه شــهواتها عــن ابتغــاء
الزلفـة بيـن يـدي ربـه، والقربـة إليـه، بـل صـرف همتـه كلهـا
إلـى تأييـد حضـرة آبائـه وأجـداده رضـي اللـه عنهـم، وتعديـل
أحوالهـا إلـى مـا هـو أصفـى وأرقـى، ناهـدا للعـداء الممتـدة
أعناقهــم، المنطلقــة أطماعهــم، المحاوليــن النيــل بالحضــرة
ٍ أو السـام بـرأي يفـل السـيف البتـار، وعـزم يـكل الجحفـل
ّ الجــرار، فدح ّ ــض آراءهــم، وهــو َ ن مــن خ ْطِبهــم، فــكان –
بحمـد اللـه ونعمتـه – للخلـق غيثـا وربيعـا، وللمسـلمين وزراً
وحصنـاً منيعـا،ً ولهـذا أحبـه النـاس، وغرقـوا فـي بحـر شـوقه،
يقـول الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الدبـاغ t معبـرا عـن حبـه
وشـوقه إيـاه:
ِل ٍ ــص َ غِــرٍق
ُ ْخ
ٍْــد م
ُ َ عب
َه ِــذ َ ي هِديّــة
َِم
َْكـر
ِة ال
السـادَ
ِق َك يَـا ابْ َ ـن ّ
ِفـي بَ ْحِـر َ ش ْ ـو
44
N° AL FATHI.indd 44 23/11/2017 06:38
َِالِكنَــا
ُْق ْط ِ ــب م
ِف ِ يــد ال
َز ِيــز َ ح
ِْع
ِْــد ال
َعب
ِحَك ِــم
ْ
ِْــم َ وال
ِعل
ْ
َِة بَ ْحِــر ال
ِهيــر
َش ْ ــمِس ّ الظ
ثالثا: صفاته وأخلقه رضي ال عنه
تميـز الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الميـن بالتحلـي
بالصفـات المصطفويـة، والتخلـق بالخـاق المحمديـة، فلـو
اكتفينــا بالقــول بأنــه كان أمينــا، لكفــاه ذلــك، إذ فــي
المانـة تجتمـع كل الخصـال الخيريـة، لكنـه زاد إلـى جانبهـا
التحلــي بالزهــد والــورع، فمــع المكانيــات الهائلــة التــي
ملكهــا اللــه إيــاه، إل أنــه لــم يلتفــت إليهــا، فمــا بنــى منــزل
قـط، ل لنفسـه ول لبنائـه، بـل جعـل أموالـه كلهـا وقفـا للـه
تعالــى، ينفقهــا علــى التاميــذ وطلبــة العلــم وأبنــاء الســبيل،
والبعـض الخـر ينفقهـا علـى الجيـران والضعفـاء، والبعـض
ّ الخـر يمولهـا لمشـاريع الحضـرة مـن بنـاء مسـاجد ومـدارس
وغيرهمــا.
كمــا تميــز الشــيخ عبــد العزيــز الميــن بالصراحــة
والجــرأة فــي تبيــان الحــق وإظهــاره، فــكان ل يتوانــى عــن
إبـداء رأيـه فـي المسـائل التـي تمـس المجتمـع، سـواء أكانـت
مسـألة دينيـة أم اجتماعيـة أم سياسـية، ول يمنعـه عـن ذلـك
مــا يــردده بعــض العــوام وســفلة النــاس، الذيــن يحكمــون
علــى الشــخاص دون الدرايــة بنواياهــم ومقاصدهــم.
كمـا كان الشـيخ عبـد العزيـز الميـن عالمـا بارعـا،
وسـالكا مسـلكا، ومربيـا مرقيـا، يربـي أتباعـه بحالـه ومقالـه،
ويوصــل المريديــن بعلمــه وحلمــه، فــكان حياتــه كلهــا فــي
التعليــم والتربيــة، فلــم يتــرك أي فرصــة إل واســتغلها فــي
تربيـة التبـاع وتوجيههـم، سـواء فـي ذلـك مواسـم المواليـد
أو المحاضــرات أو المناســبات الخــرى.
ً وزيــادة علــى غــزارة علومــه ومعارفــه فقــد كان الشــيخ
عبـد العزيـز الميـن ذا خبـرة واسـعة فـي كل مجـالت
الحيـاة، مـع مـا أوتـي مـن الفصاحـة وفصـل الخطـاب، وقـد
ّمكنــه ذلــك ميــل الجماهيــر إليــه، وانقيــاد العلمــاء تحــت
طاعتــه، فــإذا تكلــم انفتقــت بكامــه أعمــاق القلــوب، وإن
خاطـب انبهـرت بخطابـه أصحـاب العقـول، وتزينـت بمعانيه
أرواح المريديــن.
رابعا: عنايته بشؤون الدين والتمع
كان الشــيخ عبــد العزيــز الميــن ل يفتــر فــي كل
ّ مــا فيــه صــاح للديــن أو المجتمــع، فــكان عضــوا فعــال –
إن لـم يكـن المؤسـس- لكثيـر مـن التجمعـات والمنظمـات
الســامية والعالميــة، أمثــال: اتحــاد الجمعيــات الســامية
بالســنغال، وجمعيــة الدعــوة الســامية، ورابطــة علمــاء
المغـرب والسـنغال، وغيرهـا؛ ولهـذا كانـت حياتـه كلهـا حركة
ّ مســتمرة دون ســكون، فقــل أن تجــد مدينــة أو منطقــة مــن
مناطــق الســنغال، أو دولــة فــي العالــم الســامي أو الغربــي
ُ ولــم يلــق فيهــا الشــيخ محاضــرة دينيــة، أو تجــد مشــكلة
ّ ألمــت بالمجتمــع ولــم يقــم بســاق الجــد ويســعى بمســاعيه
الحكيمــة فــي حلهــا، ومــن أبــرز مواقفــه الحكيمــة:
1- رأيـه الثاقـب فـي إنشـاء هيئـة جعلـت مهمتهـا تنظيـم
المناسـبات المتعلقـة بالحضـرة )COSKAS)، وذلـك فـي
ســنة 1968م حيــن اضطربــت البــاد بســبب الضرابــات
ُ المتكــررة، وفقــد المــن، فلــم يكــن للدولــة مــا يكفيــه مــن
الرجـال لتوفيـر المـن فـي المناسـبات، فأوحـى إليـه حكمتـه
َ الثاقبـة بإنشـاء هـذه الهيئـة لتحـل َ محـل رجـال المـن.
2- ســعيه الدائــم فــي حــل المشــاكل الجتماعيــة أو
ٍ السياسـية، فـكان ل يسـمع بمشـكلة نشـبت أنيابهـا، أو خطـر
أحـدق بأنظـاره، إل وقـام t بسـاق الجـد للدفـع عنـه، والمنـع
َ عـن وقوعـه، وم ْ ـن ِ مّنـا ل يتذكـر موقفـه الجـاد حيـن صممـت
الحكومــة الســنغالية عــام 2016 ْ م بفصــل حوالــي 5000
معلـم عـن العمـل فـي الوظيفـة العموميـة بسـبب الضرابـات
المتكــررة، وكيــف قــام الشــيخ بالمنــع عــن ذلــك،
حيــث اتصــل برئيــس الدولــة مباشــرة وأقنعــه بالرجــوع عــن
قــراره، ومــن جانــب آخــر دعــا النقابــات إلــى الرجــوع إلــى
العمــل ونبــذ العنــف.
وكذلــك مواقفــه النبيلــة فــي القضايــا السياســية، مثــل:
ْ قضيتــي ْ كريــم واد وخليفــة أبابكــر ســل، وغيرهمــا.
3- دعواتــه المتكــررة للصحافــة والعامييــن إلــى
التثبــت مــن صحــة الخبــار قبــل نقلهــا، فــكان فــي أكثــر
ّ المناســبات يذكرهــم بهــذا المبــدأ الصيــل فــي مجــال
ّ الصحافــة، وينهاهــم عــن التســرع فــي نشــر الخبــار، أو
ّ النتقـاص مـن أعـراض البريـاء وتلفيـق التَهـم عليهـم؛ لن
ذلــك يبعــث بالتوتــر وعــدم الســتقرار، فأكثــر الضطربــات
والفتــن إنمــا نشــبت لعــدم التثبــت.
4- اهتماماتــه المتزايــدة لقضايــا العالــم الســامي،
وقــد مكنتــه ثقافتــه الواســعة إلــى ا ِلْلمــام بمــا يــدور فــي
هـذا العالـم، فـكان ل يتوانـى فـي إبـداء رأيـه لحـل مشـاكله،
والنصــرة للمســتضعفين، ســواء فــي فلســطين أو أفريقيــا
الوسـطى أو غيرهمـا، ومـن أواخـر أعمالـه فـي هـذا المجـال:
النصـرة التـي أبداهـا لقضيـة الروهينغيـا )Rohingya les )
الذيـن اسـتضعفهم البوذييـن البرمانييـن، فقتلوهـم وعذبوهـم
ّ وشـردوهم، وقـد قـام الشـيخ عبـد العزيـز الميـن بإلقـاء
خطــاب دعــا فيــه الرئيــس الســنغالي ماكــي ســال وصنــوه
التركـي رجـب طيـب أرغـان والمجتمـع السـامي والدولـي
ّ ّ ـن فـي خطابه أن
إلـى مزيـد العنايـة بهـؤلء المسـتضعفين، وبي
لهـم الحـق فـي ممارسـة الديـن الـذي ارتضـوه فـي بادهـم،
دون اضطهــاد أو تنكيــل.
خامسا: علقته t بإخوته
إن العاقـة التـي تربـط بيـن الخليفـة الحـاج عبـد العزيـز
الميـن t وبيـن أخيـه الخليفـة أبـي بكـر المنصـور – أيـد اللـه
ونصـره- هـي عاقـة روحيـة دينيـة ودمويـة، فبجانـب كونهما
أبنـاء أعمـام، فـإن الخليفـة أبـا بكـر المنصـور مـن جانـب آخـر
خـال لـه، وذلـك للتقائهمـا عنـد جديهمـا الشـقيقين، وهمـا:
َ َ ــرا ســك، فهــو الخليفــة
َ الشــيخ عبــد اللــه ســك والســيدة تب
أبــو بكــر ابــن الســيدة آمنــة ســك بنــت الترجمــان الشــهير
45
N° AL FATHI.indd 45 23/11/2017 06:38
ُ الشـيخ محمـد المعـروف بــ »د ُود سـك« ابـن محمـد المختار
ِ المعــروف بــ »اْبُنــو المقــداد ســك« ابــن الشــيخ عبــد اللــه
ســك، بينمــا الميــن فهــو الحــاج عبــد العزيــز ابــن الســيدة
عائشـة كان بنـت مقـدم البركـة الحـاج عبـد الحميـد كان ابـن
َ َـرا سـك،
ِ السـيدة بْن َ ـت ِ س َ ـير َ ا بنـت سِـلَمَة َ ك ْان َ بنـت السـيدة تب
ولعـل هـذه الخـوة المتينـة، هـي مـا كان يرمـي إليهـا الشـيخ
الحــاج محمــد المنصــور ، فيمــا رواه عنــه الخليفــة
الشــيخ أحمــد التجانــي ســه ، حيــث قــال فــي إحــدى
َ محاضراتـه: بـأن عمـه الشـيخ الحـاج محمـد المنصـور
نـاداه قبـل وفاتـه بقليـل، وقـال لـه: هـل تعـرف العاقـة التـي
تربطـك بأخيـك أبـي بكـر المنصـور؟ قـال: فقلـت لـه: نعـم،
فقــال: إذن يمكنــك أن تنصــرف.
إذ مــن الواضــح أن الشــيخ الحــاج محمــد المنصــور
الحـاج مالـك ؛ لنهـا واضحـة وجليـة، وإنمـا يريـد هـذه ل يريـد بذلـك إعامـه العاقـة التـي تربطهمـا بالشـيخ
العاقـة الخفيـة عـن كثيـر مـن النـاس.
وبجانــب هــذه العاقــة الدمويــة المتينــة التــي كانــت
تربــط بيــن الزعيميــن، فهنــاك عاقــات روحيــة وتربويــة
ـن لخيـه
ُ واجتماعيـة أخـرى، ولهـذا كان كل واحـد منهمـا يِك ّ
كل الحتـرام والتقديـر والحـب والشـفقة، فـكان الشـيخ عبـد
ــت فــي أمــر إل بعــد استشــارة لخيــه أبــي بكــر
ُ العزيــز ل يب ّ
المنصـور، فيسـتمع لرائـه ونصائحـه باهتمـام بالـغ، وقـد بـدأ
ّنـه ناطقـا
ذلـك قبـل توليـه الخافـة، وبعـد اختيـاره خليفـة عي
رســميا باســم الســرة، فــكان بذلــك يــده ولســانه ورجلــه،
وبالجانــب الخــر كان الخليفــة أبــو بكــر المنصــور يعامــل
أخــاه معاملــة حســنة بالتأييــد والنصــرة والنصيحــة الحســنة،
وهــو أيضــا يقابــل النصيحــة بالســمع والطاعــة.
ونفــس هــذه المعاملــة هــي مــا كان يجــري مــع بقيــة
السـرة، فقـد كانـوا يشـاركون ويؤنسـونه فـي أعمـال الحضـرة
مــع الحتــرام والحرمــة والشــفقة، فجزاهــم اللــه عــن هــذه
الحضــرة خيــر جــزاء.
فهكــذا كانــت ســيرة الشــيخ عبــد العزيــز الميــن مــع
إخوتـه، حتـى ارتحـل إلـى جـوار ربـه، وهـو عنهـم راض، وهم
كذلــك راضــون عنــه، بعــد حيــاة مليئــة بالعبــر والــدروس،
فليعتبـر بهـا أولـي النهـى، وليأخـذ المريديـن الصادقيـن منهـا
أســوة لصــاح حالهــم ومآلهــم.
ولله الحمد أول وآخرا
فاتيك /11 نوفمبر/ 2017م
46
بقلم/الحاج عبد امبينغ
لقــد كانــت العاقــة بيــن طوبــى وتــواون تتميــز
دائمــاً بالحســن والجمــال نظــرا لصالــة الروابــط
الدمويــة، والدينيــة، والجتماعيــة التــي تربــط بيــن
السـرتين عبـر التاريـخ، وقـد حـرص كل الخلفـاء الذيـن
تولــوا زمــام المــور علــى مختلــف العصــور فــي كل
مــن طوبــى وتــواون علــى حفــظ هــذه الروابــط، وتــرك
كل منهـم بصماتـه فـي خدمـة هـذه العاقـة، وتطويرهـا
مـن الحسـن الـى الحسـن، باعتبارهـا منطلقـا لترسـيخ
جــذور الخــوة الدينيــة، ومبــدإ وحــدة المســلمين فــي
المجتمــع الســنغالي.
الـى أن وصـل المـر إلـى الخليفتيـن المثالييـن وهما
الشـيخ سـيد المختـار امباكـي والشـيخ عبـد العزيـز سـه
الميــن، فضــا عمــا ورثــاه مــن أســافهما ممــا ســبق
ذكــره فقــد جمعتهمــا ظــروف خاصــة، وذلــك، أن كا
منهمـا قـد تولـى زمـام المـور فـي ظـرف زمنـي خـاص؛
يتميــز بكثــر ة التحديــات مــن جوانــب مختلفــة؛ منهــا
علـى سـبيل المثـال:
ظهــور تيــارات فكريــة جديــدة تهــدد الثوابــت
الدينيــة المتعــارف عليهــا فــي المجتمــع الســنغالي؛
N° AL FATHI.indd 46 23/11/2017 06:38
وظاهــرة النهيــار الخاقــي التــي بــدأت تنتشــر فــي
أوسـاط الشـباب؛ وغيرهـا مـن التحديـات، التـي فرضـت
ضــرورة اتخــاذ موقــف موحــد وتوحيــد الجهــود مــن
أجـل مواجهتهـا ،وقـد كانـا علـى وعـي تـام بمـا يقتضيـه
الحـال، نظـرا لمـا يتمتـع بـه كل منهمـا مـن خبـرة قياديـة
ُ واسـعة، فالشـيخ عبـد العزيـز مثـا؛ عـرف طيلـة حياتـه
بلزومـه بيـت الخافـة فـي أسـرة سـيدي الحـاج مالـك،
ســه وكان رضــى اللــه عنــه مازمــا لوالــده الــذي ورث
الخافـة مباشـرة بعـد جـده، ول شـك أن مـا تعلمـه مـن
والـده، كان كافيـا ليكـون قائـدا دينيـا مميـزا، ولكنـه ظـل
مازمــا ومســاندا بــكل اخــاص، لــكل الخلفــاء الذيــن
ورثـوا الخافـة مـن أبيـه حتـى لقـب بالميـن، وبالفعـل
كان أمينـا، لنـه كان علـى وعـي تـام بمسـؤوليته؛ كمرجع
دينــي، وشــخصية وطنيــة، يتميــز بمصداقيــة تامــة،
ونتيجـة لذلـك، فقـد اسـتفاد المجتمـع السـنغالي لكثـر
مــن مــرة بــدور الوســاطة الــذي كان يؤديــه للمســاهمة
فــي حــل الزمــات الكبــرى، ســواء أكانــت سياســية،
أو اجتماعيــة، ولــه فــي ذلــك فضــل ل يــزال التاريــخ
يذكــره. هــذا وقــد كان يعتبــر أمــن واســتقرار الوطــن
َ فــوق أي اعتبــار ولــم يمنعــه ذلــك مــن دفــع كل نفيــس
وغــال فــي خدمــة الطريقــة التيجانيــة، ورفــع رايتهــا،
ليـس فقـط فـي السـنغال ولكـن حتـى فـي الخـارج، ول
نخشــى أن نقــع فــي خطــإ، إذا قلنــا إنــه ســخر حياتــه
ِ بدايــة ونهايــة فــي خدمــة الســام والمســلمين، وفــي
ســبيل خدمــة وطنــه وخدمــة الطريقــة التيجانيــة التــي
عــاش عليهــا طيلــة حياتــه، و كل عمــل كان يقــوم بــه
يدخـل فـي هـذا الطـار بمـا فـي ذلـك عاقتـه بالطـرق
الصوفيــة عامــة؛ وبالطريقــة المريديــة، خاصــة ويظهــر
ذلـك علنـا فـي عاقتـه بالشـيخ ســيدي المختـار الـذي
كان يعتبــره أخــا حقــا، وخليــا صادقــا، وكان أول مــن
هنــأه بعــد توليــه الخافــة العامــة للطريقــة المريديــة
وانتقــل شــخصيا للقــاءه فــي مدينــة طوبــى، وكانــت
هـذه المبـادرة خيـر دليـل علـى صـدق نيتـه فـي المضـي
علـى نهـج أسـافه الـذي حرصـوا علـى حفـظ الروابـط
الدمويــة والدينيــة والتــي تربــط بيــن الســرتين واعتبــر
الشــيخ ســيدي المختــار هــذا اللقــاء فرصــة أبــدى لــه
خالهـا نيتـه فـي العمـل معـه جنبـا الـى جنـب مـن أجـل
توحيـد كلمـة المسـلمين فـي السـنغال فوافقـه علـى هـذا
ووعـده بالمضـي معـه علـى هـذا النهـج مـن أجـل تحقيق
المصلحـة الكبـرى لإسـام وهـي وحـدة المسـلمين كمـا
قــال ســبحانه وتعالــى: )واعتصمــوا بحبــل اللــه جميعــا
ول تفرقــوا(، ثــم قــام كل منهمــا بإعــان هــذا التفــاق
فأعلنـه الشـيخ سـيدي المختـار فـي أول خطـاب علنـي له
حيـث دعـا فيـه جميـع المسـلمين إلـى توحيـد صفوفهـم
عمــا بقولــه تعالــى )إنمــا المؤمنــون اخــوة فأصلحــوا
بيــن أخويكــم ( وخــص فيــه بالذكــر العاقــة التاريخيــة
التـي تربـط بيـن أسـرة الحـاج مالـك سـه وأسـرة الشـيخ
احمـد بمـب وطلـب مـن الجميـع معرفـة ذلـك والعمـل
علــى الحتفــاظ بهــا .
واســتمر الشــيخان علــى هــذا النهــج والتزامــا معــا
بمبــدأ الشــورى الــذي أقــره اللــه ســبحانه وتعالــى فــي
القــرءان فــي قولــه تعالــى: )وأمرهــم شــورى بينهــم(
وكانــا دومــا يتبــادلن الزيــارات فقــد كان رضــى اللــه
يقـوم بزيـارة مدينـة طوبـى علـى القـل مرتيـن فـي السـنة
لتهنئـة أو مواسـاة أخيـه فـي السـراء والضـراء عمـا بقوله
)ص(:)زر غبـا تـزدد حبـا ِ ( وفـي حـال تعـذر الحضـور
َ شــخصيا فــان تبــادل الوفــود بينهمــا كان طبيعيــا ولــم
يكـن أحـد منهمـا يقطـع أمـرا هامـا دون استشـارة الخـر
وخيــر دليــل علــى ذلــك أن المســلمين فــي الســنغال
ّ توحـدوا لول مـرة فـي تحديـد أيـام العيـاد وصلواتهـا
بفضلهمـا وكان كل واحـد منهمـا يفـوض للخـر كامـل
الصاحيــة لينطــق باســمه كمــا كان كل منهمــا يتحــدث
عـن محاسـن أخيـه فـي مجلسـه تعبيـرا منـه لمـا يكنـه لـه
مـن محبـة وتقديـر وكان الهـدف السـمى مـن كل هـذه
الجهــود أن يلتــزم كل المســلمين فــي الســنغال بقولــه
تعالى:)واعتصمــوا بحبــل اللــه جميعــا ول تفرقــوا(
رضــي اللــه عــن الشــيخ عبــد العزيــز ســه وأطــال بقــاء
الشـيخ حتـى يتـم نيتـه فـي خدمـة السـام والمسـلمين .
عبد القادر امباكي
47
N° AL FATHI.indd 47 23/11/2017 06:38
مـن هـو الميـن شـخصية؟ مـن هـو الميـن تكوينـاً
وتنشـئة؟ مـن هـو الميـن داعيـة؟- لمـاذا الميـن؟ مـن
هـو الميـن عاقـة؟ مـن هـو الميـن اجتماعيـة؟ مـن هـو
الميـن موقفـاً؟ ومـاذا أنجـز الميـن؟
هــذه التســاؤلت تشــغل بــال كثيــر ممــن يتابعــون
عــن كثــب مجلــة الفاتــح بالعيــن واليــد،
لـذا أحـاول فـي هـذا البحـث الجابـة عنهـا لضافـة
شـيء إلـى رصيـد القـارئ والمتـاع لـه بالنظـر فـي بعـض
محطــات جــد مهمــة متموقعــاً فــي المواضــع المركزيــة
مـن هـذا الطـراز الفريـد مـن رجـال الديـن المعاصريـن
ا-المي شخصية
الميـن هـو الشـيخ عبـد العزيـز سـي بـن الشـيخ أبي
بكـر سـي، أول خليفـة للشـيخ الحـاج مالـك سـي، والدته
َ السـيدة عائشـة ك ْ ـن، ولـد فـي تـواوون سـنة 8291م كان
الناطـق الرسـمي للسـرة المالكيـة مـا يربو علـى……
وكان عضــوا فــي مكتــب مؤتمــر العالــم الســامي
بجـدة، وعضـوا فـي جمعية الدعـوة السـامية بطرابلس،
وفـي مؤتمـر العلمـاء الفارقـة بالمغـرب، ورئيسـا لتحاد
الجمعيـات السـامية بالسـنغال إلـى حيـن وفاتـه رضـي
اللـه عنـه يـوم الجمعـة أول المحـرم عـام 9341هجريـة/
الموافـق /61 مـارس/ 7102
ب-تكوينه وتنشئته
الشــيخ عبــد العزيــز رحمــه اللــه نبتــة صغيــرة فــي
حديقــة خضــراء يتعهدهــا صاحبهــا بالســقي، ويعتنــى
بهـا بـكل عنايـة فتمنـو غضـة تـروق الناظريـن، حتـى إذا
اســتوت علــى ســوقها آتــت أكلهــا.
تـرون إذا مـن خـال هذا المثـال التقريبي أن الشـيخ
لـم يبلـغ الكمـال منـذ فجـر يومـه، ولـم يصـل إلـى النهاية
منـذ بدايتـه، لكنـه مـر بمراحـل التعليـم، واجتازهـا مثـل
مــن ســبقوه مرحلــة مرحلــة. ابتــداء مــن حفــظ القــرءان
َ الكريــم علــى يــد معلمــه الشــيخ م َام ْ ــه ُ ل ْ ــوح، وكان
يتعهـده بعـد الحفـظ بعشـرة أحـزاب يوميـا، بـإذن والـده
الــذي أمــره بالقفــول إليــه ترســيخا لحفظــه، ثــم شــرع
فـي تعلـم العلـوم السـامية والعربيـة بأصولهـا وفروعهـا
علـى يـد أخويـه الشـيخ أحمـد التجانـي والشـيخ محمـد
المنصـور سـى وفـق المنهـج الدراسـي الـذي كان يسـير
عليـه التعليـم العتيـق آنـذاك، وشـرب كذلـك مـن المعيـن
ِ الـذي ل ينضـب أل وهـو الشـيخ علـي غ ْ ـي، كمـا درس
علـى آخريـن غيـر أولئـك، وارتقـى إلـى سـلم العلـم الذي
يعـادل اليـوم فـي التعليـم الحديـث الدراسـة العليـا فـي
الجامعـات. ولـم يكـن هـذا التحصيـل بمفـرده، بـل كان
مشــفوعاً بتعليــم فئــة مــن التا َ ميــذ لنــه ت ْمنطــق مبكــراً
بحــزام التعليــم كمــا كان هــو العــادة الموروثــة والســنة
المتبعـة فـي هـذه السـرة المباركـة بـدءا من المعلـم الول
ّ الجـد الحـاج مالـك سـي، نـزول إلى بنيـه، وحفدتـه الغر،
يلتـف حولـه ثلـة مـن التاميـذ يدرسـهم وهـو المسـؤول
عنهـم دراسـة، وصحـة، وسـلوكا، وتهذيبـا، والتزامـا فـي
ظـل والـده، وتحـت سـقف بيـت تتواصـل فيـه حلقـات
العلـم، وأضـواء الشـموع بالغـدو، والصـال. للـه در مـن
وصــف هــذا العســكر العلمــي وصفــا صادقــا ـــ – لمــا
فيـه مـن أنـواع العلـوم والدراسـات، والبحـوث العلميـة،
والعـروض، والمحاضـرات، ومـا يتخـرج منـه مـن نوابـغ
العلمــاء – ـــ بالجامعــة الشــعبية، وغيــر خـاف عليكــم
أيهـا القـراء الكـرام مـا لهـذه الكلمـة مـن معنـى.
ج -المي داعية
وبعـد وفـاة والـده المرحـوم مضـى قدمـا علـى هـذه
الجـادة، ولـم ينحـرف عنهـا قيـد أنملـة سـائرا فـي حـال
هـذا السـبيل ل فـي حـال سـبيله، فتتوسـع دائـرة نشـاطه
وحركتـه وتمتـد عاقاتـه فـي الداخـل والخـارج، فيلقـي
محاضـرات هنـا وهنـاك بصـورة مكثفـة، ومبرمجـة طـول
السـنة. تقـام حينـا بالليـل، وأحيانـا بالنهـار، ول يأخذ من
الراحــة، ول مــن الكل، ول مــن النــوم إل قــدرا يســيرا.
تداولــه الماكــن والمناســبات والدعــوات فيبلــغ رســالة
48
N° AL FATHI.indd 48 23/11/2017 06:38
الســام ويــؤدي المانــة التــي اســتخلف فيهــا مبينــا
للنــاس مــا يربطهــم بخالقهــم ومــا يربطهــم بطريقتهــم،
ومــا يربــط بيــن بعضهــم البعــض، مهمــا يكلفــه ذلــك
مـن جهـد، ووقـت، وتضحيـة. وقـد ل يغيـب عـن ذاكـرة
التاريـخ ذلـك الرجـل الـذي قادتـه مكيـدة شـيطانية إلـى
وضـع قنبلـة فـي سـيارته ليفجرهـا عليـه فـإذا هـو فجرهـا
علــى نفســه كحاتــف نفســه بظلفــه )ومكــروا ومكــر
اللــه واللــه خيــر الماكريــن( ومضــى فــي مهمــة النبيــاء
والدعــاة الصالحيــن يقــول صلــى اللــه عليــه وســلم:
)العلمـاء ورثـة النبيـاء( ويتوافـد عليـه الدوائـر والـزوار
فيذكرهــم باللــه ويزودهــم بشــحن روحــي
وكان إذا تكلـم أسـر القلـوب بالبيـان، واسـتولى علـى
العقــول بالبرهان
ول يخامـرك أدنـى شـك فـي أن بعضهـم يأتـي وهـو
طريـد فقـر مدقـع، أو شـغل شـاغل فيعينـه علـى رمقـه.
د-المي اجتماعية:
فمــن النــاس نــاس خلقــوا لغيرهــم. نقــف مــع
القـارئ فـي هـذه المحطـة لنقـرأ الشـيخ فـي سـطور: فـي
قلبـه المفتـوح، فـي حسـه الرقيـق، فـي شـعوره العميـق،
القائــم علــى أســاس اليمــان باللــه. ويقــول المصطفــى
صلــى اللــه عليــه وســلم: )ارحمــوا مــن فــي الرض
يرحمكــم مــن فــي الســماء(، ولنواصــل القــراءة لتجليــة
كرمــه وســخائه، وتقديــره للنــاس واحترامهــم، وفــي
حســن معاملتــه معهــم. لــو بحثــت لــه نــداً فــي معاملتــه
مــع جليســه ل تلفــي لــه نظيــرا،ً إذ يرتقــي بــه أيــا كان
إلـى علـو مكانتـه، ويصغـى إليـه، ويبسـط لـه الـكام، ول
يلمـس الجليـس أبـدا مـن مامـح وجهـه، أو لسـانه أنـه
سـئم منـه، كا، بـل يسترسـل معـه الحديـث ول يسـتبدره
قـط بالـوداع أو بالسـتئذان لنبلـه وشـهامته ولباقتـه. وهذا
الشــق يمثــل نصــف الديــن، أو زد عليــه ، قــال رســول
الســام عليــه الصــاة والســام: )الديــن المعاملــة(
مــن نافلــة القــول أن نقــول إن الشــيخ عبــد العزيــز
كان يعامـل بالتـي هـي أحسـن، ويكايـل المعـروف صاعا
بصاعيـن وحسـنى بحسـنيين، أو نقـول إنـه كان يخفـف
العـبء عـن كواهـل لنـاس، ويعيش معهـم الفـرح والترح
لكنــه كان ماســح دمــوع المعوزيــن ومضمــد جــراح
المنكوبيــن، يســدي كرمــه ومعروفــه للقريــب والبعيــد ،
للسـائل والمحـروم، وكان ملجـأ آمنـا للخائفيـن ومسـحة
صحيــة لعاهــات النفــوس وآهــات القلــوب، ول تــكاد
تأتـي إليـه إل وتجـد عنـده مـن شـرائح المجتمـع أصنافـا
مـن النـاس كثيـرة : الفقيـر المكـدود، الغنـي المحسـود،
العاطــل اليائــس، العالــم التائــه، الظالــم والمظلــوم،
الدائـن والمديـون الـذي أوثقتـه ديونـه، وأرقتـه همومـه.
كل يجتمــع إليــه فتعــرض إليــه مشــاكل هــي كالجبــال،
ً فيقلبهــا بجميــع الوجــوه، ويخــرج لــكل صنــف حــا
مناسـبا،ً ويفـرق مـا يأتيـه مـن الـرزق علـى المحتاجيـن
وعلــى مناســباتهم المتعــددة عقائــق، ومآتــم، وأعيــاد،
وغيرهــا بســخاء مذهــل، ول يدخــر لنفســه، ول لعيالــه
شــيئيا، اللهــم إل مــا كلــف اللــه عليــه مــن الحقــوق
والشــواهد علــى ذلــك ل يحصرهــا عــدد، ومــن
العبــث والســذاجة فــي رأيــي محاولــة ذكرهــا،
ويحضرنـي هنـا بيـت شـعر فـي قصيـدة قلتهـا فـي
حقــه عــام 4991 لمــا حــاول العــدو الفاشــل تفجيــر
ســيارته بقنبلــة
ودوره السعي في مصلحة البشر
بشرى له حبذا وهكذا العمل
وكانـت نفسـه الشـفافة تطاوعـه فـي ذلـك بالسـجية،
وإيمانـه باللـه وشـفقته بخلقـه تبعثانـه عليه.
ه-لاذا المي؟؟؟؟
الميــن وصــف مــن الوصــاف المحبوبــة فــي
السـام. وصـف بـه رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسـلم
فــي مكــة قبــل البعثــة لصدقــه وأمانتــه، فتســمية الشــيخ
بالميــن نعمــة مــن اللــه ومنــة أول وقبــل كل شــيء
ثـم إن والـده اختـاره بيـن إخـوة أشـقاء لـه، وإخـوة
لب ليازمــه فــي الخلــوة والجلــوة، وليكــون مســتودع
سـره وأمانتـه، وصلـة بينـه وبيـن نزلـه، وخادمـه الميـن
فـي خاصـة أمـوره، بعـد أن آنـس منـه الصـدق والنزاهـة
والمانــة، ووجــد فيــه مامــح النبوغــة والــذكاء.
وجــاء بعــده عمــه وســميه الشــيخ الحــاج عبــد
العزيــز ســي ووجــد فيــه الكفــاءة والبطولــة والخــاق،
فعينــه الناطــق الرســمي للحضــرة المالكيــة عــام…….
وخلــف مــن بعــده أخــوه الشــيخ محمــد المنصــور
سـي )بـروم دارج( وشـهد لـه بالخبـرة والدربـة والموقـف
والمبــادرة والخــاص فثبتــه فــي منصبــه مضيفــا إليــه
قـدم السـرة ورأسـها إن صـح التعبيـر كمـا كان يقـول
فأتــى أخيــرا شــقيقه المحبــوب الشــيخ أحمــد
التجانــي ســي وجعلــه ممثــل الخافــة التجانيــة مســلما
إليــه عصــا القيــادة قبــل أن يصبــح قبيــل وفاتــه بســتة
أشــهر الخليفــة العــام لطريقــة أبــي العبــاس أحمــد
التجانـي، فاجتمـع المـر كلـه بيـده لنـه هـو الميـن. ثـم
رحــل إلــى جــوار ربــه.
و-المي علقة:
كانــت لــه عاقــات طيبــة ومتميــزة مــع الطوائــف
49
N° AL FATHI.indd 49 23/11/2017 06:38
50
الدينيـة بكافـة أشـكالها وباختـاف توجهاتهـا اليدلوجية
وكذلــك الحــال مــع الهيئــات الديبلوماســية المتمثلــة
بالســفارات والقنصليــات وتتجســم العاقــات فــي
الزيـارات الوديـة والتباحثيـة التـي كان يقـوم بهـا بيـن فينة
وأخــرى إلــى الســر الدينيــة أو إلــى الهيئــات الرســمية.
وفــي البعثــات العلميــة التــي ترســل إليــه عبــر
السـفارات، ومنـذ سـنوات يسـتفيد معهـد الشـيخ الحـاج
مالــك للدراســات الســامية والبحــوث العلميــة مــن
بعثــة الســاتذة الوافديــن مــن جامعــة الزهــر الشــريف
بالقاهــرة ومــن موريتانيــا الشــقيقة.
كمـا تتجسـم بالدعـوات المتبادلـة فـي المناسـبات،
أمـا عاقتـه مـع المغـرب فهـي عاقـة اسـتثنائية روحيـة
علميـة ووديـة. ذلـك لمـا يربـط المغـرب بالسـنغال مـن
جهــة، وبالحضــرة المالكيــة مــن جهــة أخــرى، وخيــر
مثـال علـى ذلـك الـدروس الحسـنية التـي تعقـد سـنويا
بالمغــرب فــي القصــر الملكــي ويدعــى إليهــا كضيــف
شــرف.
ويصــدق هــذه العاقــة أيضــا التقريــر الصحفــي
الــذي أجــري لعــان وفاتــه وذكــر محاســنه ومواقفــه
الجبـارة الحكيمـة، وجميـع الجهـزة العاميـة بالمغرب
تلقــت هــذا النبــأ الليــم وأعلنتــه بالحــزن والســى.
وهــذه العاقــات ســمحت لــه بكســر الحواجــز
وخلـق التفاهـم مـع المسـؤولين فـي البـاد فـي كلمـا مـن
شـأنه جمـع الكلمـة وتوحيـد الصـف وحفـاظ كيـان المة
عــن الزعزعــة. لنــه كان يتحلــى بــروح الحــوار ورحابــة
الصــدر وحــب الخيــر فضــا عــن إلمامــه بالقضايــا
المركزيـة فـي البـاد، والمواطـن الهشـة منهـا، والتـي كان
يرعاهـا بحنكـة وحـذر مـن جانـب، وشـجاعة وضـروس
مـن جانـب آخـر حفاظـا علـى وحـدة جميـع الطيـاف.
:
ً
ز-المي موقفا
وكان ينطلــق مــن الشــعور بالمســؤولية الجســيمة
التـي كان يغطـي بهـا جسـد المـة ليتدخـل فـي القضايـا
الكبــرى التــي ترتبــط بمصيرهــا الدينــي والوطنــي وكان
يأخـذ عنهـا مواقـف حكيمـة تترتـب عليهـا نتائـج تنفـع
العبـاد والبـاد، وتعـود عليهـم بالمـن والسـتقرار. منهـا
علــى ســبيل المثــال ل الحصــر:
-1تدخلــه فــي التفــاوض مــع الحكومــة فــي ملــف
مدرسـي العداديـة والثانويـة عـام 6102/5102م حيـن
احتدمــت المواجهــة بيــن الطرفيــن، وانســدت الســبل
َ المفضيـة إلـى اتفـاق واستم َ ـــر كل فـي موقفـه، فدعاهمـا
إلـى طاولـة حـوار شـهدت بالنجـاح.
-2تدخلــه الحاســم عنــد مــا تجمعــت الحــزاب
السياســية فــي ســاحة الســتقال تعبيــرا عــن رفضهــم
البطاقـة المزدوجــة لنتخــاب رئيـس الجمهوريــة ونائبـه
دفعـة واحـدة وكان الرئيـس السـابق عبـد اللـه واد يريـد
تمريرهـا فـي البرلمـان ليصـوت عليهـا النـواب فتكاتفـت
الحــزاب مجمعــة علــى تنظيــم مســيرة أدت أخيــراً إلــى
مشــابكات مــع رجــال المــن، فدخلــت عبــوة ناشــفة
متفجــرة فــي زاويــة الحــاج مالــك ســي بــدكار باطــو،
وهــم فــي حفلــة الذكــر لعصــر يــوم الجمعــة. فتوتــرت
العصــاب إلــى أوج التوتــر وقامــت الدنيــا ولــم تقعــد،
فــي مثــل هــذا الوضــع الحســاس مــا ذا تتوقــع أيهــا
القـارئ أن يكـون رد الفعـل مـن الرجـل السـتثنائي الذي
يحتكـم إلـى سـلطان العقـل ل إلـى سـلطان العاطفـة يـوم
هـرول النـاس إلـى الزاويـة بيـن عاطفييـن غيـر واعيـن،
ومتظاهريـن علـى التضامـن وهـم فـي الحقيقـة ينضـوون
علــى نوايــا ســيئة. والشــيخ بفطانتــه الخارقــة وقــد
ضرسـته التجـارب ل يخفـى عليـه حـال هـؤلء وأولئـك.
حســم المشــكلة فــي لحظــة واحــدة حيــث قــال: إننــا
هنــا اليــوم لموعــد قــد تضاربنــا عليــه مســبقا للضيــف
الشـريف الـذي نـزل إلينـا قادمـا مـن المغـرب وهـو مـن
حفـدة شـيخنا أحمـد التجانـي رضـي اللـه عنـه ل لغـرض
آخـر، ول أحـد يملـي علينـا مـا نفعـل، نحـن أدرى منكـم
مـا هـو الحـل النسـب فقفلـوا راجعيـن علـى أدراجهـم
صاغريـن. ل يعـرف الرجـال إل بمواقفهـم فـي القضايـا
العالقــة وإل بتصرفهــم فــي الظــروف الحرجــة.
ولـه مواقـف عديـدة فـي الشـؤون الدينيـة الختافية
التــي تمــس تديــن الشــعب واختياراتــه، لــم يقــف أبــدا
وقفـة المتفـرج المكتـوف اليديـن فجـزاه اللـه عـن الديـن
والوطـن.
حسن السياسة والرأي خصوصته
كأنه في الثبات والقوى جبل
فـا تـرى أحداً يسـوده شـرفاً
ول ترى أبداً يفوقه بطل
ح-إنازاته:
أنجـز الميـن كثيـرا مـن المشـروعات التـي ل تنتهـي
منهــا: تغييــر صــورة مســجد الشــيخ الخليفــة إلــى أبهــى
صـور.
منهـا بنـاء مبنـى كبيـر يضـم قاعـة لاسـتقبال، قاعـة
للمحاضـرات، ومكتبـة للكتـب، وغرفـا للضيـوف.
ومنهـا بنـاء معهـد الشـيخ الحـاج مالـك للدراسـات
السـامية والبحـوث العلميـة.
بقلم الستاذ عبد العزيز با
N° AL FATHI.indd 50 23/11/2017 06:38
ّإن ّ ا لل ّ ه وإنا إليه راجعون
ّ ّ ـة مـن بحرالط ّ ويـل كتبهـا العبـد الفقيـر / عبـد العزيـز سـار للتعبيـر عـن مشـاعر الحـزن والسـى
ّـة مرثي
ّ فهـذه القصيـدة التائي
ّ ّ دة الص ّ الحـة الورعـة، سـت ّ نا البـار ّ ة أم ُ نـا الحنـون، س ْ ـخ َن ُ فاطمـة سـه
ّ المتأث ّ ـرة برحيـل الشـيخة العارفـة باللـه تعالـى، السـي
ّ المنصـور، التـي انتقلـت روحهـا الط ّ اهـرة إلـى الرفيـق العلـى فـي يـوم الحـد الموافـق /15أكتوبـر2017/م، فـي شـهر
ّ النبيئيـن والصديقيـن والشـهداء وحسـن ألئـك رفيقـا) آميـن واللـه علـى مـل نقـول وكيـل: ّ المحــرم 1430 ّ هــ. أســكنها اللــه أعلــى جن ّ تــه بجوارجدهــا الصميــم ووالدهــا الكريــم مع(الذيــن أنعــم اللــه عليهــم مــن
ـــت ِ ب ْال َم َ ـــك ِارِم َ ح َفَقْل ّل ِت ِب َ ـــي جِر ٌ يـــح َ و ّ الش َ ـــه َادُة َ د ْم َعِتـــي
َعَل َ ــــــى فْقِد ِ س ّ
َْك ْى الُقُل َ ـــوب َ جِم َيع َهـــا
ب
َ
لَ َان ْ ـــــــعُيَهاا
َ
ان ِ ـــي ب َح ْس َ ـــرِة ا
ُ َع ِ
م ْه ُم ًومـــا ا
َف ُحّي ْ ـــر ُت َ
ْ َخِت َي وَو ِس َيلِتي
لَ ِا ه َ ـــــي ِ س ّ ـــت َي شـــي
َ
ْ ا َلِة
ِم َ ـــــــن ْ الَع ِارَف ِ ـــات ّ الن ِاس َ ـــك ِ ات ِ بَلي
ـــة
ٍ َ
َ ّ ـــارٌة َ ذ ُ ات َ ر ْحب
ِّة َلِط َ يــــفُة َ نْف ٍ ـــس ب
َِري
ْ َ ـــر َ نْف ِ ـــع ْ الب
َفَل ْ ــــم َ تُك ْن َ ت ْح َ ـــي َ غي
وُه
ي ْ اانِتَمـــاُ
ًَ
ْ ْإن َس َ ـــان ا
َ ِ ـــرُم ال
لَر َ احِة َوَت ْحتـ
ْ ِ ـــر ْ ال َجِم ِ يـــع ِ
ـــع َى عَل َى خي
َوَت ْس َ
ـــة َ و ّ الن َ ـــدى
َ َار ْم َ ـــز ْ الِعَف َاف ِ
َ ْ ـــدَن ِاك ي
ف ُ ـــي ك ّل َ وْقَفِة َفقـــ
ّ التَق َى و ّ الس ْ ـــلِم ِ
َوَر ْم َ ـــز
ـــدِق َ و ْالَوَفا
ّ
َ َ ـــا ر ْم َ ـــز ّ الت َص
ـــة َفَق ْ ــــدَن ِاك ي
ال ّ ي النِف َ يس ِ
َوَر ْم َ ــــــز َ س َ ـــخ ٍاء ِ ب ْالَغَو ِ
ـــاة َ و ُع ْمُرَهـــا
اَن ِ
َْ
َ َار ْم َ ـــز ال
ِْد ُ س ّ ـــنِة َفَق ْ ــــــدَن ِاك ي
ف َي قي
ي ِ م ِ ــــــن ْ ال َحـــالَ ِات ِ
ا ّ
َ
ِ
ل
َ َ ـــا ر ْمَز ْالَوَق َ ـــارِة َ و ّ الش َ ـــها
ـــة َفَق ْ ـــــدَن ِاك ي
ْ ِ ـــر ْ ال َجِم ِ يـــل ِ ب َص ْدَم ِ
ــــــة َ و ّ الصب
َم ِ
َ ّس ِ ـــي لِج ِيلَنـــا
َ َار ْم َ ـــز ّ التا
ـــة َفَق ْ ــــــدَن ِاك ي
ل ُ ـــك ّل ْ ال َخِل َيق ِ
َ ِ ــــس َيرُتَه َ ا د ْر ٌس ِ
فـ
ـــة
ـــر َ وَر ْحَم ِ
ّ
ا لِب
َ َ ـــا ر ْم ً ـــز ِ
ُْت ِك ي
َ ِة َ ــــكي
ٍُم َ ث ْكَل َ ـــى عَل َ ـــى فْق ِ ـــد َ فْل َ ـــذ ب
ــــاء ا
َُك َ
ب
ًَدا
ْ َ ـــن َ ذ ْ وو ال َح َ اج ِ ات ُ كْن ِ ـــت َ لُه ْم ي
ي
َ
ـــة َفا
ِ َ
ْ َ ـــر َ عِطي
ف ّ ـــي الس ّ ـــر َ خي
ــــد ُهُم ِ
َتُم ّ
افِل ِ مْثَلَما
الض َح َى وْق َ ـــت ّ النَو ِ
ّ
َ ِ ـــام َ وَد ْع َ ـــوِة َكْت ِ ـــك
َ ب
ال ِ ـــي لْلِقي
ِ َ
ََك ْ ـــــت ِك ّ اللي
ب
ج ِ ـــد ِ مْثَلَمـــا
ّ
ال ِ ـــي ل ّلتَه
ِ َ
َ ِة َك ْ ــــت ِك ّ اللي
َ ب
لَن ْكب
ََك َ ـــى ص ِارًخ َ ا ص ْ ـــوُم ّ الط َ ـــو ِ اع ِ
ب
َّنـــا
لَرب
َ ِك ٍ يـــد ِ
ْ ِ ـــت َ عَل َ ـــى ع ْ ـــزٍم ا
ـــة َوُكنــ
ـــب َ و َح ْزَم ِ
ّ
َ ٍ ـــال َ و ُح
اْقب
ــــد َ وِ
ٍ
َوِج
ال َح ِ ات َ فَم ْن ُ يِر ْد
َِس ُ ـــيرِ بِه ّمِة َف َ ــــــهَذ ُ ا س ُ ـــل ُوك ّ الص ِ
اَل ْ ـــى ال َمْوَلى ي
ُ وصـــــــولًا ِ
َ ْن
َ ْع َ ـــد ا
َ َانِة ب
َ ْ ـــا الِخي
َ ُ ـــا دْني
كـ ُتَغ ِ ــــادُرَن َ ا ر ْم ُ ـــز ّ الطَه َ ـــارِة ُ ع ْمَدِتـــي َ ِ ـــر ْهُت ِك ي
َ َ ـــوَر ُى د َون ِ م َ يـــزِة ُ ــــات ِك ِ ب ْال ُح ْس َ ـــن َى و ُصْن ِ ـــع َ جِم َيلٍة
لْل َحي
ْ ٍ ـــر ِ
ا ْس َ ــــد ِاء َ خي
َوِ
ََذْلِتَها
ف َي ن ْش ِ ـــر ْ الُخُي ِور ب
َ ُي ِ ـــوف ِ ب ِخْدَمِة ُ ــــــــات ِك ِ
الض َحي
ّ
ِلُطــــّل ِب ِ عْل ٍ ـــم َ و
َْفٌة
و ِاد َ وَرا
ف ْ ـــي الُفـــَ
ـــة ُ ــــات ِك َ ع ْط ٌ ـــف ِ
ِ َ
ـــد ِ بِرّق َحي
ّ
ُيَغ ِ ــــامُرَه َ ا ش ْ ـــو ٌق َ وِج
اْن َس ِ ـــاب ُ ت ْع َ ـــز ِى ل َم ِاجٍد
َْ
ْ ُ ـــت َ صْفَوِة َفِل ْ ـــم لَ ِا م َن ال
َي
َ ْس َ ـــل ُافَها ب
اَل َى م ِ ــــــــاجٍد ا
ِ
ِ ٍ ـــع
ل َجائ
ا ْطَع ُ ـــام ّ الطَع ِ ـــام ِ
ِّة ُ ــــات ِك ِ
و ِ وس ّ الرِوي
َ ـــُ
َو َسْق ُ ـــــي ِ عَط ٍ ـــاشِ ب ْالُك َحي
لْل َ ـــوَرى
اُخ ّ ـــوِة ِ
ُْ
ـــة ُ ــــات ِك َ تْوِط ُ يـــد ال
لَر ْحَم ِ
َ ِط ُ يـــع ِ
َ ْوَق َحي
ــــــــــــد َعَد ٍاء ا
ّ
َو َص
لِذ ْي ال َجَفا
َ ٌء ِ م ْن َ حَن ٍان َ و َش ْ ـــفَقِة ُات ِ ــــك َ ت ْكِر ٌيم َ وَو ْص ٌ ـــل ِ
ُ ِك ِ د ْف َحي
َجَنــــــــــاب
ُ ّم ْ ال َم َس ِ ـــاك ِين َ ص ْدَم ٌ ـــة
َـــا ا
َِة ُ يــــل ِك ي
َْو ْى الَه ِض ِيم َ وُغ َرِح ْرب
ا مـــا
َ َ
َعَل ْ ـــى ال ْكوِن ي
ـــة
َ َار ِ بَو ْحَش ٍ
ــــــــم ْرِتَه ِا ب ْال َرِح ُح ُ ــــــــنّوِة ُ ــــيل ِك َ قْد َ خّل ّ ـــى الدي
لَ َاط َال َ ــــــم َ اع ّ
َ
ا
ـــال ٍك
الد َع ِاء َ و َس ِ
ّ
ال ٍب ُ ي ْم َ ـــن
اَل ْ ى ال َمْوَل َى فَنـــالَ ِا ب َح َ اجِة َف َ ــــك ْم َ ط ِ
َدَع ْ ــــــو ِت ِ
ـــه ْ الَكِر ِيم َ س َ ـــل ُامُه
ِ ّ
ـــة ْ ِ ـــك ِ م َ ـــن الل
ْ ِ ـــك ِ ب َجّن ِ
وُه ْ تج ِ ـــر َ ي ل َعَليــ َدي
َوآلَاُ
ائ ًمـــا
ْ َ ـــرِك َ دِ
َ ّ ــــل َل ِ ب ّ الر ْض َ ـــو ِان َ قب
َ ُ ـــب َ نْف َحِة َوب
َ ْطي
ــــب َ عَل َ ـــى مْث َ ـــو ِاك ا
ّ
َُه
ي
ّ ٌ ـــة
َ ْ ـــــحَي َ عَل ُ ـــى ع ْم ٍ ـــر َ طِو ٍ يـــل ُ ذري
َ ْط َ ـــو َل ُ م ّ ـــدِة َوي
ا ْه ُ ـــل ا
َْ
ُّت ِ ــــك َ وال
ُذري
ْ ُش ّ الرِغ ُ يـــد َ حِل ُيفُه ْم
ــــا ف َين َ و ْال َمِك ِ يـــن َ وُن ْصَرِة َعي
ا ْمِن ْ ال ُم َع ِ
َْ
َم َ ـــع ّ الس ْ ـــلِم َ وال
ال ٍ ـــك
م ِ
َ ِ ـــاء َ ج ّ ـــدِك َ
ْآب
ْ َن ِ بال
َ ْ ـــلَقي
لِجّلِة َوتــ
َ
ال ِ ــــــدِك ْ ال َمْن ُص ِ ـــور َ ف ْخ ِ ـــر ا
َوَو ِ
ِ ِع ْ الَوَرى
ـــل ٌيم َ عَل َى شـــاف
ِْر ِ عْتَرِة َ ـــل ٌاة َ وَت ْس ِ
ا ْحَم ُ ـــد ْ ال َص ُم ْخَت ُار ِ م ْ ـــن َ خي
َْ
ُهَو ال
ـــة ْ ِآل َ و ّ الص ْح ِب ْ الِك َ ـــر ِام َ جِم ِيعِه ْم
لَف َم َ ـــع ال ْرَخ ِ
َِع ٍ يـــد ِ
ٌْرِم ْ ـــن ب
َم َ ــــت َى ن َ ـــاح َ طي
لُقْدَوِة
ْ َت ّ الرَث ِ ـــاء ِ
َي
َْنَش ُ ـــدوا ب
ـــة َوَمـــــــا ا
َ َ ـــارِ بَو ْحَش ِ
َرِح ُ ــــيل ِك َ قْد َخّل ّ ـــى الدي
51
بقلم/ عبد العزيز سار
تلميذ وربيب الفقيدة
بمدينة تواوون المحروسسة
N° AL FATHI.indd 51 23/11/2017 06:38
52
حضرة الحمدية التجانية في ريفسك
إنهــا لفــرع زكــي مبــارك مــن شــجرة الحضــرة
المالكيـة التجانيـة التواوونيـة المباركة،ويطيـب إذا طـاب
الصــول فصــول.
نبــذة عــن حيــاة المؤســس/ الشــيخ الحــاج عبــد
اللــه جــوب التجانــي الخليفــة.
إنـه رضـي اللـه عنـه، لرمـز مـن الرمـوز الدينيـة فـي
الســنغال ودعامــة مــن دعائــم الطريقــة التجانيــة، ظهــر
فــي دنيــا الواقــع بكاهيــدي فــي جمهوريــة الســامية
المورتانيــة عــام 1920م.منحــدرا مــن ســالة الفانيــة
بفــوت المورتانيــة.
درس القــرآن علــى يــد والــده/ الشــيخ أحمــد
محمـود، وعلـى يـد الشـيخ صمـب صـل، أرسـله والـده
إلـى الشـيخ محمـد سـعد آن بقريـة بيلنابـي القريبـة مـن
كيهيــدي، حيــث حفــظ القــرآن علــى يــد هــذا الشــيخ
وهــو لــم يجــاوز الثانيــة عشــر مــن عمره.ومنــه أيضــا
درس علــوم الشــريعة ومبــادئ اللغــة العربية،وعندمــا
بلــغ مــن العمــر اثنتيــن وعشــرين ســنة واصــل تنقاتــه
العلميــة بيــن الشــنقيط فــي مورتانيــا وتومبكتــو بمالــي
.عـاد إلـى كيهيـدي وخلـف أخـاه محمـد الميـن علـى
عــرش الخافــة.
تلقـن الطريقـة التجانيـة علـى يـد والـده، والتجديـد
مـن أخيـه الـذي لعـب دورا مهمـا فـي تربيتـه.
وأثنـاء رحاتـه زار السـنغال ومالـي وسـاحل العـاج
وغينيــا والســودان والتقــى بعــدد كبيــر مــن العلمــاء
ومشـائخ الطريقـة وأخـذ عنهـم، ونـال مـن بعضهـم عـدة
إجــازات مطلقــة، وآخــر مــا نــال منهــا: إجــازة الشــيخ
التجانــي عــال بلعرابــي أثنــاء زيارتــه للســنغال.
زار أول مدينــة غونــاس المحروســة عــام 1944م
واتصـل بيشـيخه محمـد سـعيد بـاه. وبعـد أربع سـنوات،
رجــع الشــيخ رضــي اللــه عنــه إلــي الســنغال وحــل فــي
ســان لــوي باســتضافة المفتــش التربــوي الــذي ســاعده
علــى المشــاركة فــي مســابقة وظيفــة التدريــس فنجــح
فيهــا وعيــن مدرســا فــي قريــة تمســكيت.
عاقتـه مـع الشـيخ الحـاج مالـك وخلفائـه رضـوان
اللـه عليهـم أجمعيـن.
وقبيـل تولـي الوظيفـة، سـاق القـدر؛ أن يرى الشـيخ
الحـاج مالـك فـي منامـه فيشـيره بحتميـة التوجـه إليـه .و
بعزيمـة فائقـة، تـرك الوظيفـة متوجهـا إلـى تـواوون، تلبية
لدعــوة الشــيخ الحــاج مالــك، وبعدمــا وصــل تــواوون،
رحبـه خليفـة الشـيخ الحـاج مالـك/ السـيد أبوبكـر سـي
قائـا لـه: إنـك ضيـف الشـيخ الحـاج مالـك، الوصيـة
عنـد أخـي : الشـيخ الحـاج المنصـور فهـو فـي انتظـارك،
وبعــد مــا قابلــه أعطــاه مــا أمــره والــده بتوصيلــه إيــاه.
ثــم قــال لــه بعــد ثاثــة أيــام الضيافــة يمكنــك الرجــوع
إلــى الهــل والحبــاب. ولكــن الشــيخ رضــي اللــه عنــه
مراعــة للكرامــة التــي جــاد ت بهــا تــواوون لــه، فضــل
البقــاء فيهــا للخدمــة واســتزادة البركــة مــن فيوضــات
مقــدم البركــة الشــيخ الحــاج مالــك رضــي اللــه تعالــى
عنه.وبعــد مــا مكــث ثــاث ســنوات أتــاه نعــي والدتــه،
فقفـل راجعـا إلـى كيهيـدي ليشـارك الهـل فـي مراسـيم
الجنــازة، وبعــد ذلــك اشــتغل بتربــة الهــل وتعليمهــم.
حضرة الحمدية التحانية في روفسك:
وفـي سـنة 1963 غـادر الشـيخ عبـد اللـه كيهيـدي
متوجهــا إلــى الســنغال وحــل فــي مدينــة ريفســك دار
تيجانيــي يدعــي: شــيخ غــي فــي حــي كلوبــان، الــذي
رأى الشــيخ أحمــد التجانــي رضــي اللــه عنــه يقــول لــه:
إن هــذا الــذي فــي بيتــك تلميــذي وخليفتــي فأكرمــه
وأحســن إليــه فنفــذ الوصيــة. وقــد لبــث الشــيخ هنــاك
فتــرة يربــي خالهــا ويعلــم القــرآن الكريــم ولكثــرة
الطـاب فكـر الشـيخ فـي أن يبحـث مكانـا آخـر، فانتهـى
بــه المــر إلــى مــكان مزبلة،طلــب مــن صاحبــه الحــاج
جبريـل غـي أن يبيعـه لـه فاعتـذر لنـه فـي نيتـه أن يتخـذ
ذالـك المـكان مسـجدا، فأخبـره الشـيخ نيتـه أيضـا فـي
بنـاء مسـجد ومحضـرة للتربيـة والتعليـم فقدمـه الول لـه
هديـة. وروي أن الشـيخ الحـاج المنصـور مـر يومـا علـى
المــكان فأدركتــه صــاة العصــر فقصــد المــكان فأشــار
إليــه مقدمــه الحــاج داوود انجــاي بــأن هــذا المــكان
مزبلــة، فأخبــره الشــيخ بــأن هذاالمــكان ســيتحول فــي
N° AL FATHI.indd 52 23/11/2017 06:38
يـوم مـن اليـام إلـى مسـجد للصـاة والعبـادة فصاحبـه
لـم يـأت بعـد.
والمـكان يوجـد بحـي غنديـل 3 قريبـا مـن الشـارع
العمومــي حيــث توجــد زاويــة الحمديــة التجانيــة التــي
شــهدت مــع مــرور الوقــت تجديــدات وتوســيعات
أعطـت المـكان صـورة أخـري حديثـة فيضـم إلـي جانـب
المســجد الجامــع مرافــق أخــري كالمعهــد الداخلــي
للتحفيــظ والتربيــة والتعليــم وســكن للمدرســين
والطــاب ومكاتــب إداريــة وذالــك بفضــل الجهــود
الجبـارة التـي بذلهـا ابـن الشـيخ عبـد اللـه البـار ووارث
سـره وخليفتـه محمـد الميـن جـوب الـذي يحظـى لـدي
الحضـرة المالكيـة التجانيـة مكانـة بـارزة، لدبـه وحنكتـه
وشـجاعته الفائقـة. وتفانيـه فـي حـب الحضرةالمالكيـة
وعاقتــه القويــة بالخليفــة الراحــل الميــن والســرة
المالكيــة عمومــا.
إنهـا لعاقـة جيـدة متبادلـة قـام بها كل مـن الخليفة
الشـيخ عبـد العزيـز الميـن والشـيخ عبـد اللـه التجانـي.
فــي الحقيقــة قــد بــذل كاهمــا مــا بوســعه فــي توطيــد
عاقــة الحضرتيــن، مواصلــة لجهــود كل مــن الخليفــة
الســيد أبــي بكــر ســي وأخيــه الشــيخ محمــد المنصــور
رضـي اللـه تعالـى عنهمـا، فـي تنفيـذ وصيـة والدهمـا:
ّ الشـيخ الحـاج مالـك رضـي اللـه تعالـى عنـه فـي ترحيـب
الشــيخ عبــد اللــه التجانــي وتقديمــه مــا خصصــه إيــاه،
كمــا ذكــر ســابقا. ومــن تلــك الوصيةامتــدت جــذور
العاقــة بيــن الحضرتيــن: المالكيــة فــي تــواوون
والحمديــة فــي ريفســك.
وســعيا إلــى ترســيخها تشــمر الشــيخ عبــد العزيــز
عــن ســاعده لتثبيــت تلــك الروابــط الخويــة الدينيــة
الروحيـة التجانيـة، فلـم يغادر صغيـرة ول كبيرة إل قدمها
فـي سـبيل ذالـك. وعنـد مـا سـاق قـدر اللـه أن يلتحـق
الشـيخ عبـد اللـه التجانـي إلـى جـوار مـوله ، فالخليفـة:
الشـيخ عبـد العزيـز، شـارك فـي مراسـيم الجنـارة حيـث
صلــي عليــه ودعالــه بالرحمــة والبركــة للهــل. وذالــك
تجسـيد لمـدى العاقـة بيـن الشـيخ والخليفـة فـي تلـك
الفتــرة. وبعــد مارحــل الشــيخ عبــد اللــه إلــى جــوار
مـوله، واصـل الخليفـة الميـن سـيره مـع إبنـه : الشـيخ
محمــد الميــن جــوب ذلــك الشــبل الوفــي الــذي حــذا
حـذو والـده فـي خدمـة السـام والطريقـة، فمـا ضعـف
ومــا اســتكان فــي ذلــك وقــام بإنجــازات جبــارة فــي
شــأن رفــع الديــن ودفــع عجلــة الطريقــة التجانيــة إلــى
المـام. زاده اللـه نصـرا وتأييـدا وسـدد خطـاه، ويسـر لـه
التوفيـق والنجـاح بجـاه والـده الشـيخ عبـد اللـه وحبيبـه
الخليفـة الميـن الراحـل فقيـد المـة السـامية، رحمـة
اللــه ورضوانــه عليهمــا. وخيــر دليــل علــى ذلــك: هــذه
الخطبـة التـي ألقاهـا فقيـد المـة السـامية الشـيخ عبـد
العزيــز الميــن التجانــي فــي مناســبة الزيــارة الســنوية
الكبــرى للشــيخ عبداللــه رضــي اللــه عنــه.
ومنها قوله:
ـ ســماحة الشــيخ المحبــوب عبــد اللــه جــوب ـ
حفظكــم اللــه ورعاكــم ـ
ـ أصحاب المعالي السادة الوزراء
ـ أصحاب السادة السفراء
ـ أيهــا الخــوة والحبــاب عمــار هــذه الحضــرة
الحمديــة المالكيــة التجانيــة.
ـ الحضـور الكريـم مـن الئمـة والعلمـاء والسـاتذة
والطلبـة
ـ البـن البـار والخ الكريـم ومـن معـه مـن الخـوة
المنظميـن.
السام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقـد عدنـا بقلـوب مفعمـة مـن العتـزاز، لنتقاسـم
معكــم لحظــات الســرور والفــرح بهــذا اللقــاء الروحــي
التاريخـي الـذي تعبـرون فيـه عـن معانـي الوفـاء، بالعهـد
الــذي يربطكــم بهــذا الشــيخ الجليــل والمقــدم النبيــل
الحـاج عبـد اللـه جـوب..
فلقـد جـال زمنـا طويـا وقطـع مسـافات بعيـدة مـن
أجــل طلــب الحــق صادقــا وفيــا مخلصــا حتــى شــاءت
المقاديــر اللهيــة أن يتلقــى وابــل ســر مــن فيوضــات
أسـرار قطـب زمانـه وفائـق أقرانـه الشـيخ الحـاج مالـك
علـى يـد خليفتـه ووارث سـره الشـيخ الخليفـة أيـي بكـر
ســي، الــذي بــادر لحظــة مقابلتــه إلــى تفويــض أمــوره
ومطالبـه فـي الشـريعة والطريقـة والحقيقـة لجنـاب أخيـه
البـار الفاضـل الحـاج محمـد المنصـور سـي حيث سـقاه
مــا ســقاه مــن كــؤوس النــوار والبــركات، ذلــك فضــل
اللـه يؤتيـه مـن يشـاء…. وهـذه قطـرة مـن فيـض.
حمــى اللــه الحضرتيــن ووفــق الهــل والخلــف
نصــرا وتأييــدا.
جمع وتنسيق: محمد في
بإماء من خليفة حضرة الحمدية بريفسك/
الشيخ محمد المين جوب
53
N° AL FATHI.indd 53 23/11/2017 06:38
علــى أســرار الحضــرة كان أمينــا، وعلــى أســرار
الطائفــة كان أمينــا، وعلــى أســرار الوطــن كان أمينــا،
وعلـى أسـرار الكيانـات السياسـية والنقابيـة والجتماعيـة
والدينيــة والمهنيــة كان أمينــا أيضــا، فأســتخلصه
ُ السـاف، ومـن بعدهـم الخـاف، مَلّمِح َ يـن لـه »إنـك
اليــوم لدينــا مكيــن أميــن«.
جعــل مــن صــدره الرحــب مســتودعا أمينــا لــكل
السـرار، فتداعـى إلـى بيتـه الكبيـر )بيت شـيخ الخليفة(
شــرائح المجتمــع المختلفــة يســتودعونه أســرارهم،
ويأتمنونــه علــى مكنونــات صدورهــم، يســتقبلهم
بابتســامته المعهــودة، ويســتمع إليهــم بقلبــه الكبيــر،
فيوجههــم ويرشــدهم وينصحهــم، ويعاتــب البعــض
منهــم، يرجعــه إلــى جــادة الصــواب، ليجنبــه العقــاب،
ثـم يصـون لـه سـره، عنـد البعـض هـو المتحـدث باسـم
العائلــة، ولــدى الخريــن هــو الناطــق الرســمي باســم
الحضــرة المالكيــة، لكــن بالنســبة للــكل، وفــي أفئــدة
الــكل؛ هــو الميــن.
بلـي البـاء الحسـن فـي مهامـه ووظيفتـه، فاستشـاره
رؤســاء الجمهوريــة، والــوزراء، والبرلمانيــون، وطلــب
نصحـه المديـرون العامـون، وأعيـان السـلطة، والقضـاة،
ورجــال المــن، فــكان جــوادا معهــم بوقتــه ونصائحــه
الغاليــة، وكان أجــود معهــم كذلــك بإغداقــه العطايــا
والهبـات عليهـم، يكـرم وفادتهـم، ويرحـب بضيوفهـم،
ويقــدم لهــم مــن أنــواع الكرامــات والهدايــا مــا يثيــر
حفيظــة أعدائهــم، ويثقــل جيــوب مابســهم، ويخجــل
البحــر والوبــل.
دأب الميـن -مـع عامـة النـاس- أن يكـون الناصح
الميــن، يســتقبل جموعهــم؛ يحتفــي بهــم ويحادثهــم،
ُ يفاكههــم -ول يقــول إل صدقا-ينــزل كل شــخص
مكانــه، ول يبخســه قــدره، ينصحهــم ول يفضحهــم،
ويعاتبهــم ول يجرحهــم، يتحمــل نفقــات العــاج
عــن مريضهــم، ويواســي بمالــه فقيرهــم ومعوزهــم،
ويدعــم محتاجهــم، ويســتمع إلــى شــكاويهم، وينتصــر
لمظلومهــم، ويتدخــل بنفســه لــدى الســلطات ليجــاد
الحلــول المناســبة للهالــي والســكان الذيــن صــودرت
حقوقهــم، أو صــدت فــي وجوههــم كل أبــواب الدارة،
ويســعى مــع عاطلهــم حتــى يجــد لــه مصــدرا للــرزق
ثابتـا ومحترمـا، والكثـر والهـم مـن كل ذلـك، أنـه كان
يدعــو لهــم بقلبــه الكبيــر ونفســه الطاهــرة، ليبــارك اللــه
لهــم عملهــم وحياتهــم وذريتهــم.
انفـرد الميـن -مـن بيـن شـيوخ جيلـه- باسـتثناء
فريــد، هــو انفتاحــه الكبيــر علــى القضايــا والمســائل
التــي تهــم مجتمعــه، ووعيــه الشــخصي بهــا، وثقافتــه
الموســوعية فــي مواكبــة الجيــال فــي المواضيــع التــي
يتطرقــون إليهــا معــه، فلــم يكــن يومــا مــن هــذا النــوع
مـن الشـيوخ البسـطاء، الذيـن ينيبـون آخريـن لسـتقبال
زوار يتحــرج أو يســتثقل الحديــث معهــم، أو يكــون
غيــر مرتــاح فــي التحــاور معهــم لجهلــه بالمواضيــع أو
القضايـا التـي يثيرونهـا معـه، بـل كان بحسـن اسـتماعه
وإنصاتــه إلــى متحدثيــه، وبروعــة تدخاتــه وإســهاماته
الفكريــة فــي الموضــوع المثــار، مثــار إعجــاب ودهشــة
لــدى زواره، وربمــا أبــرز لمخاطبيــه تمكنــه وأهليتــه
الكاملــة فــي فهــم ومعالجــة القضيــة المعنيــة.
ليــا ونهــارا، ومكرهــا ومنشــطا، واصــل الميــن
مهامــه المســنود إليــه منــذ عهــد البــاء والجــداد، فلــو
تكلمـت الفيافـي والريـاف، وشـهدت الوهـاد والنجـاد،
ونطقــت الطــرق والســبل، لقالــت بــأن الميــن جابهــا
ذهابـا وإيابـا: تبليغـا لكلمـة اؤتمنـت عليهـا، أو إصاحـا
لـذات البيـن، أو تدشـينا لمشـروع ذي جـدوى، أو رعايـة
لمصالـح العبـاد والبـاد، أو إحيـاء لموالـد ذي المناقـب
العليــا والكمــالت الكبــرى؛ صاحــب المقــام العالــي؛
رســولنا ذي الذكــر الرفيــع صلــى عليــه اللــه وســلم.
عظمــاء القــوم -مثلــه- لــن تعتــري ســبيلهم
الخفاقـات المتكـررة، أو النتقـادات الحادة ذات اليمين
وذات الشــمال، ولــن تثنيهــم عــن محــاولت الصــاح
وتغييــر الواقــع المريــر ريــن القلــوب وصــدأ الطبــاع
علــى ممارســات مألوفــة، تؤخــر ول تقــدم، وتفــرق ول
تجمـع، إنـه مـن رواد الصـاح وقـادة الطائـع، الذيـن
نجاحهــم يقيســونه بحجــم مــن أخرجوهــم مــن مثلــث
الجهــل والفقــر والمــرض، ل يحملــون الحقــد ضــد
أحــد، ول يضمــرون الكيــد لحــد، ول ينتقمــون مــن
أحـد؛ ول ينتظـرون الجـزاء مـن أحـد، إنهـم فـي مراتـب
كمالهـم، وسـموهم الروحانـي ل يـرون فـي النسـان إل
جانبـه اليجابـي فيركـزون عليـه، ولـو أجملـت الوصـف
فيـه، لقلـت بأنـه: قـوي نفسـيا ومعنويـا وأدبيـا فـي حمـل
مـا أنيـط علـى عاتقـه، أميـن فـي تبليـغ الرسـالة والكلمـة
54
N° AL FATHI.indd 54 23/11/2017 06:38
والوديعــة »إن خيــر مــن اســتأجرت القــوي الميــن«.
َز َان ِ الميــن رْفَق َ ــه بعبــاد اللــه وعف َ ــوه وصفحــه
َ وســمحه بهــم، فتعهــد فــي شــبابه وكهولتــه وفــي
ّ شـيخوخته الكثيـر منهـم، واحتضـن فـي أروقـة بيتـه جما
غفيـرا مـن طالبـي العلـم وناشـدي المعرفـة، وعلـى يديـه
ارتقـى اللف فـي دروب التربيــة والتزكيــة، أفسـح لهـم
مجلسـه الكبيـر، وفتـح أبوابـه علـى مصراعيـه، يسـتقبلهم
ويؤويهــم، ويتكفــل بتعليمهــم وإعاشــتهم وإســكانهم،
ُ موائــد ٌ ه دعــوة جفلــى، وإيثــاره الخريــن علــى أبنــاءه
يذكــرك باليــة »ويؤثــرون علــى أنفســهم ولــو كان بهــم
خصاصــة«.
عـز عزيـز كل قـوم فـي مناسـباته، ول يبخـس أحـد
ّ
ُي
مـن النـاس أشـياءهم، ل يسـتصغر المكرمـة أو الخدمـة
مــن أحــد، يعلــي مــن قــدر المســئولين والدارييــن،
يستشــيرهم ويســتأنس برأيهــم، وتــراه فــي المناســبات
ّ الكبــرى يثم ّ ــن ويقــدر مواقــف الدارات والمصالــح
ّ الحكوميــة، وينــو ً ه مشــيدا بإســهام الطــراف الخــرى
ّ فـي تحسـين وتطويـر الخدمـات المقدمـة إلـى الوافديـن
والزائريــن لتــواوون، ومــا مــن مســئول إداري، أو تابــع
لجهـة حكوميـة أو مدنيـة، إل ولـه فـي مخيلتـه ذكريـات
جميلــة ولحظــات ســعيدة عاشــها مــع أميــن تــواوون.
زعامتــه لنظرائــه -بوصفــه خريجــا مــن مدرســة
تكويـن جيـل الشـيوخ- فـي مجـال العاقـات العامـة أو
الخاصــة، ل يشــق لــه فيــه غبــار، بــل إن انفــراده بكونــه
قطـب الرحـى ومركـز الثقـل فـي كل التنظيمـات الوطنيـة
والروابــط الثقافيــة التــي أقامهــا الفاعلــون القدامــى فــي
حقــل الثقافــة الســامية واللغــة العربيــة كان اعترافــا
ضمنيــا، بــأن شــخصية الميــن هــي التــي تحــل محــل
الجمــاع مــن قبــل كل الطــراف لتولــي الدوار أو
المناصــب الحساســة، ويجهــل كثيــر مــن شــريحة
الدارسـين للغـة العربيـة أن مكاسـب عديـدة يسـتمتعون
بهـا الن، كانـت نتائـج مباشـرة للكفـاح والنضـال الـذي
خاضــه أميــن تــواوون مــع رفقائــه لســترداد الحقــوق
المســلوبة منهــم علــى أيــدي الحكومــات الســابقة.
ســجل حياتــه مليئــة بالفعــال الجميلــة، لقــد آثــر
صاحبـه أن يكـون أفضـل شـاهد عليـه فـي غيابـه أخاقـه،
ّ وأن ل تكتــب مآثــره إل بمــاء الذهــب، ولــو قل َ بــت
صفحـات هـذا السـجل، لرأيـت بياضـا ناصعـا، وذكـرا
حســنا، وســيرة ناصــح أميــن، ســتقرأ الجيــال القادمــة
تفاصيلهــا بإعجــاب وتأمــل، تــردد فــي قــرارة نفســها :
ُ
ديــث بَ َ عــده
ُ َ إل ح ٌ
َْمــرء
َــا ال
َوم
َ ْ كــن َ حديثً َ ــا حســنً َ ا لمــن و َعــى
ف
عديــد مــن النــاس -مثلــي ومثلــك- تناهــى إلــى
أســمائهم فــي وقــت مبكــر مــن حياتهــم هــذا النعــت
المنعــوت علــى شــخصيته، وهــذا الوســام الشــرفي
المعلــق علــى صــدره، اســتحقاقا واقتــدارا »المتحــدث
باســم العائلــة«، ويجــزم المــرء العــارف بقــدر الرجــل
وبعلــو همتــه، أن هــذا المنصــب الــذي أوكل إليــه لــم
يكـن محابـاة لـه، لكونـه فـردا متميـزا مـن أفـراد العائلـة،
أو إرضــاء لنــزوة شــخصية فــي نفســه تجعلــه أســيرا
لوسـائل العـام وقنـوات الذاعـة، باحثـا عـن النجوميـة
والشــهرة، أو رغبــة ذاتيــة منــه فــي احتــكار الكلمــة دون
بقيــة النــاس.
والعديــد مــن جيــل عصــره، وأتــراب زمانــه لــم
يكونــوا يملكــون إزاء مقدرتــه المبكــرة، وقدرتــه الفــذة
علــى مواكبــة عصــره ومخاطبــة بنــي وطنــه، واختيــار
محتـوى الخطـاب الـذي يدلـي بـه إليهـم فـي المناسـبات
المختلفـة والحـوادث المتباينـة، إل أن يعترفـوا لـه بإحراز
قصـب السـبق فـي هـذا المضمـار، وإل أن يشـهدوا بأنـه
الرجــل الهــل فــي المقــام المناســب، فقــد كان قــس
زمانــه، ونابغــة عصــره فــي التبليــغ والتوعيــة والترشــيد
والتوجيـه للنـاس، وفـي حمـل الرسـالة المطلوبـة إليهـم
تلقيهـا فـي المناسـبات الدينية أو الجتماعية أو السياسـية
التــي تســتجد علــى الســاحة الوطنيــة أو الدوليــة.
وعلــى تعاقــب العقــود والجيــال، وازديــاد المــور
تعقيــدا وإشــكالية، ازدادت لديــه المقــدرة الخطابيــة،
وإمتــاك أدوات التواصــل العاميــة الازمــة لــكل
الحـالت الطارئـة أو العاديـة، وظلـت المانـة التي عرض
َ عليـه حملهـا، وقِبَلهـا عـن طيـب نفـس، أمانـة ل تقبـل
بأيـة حـال مـن الحـوال أن تتهـاون أو تسـتخف بـه، وهـو
يقــوم بمهمــة تبليغهــا، فهــو مــن طــراز الرجــال الذيــن
تظـل الودائـع والمانـات لديهـم مهمـا طـال الزمـان أو
ً قصــر، وعظــم الخطــب أو ســهل مصونــة ً ومــؤداة علــى
أكمـل وجـه وأحسـنه.
وميــزة الجــرأة المعنويــة، والشــجاعة الدبيــة،
والطاقـة التعبيريـة، والذن الواعيـة المسـتوعبة، إضافـة
إلــى المعرفــة الدقيقــة بالتفاصيــل التقنيــة الصغيــرة
والكبيــرة عــن الموضــوع الــذي يتحــدث عنــه، جعلتــه
قـادرا علـى امتـاك مسـامع وآذان مـن يصغـون إليـه حتى
لفتـرات طويلـة، تسـحرهم فصاحتـه وباغتـه المعهـودة،
ِ وتخلـب ألبابهـم طرائـف الحكـم وفرائـد النظـم الجميـل
التــي تنبــع مــن جنباتــه.
وتوافـر السـتعدادات الفطريـة المذكـورة آنفـا، مـع
تلــك المكتســبة عبــر مشــوار حياتــه العمليــة الممتــدة
لكثــر مــن ســبعة عقــود، فــي المناســبات المختلفــة
55
N° AL FATHI.indd 55 23/11/2017 06:38
ومـن الحـداث المتنوعـة فـي حياتـه الحافلـة بالمواقـف
التاريخيــة، والعبــر الثريــة، رشــحته أكثــر مــن أي فــرد
آخــر فــي العائلــة لاضطــاع بأمانــة تولــي »التحــدث
باســم العائلــة«، وكمــا كان معهــودا فــي الســابق بــأن
الشـاعر الـذي يمثـل القبيلـة، ويتكلـم بلسـانه، ويـرد عـن
مهاجميـه ومنتقديـه، ويـذود عـن حياضـه، ل بـد مـن أن
يكــون خطيبــا مفوهــا، وأديبــا حكيمــا، وبصيــرا عليمــا،
وذا إحسـاس مرهـف، وصادقـا موثوقـا بـه، كان الميـن
فــي بعــده العملــي وفــي بعــده الخاقــي.
ويــكاد المــرء يندهــش ويذهــل، وهــو يــدرس
شــخصية الميــن مــن زاويــة عاقاتــه المتشــعبة
والواسـعة، وشـبكته العريضـة مـن الوشـائج والصـات،
والتــي أقامهــا مــع كافــة الشــرائح والقــوى الســنغالية؛
الســرية والدينيــة، والنقابيــة منهــا والسياســية، وكذلــك
مــع التنظيمــات المختلفــة؛ الوطنيــة منهــا والدوليــة،
ويســتحضر المتمعــن فــي شــخصيته رجــا يجســد
مقولــة الشــاعر:
ِ وإذا كانــت النُ ُ فــوس ِ كبــاراً
ُ
جســام
َ
ُ ِرادهــا ال
ِعبَ ْ ــت فــي م
تَ
فهــو رجــل المهمــات الصعبــة، وهــو الواجهــة الفكريــة
البــارزة، التــي تمثــل الكيانــات الســامية والتنظيمــات
الدينيــة الســنغالية فــي الكثيــر مــن المناســبات الدينيــة
أو الوطنيــة أو الدوليــة التــي نظمــت فــي الســنغال أو
خارجهــا، ينطــق بلســانها، ويحمــل كلمتهــا، وينســق
آراءهــا، ويعــرب عــن موقفهــا، فــي غيــر مــا ملــل، ول
كلــل، ول ســأم، وحتــى بعــد أن أثقــل عــبء الســنين
المتواليــة عليــه كاهلــه، وقصــم كــر الجديديــن ظهــره،
ظــل هــو الميــن الــذي يأتمنــه القــوم دائمــا لداء أمانــة
تبليــغ الكلمــة.
وانفتاحــه علــى مجتمعــه والقضايــا والمســائل
الحساســة والمصيريــة التــي تحكــم واقعــه ومســتقبله،
وتجاربــه الســابقة مــع الحكومــات الســابقة، أو تعايشــه
مـع حالت مشـابهة لما يسـتجد فـي السـاحة، وخضرمته
فـي المجـال السياسـي والثقافـي والجتماعـي، وشـهوده
لفـول فتـرة السـتعمار، ومـا بعـد السـتعمار، ومواكبتـه
لــكل الرؤســاء الســابقين والحالييــن فــي الســنغال،
جعـل مـن الميـن شـخصية ذا وزن سياسـي واجتماعـي
بــارز وفاعــل. وجعــل منــه الخبيــر وذا الــرأي الســديد
والبصيـرة النافـذة، فـي تشـخيص الوضـاع، وتحليلهـا،
وفــي طــرح الحلــول واقتــراح المخــرج الســليم مــن
الزمـات والوضـاع الصعبـة، ويشـهد القـوم لـه بأنـه لـم
يكـن يهـادن أو يتملـق أو يحابـي أحـدا، أو يجاملـه، بـل
كان يسـعى إلـى حـل وسـط، يحفـظ لـكا الطرفيـن مـاء
وجهيهمــا، دون أن يتنــازل عــن مبادئــه المينــة.
كان الميـن أمينـا فـي حمـل سـر حضرتـه المالكيـة
التــي هــو ابنهــا البــار، ائتمنــه علــى الســر الوالــد والعــم،
قبـل الخ والشـقيق، فنافـح عنـه ليـا ونهـارا، وشـهدت
لــه المنابــر القاصيــة والدانيــة، والزوايــا المعمــورة فــي
شـرق البـاد وغربهـا، وفـي شـمالها وجنوبهـا أن الفارس
القديـر، والخطيـب المفـوه الـذي لـم تسـأم مـن خطبـه
وأحاديثــه ومحاضراتــه وتدخاتــه أي ســامع، هــو أميــن
الحضـرة، ولسـانها الناطـق.
لقــد كان كل إطــالت الميــن فــي المناســبات
المتجــددة، حدثــا كبيــرا ومرتقبــا، وطنيــا وإعاميــا،
تتسـارع وسـائل العـام المختلفـة مـن مرئية ومسـموعة
ومقـروءة إلـى تغطيتهـا، تقتبـس مصطلحاتهـا وفقراتهـا،
َ عناويــن لخبارهــا الرئيســية، ويشــغل مضمونهــا الــرأي
العــام الوطنــي فتــرات ليســت بالقصيــرة ول بالقليلــة،
إذ يتنـاول فـي إطالتـه جوهـر الحــدث المقبــل، مقيمـاً
الماضــي، ومستشــرفاً القــادم، ومعطيــاً ٍ توجيهــات
ٍ وإرشــادات تحفــظ النفــس والنفيــس.
ّ سـيوحش غيابـه أزقـة تـواوون وأحياؤهـا، وسـتفقد
منابــر الوســائل العاميــة تلــك الشــخصية البشوشــة
المرحـة واللبقـة فـي أسـلوب اسـتقباله وتعاملـه واحتفاءه
بمــن حولــه وبمــن يخاطبهــم، وســيذرف المعــوزون
ّ وذو الحاجــة وطــاب العلــم، الدمــوع الغزيــرة الحــارة
والصادقــة، علــى ذلــك الكريــم الريحــي بعلمــه ومالــه،
وسـتبكيه الجيـال تلـو الجيـال، بعدمـا بـكاه الحبـاب
والصفيــاء.
فيـا ربـاً ّ توحـد بالعـز والبقـاء، وقهـر عبـاده بالمـوت
والفنــاء، ويــا كريمــاً تفضــل علــى أصفيائــه بالجــر
والنعمـاء، ويـا رافعـاً َ قـدر َ مـن عبـد ِ ه، وخضـع لـه ب َج ْع ِ ـل
ُ مراتبهـم تضاهـي مرتبـة الشـهداء والنبيـاء، كـن لعبـدك
ّ عبـد العزيـز فـي حسـن ظن ّ ـه بـك، ل فـي حسـن ظننـا بـه،
َو ّرو ْح َ عنــه بالرحمــات مغفــرة ورضوانــا، وكمــا وس َ ــع
َ الجميـع ّ بقلبـه الكبيـر، وس ْ ـع منازلـه فـي دار الصديقيـن
والنبييـن، فأنـت اللـه الـذي لـن يخيـب عبـد كان أملـه
فيــك، وأجــزه عــن كل كــرم عمــل بــه كرمــاً وإحســانا،ً
وأســكنه مــع البــرار فردوســا وعلييــن جــوار حبيبــك
المختـار، وأخلفـه فـي أهلـه وذريتـه إنـك سـميع الدعـاء،
وولــي التوفيــق.
56
بقلم/سمب أم جو
N° AL FATHI.indd 56 23/11/2017 06:38
J’ai écouté très attentivement le discours
de Serigne Abdoul Aziz Sy Al Amiine à l’occasion de sa dernière Tabaski parmi nous.
La vidéo, mise en ligne suite à son rappel
à Allah Soubhanahou Wa Taala, mérite une
oreille attentive. Une écoute sereine et positive. Tant le message est chargé d’amour
pour une Nation sénégalaise sans coutures.
«Rassemblez-vous autour de ce qui peut
nous réunir car ce qui nous unit dépasse de
loin ce qui nous sépare.» Nous dit-il en substance. Il nous interpelle tous, s’adressant
tout particulièrement à la classe politique qui
est le moteur des divisions, sinon le catalyseur des passions qui y mènent.
Je nous conseille d’écouter, et de méditer profondément, les propos de Serigne Abdoul Aziz Al Amiine car, ils sonnent comme
le testament d’un Saint homme, de dialogue
et de consensus, qui aura consacré toute sa
vie à construire des ponts et à gommer les
frontières entre les différentes communautés.
Ce message bien compris devrait, si nos
larmes sont sincères, jeter dans nos cœurs
les graines de cette franche introspection,
tant attendue et toujours différée. Notre petit pays a produit de grands hommes. Dans
plusieurs domaines de la vie, des Sénégalais ont fait preuve de réussites individuelles
appréciables. Des success stories de personnalités de tous horizons alimentent notre
ferté nationale. Mais nous ne sommes pas
encore parvenus à construire un collectif
gagnant, à la hauteur de nos belles qualités
individuelles reconnues par tous. À l’image,
par exemple, de nos sportifs qui brillent individuellement sur tous les stades du monde
et peinent, collectivement, à faire aboutir nos
rêves…
Al Amiine nous invite à corriger cette distorsion.
Nous devons, à sa mémoire et à celle
de ses pieux prédécesseurs, de consentir un effort individuel et collectif de grande
amplitude, pour construire une équipe nationale dans chacun des secteur d’activités et
à l’échelle de notre pays. C’est le seul prix
à payer pour un Senegal vraiment gagnant!
Le rappel à Dieu, en cette année 2017,
de fgures marquantes du Senegal de ces
cinquante dernières années est chargé de
messages pour ceux qui savent lire entre les
lignes: nos vies sur terre sont brèves. Il faut
leur donner du sens. Il faut surtout savoir
mesurer le temps qui passe et lui donner de
l’utilité pour soi et pour son pays. Loin des
glorioles éphémères et des bravades vaniteuses, il faut parfois chercher, dans l’humilité et les concessions, le levain d’un nouveau
départ pour tous.
Le message de Serigne Abdoul Aziz Al
Amiine m’a profondément touché, pour ne
pas dire bouleversé. J’ai eu le privilège de
lui parler au téléphone pendant mon récent
séjour à la Mecque. Je le dois à la compagnie de Khalifa Lo, son fls et fdèle compagnon, avec qui j’effectuais le pèlerinage. Je
ne l’en remercierai jamais assez. Ne croyant
plus au hasard depuis si longtemps, je garde
pour moi les derniers mots souffés au creux
de mon oreille. Mais je n’oublierai jamais son
ardent désir de voir le Senegal rassemblé,
apaisé et tourné vers l’Essentiel: le bonheur
pour tous ses enfants.
Qu’Allah exauce les prières de Serigne Abdoul Aziz Sy Al Amiine pour
nous tous et accepte nos prières pour
lui. Il continuera à vivre dans nos cœurs.
Nos sincères condoléances à toute la famille
de Seydi El Hadji Malick SY ainsi qu’au pays
tout entier.
Amadou Tidiane WONE
1
Il a terminé sa mission, il est parti rejoindre
son Créateur. Cette explication sufft pour calmer
les cœurs meurtris depuis qu’Allah (SWT) a mis
fn à la vie terrestre de notre Prophète bien-aimé,
Seyyidina Mouhammed (SAW). Mais pourquoi
donc ne sufft-elle plus pour sécher nos larmes et
calmer notre inquiétude ? Mawlaya Cheikh Abdoul
Aziz SY Al Amine (rta) était-il donc un surhomme
? Certes non, mais Allah, Le Tout-Puissant, avait
réuni en cette attachante créature tant de vertus
et de qualités que, irrésistiblement, Serigne Abdou avait fni par forcer l’admiration de ses pires
détracteurs et conquérir le cœur de tous les terriens de bonne volonté qui avaient la chance de
l’approcher. Au point de rendre sa disparition diffcilement supportable.
Serviteur fdèle, loyal, généreux et effcace de
tous les Khalifes Généraux qui se sont succédés
à Tivaouane de Serigne Babacar SY (RTA) à Serigne Cheikh Ahmed Tidiane SY Al Maktûm (RTA),
il a cultivé l’art d’utiliser la surexposition de son
statut de ‘’Porte-parole’’ pour cacher au monde
l’essentiel de ses attributs de Saint Homme (Wilaya). Il avait choisi de servir au lieu d’exercer un
quelconque pouvoir, fut-il simplement temporel.
Al Amine avait dédié son existence sur cette
terre à la défense et à la promotion des enseignements de Mame Seydi Elhadj Malick SY (RTA) et
de son vénéré père, au développement de la cité
sainte de Tivaouane qu’il chérissait et défendait
mieux que n’importe quel député, à la paix et à la
sécurité de ce Sénégal pour lequel il était prêt à
entendre toutes les critiques et à braver l’adversité des oppositions les plus crypto-personnelles.
Serigne Abdou, c’était aussi un Citoyen du
monde, un militant de la paix, qui allait de continent en continent, de pays en pays, semant les
bonnes idées et plaidant en faveur de l’entente,
de la coopération et de la solidarité, singulièrement entre pays de la Oumma islamique. C’est
ainsi qu’il prit une part décisive dans la création de
la chaine de télévision arabe ‘‘Al Jazeera’’ et qu’il
contribua signifcativement à l’apaisement des
tensions entre l’Irak et l’Iran, d’une part et, d’autre
part, entre la Lybie de Mouammar Kadhaf et certains pays membres de l’OCI.
Mais Al Amine, c’était surtout le génial continuateur et la face visible de son illustre père, Serigne Babacar SY (RTA). Mieux, Serigne Abdou,
c’était tout simplement Serigne Babacar, tant il est
resté fdèle à la philosophie de ce dernier, qu’il ne
cessait de défendre et d’illustrer, et à la poursuite
de l’œuvre de ce glorieux père dont il avait hérité
les rares vertus de pureté et de droiture. Ceux qui
lui étaient proches savent d’ailleurs que le Cinquième Khalife Général des Tidianes tirait toute
sa force (tranquille mais ô combien réelle) de ce
que sa dimension mystique se confondait parfaitement avec celle de Cheikh Al Khalifa (RTA).
De la manière la plus parfaite, il a achevé de
conférer à Tivaouane et à la sainte Hadara Malikiya une dimension universelle, apposant ainsi sa marque indélébile sur l’œuvre éternelle et
multidimensionnelle des continuateurs de l’œuvre
de Mame Seydi Elhadj Mack SY (RTA). En guise
de dernier rappel à la conscience universelle, sa
dernière adresse de la Tabaski 2017, dédiée pour
l’essentiel à la défense des Rohingyas de la lointaine Birmanie, a marqué les esprits au-delà de
nos frontières.
Voilà, dessiné à grands traits, le profl diffcilement cernable de l’Homme de foi, du Guide bien
aimé et respecté, du Conseiller avisé des Souverains et Chefs d’Etats de ce monde, du Saint (inconnu de ses contemporains) que notre pays et la
Oumma viennent de perdre.
Me reviennent alors les mêmes questions
que je me posais en apprenant son rappel à Dieu
: mais quel Elu du Ciel va désormais hériter de
ce lourd fardeau que le Saint homme a toujours
supporté avec un éternel sourire ? Vers qui vont
désormais se tourner les faibles qui se verront
injustement spoliés ? Quel génial stratège va se
risquer à prendre sa suite auprès du COSKAS et
des dahiras ?…
Puisse Allah, Le Tout Puissant, Le Tout Miséricordieux, Le Très Miséricordieux, Lui qui, des ténèbres les plus denses, sait faire surgir la lumière
éclatante, combler pour nous le trou béant laissé
par Al Amine et perpétuer à jamais son œuvre ainsi que ses enseignements. Amine.
Serigne Malick FALL
serviteur absolu de
Cheikh Abdoul Aziz SY Al Amine (rta)
2
Il est des hommes dont la vie et l’œuvre résisteront à l’usure du temps et seront gravées à jamais
dans la mémoire collective.
Le Soleil ne se couchera jamais sur une réussite
longitudinale d’une vie exceptionnellement glorieuse à tout point de vue.
Témoigner sur le Khalif Serigne Abdou AZIZ SY
impose à nous de fait et de droit un tryptique :
Tarikha Cheikh, Tivaouane, Générosité
Tarikha Cheilkh : il en a porté la voix pendant 60
ans. Il en a incarné les principes de base dans la
pratique Souf de tous ses actes posés au quotidien .
Tivaouane : Il a voué à la ville un amour diffcilement égalable. Il nous rappelait que dans une ville
qu’on aime, il y’a toujours Quelqu’un qu’on aime
Générosité : généreux en ses avoirs et en son savoir a été le fondement de son exemplarité. Il a
aimé la tolérance plus que tout autre privilège. Il a
combattu tous les replis de l’obscurantisme.
Serigne Abdou Aziz Sy Al Ibn que la Nation Sénégalaise a fni par appeler Serigne Abdou Aziz Sy
Al Amine est un de ces hommes exceptionnels qui
méritent de fgurer au Panthéon de l’histoire de
la Nation Sénégalaise et de la Ummah Islamique
Continentale et Internationale.
Je ne suis pas qualifé pour juger le guide religieux
respecté de tous qu’il est mais mon statut de fls
et de talibé m’autorise à apprécier les enseignements du père qu’il restera toujours pour moi,
l’empreinte du protecteur et guide qui manquera
désormais aux populations et à l’Etat Sénégalais
et enfn la marque du gestionnaire désigné de
toute la famille de Seydi El Hadji Malick Sy (RTA)
et de la confrérie Tidjanya.
Etre utile est l’essence et la clé de lecture de la
vie et de toute l’œuvre de Serigne Abdou Aziz Sy
Al Amine (RTA)
- Utile à sa famille et à celle de Seydi El Hadji Malick Sy : Très tôt responsabilisé par son père
Seydi Aboubacar Sy (RTA) , il a su assumer les
misions d’un père attentif, généreux, courageux,
responsable, rassembleur malgré ses lourdes
charges et la grande taille de cette famille qui
comprend outre les flles, les garçons, les nièces
et neveux de ses frères et sœurs mais également
les flles, garçons, nièces et neveux des Compagnons qui ont contribué au rayonnement de Tivaouane. - Utile à son pays et à sa Nation Tivaouane
est demeuré un centre d’infuences incontournable dans la gestion des affaires publiques.
Conseiller avisé grâce à une longue pratique des
hommes d’Etat, depuis la colonisation, soutenue
par une intelligence fne et un bon sens cayorien,
il est resté le défenseur intrépide et infatigable des
populations .
Médiateur social très écouté, Représentant désigné par les grandes familles religieuses sénégalaises, il est resté accessible à tous, sans discrimination et résonne encore à mes oreilles, son cri
de cœur qui renseigne- s’il le faut encore- sur son
sens profond de l’humain »je refuse que ma maison soit éclairée par un groupe électrogène lors
des délestages pendant que les populations sont
dans l’obscurité » - Utile à la Tidjanya et à la Ummah islamique
Serigne Abdou Aziz Sy Al Amine nous a donné
toute sa vie durant, des leçons de vie : descendant légitime de Seydi El Hadj Malick Sy, il a servi fdèlement, loyalement et humblement tous les
Khalifes généraux des Tidjanes. Erudit en Islam
d’une piété exemplaire, Al Amine, par son dernier
acte, a signé les belles pages de l’histoire de la
confrérie tidjane qu’il a écrites pendant quatre
vingt dix ans : homme de parole, il n’a pas longtemps survécu à cet autre Grand homme , Cheikh
Ahmed Tidjane Sy Al Makhtoum qui a toujours été
son mentor.
Nous souffrons du vide laissé par la disparition de
cet Homme. Nous sommes Tous , Musulmans ,
Talibés, Dépositaires de son legs que nous nous
devons de perpétuer, de sécuriser. C’est seulement là le refuge de l’atténuation de cette souffrance.
مجلة علمية دينية
يصدرها معهد الشيخ الحاج مالك سي
للدراسات السلمية والبحوث العلمية
بتواوون .
السنة الخامسة ـ العدد 05
مولد عام 2017
تأسيس
}الشيخ عبد العزيز سي المين{
المشرف العام :
الشيخ أبوبكر سي محمد المنصور
الخليفة العام للطائفة التجانية
رئيس التحرير :
خليفة لو
khalifalo1@live.com
مدير التحرير :
مصطفى سي المدير
سكرتير التحرير :
عبد العزيز باه
elhadjiabdouba@yahoo.fr
هيئة التحرير :
الدكتور بشير انغوم ـ الحاج مالك فال ـ عبد
العزيز صار ـ امبي درامي ـ عبد العزيز كيبي ـ بابا
مختار كيبي -سيدي أحمد سي عبد العزيز سي
- الحاج مالك محمد المنصور سي – السيد مور
نيانغ- محمد فاي – ألفا سين
المخرج الفني:
أبو سيراندو
776543837
المراسلت:
khalifalo129@gmail.com أو
B . P : 8 TIVAOUANE
TEL: (+221)339552655 /
(+221)339552020
(+221)775767594
القر الرئيسي:
معهد الشيخ الحاج مالك سي للدراسات
السلمية والبحوث العلمية، حي »بام« شمال
المدرسة الثانوية الحكومية في تواوون.
1
الفتتاحية
يطـل علينـا المولـد النبـوي الشـريف فـي هذا العـام 1439 هــ كعادتـه، يعيد إلى
ذاكـرة البشـرية جمعـاء، وإلـى المـة المسـلمة بوجـه خاصـة، ذكـرى ولدة النمـوذج
العلــى فــي الكمــال البشــري، والقــدوة المثــل فــي التأســي الحســن، وإذا كانــت
هــذه الذكــرى الغاليــة فــي نفــس كل مســلم ومؤمــن – ومهمــا واكبتهــا مــن أحــداث
وظــروف اجتماعيــة أو اقتصاديــة أو سياســية حرجــة- تشــكل فــي حــد ذاتهــا عيــدا،
وأي عيــد !! نحتفــل ونبتهــج بقدومــه، ونســتعيد باحتفالنــا وتخليدنــا لهــذه الذكــرى
ِ كل القيــم والمثــل، التــي تستبشــر النســانية وتهــرع مهرولــة نحوهــا، لمــا تُجســدها
مـن خـاص وانعتـاق وتحـرر مـن العبوديـة والجاهليـة والنانيـة المدمـرة للنسـانية،
نقـول بـأن ذكـرى المولـد فـي هـذه السـنة، لهـا نكهـة حامضـة ووقـع اسـتثنائي مريـر
علـى الشـعب السـنغالي المسـلم، بـكل مـا تمثلـه مـن نزعـات وأطيـاف ومراكـز دينيـة.
فلقـد شـكل الرحيـل المفاجـئ والمتقـارب لعـام كبـار، وجهابـذة أفـذاذ مـن
أعــام وشــيوخ الطريقــة التيجانيــة فــي تــواوون، فــي فتــرات زمنيــة ليســت ببعيــدة،
صدمـة كبـرى ونكسـة عاطفيـة عظمـى علـى قلـوب الكثيـر مـن أبنـاء هـذا الشـعب،
ممــن تعــودوا وألفــوا أن يــروا وجــوه هــذه الكوكبــة الراحلــة مــن العــام والشــيوخ
ّ الجـاء، يذكـرون النـاس عنـد اقتـراب هـذه الذكـرى بمغزى هـذه المناسـبة، ويعيدون
شــحن بطاريــة القلــوب بطاقــات هائلــة مــن كهربــاء الحــب المحمــدي، وبفولتــات
عليـا مـن هـذا النـور الحمـدي، ويفخمـون بحضورهـم مجالـس المواليـد، ويشـعر
وجودهـم النـاس بحالـة مـن الطمأنينـة والسـكينة الروحيـة والمعنويـة.
وقـد كان مـن هـؤلء الشـيخ أحمـد التجانـي سـي المكتـوم )نـور اللـه ضريحـه(
وهـو – بـا شـك- فـارس الكلمـة الـذي ل يسـابقه أحـد فـي هـذا الميـدان، وملـك
الحكـم والنـوادر والعبـر والـدروس المسـتفادة مـن سـيرة هـذا الرسـول العظـم، فكـم
أحيـا مـن ليـال محمديـة !!، وكـم أطـرب القـوم مـن سـير ووقائـع أحمديـة !!.
وتــاه فــي قائمــة الوجــوه النيــرة، التــي ســتظلم أجــواء الحتفــال بالمولــد
النبــوي فــي تــواوون بغيابهــم هــذه الســنة، صنــوه وشــقيقه ورديفــه فــي حمــل أعبــاء
تعبئـة النـاس واسـتنفارهم لحيـاء ذكـرى مولـد النبـي الجليـل؛ الشـيخ عبـد العزيـز
سـي الميـن )قـدس اللـه سـره(، ذاك الـذي كانـت طلعتـه البهيـة فـي وسـائل العـام
المرئيـة والمسـموعة، إعانـا للنـاس باقتـراب المولـد النبـوي، وإيذانـا بوجـوب أخـذ
العـدة والعتـاد اسـتعدادا لهـذا العيـد الوطنـي الكبيـر.
لقـد كان الشـيخ الميـن الراحـل رجـل المبـادرات الطموحـة لجعـل الحتفـال
والقامــة فــي تــواوون مريحــا ومرتاحــا، وكان بمثابــة القلــب النابــض، والبوصلــة
الدقيقـة فـي توجيـه النـاس وإحساسـهم عبـر منابـر الحتفـال بالمولـد النبوي الشـريف
إلــى القضايــا الوطنيــة المصيريــة، وإعطــاء النصــح والــرأي الرشــيد فــي التصــرف
الواجـب تجاههـا، وقـد كان مجـرد إحسـاس برعايتـه وتبنيـه وإشـرافه للمولـد بلسـم
شـفاء ومظنـة توفيـق ونجـاح لمناسـبات المولـد.
إن مجلـة »الفاتـح«، إزاء هذيـن الحدثيـن الكبيريـن، تتقـدم بتعازيهـا الصادقـة
ومواسـاتها القلبيـة إلـى كل :
مــن أســرة وأنجــال الفقيــد »الشــيخ أحمــد التيجانــي ســي المكتــوم«، وفــي
مقدمتهـم السـيد محمـد المنصـور، والشـيخ محمـد المصطفـى سـي ، المرشـد العـام
لدائــرة المسترشــدين والمسترشــدات، وإلــى كافــة أبنائــه الكــرام، ومحبيــه العــزاء
وإلـى أسـرة وأنجـال الشـيخ »عبـد العزيـز سـي الميـن« ويتقدمهـم بابكـر عبـد
العزيــز، وإخوتــه: ومحمــد المصطفىــى، وعبــد الحميــد، والشــيخ أحمــد التجانــي
ســي، وســيدي أحمــد، وكافــة أبنــاء الشــيخ النجبــاء، وأصفيــاءه الكــرام.
وكذلــك تتقــدم المجلــة بالعــزاء الجميــل إلــى روح الفقيــدة البــارة الصديقــة
الســيدة فاطمــة ســي منصــور، فــي شــخصية نجلهــا الســيد شــيخ أحمــد التجانــي
محمــد المنصــور ســي، وكافــة إخوانــه وأخواتــه.
كمــا تتقــدم المجلــة بالنيابــة عــن كافــة قراءهــا والمتابعيــن لهــا، بتعــازي
صادقــة، ودعــوات خالصــة إلــى روحــي الشــيخين الجليليــن والعالميــن الكريميــن؛
الشــيخ مــود مالــك هــادي تــوري، والشــيخ مصطفــى تفســير سيســه، فليســكنهما
المولــى أعلــى جنــات الفــردوس، مــع الصديقيــن والشــهداء والصالحيــن، وحســن
أولئــك رفيقــا.
رئيس التحرير
N° AL FATHI.indd 1 23/11/2017 06:38
2
· مولده ونسبه:
لقـد بـرز الشـيخ أحمـد التجانـي سـي إلـى الوجـود
فــي التاســع والعشــرين مــن شــهر ديســمبر عــام ألــف
وتســع مئــة وخمــس وعشــرين للميــاد ) 29 ـ 12 ـ
1925 م ( الموافـق 23 جمـادي الخـرة 1345 هجـري
فــي مدينــة ســان لويــس )Louis Saint ) بالســنغال .
فوالــده هــو العالــم ّ التقــي والولــي الصفــي الشــيخ
الخليفــة أبــو بكــر ســي ابــن الشــيخ الحــاج مالــك ســي
رضــي اللــه تعالــى عنهمــا، وولــد الســيد الخليفــة فــي
عــام 1885م، الموفــق لـــ 1303 هــ بســان لويــس،
وتوفـي فـي 25 مـارس 1957م، الموافـق لـــ 1376 هــ
فــي تــواوون.
َ ْس ُ ــت َ )عائشــة ( ك ْ ــن
وأمــا والدتــه فهــي الســيدة ا
بنـت السـيد الحـاج عبـد الحميـد كـن، ووالـدة السـيدة
َ أســت هــي الســيدة مــارم بــاه بنــت عبــد اللــه بــاه صنــو
َ ْس ُ ـت
ُ المجاهـد الكبيـر مابـاه جـخ بـاه، وولـدت س ْ ـخَن ا
كـن فـي مدينـة كولـخ عـام 1900م، الموافـق لـــ 1317
هجـري، وتوفيـت فـي 5 مايـو 1965م الموافـق 4 محـرم
1385 هجــري فــي تــواوون.
ّ وتجـدر الشـارة هنـا إلـى أن الشـيخ أحمـد التجانـي
هـو البـن الثالـث لوالـده بعـد السـيد محمـد المصطفـى
ُ ســي )جميــل ( والســيد محمــد المنصــور ســي )ب ُ ــر ْوم
َد َارِج(، وينتهــي نســب هــذه الســرة مــن جهــة والدهــم
إلــى فاطمــة بنــت محمــد عليــه الصــاة والســام عبــر
ُ فاطمـة النصاريـة والـدة ب َ وتـي فـاي أم فاطمـة و ّ اد ِ وِلـي.
لقـد جـرى فـي كثيـر مـن أنديتنـا أقـوال فـي تسـميته،
فيقـول البعـض إنـه ولـد واسـمه مكتـوب علـى جسـده،
وقيـل: غيـر ذلـك، ولكـن الواقـع الصحيـح مـن كل هـذه
القــوال هــو مــا أخذتــه عــن الســتاذ خليفــة أبــي بكــر
ُ امبــي ابــن الحــاج امبــي د ْون ِ ــد امبــي، وهــو أخــذ عــن
َسِـرْن ِج ت َج ْ ـان ِ تَي ْ ـام الـذي أخبـره بمـا حـدث حقيقـة فـي
ولدة هـذا القـرم العظيـم.
قـال: لمـا انتهـى الخليفـة أبـو بكـر سـي مـن نونيتـه
الشـريفة التـي مـدح بهـا مؤسـس الطريقـة التجانيـة أبـا
العبــاس الشــيخ أحمــد التجانــي الشــريف رضــي اللــه
تعالــى عنهمــا، أخبــره الممــدوح مكاشــفة بــولدة ذكــر
N° AL FATHI.indd 2 23/11/2017 06:38
3
ّه بالقطــب
لــه بعــد ســبعة أشــهر، وأوصــاه بــأن يســمي
ّ التجانـي، ولعـل ّ هـذا سـبب قـول الش ّ ـيخ أحمـد التجانـي
ســي :
َِتي
ِل ِي ر ًض ِى بِولَاد
َ ْد ِ ول ْد ُت َ و
َولَق
َِج التّ ّجِاني
َنْه
َِت ِي في م
ِلِولَاد
ْرِ بِه
ٍَم
ِن ُ ي سِم ُ يتِ م ْن ا
نَ
َ
ِ ا
َول
ِّاني
سم
َتً ِى بِه َ
ِ إلَهُ ف
َ َجزَى ال
ف
وإليكــم أبيــات مــن نونيــة الشــيخ الخليفــة التــي هــي
الســبب الساســي لهــذا المــر العجيــب.
َتُهُ
ِريق
ُْخ التّ َجِان ِ ي الذ َي ش َ اع ْت َ ط
َشي
َِاهِين
ْبَر
َْه ُ ان ال
بَريِّة بُـــر
ِْ
َْن ال
بَي
ُِ م ْن
َِائر
َ ْد تَ ِْسر ّ ي السر
ْ َح ّق ق
ُ ال
َة
ِريق
َط
ٍْظ َ وتَ ْحِصِين
َْم َشِا ِربِ ف ِي حف
ِْن ال
َعي
َ َجِائِب َ و ْ ال
ْع
َِار ال
َ ْسر
َحازَ ْتِ ب َم ْجُم ِوع ا
ِغرِ ف َي غايَِات تَ ْحِسِين
ُْ
َِائِب ال
َ ـغر
ِردًا
َ
ُنْف
ُِ بَو ْصٍف َ ك َ ان م
ُوم
َ ْن يَر
يَا م
ْيِين
ب
ِن َ يك َ ع ْن تَْوِكِيد تَِ
ْ َحِال يُ ْغ
َوال
َا
ُْم ْمِسُك َونِ به
ِمنُ َون ال
و
ُْمْ
ْلَ َح ال
ف
َ
َ ْد ا
ق
ّ ِا م َن ِ اللهِ في يُ ٍْسر َ وتَ ْمِكِين
َن
م
·نشأته وتربيته:
ّ نشـأ الشـيخ أحمـد التجانـي سـي وتربـى على بسـاط
ظــل حضــرة والديــه الكريميــن أدبــاه فأحســنا تأديبــه،
أديــا دورا عظيمــا فــي بنــاء هويتــه وتكويــن شــخصيته؛
كانــت والدتــه تهتــم بشــأنه اهتمامــا بالغــا، فهــي أول
مــن قامــت بتعليمــه قبــل التحاقــه بالكتاتيــب، وكانــت
ّ حريصـة علـى صـاح حـال ولدهـا، كمـا أن عنايـة والـده
بـه أيضـا كانـت خيـر عنايـة .. إذ كان قائمـا علـى تربيتـه
وتهذيبــه وتثقيفــه، وبذلــك أصبــح الشــيخ التجانــي
متمتعــا بجا ُ لــة الخــاق والصفــات التــي يعــرف بهــا
الصالحـون والمقربـون مـن عبـاد اللـه، فهـو بحـق ثمـرة
يانعـة مـن حقـل الجهـود التـي بذلهـا والـداه فـي تكوينـه
ّ وتربيتــه، وهــو أيضــا ممــن يمثــل مصداقيــة قــول جــده
ُ َعرف فــي الحفــاد«.
الشــيخ الحــاج مالــك ســي: »ســا
ولعـل تلـك الجهـود هـي التـي جعلتـه متمتعـا بعـدة
ّـزه عـن كثيـر مـن معاصريـه ونذكـر منهـا:
مواصفـات تمي
ّ ـ النســانية المطلقــة التــي ل تفــرق بيــن الغنــي
والفقيــر، ول بيــن العزيــز والذليــل، ول بيــن الكبيــر
والصغيــر، وذلــك علــى أســاس نظرتــه لجميــع الخلــق
ّ كعيــال رب واحــد هــو اللــه ســبحانه وتعالــى.
ّ ـ النبســاط الفع ّ ــال والســتئناس الدائــم برب ّ ــه عــز
ّــات والنســانيات ومبتعــدا عــن
ّ وجــل مشــتغا ّ بالرباني
الشـيطانيات والمغريـات، ممـا جعلـه منعـزل فـي غالـب
الوقــات هــا هــو يقــول فــي إحــدى المناســبات :
ِني
ِو ُج
َ َصالِ ُح َ هَذ ّ ا الدِين تُ ْح
لَْولَا م
ْ ُض َ ح َ اجِاتي
ُ ِوج َ ولَْولَا بَع
ُْخر
ِالَى ال
ُ ْحتَِجبًا
َ م
ّ ْهر
ِع ُ يش الد
ْ ُتِ م َم ْن يَ
لَِصر
َ ِات
َاف
ُْخر
الس ْجِن َ ع ْن َ هِذي ال
َ ْع ُمِق ّ
ِفي ا
ـــ الجـود الـذي ل يـكاد يقـارب بجـود فـي الوقـت،
ّ وخيـر مثـل لسـخائه، موقفـه الفعـال فـي صاحـب ديـن
عجـز عـن القضـاء، وقامت السـلطة آنئـذ ببيـع ممتلكات
الدائــن حتــى المنــزل الــذي كان يســكن فيهــا وأســرته،
فلمـا علـم الشـيخ بحالـه، قـام بإنقـاذه مـن براثـن هـذه
المصيبــة، فأرســل إليــه مبلغــا يزيــد علــى الديــن دون
مجالسـة هـذا المعـوق الفقيـر.
· ّ تعلمه وشيوخه في العلم:
ّ لمـا بلـغ الشـيخ التجانـي سـن التمـدرس بـدأ قـراءة
القـرآن كمـا هـو العـادة فـي مـدارس الصوفيـة السـنغالية ،
ّ أول علـى يـد ّ والدتـه، ثـم أتـم علـى أيـدي شـيوخ حفـاظ،
ا َب ِ ج ْين ّ ـغ، والحـاج مختـار صـال،
نذكـر منهـم: الشـيخ ِ
َ والشـيخ مامـا لـوح، والحـاج شـيخ انجـاي مِابيـي، كان
بيــن هــؤلء حتــى حفــظ القــرآن حفظــا تامــا حســنا،
ّ وأجـاده رســما وكتابــة فــي ســن مبكــرة مــن عمـره، ثــم
ّ بعــد حفظــه للكتــاب شــرع فــي تعلــم كتــب المجالــس
N° AL FATHI.indd 3 23/11/2017 06:38
المعروفــة، فتعــزز بوجــود شــيوخ وأســاتذة عظمــاء،
منهـم:
العالــم الكبيــر ســرنج علــي غــي الــذي كان ينظــر
إليـه فـي السـرة المالكيـة كمكتبـة متنقلـة تحـوي العلـوم
والمعـارف فـي رفوفهـا، كذلك بالسـتاذ الجليل الشـيخ
شـيبة فـال الـذي مـا زالـت اللسـنة تحكـي عـن مواقفـه
ّ البطوليــة، ثــم الحــاج مختــار صــال والشــيخ بــران ســار
ّ ،.. ومـن بيـن معلميـه عمـه الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز
ســي الــذي أصلــح لســانه وســاعده علــى التخلــص مــن
شــوائب العجمــة واللحــن.
مكـث الشـيخ فـي مجالـس هـؤلء حتـى درس منهم
جميـع المـواد والعلـوم التـي كانـت تـدرس فـي مجالـس
العلمـاء وقتئـذ، مـن تفسـير، وحديـث، وسـيرة، وفقـه،
وأصـول فقـه، ولغـة، ونحـو، وصـرف، ومنطـق، وباغـة،
وعـروض، وغيـر ذلـك مـن العلـوم النقليـة والعقليـة.
ذكــر الشــيخ فــي محاضرتــه التــي ألقاهــا فــي معــرض
دكار بتاريــخ 29 ينايــر عــام 2000 م، بعــض المــواد
والعلــوم والشــيوخ الذيــن أخذهــا عنهــم، ومنهــا:
ـ الشــعراء الســت، وابــن رشــد، والعشــماوي مــن
والــده الشــيخ الخليفــة.
ـ الكواكــب النيــرة فــي مــدح خيــر البريــة )بــردة
المديــح( مــن الشــيخ بــران ســار.
ـ ابـن دريـد ، ومقامـات الحريـري مـن الشـيخ شـيبة
فا ل
ـ ديــوان الشــيخ الحــاج مالــك ســي، ومختصــر
ّ الشــيخ خليــل مــن ســرنج علــي غــي.
ّ وذكـر أنـه وقتئـذ كانـت توجـد فـي تـواوون خمسـة
عشـرة محضـرة يتنقـل مـن بينهـا للدارسـة.
وأمـا الجانـب الروحـي والعقـدي مـن تكوينـه فقـد
تلقــاه مــن والــده الشــيخ الخليفــة رضــي اللــه تعالــى
عنهمــا.
فمــن هــؤلء العظمــاء درس مــا درس حتــى نبــغ
ولح نجمــه فـي سـماء العلـم حتـى أنـه ل يـكاد يدانيـه
فــي العلــم أحــد مــن أقرانــه رغــم عــدم خروجــه إلــى
البلـدان العربيـة للتعلـم والدراسـة، ويجـدر بنـا أن نتذكـر
فـي هـذا المقـام تلـك البيـات التـي نظمهـا للتعبيـر عـن
ذلــك الوقــت الذهبــي مــن عمــره، فقــال:
ُْم يَ ْطلُبُنَا
ِعل
ْ
َ َ ان ُ كنّ َ ا و َك َ ان ال
زَم
َ َ اع ِات
ُْه َد ِى ف ُي ك ّل ق
ً َ ا و َك َ ان ال
ْق
ِرف
لَُفنَا
ْ
َْوُز يَا
ْف
َ َ ان ُ كنّ َ ا و َك َ ان ال
زَم
ْ ُن يَ ْشُملُنَ ِا ف ُي ك ّل َ حالَ ِات
َم
ْا
َوال
َتًى
ْ ُ آن َ ص ْو َت ف
ُْقر
َ َ ان يُ ْسِمُعنَا ال
زَم
َ ْصَو ِات
َْو َق ا
ا ف
ّ
يَ ْد ُعو ِالَ ِ ى الله َ حق
ِه
ِت
ٍرِ بِح ْك َم
بُو بَ ْك
َ
َ َ ان يَ ْد ُعو ا
زَم
ّ ّ الد َعايَِات
َ النّ ُ اسِ م ْن َ شر
ِلم
ِليَ ْس
وقوله:
ً
اسة
َ َ
ْ َحيَِاةِ در
َ ْسبَ َ اب ال
ْ ُت ا
ْنَي
ف
َ
ا
َِان
ْف
ِعر
ْ
َوبَلَْو ُت ُ ك ّل َ و َسِائِل ال
وأمـا مـا يتعلـق بمؤلفاتـه فكثيـرة للغايـة، ول تسـعنا
هــذه الفرصــة لســردها جميعــا، ولكــن علــى ســبيل
المثــال نكتفــي بذكــر الكتــاب المســمى بــ )الركان
الرواســخ فــي غرائــز أبنــاء المشــائخ( الــذي ألفــه فــي
الســن الســادس عشــر مــن عمــره ) 16 ans) .
· ّ تعلمه اللغة الفرنسية:
ل يختلـف اثنـان فـي تمتعـه بازدواجيـة اللغـة العربية
والفرنســية، هاتــان اللغتــان اللتــان أتقنهمــا وأحســنهما
كأهلهمـا، والـذي دفعـه إلـى اكتسـاب لغـة مولييـر كثيـر،
نذكـر منهـا المكانـة التـي تحتلهـا الفرنسـية فـي العالـم،
ومـا تسـتلزمه الدعـوة السـامية والعمـال الحركيـة مـن
الثقافــة العامــة والنفتــاح، لذلــك شــمر الشــيخ بســاق
ّ الجــد لتعلــم اللغــة الفرنســية بفضــل مجهــوده الفــردي
المبـذول فـي حداثـة عمـره.
ّ وقــد شــرع فــي هــذا الفــن حيــن بلغــه أن رفيقــه
ِ أبــا بكــر غ ُ ــي ابــن م َوم ْ ــر ِ غ ّ ــي أحــد أتبــاع جــده الشــيخ
الحــاج مالــك ســي، التحــق بالمــدارس الرســمية لتعلــم
ّ
اللغــة الفرنســية، فلــم يــر وقتئــذ إل أن يأتــي أبــا بكــر
عنـد قدومـه مـن المدرسـة فيأخـذ منـه الـدروس، فـكان
4
N° AL FATHI.indd 4 23/11/2017 06:38
َ ْس ُ ـت كـن يـردد
علـى ذلـك حتـى سـمعته والدتـه سـخن ا
البجديــة الفرنســية فــي البيــت، فأخــذت بيــده متجهــة
إلــى الشــيخ الخليفــة خوفــا لضيــاع دراســاته الســامية
لشــدة اهتمــام الشــيخ التجانــي بالفرنســية.
ولمــا كان الخليفــة علــى علــم بالمــر، زاده ذلــك
الجهـد حبـا وثقـة بولـده ووارث سـره، فقـال: نشـكر اللـه
علـى هـذا المجهـود وندعـوه البركـة والتوفيـق بـه.
ّ ولعــل موقــف والــده فــي المــر يومئــذ هــو باعــث
اهتمامـه العالـي فـي الفرنسـية، وقـد حملـه هـذا الهتمام
إلـى بحـث معلـم متقـن للفرنسـية فوجـد مأميـن مانـي
أحـد مدرسـي الفرنسـية فـي تـواوون آنئـذ.
ّ وتجــدر الشــارة هنــا إلــى أن الشــيخ التجانــي لــم
ّ يكتـف بمـا يدرسـه مـن معلمـه ، بـل كان يصفـح الكتـب
والمعاجـم لهـدف واحـد وهـو حفـظ مئـة كلمـة فرنسـية
يبـدأ كل واحـدة بحـرف اللـف ثـم حـرف البـاء وهكـذا
إلـى اليـاء. وهكـذا كان حتـى أصبـح مـن أفهـم هـذه اللغـة
وأحسـنها كتابـة.
وإليكم قطوف دانية من مقالته بالفرنسية:
1 -La foi musulmane cherche
l’homme dans sa qualité de citoyen
universelle. Elle ignore les particularités qui, au lieu de servir de base à un
dialogue fécond, deviennent pour le
malheur de notre monde des barrières
infranchissables où toute vigilance et
toute autre volonté restent paralysées à
jamais.
2 -Aujourd’hui aucune valeur spécifque ne peut guider les poids de l’humanité. Seules les valeurs inter-universelles sont proposées pour résoudre les
grandes crises engendrées par la fausse
modernité. Celle-ci a pour conséquences la déprime et la perversion.
3 -si la prière cesse d’être sacralisation de nos actes quotients malheur en
ceux qui par ignorance en deviennent
les victimes car la prière est à l’âme ce
que l’engrais est à la surface du sol ou il
l’améliore ou il l’écrase : c’est une question de dosage, une question surtout
d’éducation mystique
4 -Une vie sans religion est une vie
sans principes et une vie sans principes
est un bateau sans gouvernail.
5 -L’expérience démontre aisément
que nous obéissons plutôt aux superstitions et à la tradition qu’à la doctrine
pure dont nous avons héritée du Prophète. L’héritage de Mouhamad, c’est
l’ensemble de toutes les vertus qui ont
fait les héros du Ciel.
6 -L’Islam n’est qu’un tremplin, et le
plus sûr pour guider l’humanité vers le
salut.
7 -L’Islam peut être considéré comme
une aventure passionnante ; aventure
qui a pour point de départ le ventre
maternel et qui ne saurait prendre fn
qu’avec les fancs inconsolables de la
tombe.
8 -La littérature coranique n’a-t-elle
pas permis aux musulmans de se familiariser avec tous les grands systèmes, à
la seule condition qu’un souffe divin y
soit maintenu.
9 -Il s’agit non seulement d’organiser
la vie mais plus précisément d’éterniser la vie par une action rémunératrice
et permanente. Il s’agit enfn d’aimer
l’action de vie de rendre culte à Dieu.
Il s’agit enfn d’ériger la conscience en
centre d’attraction où tous les jeux de
perfectionnement sont autorisés.
· شعره وخصائصه:
ّ إن الشــيخ أحمــد التجانــي ســي لواحــد مــن أجلــة
ْ ُ خــل لنقــر أبــدا بــأن لــه
أدبــاء المــة الســامية، ول نب
مــن الفضــل فــي هــذا المجــال وغيــره مــا ل يجــده إل
قليلــون مــن أقرانــه، فهــو عالــم حــذق، وأديــب أريــب،
وخطيــب بــارع، وتلــك ُ مواهــب لدنيــة عرفهــا منــه
القاصــي والدانــي.
لقــد حظــي بملكــة أدبيــة فريــدة، وقريحــة شــعرية
غريبــة، ل يحــس بعنــاء ول تكلــف فــي قــرض الشــعر،
وتهيـأت هـذه الشـاعرية للشـيخ فـي أكثـر مـن موضـع،
5
N° AL FATHI.indd 5 23/11/2017 06:38
منهــا:
أول: وراثـة دمويـة، مـن والـده الشـيخ الخليفـة أبـي
َ بكـر سـي، وجـده الشـيخ الحـاج مالـك سـي اللذيـن كانـا
مـن أشـعر شـعراء وقتهمـا.
ثانيـا : نشـأته فـي بيئـة أدبيـة خصبـة، مـن بيـن مـن
ّ يعــدون مــن أكابــر فصحــاء ّ وبلغــاء الســنغال؛ كعمــه
الشـيخ عبـد العزيـز سـي، والشـيخ علـي غـي، والشـيخ
شـيبة فـال، والسـيد محمـد يحيـى العلـوي الموريتانـي.
ولقـد سـبقه الكثيـر والكثيـر مـن سـكان هـذا البلـد
العزيــز، وأســاف هــذه المــة وأعامهــا فــي قــرض
ّ الشــعر، ولهــم الفضــل فــي التقــدم، لكننــي أعتقــد بأنــه
ْ ظفـر بقصـب السـبق فـي ذلـك؛ لكونـه شـاعرا ذا موهبـة
ِخ ْص ْ بـة، وقريحـة مع ْ طـاءة، وقلـم مطـواع، وبيـان سـائغ،
فـي عبـارات محكمـة، ولحسـن سـيره علـى دربهـم لكـن
ّ بأســلوب علمــي ّ متــأدب وبليــغ.
ُ بالضافــة إلــى مــا يــذاق مــن شــعره مــن التجــدد
فـي الغـراض، والتجـرؤ فـي قـدح زنـاد الميـول، ونقـد
مـا جـار عـن قصـد السـبيل مـن الطموحـات والتقاليـد
ومـا اسـتورده قومـه مـن مجـون الثقافـة والحضـارة، مـع
التنــوع فــي الوزان، واســتعمال اللغــة العربيــة الراقيــة،
والتعمــق فــي الفكــر والدقــة فــي التصــور، والتأثــر
بالقــرآن ومامــح اليمــان، والعنايــة بالصــور البيانيــة
والمحسـنات البديعيـة؛ ولهـذا يجـد البعـض صعوبـات
فــي فهــم كامــه.
ويمكــن أن نقــول: إنــه اســتخدم جميــع البحــور
الشــعرية أو أغلبهــا، مــن البســيط والمديــد والكامــل
والوافــر والطويــل… وغيــر ذلــك ممــا يتناســب مــع
موضوعاتــه وأغراضــه، وإنــه لــم يتــرك حرفــا مــن
الحــروف الهجائيــة إل اســتعمله كــروي . وعالــج مــن
خـال شـعره الكثيـر مـن القضايـا الدينيـة والجتماعيـة
والسياســية والقتصاديــة …
ونأتـي علـى سـبيل المثـال بقصيدتـه الكامليـة التـي
تبلــغ 74 بيتــا، ألفهــا ســنة 1998م، هــذه القصيــدة
التــي تنوعــت موضوعاتهــا وتعــددت، حيــث أشــار
ّ فيهــا إلــى كل مــا يهــم ّ حياتنــا اليــوم، فكأنــه أراد بذلــك
أن يظهرثقافتــه الواســعة، وإلمامــه للحقائــق المســيطرة
علــى الزمــان والمــكان .
وإليكم أبيات من القصيدة :
َ ْجنُــونَـا
ًـا م
َ ْص َ بـح َ عالَم
ْ ُب ا
َْغر
ل
َ
ا
ْتُــونَا
َف
َو َغ َ ــدِا ب َش ْكِـل ُ جنُِونِـه م
ٍَة
ْــر
َةٌ َ ع ْ ــن َ حي
ــنِ ف ِيـهِ عبَــار
ّ َ
ْف
اَل
ُنُونَا
ََو ِاتِ فِيه ف
َف
ْه
َى ال
ر
َ
َ ِ ـا لي ا
م
َةُ نُّظ َم ْ ـت
َةُ َ والتّ َجـار
لَْولَا الّ َ تجـار
الس َم َ ا وتَِدينَا
ِي ّ
ِلتَنُ َ ـوب َ ع ْن َ و ْح
َا
ِة ُ كلّه
ْبَِس َ يط
َ ْهِل ال
ْ ُ ـتِ م ْ ــن ا
ْب
لََطل
َ ِ ـا تِنينَــا
ًــا لَه
ِْــزلُ َ ـوا ح َكم
َ ْن يَع
ا
ِانْ َس َ انِ م ْن
ْ
ِة تَ ْمنَ ُ ـع ال
َ
ْ َح َضـار
َ ِا لل
م
ُْهـونَـا
ِق ِيـه ال
ِو ِيـن َ ش ْخِصيٍَـة تَ
تَ ْك
َـا
ّ بُنُ ِ ــوكه
ُ ِ ضـد
ْ َكــار
ف
َ
ْا
تَتَ َح ّط ُ ـم ال
َا تَ ْحِمينَا
ْبُنُ ُوك َ عِن ّ الشق
َو َهِـل ال
ُ َهـا
زْ َهـار
َ
ً ا
َـة
َ ُ ــاغ َ حِديق
ِل َ ـق ّ الدم
ُخ
ّ ُ عيُـونَا
ِقــر
َْو تُ
تُ ِْحي ُ ــي عُقــولًا ا
ً
َــة
ْــلُـوم
َع
ً م
َ ُ ح ّ ــو َل دَْولَـة
ْيَ ْ ــوم
َال
ف
ُْعونَا
َل
َا م
ِْض ِ ـي ب ُس ِ ـوءِ ن َظِامه
تُـر
َ ْخــلَ َ اقِ فــي
ْا
َ ال
تَّمــم
ُ
ِ ا
ِعثْ ُ ـت ل
ِانّـي بُ
ُونَا
ُر
ِم َ ك ْي تَ ُسودَ ق
َْم َك ِـار
ِظ ّ ــل ال
وعلـى هـذا أيهـا القـارئ فـإذا طلبـت شـاعرا محنـكا
خبيــرا بأســرار الدب وفنونــه المســتجدة، فهــو ذلــك
الخبيــر ..
·شخصيته الوطنية والاجتماعية:
هــذه الناحيــة مــن حيــاة شــيخنا التجانــي
مديـدة للغايـة ل يسـعها هـذا البحـث الموجـز، نكتفـي
بالغرفـة التـي نسـقيها القـراء وسـنعود إلـى هـذا المعيـن
الصافــي إن شــاء اللــه فــي التــي مــن الزمــان.
ّ نقــول إن ّ ــه يمثــل فــي جميــع تصرفاتــه أمريــن
متعاكســين: أصالــة ومعاصــرة، تقليــد وتطويــر، وذلــك
مــن إطاعــه الواســع علــى ثقافــات متباينــة لتقانــه
ّـة
العربيـة والفرنسـية. ولعـل هـذا هـو سـبب رفضـه بالكلي
ّ التقاليـد الفاسـدة بشـتى أنواعهـا، والتعصـب والنحيـاز
العمـى، ولـه سـمات عديـدة تبرهـن شـخصيته العظيمـة
ّـزه عـن كثيـر مـن أبنـاء زمانـه ونذكـر منهـا مـا
التـي تمي
يأتــي: - شـهد عـام عـدم الدولـة علـى قـدرة توفيـر الغـذاء
للشــعب ، كمــا كانــت عاجــزة عــن تأميــن التوزيــع
العـادل لمنتجاتهـا لزمـة اقتصاديـة شـديدة فـي السـنغال
وقتئـذ، وقـد أدى هـذا النقـص الشـديد للمـوارد الغذائيـة
إلــى فقــدان الرز الــذي هــو المــورد الساســي للغــذاء
6
N° AL FATHI.indd 6 23/11/2017 06:38
السـنغالي، فـكان النـاس يصبحـون ويمسـون لطلـب مـا
يســد احتياجاتهــم اليوميــة منهــا.
وعلــى هــذا قــام واحــد مــن أتبــاع الشــيخ بالبحــث
عنــه خوفــا مــن أن يعانــي مــا يعانيــه النــاس فــي طلــب
المعيشــة، وجــاء بأكيــاس عديــدة مــن الرز إليــه،
فأخــذ منهــا الشــيخ كيســا واحــدا بعــد أن استحســن
ّ الفعـل، ثـم قـال لـه: دعنـي أعانـي مـا يعانيـه العامـة فـي
الشــدة والعنــاء، وأمــره بتوزيــع الباقــي إلــى المعوقيــن
والمحتاجيــن. - ومـن ذلـك أيضـا، كثـرة انقطـاع التيـار الكهربائـي
فـي السـنغال سـابقا، هـذه المشـكلة اليوميـة التـي كانـت
ّ تؤثـر علـى كل شـيء، المنـازل، المستشـفيات، المراكـز
ّ الصحيــة، الميــاه، وكل المصالــح الحيويــة إضافــة إلــى
الضطرابـات النفسـية والسـلوكية، وغيـر ذلـك ممـا يؤثـر
ســلبا علــى الشــعب، فجــاءه أحدهــم بمولــد كهربائــي
)électrogène Groupe ) يريــد إراحتــه مــن العنــاء
والشــدة، فاستحســن الشــيخ الفعــل، ولكنــه لــم يــرض
أن يقـام ذلـك المولـد الكهربائـي فـي بيتـه وقـال لـه : ل
أريـد أن أسـتضيء وحـدي والباقـي فـي الظـام، وأيضـا:
لهـذه اللـة صـوت مزعـج، وأنـا ل أريـد أن أضـر جيرانـي
بصوتــه، فدعنــي أســتعمل مــا يســتعمله العامــة حتــى
تعـود المـور علـى طبيعتهـا. - ومنهــا أيضــا: فعلــه الغريــب الــذي ل ينســى
ول يمحــى، وهــو طلبــه رخصــة مــن وكاء الغابــة )
)Manguier( شــجرة قطــع فــي ( Aux et forêt
كان يريــد إســقاطها، والشــجرة فــي داخــل بيتــه بــدكار،
وهـذا لمثـل نبيـل فـي الوطنيـة، بالضافـة إلـى عاقاتـه
الوطيـدة بأعيـان عصـره، وخاصـة بالسـر الدينيـة، إنـه ل
يحاسـب ول يهتـم بالنتمـاء الدينـي ول الطائفـي، فهـو
إنســان متســامح، وعالمــي يســعى بالعدالــة والنســانية.
ولقـد سـبق الكثيـر مـن أبنـاء الشـيوخ إلـى الحتراف
بعـد التعلـم، كمـا أوصـى فـي بيتيـه التاليين :
ّ ّ م احترف وتطورا
بعد التعل
كتطور العلماء والحكماء
ّة
ودع الجمـــود فإنّه لمذل
ّة للماء
ّكود مضر
فكما الر
اشــتغل الشــيخ بالتجــارة فــي البــاد وخارجهــا،
فـكان لـه دكان فـي باريـس عاصمـة فرنسـا منـذ العهـد
الســتعماري، كمــا مــارس النقــل والفاحــة، ولــه
حقـول وبســاتين فـي سـالوم وكجـور ،.. وعـرف أيضـا
بالصناعــة فــكان أحــد الشــركاء الساســيين فــي شــركة
تســويق الســمنت )سوكوســيم SOCOCIM )حــاز
بنسـبة مرتفعة مـن رأس مـال الشـركة؛ لهـذا عيـن كرئيـس
للمجلـس الداري، فـكان علـى ذلـك حتـى رزقـه اللـه مـا
رزقـه مـن النعـم الجسـيمة، فاسـتكفى بعـرق جبينـه عـن
ثــروات النــاس ومغرياتهــم.
ّ وصــار مــن بعــد رمــزا خالــدا فــي ســد الحاجــات
وكشـف الكـرب، فبـدأ ينفـق بـا خـوف من القـال ول
التقطيـر، وخاصـة علـى عيالـه والمحتاجيـن والضعفـاء
ّ والمعوقيـن والمتسـولين، امتثـال لقولـه عـز ّ وجـل َ : )وَمـا
ْـراً
ْ ٍـر َ تِج ُـد ُوه ِ ع َ نـد َ الل ِـه ُ ه َـو َ خي
أ ُنفِس ُـك ّم م ْ ـن َ خي
َ
ُتَقّدُم ِ ـوا ل
َ ْجـراً(.
َ ْعَظ َ ـم ا
َوا
·شخصيته السياسة:
كمــا ذكرنــا مســبقا هــذا الميــدان أيضــا مــن حيــاة
الشـيخ ل يسـع فـي بحـث كهـذا، بـل يسـتوجب مجـال
أوسـع لمـا تتسـم حياتـه مـن تعـدد النشـاطات والقضايـا
السياسـية التـي ل تمحـى فـي صفحـات التاريـخ وذلـك
منـذ عهـد السـتعمار.
وإن دلــت جهــوده فــي هــذه الســاحة علــى شــيء
ّ فإنمـا تـدل علـى اهتمامـه الشــديد بسـير بلـده وشـؤون
ّ مواطنيــه، وأن الديــن ل يصلــح فــي وطــن فســدت
سياســته، وهــذا مــا جعلــه يخاطــب رجــال الديــن وهــو
فــي الســجن قائــا:
َى
َْور
َ ال
َ يَا نُ َجم
ِا ْسلَام
ْ
ا سادَةَ ال
يَ َ
َى
ْ يُ ْشتَر
َِا ْن لَم
ِا ْسلَام
ْ
َ ال
َم
َ ْكر
َا ا
م
ُِا ْن َ طَغ ْت
َة
ْ ُحُكوم
ُ َ وال
َة
ْ ُحُكوم
َطَغ ْت ال
َى
وِاد َ ك َم َ ا جر
ُْفَ
َِاب ُلِ بال
ًا تُق
يَْوم
و َها
َ ْع َضاُ
ٍة ا
َ
َام
َ ّس ْتِ بُك ّل َ كر
م
َى
َر
ْق
َه
ُ ق
َة
ْ ُحُكوم
َا تَ ْمِشي ال
َِوب َم ّسه
لَى
ُ
ْا
َْو ِى بال
َّن ّ الد َ ين يَق
َعلُّم ِوا با
َى
ًا لَ ْن يُ ْخ َسر
َ ْغنَم
ِق َيدةَ م
َ
ْع
َلُوا ال
َجع
ٍم
َِاه
ِْ بَدر
ُونَُكم
ِلَذ َ اك يَ ْخِتَبر
َ و
َى
َ ْن َ خلَ َق الثّر
َِ رزْ ُق م
َِاهم
ّر
ِا ّن الد
ْقُظوا
ِ
َِ دِيننَ َ ا و ْ استَي
ِئ َمة
َ
ُوا ا
ُوم
ق
َا
ِْمر
َ َ وال
َودَُعوا التّنَ ُازَع َ والتَّكاثُر
بـدأ الشـيخ نشـاطاته السياسـية فـي السـن الخامـس
والعشــرين مــن عمــره، أي: منــذ عــام 1950 م حيــث
انتمــى إلــى الكتلــة الديموقراطيــة الســنغالية ) BDS) ،
وشـارك فـي اسـتفتاءات عـام 1958م، كمـا شـارك فـي
7
N° AL FATHI.indd 7 23/11/2017 06:38
النتخابــات التشــريعية فــي 22 مــارس 1959م، تحــت
مظلـة حزبـه )حـزب التضامـن السـنغالي( )PSS )هـذا
الحــزب الــذي أسســه فــي ظــروف صعبــة مــع رفقــاءه
فـي النضـال والمقاومـة، كالشـيخ الحـاج إبراهيـم انيـاس
الكولخــي، وزيــدو إبراهيــم انــدو، وغيرهــم ممــن كان
معهــم للدفــاع عــن الســام ومصالــح الوطــن، انتهــت
تلـك النتخابـات بغصـب الجتهـاد الشـتراكي علـى )
UPS ) – حـزب مامـدو جـاه ولوبولـد سـدار سـنغور-
علــى جميــع الكراســي )80 كرســيا(، وهــذا مــا جعــل
ّ حــزب التضامــن الســنغالي لــم ينــل مــن يمثلــه فــي
البرلمــان، وانتقــد الشــيخ النتائــج لمــا فيهــا مــن غــش
وتخميــن، واســتمر فــي نضالــه ومقاومتــه حتــى تــم
اعتقالــه، فأوقفتــه الســلطة فــي الســجن، وقضــى فــي
سـجن دكار سـتة أشـهر، ثـم بعـد ذلـك صالحـه سـنغور،
فاتفقــا علــى بعــض المبــادئ، ولتوطيــد ودعــم هــذه
ّنـه سـنغور سـفيرا بالقاهـرة؛ ليمثـل بـاده فـي
العاقـة عي
الجمهوريــة العربيــة المتحــدة، ولــم تطــل هــذه القامــة
بالقاهـرة لسـباب لـم يعرفهـا إل قليـل، فعـاد إلـى البـاد
واســتمر فــي نشــاطاته الدينيــة والسياســية حتــى ســجن
مــرة ثانيــة لمواقفــه البطوليــة فــي الميــدان السياســي،
وبعـد إطـاق سـراحه رأى بعـض أقاربـه أن ينصحـوه بـأن
يغيـر هـذا النـوع مـن مواجهـة السـلطة، وأن يختـار منهـج
المـدارة والمكيـدة، فأنشـد قائـا:
قالوا لي اختر مكيدات مع الدول
تسلم بها من مكيدات ومن حيل
فقلت والحق فيما قلت يشهدني
كفاني القطب في حالي عن الشغل
ما قوة المنطق السفلى ولو سحرت
أمام قوة روح القطب بالمثل
فكيف يمكن للدنيا تصرفها
إن لم يكن ثم أمر الله في الزل
ّ يا بارك الله جل الله يا عجبا
ّ يا بارك الله في حل ومرتحل
إن كان سيري إلى العراض من لعب
ّذل
ّق الله سير الاعب الر
ل حق
إن كان ذاك لتأييد الحقائق في
عصر الباطيل عصر الجور والزّلل
ّب الله ظنّي تحققه
ل خي
ّكلي
ّ وفي تفضله يا خير مت
لــم تتوقــف نشــاطاته السياســية فــي عهــد ســنغور
وأعوانـه، بـل اسـتمر مـع الرئيـس عبـد جـوف الـذي ناب
عـن سـنغور بعـد اسـتقالته للسـلطة، ثـم مـع الرئيـس عبد
ّ اللــه واد ّ ، وتــم معاملتــه معهمــا بأحســن معنــى الكلمــة،
ولـو جـرى بينـه وبيـن الرئيسـين مـا جـرى، ولكـن -كمـا
قلنــا – لــم يكــن هــدف الشــيخ فــي ولوعــه للسياســية
نيـل السـلطة كمـا قالـه مـرارا فـي محاضراتـه، بـل للدفـاع
عـن السـام ووحـدة المـة.
·أقواله الحكيمة وأفكاره المنطقية:
ّ يعــد هــذا المجــدد العبقــري مــن أعظــم حكمــاء
وقتــه وأكبــر مفكريــه، ويبــدو ذلــك بارعــا فــي أقوالــه
ّ وأعمالـه؛ فإن ِ ـه يتمتـع بحكـم شـقية وفلسـفة صائبـة، كمـا
ّــز بفهــم صحيــح ودقيــق للقــرآن والســنة.
تمي
ولعــل هــذه الخاصيــة هــي التــي جعلتــه يخالــف
فـي الكثيـر بعـض معاصريـه مـن الفقهـاء فـي القضايـا
الجتماعيــة والمســائل الخاصــة والعامــة.
َ ولقــد هــم قــوم بقريــة مــن قــرى البــاد علــى
هــدم مســجد تــم بنــاؤه بعــد أن تأكــدوا بــأن المســجد
أخطـأ القبلـة، فاتصلـوا ببعـض الفقهـاء فأفتـوا بالهـدم،
ولمــا أخبــر الشــيخ التجانــي بالمــر، قــال لهــم: الهــدم
فســاد كبيــر وضيــاع مــال كثيــر، فالســام لــم يطالــب
مــن البنــاء اســتقبال القبلــة بــل المصلــي نفســه، ضعــوا
المســجد كمــا هــو، واســتقبلوا القبلــة إذا دخلتمــوه.
وهـذا الحكـم الصيـل والفكـر المنطقـي يـذاق فـي
8
N° AL FATHI.indd 8 23/11/2017 06:38
كثير من كتاباته وأقواله، أليس هو القائل:
ّلي
ما منطق إل ودون تعق
ما عبرة إلّا ودون بياني
ّ فتزو ّ دت نفسي بكل بديعة
وبدائعي تبقى على الزمان
ومن أقواله وكتاباته:
ّا وبسيرها
باء تسير تنق
ّد البنيان
ولدت خطوط مشي
ّ ّ وحيد قبل بعشها
ما نقطة الت
ما بسطة الخط المديد الثّاني
ــ ومنها مفهوم المسلم عنده:
ــم ُ اكم
قــال: » ُ انطلقــا مــن قولــه تعالــى: )ه َ ــو َ س ّ
ُ ّ (، ويفهـم مـن هـذه اليـة أن المسـلم
ْـل
َب
ُْم ْسِـل َ مينِ م ْ ـن ق
ال
ّ ليـس هـذا الوحشـي الـذي يتعص ّ ـب لمحمـد علـى غيـره
ّ ّ ســل ،… وليــس هــذا العاجــز الــذي يتحمــل
مــن الر
ســيطرة المســتعمرين فــي الجزائــر وفــي المغــرب وفــي
ّهـا … وليـس هـذا المتواضـع الـذي يـرى
بـلد العـرب كل
فــي التطوعــات دون الواجبــات أســمى معانــي الحيــاة،
ّ وليـس هـذا الشـاب الـذي ينتفـخ عندمـا يذكـر السـلم
أو يُ ّ ذكـر محم ّ ـد بالسـوء، وليـس هـذا المثقـف العصـري
الــذي يدافــع عــن الهويــات والرياســات وعــن طيبــات
مـن الـرزق.
إنّمــا المســلم هــو تلــك الصــورة الحســية الخالــدة
التــي نشــأت وتطــورت مــع ذلــك المعتــرف وســوف
يبقـى معـه إلـى أن تسـيّ ّ ر الجبـال وتسـجر البحـار وتـزوج
النفوس ..«
ــن ن ْطَف ٍ ــة
ّ
اّن َ ــا خَلْقَن ْ ــا الِأ َ نس َ ــان ِ م
ـــ ومنهــا قولــه: )ِ
َْتِل ِ يـه َ ف َجَعْلَن ُ ـاه َ س ِ ـميعاً َ ب ِصيـراً(، إنـا خلقنـا …
َ ْمَش ٍ ـاج ّ نب
ا
تلتقــي فيهــا اليجابيــات والســلبيات، وتختلــط حقائــق
اليجــاد كلهــا مــن نطفــة يوجــد فيهــا كل أصــل مــن
الصــول التــي بتجمعهــا وباحتــكاك بعضهــا ببعــض
تكــون الســيادة، ويكــون الشــرف، وهــذا عيــن البتــاء
)فجعلنــاه ســميعا بصيــرا( ســميعا يهتــدي ببصــره إلــى
قسـط وافـر مـن الفهـم وهـذا بعهـد قديـم، وأمـن وثيـق،
َ جـرى بينـي وبينـه عنـد تَلِقـي صورتـه الطينيـة بماييـن؟
ـ ومنهــا قولــه: ففــي وحدانيــة اللــه يــرى الســلم
وحــدة النســانية، وفــي كمــال الصفــات الغيبيــة يــرى
انسـجام الخـلق البشـرية، وفـي أزلية السـلطة السـماوية
يــرى تأمينــا للصالــح البشــري .. ويــرى فــوق ذلــك أن
التعايــش الســلمي الــذي تقدســه القــارات باللســان ول
تؤكـده بالفعـال، ليـس إل صـورة حقيقيـة لهـذه الوحـدة
التــي مــن أجلهــا قــال القــرآن: َ )و َل َ تَن َازُع ْ ــوا َ فَتْف َش ُــل ْوا
َوَتْذَه َ ــب ِ ر ُيحُك ْ ــم(.
ّــات ل
ـ ومنهــا قولــه: »ل نجــاة إذا إل فــي القطعي
ّـات .. ثـم ل كرامـة إذا إلّا فـي الراء الصائبـة ل
فـي الظني
ّفـة«.
فـي الدعايـات المزي
·وباللغة الفرنسية قوله:
- Etre trop juif, trop chrétien et même
trop musulman, cela risque de nous
basculer dans le vide du sectarisme.
Soyons partisans de Dieu directement si nous voulons vivre en paix . - Il faut rénover les méthodes
de pratiques religieuses plutôt
que l’Islam lui-même, car nous
croyons que nos déformations
sont nées plus de l’analphabétisme et de l’incompréhension des
adeptes que de la structure même
de l’Islam.
.3 L’Islam peut être considéré comme
une aventure passionnante ; aventure qui a pour point de départ le
ventre maternel et qui ne saurait
prendre fn qu’avec les fancs inconsolables de la tombe - L’essentiel c’est de mettre l’ac9
N° AL FATHI.indd 9 23/11/2017 06:38
cent sur ce que l’Islam appelle « AL
HAQAA-IQAL KOUBRA «, c’est
à dire les grandes réalités. Les réalités
de tous les temps et de tous les siècles
et qui veulent que l’homme ait pour
objectif principal la réalisation de
l’unité profonde et organique de la
création. - Maîtriser le Verbe de sorte qu’Il reste
le fondement du dialogue, dialogue
entre Créateur et créature et, dialogue entre les hommes, dialogue
entre la société et la nature ; mais
que ce dialogue soit authentifé par
une action concrète et parfaitement
réaliste
!!! - L’homme n’est autre chose qu’un
élément de synthèse dont l’humilité
reste non seulement le fondement,
mais la signifcation de sa grandeur.
C’est effectivement un moyen et
une occasion pour ce dieu tombé du
Ciel de redevenir ici-bas le favori
de la compétition inter-universelle.
C’est là le sens que le Créateur accorde à la liberté et c’est une manière qui lui singulière de désigner
un vicaire. Un sens et une manière
qui ont pour point de référence la
dignité de l’homme. Cette dignité
qui fait appel chaque jour à toutes les
dispositions physico-cérébrales afn
que l’équilibre soit maintenu à tous
les niveaux chez l’homme et dans
tous les domaines où il évolue:
c’est l’âme avec son inclination au sacré
c’est l’intelligence avec sa soif de découverte
c’est l’esprit avec ses ressources inépuisables
c’est la passion plongée dans sa quête d’approfondissement perpétuel et de divertissement
c’est le corps humain avec son légitime besoin d’aliments nutritifs
c’est surtout l’homme élément qui est là
pour en assurer équitablement la répartition. Sinon, tout est obscur dans le plus
obscur des mondes.
·وباللغة اPولفية قوله :
سبُوبَُل
س َك ْل َ
ّ ّ
كِ ن ُيك ْك يَال
ـ نَ ّ
ِق ْ يب لُ ُول
ْد يَ َ الِ ب ْسِ دنَ َجْو َ ك
ـ لُ َ وجنِ
ْ َ ــب
ِتُكــو بَِاي َ ــف َ كام
َيَّك
ْ ، بُف
ِّ ت ُيقلُ ْ ــب َ جــام
َ تَــد
ّ َ ور
ِـ فيَــال
بُ ُ ــد ْلِ ف َ يس ِ ــت
ََكِ ت َيد َكهُْ ك َك ْن
ِتير
ََك َل تَ
ْ َجنَ ِة تير
ل
َ
ـ ا
َ ـ جانْ َك يَ ُ اك ْلِ نيَ َ اك َ جانْ َك يَ َ اك
ْ
ِن َ يكم
ِل ْت دُ ْ وت تِ ِخِ ج َك ْو ُ س ْ وف ، نَُس ْ وف تِ ِخِ ج
ُ ـ ج
ْ
َْل َ جــام
لَ ُ ــل ُ كــر
َ
َ ا
ُ ُ ــك ، تُــوم
ُوم
ْ م
ْ َ ــلِ يِيفيــر
ِلت
لَ ُ ــل ُ ج
َ
ــت ا
ـ نَ ّ
ُ ُ ــك
ُوم
م
َتُ ُك
ِري يَ ّ اقِ ج ُك َ جر
نَ
ُ
ِ ـ وتنْب
ـ نت نيك لُُمُدونْ َل
ـ بُ ُب دُبُ ُبِ ك ُك ُ ص ّل
سبَ َج ْك
َ ْي َ
ْ ُك م
ُ ـ كوتُولُولُ ْلِ ي ْن بُل
تلــك أخــي القــارئ ، قطــوف دانيــة مــن أقوالــه
الحكيمــة وأفــكاره المنطقيــة.
ّ الستاذ علي انغير
10
N° AL FATHI.indd 10 23/11/2017 06:38
فهــذه عبــرات وخطــرات تســكب علــى روح فقيــد المــة، ومجــدد روح الهمــة فيلســوف
الســلم، وحكيــم العــلم الشــيخ أحمــد التجانــي، أســكنه اللــه فــي الجنــان.
اللـــه أكبـــر والقديـــم تعالـــى جلـــت مشـــيئته وجـــل جـــال
ل عـــدم يعـــرو وجـــده ويـــزول كلــــ ل وجـــود من فـــي العالميـــن زوال
ّ َ ـــق الحـــوال
خلق الممـــات كـــذا الحيـــاة وإن مو ت جليلنـــا قـــد رق
ليـــث النضـــال وقائـــد الجيـــال يـــا لفنائـــه مـــن قائـــد أجيـــال
ّـــد ِ دل الوجـــود علـــى الرقـــي مثَـــال
ينبـــوع فكـــر راشـــد متوق
فاعجـــب بـــه فهو المـــام ابـــن الما م ابـــن المـــام المعتلـــي المثـــال
هالـــت مواهبـــه وراع بيانـــه إذ قـــام يبـــدي فـــي الوفـــود مقـــال
تَ ِ ـــت الخافـــة نحـــوه منقـــادةً
ا وأتـــى لهـــا فوفـــى لهـــا المـــال َ
ـــح القفـــال
ْتَ ُ
للـــه مـــن بَ ْح ٍ ـــر تاطـــم موجـــه ّ فـــي كل فـــن يَف
شـــمس المعانـــي والمعـــارف آيـــة فـــي الفهـــم والتبليغ صـــال وجال
ا ِ لـــى البـــاد بأســـرها
ّـــاً جـــوال َ الرحيـــلِ
ّ َ يهـــدي الشـــعوب معلم
شـــد
ْ يدعـــو بأســـلوب الحكيـــم مجـــددا ِشـــداً دلل
ر
ُ
ُ ّ طـــورا بـــل م
وم
َ جمـــال ِوي الباغة في الورى
َ ْت رقاب ذ
َ َ ـــاق َخ َضع
ِل َجا ِ لـــه ّ الدبـــي فف
أيـــن العباقـــر منـــه والحـــكام روا د السياســـة بينهـــم قـــد دال
حلقـــات أهـــل العلـــم تبكـــي فقـــده والذكـــر يـــذرف دمعـــه إســـجال
َنَـــا ترحـــال
َومـــي، آذ
مـــات المعلـــم والمربـــي فالنـــدى والعلـــم ق
ب المـــوال
ُ ّ
ســـر
دمـــث الســـجايا فـــي الحيـــاة وحاتم يـــوم الســـخاء يُ
الشـــيخ أحمـــد التجانـــي مركـــز ينحـــو إليـــه الزائـــرون ممـــال
ّ ُ وكذا النجـــاح َ لمـــن رأوه ثمال ة بلقائـــه
للعاشـــقين مســـر
تـــرك المـــام لنـــا تراثـــا قيمـــا عبـــرا تـــرى للناشـــئين ثقـــال
ِل َمِات ِ ـــه
َ َ ك
يـــد َ ج بََدِائِعـــي تبقـــى كذلـــك قـــال َالَـــة
ُ
ٌ ِ يَز
َو ِتبـــر
ْه َمـــا كـــي يُنجـــد الطابـــا ً
ْتَيِ
جمـــع الشـــريعة والحقيقـــة مرضيـــا ِكل
ا ْخـــال
َـــى يخـــل بشـــأنها ِ
ْف
ُل
َ ي
أخاقـــه مـــن أكـــرم الخـــاق ل
ـــي العبـــاد زلل
ُ
ـــده ِف
ّ
ُ ٍ عـــن والـــد َ عـــن ج
ـــه
ُ
عـــن شـــيخه تَ ْك َ نفحات
َِد الصـــدق الرضـــا حال
ْع
ْ راضيـــا متنعمـــا فـــي مق
م
ُ
ِ يـــا ســـيدي د
َ ْ ـــن ول
ســـحب الصاة كـــذا الســـام لحمد والل والصحـــاب مـــع م
س مجـــده وتعالـــى
َ َ ـــد ّ
يـــا رب أحســـن فـــي المـــور ختامنا يـــا مـــن تَق
بقلم/ الشيخ مود مالك عبد العزيز الدباغ سي
11
N° AL FATHI.indd 11 23/11/2017 06:38
قال الشيخ الصوفي السني الحاج محمد المنصور سي بن الشيخ الحاج مالك
يوصي بها أخاه الشيخ عبد العزيز سي الدباغ )رضي الله عنهما(
عبــد العزيــز أعرنــي القلــب أوصيــكا وصيــة عنــك تشــفي كل مــا فيــكا
فــي الزمــان الــذي عــم الفســاد بــه ول تــرى أحــدا فيــه يصافيــكا
فغــض طرفــك ل تفحــص أخــي أبــدا ول تكونــن تعــادي مــن يعاديــكا
ل ترفعــن خطــوة إل وترفعهــا إلــى الــذي كان عنــه البــر يجزيــكا
للمــرء ل شــك أخــاق تــدل بــه عــن الســؤال فأحســن مــن معانيــكا
وحيــث كنــت فقــرب للجنــاب أخــا يحــض فــي اللــه أوقاتــا يواســيكا
يحتــاج كل جليــس مــن مجانســة مــن المجالــس فاختــر مــن يؤاخيــكا
تخالـف الجنـس حـال قـد يضـر أخـي وعـاص مـن بحظـوظ النفـس يرديـكا
إذا هممــت بأمــر فاستشــر نبهــا يخشــى اللــه لعــل اللــه يهديــكا
ومــن أســاء فســامحه وصــل أبــدا مــن قاطــع هاتــك بالقــذف يرميــكا
وســو أهــل الغنــى والفقــر فيــك ومــن أتــى يــذم ومــن قــد كان يطريــكا
والصبـر والعفـو والحسـان مـن شـيم ترضــي اللــه وللخيــرات تغريــكا
ول تــزك بدعــوى النفــس معتقــدا فضـا علـى الغيـر فاحـذر مـن أمانيـكا
12
N° AL FATHI.indd 12 23/11/2017 06:38
فالصــدق أن تدعــي حــال يصدقــه لســان حالــك حقــا مــن دعاويــكا
تخــاف مكــر اللــه الدهــر معتكفــا تحــت المشــيئة ل تختــر فيهويــكا
وذو العمـى ل يقـود النفـس خـل علـى تدبيــر نفســك مــن يــدري مغازيــكا
أمــن مــن المكــر ل تأمــن مراقيــكا ّ كــم مــن جبــال كبــار حــط منصبهــم
ول تلــن جانبــا منــه فيلهيــكا ّ واطــرد وكــذب لــواش وابغضــن بــه
أهــل الزمــان جواســيس العيــوب فــا تأمــن علــى أحــد فيمــا يداريــكا
فاحــذر وحــذر برفــق مــن غوائلــه فاللــه مــن كان ذا رفــق يعافيــكا
إن الكريــم الــذي يحمــي مآثــره ول تجــازي مســيئا كان يقذيــكا
كــن للعظيــم الــذي والك محترمــا فللعظيــم علــى فــي الخــق يعليــكا
واحـذر شـياطين إنـس واخـش حزبهـم كــم أوغلــوك بمكــر فــي مراقيــكا
ل تأمنــن إذا مــا هــم قــد احتشــدوا أن يرفعــوك بوجــه كان يرضيــكا
تــأن ل تــك مــن أقوالهــم أبــدا مســتعجا عــن جنــاب اللــه وافيــكا
كـم منهـم ابتـاع دنيـا الشـيخ مـن طمع بدينهــم بيــس مــن باللــه يخزيــكا
ومــن رضــاه بســخط الــرب منهمــكا وأحدثــوا بدعــا منهــم تنافيــكا
خافــوك فــي اللــه توقيــرا بحرمتكــم ومــا رعــوا حــق باريهــم وباريــكا
علــى أمانــات مــولك ائتمــن أبــدا منهــم صفيــا يصافــي مــن يصافيــكا
والظلـم والفـك أقصـى قربهـم ولهـم مــن بالنميمــة يســعى بيــن ناديــكا
وأنـت يـا نـدب مسـئول بمـا اجترحـوا وهـم علـى العكـس فيمـا كان يعنيـكا
هــم الرعيــة يــا راعــي فيســأل عــن تلــك الرقيــب فــا تخفــى خوافيــكا
مـا العيـش فاربأ على الدنيا سـوى كدر ول بهــا لــذة فــي الحــال تجديــكا
ل تتعــب النفــس فيمــا لســت تدركــه ّ مــا دامــت النفــس ل تقبــل ترجيــكا
لقــد خلقنــا أخــي النســان فــي كبــد تســلية مــن كام اللــه تكفيــكا
وانهــض إليــه بقلــب ليــس يشــغله عــن العوائــق شــيء جــل هاديــكا
فــا يزيــدك إقبــال الــورى شــرفا عنــد الكريــم ول الدبــار يقصيــكا
هــذه النصيحــة خذهــا يــا أخــي ثقــة ل زال يــكلك المولــى ويعليــكا
يـا رب صـل علـى المختـار مـن مضـر والل والصحــب مــا دامــت أياديــكا
13
N° AL FATHI.indd 13 23/11/2017 06:38
مــا بيــن دقــات القلــب ونبضاتــه، وخلجــات
النفــس وإشــراقات الــروح، ونظــرات العيــن وهمســات
الذن، يجـد النسـان نفسـه، تـارة أمـام رمـوز وإشـارات
ودللت، يحــاول أن يصــوغ منهــا مــا يعبــر بــه، عمــا
يكــن فــي قلبــه، ويختلــج فــي نفســه، مــن المشــاعر
والحاســيس، التــي ل يســتطيع مهمــا أوتــي مــن قــوة
البيــان وفصاحــة اللســان وفصــل الخطــاب.
وذلـك، فعـا مـا عرانـي وأنـا أقـف موقـف مـن يريد
اسـتعراض مشـوار حيـاة أحـد جهابـذة المـة السـامية
وأعامهـا البارزيـن، وأعنـي بـه مولنـا الطـود الشـامخ ،
والعلـم الراسـخ عمـاد المـة وصخرتهـا الراسـية ؛ الشـيخ
عبــد العزيــز ســي الميــن؛ الخليفــة العــام للطريقــة
التجانيـة رضـي اللـه عنـه وأرضـاه وعنـا بـه آميـن.
وهــل مــن الممكــن أن يقبــر جهبــذ، وشــخصية
متكاملــة، وعيلــم ترعــرع فــي كنــف وحضــن والــده؛
العــارف باللــه مولنــا الشــيخ أبــي بكــر الصديــق رضــي
اللـه عنـه، الـذي لمـس فيـه منـذ نعومـة أظفـاره، مامـح
النباهـة والصـدق والمانـة والبراعـة، فقربـه إلـى نفسـه،
وجعلــه أميــن ســره، وعضــده اليمــن، الــذي شــهد لــه
الجميـع بعلـو المقـام وعـزة النفـس، وانشـراح الصـدر،
والتفانــي فــي نشــر رســالة الســام، ديــن الســماحة
والوســطية والعــدل، والدعــوة إلــى اللــه بالحكمــة
والموعظــة الحســنة والجــدال القائــم، علــى أســس
ودعائــم الحــوار الجــاد المقنــع، والهــادف إلــى ترســيخ
مبــادئ الســلم الجتماعــي والوحــدة الوطنيــة والمــن
العــام لكافــة الطبقــات الجتماعيــة.
إنــه الجهبــذ، الــذي لــم يــأل جهــدا فــي الدعــوة
دائمــا إلــى مجــاوزة الخافــات الهامشــية والفــوارق
الطبقيـة السـائدة فـي نفـوس النـاس، وتكويـن اتحـادات
وجمعيــات إســامية ذوات نشــاطات متعــددة فــي
محاربــة الجهــل والميــة ومحاربــة الفسـاد والســتبداد،
انســجاما مــع كل مــا تدعــو إليــه مهمــة تغييــر المســار
التاريخــي المنحــرف نحــو غــد مشــرق أفضــل.
ول شــك، أن التاريــخ يســجل لــه فــي أنصــع
صفحاتــه مواقفــه البطوليــة فــي فجــر اســتقال بــاده،
كشــهم مغــوار مكافــح خــاض كل المعــارك الحيويــة
لفائــدة الشــعب الســنغالي الباســل.
الشــيء الــذي جعــل منــه الناطــق الرســمي باســم
جمعيــات ومراكــز وحــركات الدعــوة الســامية علــى
اختــاف فروعهــا ومؤسســاتها الدينيــة والجتماعيــة
والثقافيــة والعلميــة، التــي لعبــت أدوارا بــارزة فــي بنــاء
دعائــم الدولــة وهياكلهــا وقياداتهــا.
فكيـف يتسـنى ذلـك؟ وهـو صاحـب الدوار البـارزة
والمشـاركات الرائـدة فـي كل منحـى مـن مناحـي الحيـاة
الخاصــة والعامــة، الــذي فطرهــل اللــه ســبحانه وتعالــى
علـى حـب الخيـر والفـداء، والبـذل والعطـاء، والجهـاد
المسـتمر المتواصـل، فـي سـبيل تقـدم وطنـه المحبـوب،
ودفــع عجلــة التنميــة الشــاملة، إن فــي مجــال التعليــم
والتربيــة الوطنيــة أو فــي مجــال ترســيخ القيــم الروحيــة
والفضائـل النسـانية فـي نفـوس الناشـئة.
فقيمــة كل امــرئ، تقــدر علــى قــدر مــا يقدمــه فــي
نفـع الغيـر، مـن العمـل المجـرد والحسـان إلـى النـاس،
مهمـا كلفـه ذلـك مـن ثمـن.
وهــذا مــا فهمــه فقيدنــا الغالــي، الــذي ظــل طــول
حياتـه يعطـى، ول يأخـذ، يسـهم بجسـده وروحـه وقلبـه
وقالبــه، فيمــا ينفــع النســانية ويرفــع مقامهــا ويجمــع
ول يفــرق، ويتغنــى بأهازيــج اليمــان باللــه عــز وجــل،
وإخـاص العبوديـة والـولء للـه رب العالميـن، وأهازيـج
للحبيــب المصطفــى صلــى اللــه عليــه وســلم، وترديــد
الـولء للجنـاب الحمـدي التجانـي الفاطمـي السـامي،
وجميـع خلفائـه الكـرام البـرار، الذيـن واصلـوا المسـيرة
المظفـرة، لحـل بعـض مـن معـادلت الحيـاة النسـانية
المعقــدة وأســرارها المجهولــة.
وكان مـن جملـة معاونيـه فـي تلـك الحقبـة الزمنيـة،
الذيــن وقفــوا بجانبــه لمؤازرتــه الســادة الكــرام؛ الحــاج
بقلم/ الشيخ مود مالك عبد العزيز الدباغ سي
14
N° AL FATHI.indd 14 23/11/2017 06:38
محمــد المختــار جينــغ المــام، والســيد الشــيخ محمــد
البشـير لـي نجـل الشـيخ ابـن العربـي لـي، وغيرهمـا مـن
الســاتذة الذيــن تركــوا بصمــات واضحــة، فــي ســاحة
الدعـوة السـامية وخصوصـا فـي تلـك الفتـرة الصعبـة
مــن تاريــخ بادنــا المجيــد، حيــث كانــت مخلفــات
الســتعمار الفرنســي الغاشــم مرتســمة فــي كل خليــة
ونسـيج ، مـن خايـا وأنسـجة الدولـة الفتيـة التـي عانـت
مــا عانــت مــن الضمــور والجمــود والتخلــف الفكــري،
الــذي شــمل البنــى التحتيــة والفوقيــة.
نعــم كان فقيدنــا الغالــي الصخــرة الراســية،
والمناضـل الوفـي، الـذي عايـش هـذه الحـداث برزانـة
عقلــه، وخبرتــه الواســعة وحنكتــه الفائقــة، ودرايتــه
ومقدرتــه فــي مواجهــة التحديــات التــي كانــت، ومــا
زالــت تعتــرض مســيرة الدعــوة الســامية فــي كافــة
الوســاط والمناطــق المختلفــة.
ولقـد لمسـنا فـي شـخصه الكريـم الـورع والعفـاف،
وغنـى النفـس وعلـو الهمـة واليمـان الفـولذي، والرزانة
والسـتماتة فـي الدفـاع عـن الثوابـت الدينيـة والعقديـة
والخلقيــة والفكريــة، وترســيخها فــي نفــوس النــاس
وصقـل عقـول الناشـئة وتنويرهـا ودحـض كل الشـبهات
الباطلـة المشـارة حـول التشـريع السـامي ، والتصـوف
السـني الصحيـح.
نعـم لمسـنا فيـه السـخاء، وكـرم النفـس والمبالغـة
فــي إكــرام الذيــن يشــدون الرحــال إلــى بابــه الواســع
المفتــوح، للقريــب والغريــب، ومســح دمــوع البائســين
والصبــر علــى أذاهــم، والغضــاء عــن هفواتهــم.
لمســنا فيــه شــفافية الــروح، وحــب أهلــه وذويــه
وإخوتـه، والسـهر التـام علـى مراعـاة حقوقهـم، وإدخـال
الســرور فــي قلوبهــم، وحثهــم علــى التمســك بتــراث
ســلفنا الصالــح رضــوان اللــه عليهــم أجمعيــن.
لمســنا فيــه قــوة التحمــل والصبــر والعزيمــة،
والثبابــت علــى الحــق والســتقامة.
وباختصــار، يمكــن القــول بــأن المنزلــة الرفيعــة
والمكانــة الســامية التــي حظــي بهــا فــي قلــوب النــاس
داخـل البـاد وخارجهـا كانـت نتيجـة شـمائله وخصالـه
الفريــدة، التــي كانــت تظهــر فــي كل تصرفــات مــن
تصرفاتـه، وفـي كل خطـوة مـن خطـوات حياتـه المباركـة
الحافلــة بالمجــاد والنجــازات فــي كافــة المياديــن.
وأذكــر علــى ســبيل ل الحصــر، المجهــودات
المبذولــة فــي ســبيل تكويــن وتأطيــر وتوعيــة الشــباب،
مــا نتــج عنــه مــن إنشــاء معهــد إســامي للدراســة
الســامية بمدينــة تــواوون المحروســة، ويحمــل اســم
جدنـا المجاهـد مولنـا الشـيخ الحـاج مالـك سـي رضـي
اللــه عنــه.
وأمــا نشــاطاته العلميــة، والثقافيــة والجتماعيــة،
فقــد جــازوت حــدود البــاد، حيــث لــه عاقــات،
وروابــط وثيقــة مــع كثيــر مــن العطــاءات العلميــة
والكاديميــات المختلفــة، فــي كثيــر مــن بلــدان العالــم
العربــي والســامي.
فكـم شـارك فـي فعاليـات المؤتمـرات، والنـدوات
واللقــاءات، المنعقــدة فــي الخــارج، إن فــي المملكــة
العربيـة السـعودية، حيـث عمـل عضـوا نشـطا فـي رابطـة
العالـم السـامي فـي مكـة المكرمـة، كمـا كان عضـوا في
جمعيـة الدعـوة السـامية بالجمهوريـة العربيـة الليبيـة،
وعضـوا بـارزا فـي مؤسسـة علمـاء المغـرب والسـنغال،
ومشــاركا فــي كافــة النــدوات والمحاضــرات الصوفيــة،
التـي احتضنتهـا المملكـة المغربيـة الشـقيقة.
كانــت عاقاتــه بجميــع المرجعيــات الروحيــة
والقيــادات الدينيــة داخــل البــاد وخارجهــا متميــزة،
لمــا كان يتمتــع بــه مــن الكفــاءات العلميــة والثقافيــة،
والسـتيعاب التـي لجميـع القضايـا السـاخنة والتيـارات
الفكريــة التــي يعيشــها العالــم العربــي والســامي،
والمجتمــع الدولــي بصفــة عامــة.
ولـم يكـن ليداهـن أو يـراوغ مـع النتهازييـن، الذيـن
يعيشــون فــي عالــم تــداس فيــه العقائــد والمقدســات،
عالــم يطغــى فيــه التحكــم والتســلط علــى أهــل الحــق
العارفيــن باللــه، بــل كان البطــل الباســل، الــذي يوقــف
بجــرأة جمــوح كل مــن طغــى وتجبــر، وعــا وتمــرد.
جــزاه اللــه عنــا وعــن الســام والمســلمين خيــرا،
وقــدس ســره، وأســكنه فســيح جناتــه، مــع الذيــن أنعــم
اللــه عليهــم مــن النبيئيــن والصديقيــن والشــهداء ،
وحســن أولئــك رفيقــا بجــوار الحبيــب المصطفــى،
صلــى اللــه عليــه وســلم.
وختامــا أســرد هــذه البيــات الشــعرية التــي قيلــت
فــي مناســبة كهــذه :
سـألت النـدى والجود ما لـي أراكما
تبدلتمــا عــزا بــذل مؤبــد
ومـا بـال ركـن المجـد أمسـى مهدما
فقــال أصبنــا بابــن يحيــى محمــد
فقلــت فهــا متتمــا بعــد موتــه
وقــد كنتمــا عبديــه فــي كل مشــهد
فقــال أقمنــا كــي نعــزي بفقــده
مســافة يــوم ثــم نتلــوه فــي غــد
15
N° AL FATHI.indd 15 23/11/2017 06:38
ّ كان خبــر وفــاة الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن،
ّ الخليفـة العـام للط ّ ريقـة التيجانيـة ليلـة الجمعـة الفاتـح
مــن المحــرم 1439 ً فاجعــة كبــرى هــزت البــاد مــن
أقصاهــا إلــى أدناهــا بمختلــف مســتوياتها وأطيافهــا
وشــرائحها، وقــد كان الشــيخ الراحــل معلمــة دينيــة
وموجهــا اجتماعيــا ومربيــا للجيــال الصاعــدة، كان
ذا وعــي للواقــع ودرايــة للديــن، فحياتــه بعبــارة أخــرى
كانـت ترجمـة لمقتضيـات قولـه تعالـى )فلـول نفـر مـن
كل فرقــة منهــم طائفــة ليتفقهــوا فــي الديــن ولينــذروا
قومهــم إذا رجعــوا إليهــم لعلهــم يحــذرون(.
فالشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن عنــد الحديــث
عنــه ل يــكاد المــرء يعــرف مــن أيــن يبــدأ وإلــى أيــن
ينتهـي ومـاذا يقـول عنـه؟ ومـاذا يتـرك منـه؟، فهـو محيط
يصعـب وصفـه وكل يصعـب تجزئتـه، غيـر أننـا فـي هذه
الســطور نــود أن نشــير إلــى بعــض إنجازاتــه فــي إنشــاء
وترســيخ دعائــم المنظمــات الســامية، والجمعيــات
والمراكــز التربويــة والتعليميــة، فلــه بصمــات راســخة
ودور فعـال فـي إنشـاء وتنشـيط العديـد مـن المنظمـات
والهيئـات والتجمعـات السـامية والتربويـة والتعليميـة
فــي الســنغال منــذ فتــرة مــا قبــل اســتقال البــاد ومــا
رافـق تلـك الفتـرة مـن حـركات شـبابية تدعو لاسـتقال
وحريـة الرادة والقـرار فـي مختلـف الـدول المسـتعمرة
من قبل فرنسا.
فـكان المطلـب الساسـي والشـعار المرفـوع علـى
سِــر ْيو (،
َ ْ
ُــوم
أرض المنطقــة هــو )ملكيــة البــاد ( )م
ّ وقـد بلغـت هـذه المطالـب أوجهـا خـال فتـرة مـا بيـن
الربعينـات إلـى أواخـر الخمسـينات وفـي الوقـت نفسـه
كان المشــايخ فــي مختلــف البيوتــات الدينيــة يــؤدون
دورا مهمــا فــي نشــر التعليــم الدينــي فــي المحاضــر
العلميــة والزوايــا الصوفيــة، تلــك الزوايــا التــي ظلــت
تتعـرض لتهامـات بأنهـا أجهـزة لسـتغال المواطنيـن،
وعلــى هــذه الوتيــرة مــن الهجــوم و الدفــاع والخــذ
والــرد، ولــدت جمعيــات بعضهــا تهاجــم الصوفيــة
وبعضهــا تدافــع عنهــا وكان الصــراع بيــن التشــكيلتين
مريـرا جـدا فتـرة مـا بيـن 1953 إلـى 1958 ثـم بـدأت
بــادرة التقــارب والتفاهــم تلــوح فــي الوســاط فكونــت
لجنــة التنســيق للجمعيــات الثقافيــة الســامية وكان
للشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن، نصيــب الســد فــي
نشـأة هـذه الجمعيـة والتـي كانـت تسـمى لجنـة التنسـيق
للجمعيـات الثقافيـة والسـامية فـي تيـاس ثـم تحولـت
مــع اليــام إلــى لجنــة التنســيق للجمعيــات الســامية
فــي الســنغال وفــي هــذه الفتــرة ولــدت أولــى جمعيــة
إسـامية فـي السـنغال وهـي التحـاد الثقافـي السـامي
الـذي أسـس يـوم الثانـي عشـر مـن أكتوبـر عـام 1953 و
كان أول رئيـس لهـا الشـيخ صالـح كانجـي و لـم يمكـث
طويـا علـى رأس الجمعيـة حيـث خلفـه السـتاذ شـيخ
تــوري، و قــد شــهدت هــذه الفتــرة حالــة تــأزم شــديد
16
بقلم /الستاذ مصطفى سي مدير
N° AL FATHI.indd 16 23/11/2017 06:38
بيـن أنصـار البيوتـات الدينيـة وأولئـك الذيـن رجعـوا مـن
بعــض الــدول العربيــة وبالخــص تلــك التــي تعــارض
التصــوف، فقــام شــباب البيوتــات الدينيــة، فأسســوا
جمعيـات ثقافيـة إسـامية لظهـار مـا ورثـوه مـن آبائهـم
وأجدادهــم مــن التعاليــم الســامية الصحيحــة المبنيــة
علـى أسـاس القـرآن والسـنة. فـي هـذه الونـة تكونـت:
1 / هيئــة مدرســي اللغــة العربيــة برئاســة الحــاج
مصطفــى سيســى وعمــر جــاه فــي عــام .1955
2 / الجمعيــة الثقافيــة الســامية بإيحــاء الســيد
الشــيخ أحمــد التجانــي ســي فــي تــواون عــام 1957
برئاســة الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن.
3 / وتتابعــت الجمعيــات، فــي جوربــل، التحــاد
التقدمــي الســامي فــي جوربــل.
4 / جمعية أنصار الدين في كولك.
5 / جمعيـة التعاضـد السـامي – فـي دكار – )فـي
دار المـام الكبر(.
لمــا وصــل عــدد الجمعيــات إلــى 14 جمعيــة،
بــرزت فكــرة توحيــد الصفــوف، بعــد محــاولت كثيــرة
للتقـارب المفاهيـم والفـكار، نظـرا لن هدفهـم جميعـا
واحــد، وهــو نشــر الســام علــى أصــح الوجــه فــي
البــاد.
وفــي فتــرة مــا قبــل الســتقال، لمــا لحظــت
السـلطات الفرنسـية أن شـوكة الشـريحة المثقفة بالعربية
بـدأت تقـوى يومـا فيومـا ، بسـبب مـا تنتجـه الزعامـات
الدينيـة ل سـيما الزوايـا الساسـية مثـل تـواون، وطوبـى
ُُط ٍ ــر مثقفــة
)جوربيــل( وكاولخ ولييــن ودكار ، مــن ا
، توجســت الســلطات، وخافــت، وانزعجــت مــن هــذا
التيــار العلمــي الناشــئ، فوضعــت عقبــات وشــروطا
تعجيزيـة أمـام التعليـم العربـي السـامي فـي البـاد، و
مـن ذلك منع اسـتخدام السـبورة والطاولـة والمقاعد عند
تعليـم الولد ، وكذلـك منـع تعليـم مـادة اللغـة العربيـة
عنــد مزاولــة التعليــم الدينــي، غيــر أن هــذا القــرار كان
مرفوضـا بحروفـه ، وكلماتـه، وجملـه، لـدى معلمي اللغة
العربيـة، والسـواد العظـم مـن أتبـاع البيوتـات الدينيـة،
فلجــأ الســتعمار إلــى اســتدعاء واســتجواب رؤســاء
الجمعيــات الرافضــة لهــذا التخطيــط الســتعماري،
وعلــى مقدمتهــم الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن،
والشــيخ مصطفــى سيســي، والشــيخ الحــاج عمــر جــا،
وكانــوا يقضــون ســاعات بــل يومــا بأكملــه أمــام مقــر
الشـرطة المركزيـة ليـردوا علـى أسـئلة مـا المسـؤول عنهـا
بأعلـم مـن السـائل: لمـاذا التعليـم العربـي فـي السـنغال
والبلــد غيــر عربــي ؟ أيــن أخذتــم البرامــج والمناهــج
التعليميــة؟ مــا صلتكــم بالخــارج؟ مــا مصيــر الطــاب
بعــد تخرجهــم؟ ومــن جــراء ذلــك تــم قفــل عــدد مــن
المـدارس، هنالـك قـام الشـيخ عبـد العزيـز سـي الميـن
ومــن معــه، بجولــة تنويريــة لــدى الزعامــات الدينيــة
لتبيــان مخاطــر هــذه المســاعي الســتعمارية.
و فـي عـام 1963 ، قـام الطـاب السـنغاليون فـي
المغــرب باعتصــام رافقتــه أعمــال شــغب فــي ســفارة
الســنغال بالمملكــة المغربيــة حيــث بــددوا وكســروا
وخربـوا السـفارة، فتدخلـت السـلطات المنيـة وألقـت
القبــض عليهــم ثــم رحلتهــم إلــى الســنغال و كان
عددهــم ســتة و ســبعين طالبــا )76(، وفــور الوصــول
إلــى المطــار حيــث اســتقبلهم الشــيخ عبــد العزيــز ســي
والشــيخ مصطفــي سيســي، تــم ترحيلهــم فــورا إلــى
معتقـل )الشـرطة المركزيـة( بـدكار، ثـم إلـى المحكمـة،
ثــم إلــى الســجن ثــم إلــى القصــر الجمهــوري لمقابلــة
الرئيـس سـنغور بطلـب ومبـادرة مـن الشـيخ عبـد العزيـز
ســي الميــن ومــن بيــن الطــاب الذيــن حضــروا فــي
هـذه المقابلـة الشـيخ مرشـد أحمـد عيـان تيـام الرئيـس
الحالـي للمجلـس السـامي العلـى بالسـنغال، هنالـك
قـام الشـيخ عبـد العزيـز سـي الميـن بمسـاع جـادة حيث
أظمـأ نهـاره وأسـهر ليلـه، هـو ومـن معـه فـي ذلـك، وقـد
نتــج مــن هــذه المقابلــة التاريخيــة مــا يلــي :
أن هــؤلء الطــاب مــن الزعامــات الدينيــة وأن
حبســهم يعنــي حبــس أولئــك المشــايخ أنفســهم
صــدور قــرار لتكويــن لجنــة تعتنــي بمنــح طــاب
اللغــة العربيــة،
إرجــاع الطلبــة إلــى المغــرب فــورا، مــع تعويضهــم
لمــا فــات مــن المنــح الماليــة،
وكان رئيس الجمهوري لووپول سـدار سـنغور ينظر
بعيــن الســوء إلــى الطــاب الســنغاليين الدارســين فــي
مصـر نسـبة لخوفـه مـن أفـكار الرئيـس المصـري آنـذاك
جمــال عبــد الناصــر، وبإيضاحــات الشــيخ عبــد العزيــز
ســي الميــن تبيــن للرئيــس ســنغور أن تخوفاتــه مجــرد
أوهـام وأن هـؤلء الطـاب ل يمكـن أن يرجعـوا بأفـكار
هدامـة، بـل إن مثلهـم كمثـل سـائر الطـاب فـي الـدول
الخـرى .وكان الطـاب السـنغاليون بالقاهـرة يراسـلون
الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن عــن طريــق رئيســهم
فـي مصـر آنـذاك وهـو المرحـوم حمـزة جـا، بحكـم كـون
الشــيخ عبــد العزيــز ســي زعيمــا دينيــا ورئيــس اتحــاد
الجمعيـات الثقافيـة السـامية حيـث كان يبلـغ مطالـب
الطلبــة إلــى الســلطات الســنغالية لتحلهــا وقــد كان
موفقـا فـي ذلـك ، كمـا أدى دور تقريـب المفاهيـم بيـن
الطرفيـن. ولمـا قامـت فكـرة إنشـاء اتحـاد عـام لطـاب
17
N° AL FATHI.indd 17 23/11/2017 06:38
السـنغاليين فـي العالـم العربـي، استحسـن الشـيخ عبـد
العزيــز هــذه الفكــرة ووقــف معهــم فــي تنفيذهــا كمــا
نصحهـم أن يراسـلوا رئيـس الجمهوريـة لسـماحهم بعقـد
هـذا المؤتمـر بـل أن يتحمـل تكاليفـه، غيـر أن سـنغور
أول المــر؛ كان قــد رفــض هــذا الطلــب برمتــه فاعتبــر
أنـه خطـر علـى خطـر وأن ذلـك قـد يـؤدي إلـى أعمـال
شـغب ضـد الحكومـة ، فقـام الشـيخ عبـد العزيـز سـي
بالوسـاطة إلـى أن قبـل الرئيـس انعقـاد المؤتمـر بشـرط
أن يكـون الشـيخ عبـد العزيـز سـي ومـن معـه مسـؤولين
عـن كل مـا قـد يحـدث قبـل خـال أو بعـد المؤتمـر مـن
أعمــال شــغب، وفعــا انعقــد هــذا المؤتمــر التاريخــي
بـدكار ،27/05/1963 وهكـذا ظـل الشـيخ مشـمرا عـن
ســاعد الجــد، مــن أجــل الدفــاع عــن التعليــم الدينــي
العربــي فــي الســنغال، ومــا أكثــر المــرات التــي قابــل
فيهـا الشـيخ عبـد العزيـز سـي والشـيخ مصطفـى سيسـي
رئيـس الجمهوريـة بهـذا الخصـوص، وأنـا شـاهد عيـان
فـي هـذه اللقـاءات.
وللشــيخ عبــد العزيــز ســي مســاع مقــدرة، فــي
تمكيـن دعائـم التعليـم العربـي والدينـي فـي المـدارس
العموميـة، حيـث سـاند الحـركات النقابيـة الناشـطة فـي
هـذا المجـال، وبحكمـي الكاتـب الداري لنقابـة معلمـي
اللغـة العربيـة لمـدة عشـرين سـنة فقـد كنـا ناقـي عـدة
عراقيــل وعقبــات وكان الشــيخ عبــد العزيــز ســي يــد
عـون ووجـاء ل غنـى عنـه، وقـد ظـل الشـيخ عبـد العزيـز
سـي يطمئـن السـلطات تجـاه التعليـم العربـي السـامي
داخــل وخــارج البــاد ، وقــد أنتجــت هــذه المســاعي
ورد نتائــج كثيــرة لصالــح التعليــم العربــي
ٍ بعــد أخــذ ّ
الســامي، حيــث تــم ابتعــاث عــدد مــن الطــاب إلــى
المغــرب، وتونــس، والجزائــر، ومصــر، والســعودية.
وكثيــر منهــم لمــا رجعــوا أصبحــوا موظفيــن فــي
الوظائــف العموميــة؛ بعضهــم ســفراء لــدى البلــدان
العربيـة مثـل الشـيخ مصطفـى سيسـى، والشـيخ صالـح
امبكــي، والشــيخ بوبكــر ســي، والشــيخ أحمــد عيــان
تيـام، عمـل فـي عـدة سـفارات والسـتاذ إسـماعيل ديـم
والسلســلة أطــول مــن هــذه المقالــة. وبعضهــم أســاتذة
مثـل: السـتاذ حمـزة جـاه، سـاجو سيسـى، عبـد اللـه باه،
د. تيرنـو كاه الحبيـب، د. خـادم امبكـي؛ بابكـر صمـب،
عددهــم يعجــز القلــم. وعلــى المســتوى الســري كان
الشــيخ عبــد العزيــز ســي منــذ قبــل وفــاة والــده اليــد
المحركــة للدوائــر التيجانيــة مثــل دائــرة الكــرام، فــكان
يحضـر الحتفـالت ويـزور ويسـتقبل وينصـح ويوجـه.
ولــه بصمــات كذلــك فــي مجــال العــام، حيــث
كان المشــرف علــى جريــدة الفريقيــة المســلمة، التــي
كانــت تصــدر باللغــة العربيــة، ثــم بالعربيــة والفرنســية
مؤخــرا، وقنــاة بيــان إف إم فــي مدينــة تــواوون كانــت
بمبادرتـه وتحـت إشـرافه، كمـا أن لـه مسـاع جبـارة فـي
جمـع ونشـر وتوزيـع مـا تذخـر بـه الحضـرة المالكيـة من
عطـاء علمـي، فقـد جمـع ذلـك علـى شـكل موسـوعة،
ومــن آخــر مــا أصــدره الشــيخ عبــد العزيــز مــن العطــاء
العلمــي كتابــه )الفيــاض ّ (، كمــا خلــف مــا ينيــف علــى
مائـة محاضـرات، ومخطوطـات قـد تبـرز، وتنشـر لحقـا
إن شــاء اللــه بــإذن زعمــاء الســرة.
ُ وحســب الشــيخ عبــد العزيــز ســي إنجــازا الــدور
الريــادي الــذي أداه فــي اتحــاد الجمعيــات الســامية
فـي السـنغال مـن النشـأة عـام 1962 إلـى حيـن ارتحالـه
إلـى الرفيـق العلـى، ويعتبـر هـذا التحـاد أحـد دعائـم
التعليــم العربــي الســامي فــي الســنغال فتــرة مــا بعــد
اســتقال البــاد. ويتكــون مــن عشــرات الجمعيــات
التــي تنشــط فــي مجــال التربيــة والتعليــم أو الدعــوة
عمومــا. وقــد كان التحــاد مستشــار الدولــة فــي أمــور
البــاد وفــي مجــال التعليــم، وكل مــا يخــص الســام
ولغتــه، ولقــد ظــل التحــاد تحــت القيــادة الحكيمــة
للشــيخ عبــد العزيــز ســي، يــؤدي دورا توعويــا واســع
النطــاق فــي البــاد، و يرجــع فضــل ميــاد العديــد مــن
المؤسسـات التربويـة التعليميـة إلـى مسـاعي الشـيخ عبـد
العزيـز سـي، حيـث قـام موفقـا بتزكيـة منشـئيها برسـائل
إلــى جهــات التمويــل ومــا شــاكل ذلــك؛ مثــل مــدارس
الزهــر للشــيخ مرتضــى امبكــي، والحنفيــة فــي لوغــا
للشــيخ عبــاس صــال، ومنــار الهــدى للشــيخ الســتاذ
أحمــد لــو فــي لوغــا كذلــك. والجامعــة الســامية فــي
مدينـة پـر حيـث صـدر القتـراح منـي فـي مؤتمـر دولـي
انعقــد فــي مدينــة قبــرص حيــث نلــت شــرف تمثيــل
الشــيخ عبــد العزيــز فيــه، ثــم طلــب الشــيخ الحــاج
مصطفــى سيســي أن يكــون مقــر هــذه الجامعــة مدينــة
پـر وعلـى الصعيـد العلمـي كان التحـاد ينظـم حلقـات
التفسـير خـال شـهر رمضـان المبـارك، ففـي دكار كان
يقودهـا الحـاج مختـار جنـغ، وفـي رفسـك الحـاج عمـر
جـا، وفـي پكيـن الحـاج عمـر سـي، وفـي تيـاس الحـاج
انچــاس امپــي، والحــاج خليفــة كبــي، والحــاج حســين
جيتـي والحـاج امبـر كبـي وغيرهـم ، وفـي تـواون الحـاج
منصــور جــوف، ثــم الســتاذ حســين جيــن والشــيخ
أحمــد تجــان واد حاليــا، وفــي مخــي الســتاذ جانــج،
وفــي لوغــا الحــاج محمــد مجيــب جــوب، والمــام
صالــح ديــم حاليــا و فــي ســانت لــوي الحــاج عمــر
جالــو والشــيخ أحمــد تجــان جالــو حاليــا، وفــي داغانــا
كان ممثـل التحـاد سـعيد جـاك، الـذي هـو بـدوره كان
ُيعيــن القائميــن بهــذه المهمــة، وفــي زغينشــور المــام
18
N° AL FATHI.indd 18 23/11/2017 06:38
علــي حيــدر، والمــام الحــاج صمــب انجــاي، و فــي
جربيـل فـي منـزل الحـاج الشـيخ كانجـي كانـت تتـم هذه
النشــطة، و فــي لنغيــر المــام عبــد العزيــز لكــور، كمــا
كان لاتحـاد برنامـج إذاعـي فـي الذاعـة الوطنيـة وهـو
)صـوت السـام ( وكان مـن مقدميـه الحـاج مصطفـى
غــي والحــاج أحمــد ســانخي والحــاج عثمــان صــار.
وكان التحــاد ينظــم عــدة محاضــرات فــي مختلــف
ربــوع البــاد، بجانــب نــدوات دوليــة مثــل تلــك التــي
كانــت بعنــوان الســام والزنوجــة عــام 1972 وأخــرى
عـام 1985 بعنـوان )السـام والتحديـات المعاصـرة(،
وكان يتــم ذلــك بحضــور جمــوع ووفــود مــن مختلــف
العالــم وكان يشــارك فيهــا جهابــذة، وأعــام، أمثــال
الشــيخ أحمــد التيجانــي ســي. وقــد انفتحــت أبــواب
المدرسـة العليـا لـإدارة أمـام الدارسـين بالعربيـة بفضـل
مســاعي التحــاد وبقيــادة الشــيخ عبــد العزيــز ســي،
كمــا نتــج مــن هــذه المســاعي المهمــة انفتــاح فــرص
النخـراط فـي الوظائـف العموميـة بالنسـبة للمسـتعربين،
والمشــاركة ضمــن أعضــاء بعثــات الحــج، والشــراف
عليهــا.
ونرجــع إلــى الــوراء قليــا ونقــول: بعــد ميــاد
التحــاد يــوم 2 أكتوبــر 1962 ، بعضويــة 14 جمعيــة؛
مـن بيـن الكيانـات الكثـر نشـاطا مثـل التحـاد الثقافـي
الســامي والجمعيــة الثقافيــة الســامية، وهيئــة
مدرسـي اللغـة العربيـة ، تـم تنظيـم أول امتحـان للشـهادة
البتدائيـة عـام 1966 وكان ذلـك تحـت ظـروف صعبـة
لن الحكومـة لـم تقـف معـه فـي تحصيـل المتطلبـات ،
وتذليـل العقبـات ، وقـد بـذل الشـيخ عبـد العزيـز سـي
كل غـال ونفيـس مـن أجـل الحصـول علـى الترخيـص
، فتحقــق لــه ذلــك فأصبــح التحــاد حــرا فــي تنظيــم
المتحانـات لطابـه، وقـد بلغـت جملـة الشـهادات التـي
حررهــا التحــاد فتــرة مــا بيــن 1983 و2017 قرابــة
44818 شــهادة ابتدائيــة و 20379 شــهادة إعداديــة
و5645 شـهادة ثانويـة وكان وزيـر التربيـة و التعليـم فـي
بدايـة هـذه التجربـة ،البرفسـور أحمـد مختـار امبـو. مـن
هنــا تطــرق التحــاد إلــى تقويــة دعائــم التعليــم العربــي
فوضـع مناهـج تعليميـة عصريـة، علـى مسـتوى مناهـج
الــدول العربيــة، وعلــى غــرار ســائر المــدارس الفرنســية
العموميـة فـي السـنغال، وبعـد عشـر سـنوات مـن انطاق
الشـهادة البتدائيـة، تمكـن التحـاد تحـت قيـادة الشـيخ
عبـد العزيـز سـي مـن تنظيـم الشـهادة العداديـة، وكان
ذلــك عــام ،1976 وبعــد عشــر ســنوات أخــرى نظــم
التحــاد وللمــرة الولــى عــام 1986 امتحــان الشــهادة
الثانويـة. وبشـهادات التحـاد كان العديـد مـن الطـاب
ينخرطــون فــي الوظائــف العموميــة فــي البــاد، أو
يجـدون منحـا لمواصلـة الدراسـة فـي الـدول العربيـة، بل
إن الشـهادة الثانويـة التـي أنشـأتها حكومـة الرئيـس مكـي
صــال كانــت بمســاندة مــن الشــيخ عبــد العزيــز ســي،
حيـث قـام بمراسـلة الرئيـس نيابـة عـن سـائر البيوتـات
الدينيـة، وكان ذلـك تحـت إشـراف لجنـة السـهر للتعليـم
العربــي الســامي والتــي مقرهــا فــي التحــاد بــدكار،
وكاتــب المقــال هــو رئيــس تلــك اللجنــة.
قــل ول تخــف، إن كل الحــركات والنشــطة
والمؤسســات الســامية الســوية داخــل البــاد للشــيخ
عبـد العزيـز سـي فيهـا بصمـات إيجابيـة ماديـا أو معنويـا
أو همــا معــا. وكان الشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن
ُعضـوا فـي جميـع المنظمـات العالميـة السـامية مثـل:
/1 رابطة العالم السامي بمكة المكرمة.
2 / منظمة المؤتمر السامي بجدة.
3 / المجلــس العلــى للشــؤون الســامية بمصــر
القاهــرة.
4 / جمعيــة الدعــوة العالميــة الســامية بليبيــا فــي
طرابلــس.
َ وممــا ت ّ ــوَج مســاعي الشــيخ عبــد العزيــز ســي
الميـن، إنشـاءه معهـدا إسـاميا كبيـرا فـي مدينـة تـواون.
))معهــد الشــيخ الحــاج مالــك ســي للدراســات
الســامية والبحــوث العلميــة((
وشــرفني بتحميــل مســؤولية المديــر العــام لهــذا
المعهــد علــى كاهلــي.
ّ كمـا أنـه اتفـق مـع الدولـة علـى بنـاء معهـد شـامل
المرافــق فــي مدينــة تــواون، ويتولــى رئاســته الشــيخ
أبوبكــر ســي دبــاغ.
بنـاء علـى كل مـا رأينـا ومـا لـم نـر لضيـق الوراق،
فإنـه يسـتحق بتسـميته فقيـد البنـاء والتعميـر.
هــذا أيهــا القــارئ الكريــم قليــل مــن كثيــر يمكــن
قولـه عـن هـذا المنهـل المعطـاء الشـيخ عبـد العزيـز سـي
الميـن، عليـه رحمـة اللـه ورضـاه.
19
N° AL FATHI.indd 19 23/11/2017 06:38
عندمــا شــرعت فــي كتابــة هــذه الســطور، أصبــت
بنــوع مــن الرتبــاك لشــدة النفعــال الــذي غالبــا مــا
يجعــل حــدا لخصــب الخيــال وســهولة الــكام،
وبالرغـم مـن ذلـك، أمسـكت القلـم، فأخـذت أصابعـي
ترتعــش، ولكــن خيالــي كان يجــول ويصــول، فذكــرت
اللــه وســألت مــن نفســي: مــن أيــن أبــدأ شــهادتي هــذه
علــى الشــيخ الحبيــب / عبــد العزيــز الميــن؟ وهــل
بوســعي، يــا تــرى أمــام هــول المصــاب، أن أصــوغ فــي
قالــب لغــوي فصيــح، وبإخــاص تــام، مشــاعري التــي
تتزاحــم فــي صــدري وتندفــع أيمــا اندفــاع مثــل أمــواج
بحــر زاخــر.
ولــم ل وقــد باغتنــا وباغــت العالــم بأســره صــوت
الناعــي إذ نعــاك، يــا عبــد العزيــز الميــن، فاندهشــت
العقــول، وحزنــت القلــوب، واكتأبــت النفــوس،
وانهمـرت الدمـوع، ولكـن مشـيئة اللـه ل تقهـر، )لـكل
أجـل كتـاب(، هـذه سـنة اللـه فـي الكـون؛ حيـاة ومـوت،
أفــراح وأحــزان.
ودعتنـا، ولـم تجـف بعـد، دموعنـا لفقـدان أخويـك
ورفيقيــك فــي خدمــة الســام والمســلمين: الشــيخ
/ أحمــد التيجانــي ســي المكتــوم، والشــيخ مصطفــى
سيســي الســفير رحمــة اللــه الواســعة عليكــم جميعــا.
آه على الدنيا الغدارة!
أه على المنية العمياء إنها مسلك كل حي.
رحلـت عنـا، أيهـا الميـن، ونحـن فـي أمـس الحاجة
إليـك، لنـك كنـت وعـاء مسـتفيضا، ينهـل مـن معينـه
كل النـاس علـى اختـاف مشـاربهم ومسـاربهم، ل فـرق
بيـن زيـد وديـد، ول بيـن فـان وعـان.
غبـت عنـا فـي ظـروف تركـت فيهـا المـة السـامية
ثكلـى، ففـي بلـدك السـنغال -مثـا- كنـت أول صـوت
يســمع لجمــع الشــمل، ولــم الشــعث، وإصــاح ذات
البيــن، فكانــت حياتــك كلهــا عطــاء وتضحيــة، وكــدا
وعنـاء. لـم تلتـذ براحـة، ولـم تشـك قـط مـن نصـب!
ولذا فإنك لم تمت! ألم يقل أمير الشعراء
لـم يمـت مـن لـه أثـر
أدعــه غائبــا وإن
إنمـا الميت من مشـى
مـن إذا عـاش لـم يفـد
وحيــاة مــن الســير
بعــدت غايــة الســفر
ميــت الخيــر والخبــر
وإذا مــات لــم يضــر
إن من خيراتك ما يلي:
فــي المجــال الخارجــي، وبالخصــوص، عاقاتنــا
مـع العالـم السـامي والعربـي، وضعـت، أنـت وأخـوك
مصطفــى سيســي اللبنــات الولــى لعاقــات التعــاون
والتبــادل فــي جميــع المجــالت الدينيــة والثقافيــة
والقتصاديــة والسياســية.
رعيــت وراعيــت، وعــززت الروابــط التاريخيــة
والروحيــة التــي تربــط الســنغال بالمغــرب القصــى
والمشــرق العربــي.
ســعيت – دومــا- لتحقيــق الســام والوئــام
والتعايــش الســلمي بيــن الجنــاس. وكنــت فــي ذلــك
كلـه قـدوة ل يلمـس خلـل ول تناقـض ول تعاكـس بيـن
خطابـك وسـيرتك الذاتيـة ول بيـن نظرياتك وسـلوكك..
ول غــرو -إذن- فــي أن يلقبــك الشــعب بالميــن! إن
ذاتـي المتواضـع لشـاهد علـى مطابقـة السـم بالمسـمى.
فكــم حظيــت بالســفر معــك إلــى المملكــة العربيــة
السـعودية، والمغـرب وليبيـا، والجزائـر، وفـي كل رحلـة
مـن هـذه الرحـات تكتشـف جوانـب كامنـة لمانتكـم:
فــي المعاملــة، فــي الهــدوء، والرزانــة، ونكــران الــذات،
فــي علــو الهمــة والتواضــع والكــرم.
جــزاك اللــه خيــرا أيهــا الميــن، وجعلــك مــع
بقلــم الشــيخ/ إســماعيل ديــم/ المديــر القلمــي
لرابطــة العالــم الســامي بالســنغال
20
N° AL FATHI.indd 20 23/11/2017 06:38
عبد العزيز عظيم من عظماء التاريخ
غتنم خمسا قبل خمس، وعاش لخمس، وقاوم خمسا :
شــبابه قبــل هرمــه، وصحتــه قبــل ســقمه، وفراغه قبــل
شــغله، وغنــاه قبــل فقــره، وحياتــه قبــل موتــه.
وعــاش وصايــا والــده الخمــس: الديــن الطريقــة الحرفــة.
الدوائـر مدينـة تـواوون
قاوم الجهالة والبطالة، والخرافات والعصبية والانانية.
وقـد حقـق في كل مرحلـة مـن تلـك المراحـل الذكـر الجميـل
والثنـاء الجليـل، رحمـه اللـه تعـالى، وأسـكنه جنتـه»
•الشيخ المرب الحاج صمب جان رئيس جمعية التهذب
والإرشاد الإسلامية سانار
•الإمام الحسي فال نغاي٢
•الحاج مالك فال في بر
•الشيخ المقدم علي بوي غيول
•محمد الكبي غاجاكا – دينغراي
«فيك وجدت جمعية الوسط راعيا، وسندا، وداعم، ومشجعا، ومنوها.
وغيابك يا شيخ الإسلام خسارة أيا خسارة للجمعية» وللأمة جمعاء ».
لمين لو
رئيس جمعية الوسط للدعم
والتربية الإسلامية – بدينة
تواوون
البـرار فـي علييـن، رفقـة النبييـن والصديقيـن والشـهداء
والصالحيــن وحســن أولئــك رفيقــا.
وفــي مجــال العمــل الســامي، كــم قضينــا أيامــا
وسـهرنا ليالـي، فـي إطـار اتحـاد الجمعيـات السـامية
فــي الســنغال، فــي الســبعينات الثمانينــات، يــوم
كانــت الســاحة خاليــة إل قليــا، واللــه يشــهد والنــاس
يشـهدون، أن الوطـن والسـام واللغـة العربيـة والعلمـاء
والئمـة والسـاتذة ومختلـف طبقـات الشـعبية، ينعمـون
اليـوم بثمـرة جهودكـم المضنيـة التـي بذلتمـوه فـي فتـرة
عويصــة مــن مســيرتكم المظفــرة.
أه أه!
إننــا اليــوم، إذ تنهمــر دموعنــا وتســيل، وتتكمــد
قلوبنــا وتتحســر، لمتيقنــون بأنهــم الســابقون ونحــن
الاحقــون، ولكننــا نحــزن كمــا حــزن النبيــاء والرســل
فــي مثــل هــذه المواقــف. فمــا نحــن إل بشــر نبكــي،
وإن كان البـكاء ل يجـدي، نبكـي لننـا نعلـم أننـا فقدنـا
بوفاتكـم مـا كنتـم تمثلونـه مـن العلـم والحلـم، وحسـن
الخلــق، وعــزة وحســن المؤخــاة والمواســاة.
مــا كنــت أحســب أن يــوم لقائنــا
يــوم الفــراق إلــى آخــر الدهــر
يــا بهجــة الدنيــا والديــن معــا
جــزاك رب الــورى يــا ابــن أبــي بكــر
لقــد أحييــت ذكــرك بالحســان، وخلــدت اســمك
بصالــح العمــال، ول يشــك فــي ذلــك القاصــي ول
الدانــي، عــدوا لــدودا كان أو صديقــا حميمــا.
واللــه، لــو كان نظــم القريــض ميســرا لــي لقلــت
اليـوم قصيـدة تـدوي فـي الفـاق، ولكنـي أعتـرف لـك
يـا حفيـد مالـك، بعجـزي، آمـا أن تعذرنـي، فمـا هـذا
إل جهــد المقــل وكيــف ل وقــد:
كنـت الصديــق والصـدوق وكنـت لــي
ســندا علــى نوائــب الزمــان
أعليــت شــأن تــواوون وجعلتهــا
بالعلــم ســرحا شــامخ البنيــان
بمــدارس، بمعاهــد، بجوامــع
بمجالــس ومحاضــر القــرآن
هــذي التعــازي مــن محبــك أدمــع
مســكوبة لتراكــم الحــزان
طيــب اللــه ثــراك وأحســن مثــواك، وجعــل الجنــة
مــأواك
21
N° AL FATHI.indd 21 23/11/2017 06:38
)ومـن الثابـت أن التصـوف السـامي
لــه جانبــان؛ جانــب نظــري، وآخــر
علمــي؛ فالطــرق الصوفيــة هــي التــي
تمثــل الجانــب العملــي، الــذي
يرتبــط بحيــاة الفــراد والمجتمعــات
الســامية، وجماهيــر النــاس فيهــا،
عبــر العصــور التاريخيــة، ارتباطــا
مباشــرا(
مقتطفات من كتاب: الفياض
تأليف: الشيخ عبد العزيز سي المين
·ترجمته:
هـو الشـيخ عبـد العزيـز سـي ابـن الشـيخ الخليفـة
أبــي بكــر ســي ابــن العالــم العامــة الحــاج مالــك ســي
رضــي اللــه عنهمــا )أحــد زعمــاء الطريقــة التجانيــة
البارزيــن فــي الســنغال( وهــو مــن مواليــد ســنة 1928م
فــي مدينــة تــواون، )مدينــة تبعــد عــن دكار العاصمــة
الســنغالية بحوالــي 97 كلــم(،
أحــد أكبــر العلمــاء الســنة والطريقــة التجانيــة
الســنغاليين، ورئيــس اتحــاد الجمعيــات الســامية فــي
الســنغال وعضــو بــارز للجنــة التنســيقية لرابطــة العالــم
22
N° AL FATHI.indd 22 23/11/2017 06:38
الســامي، والمكتــب التنفيــذي لجمعيــة الدعــوة
السـامية سـابقا ويعـد مـن أكثـر 50 شـخصية إسـامية
تأثيـرا فـي السـنغال مـن قبـل إذاعـة فرنسـا الدوليـة سـنة
2006م
·حياته ونشأته:
نشــأ الشــيخ عبــد العزيــز وتربــي فــي بيــت علــم،
وورع، حيــث نهــل مــن معيــن علــم والــده الغزيــر،
الخليفــة الشــهير، الشــيخ الخليفــة أبــي بكــر ســي ابــن
العامـة الشـيخ الحـاج مالـك سـي، ولمـا بلـغ الخامسـة
مــن عمــره عهــد بــه والــده الشــيخ الخليفــة أبــو بكــر
سـي الـى أحـد تاميـذه ومريـده )الشـيخ مـم لـو( الـذي
تولـى تعليـم الولـد النجيـب القـرآن الكريـم إلـى أن حفـظ
كتـاب اللـه عـن ظهـر قلـب، ثـم بـادر الـى التبحـر فـي
الفقــه والنحــو والدب علــى يــد أخيــه الشــقيق المفكــر
والشـاعر الديـب )الشـيخ أحمـد التجانـي سـي( إلـى أن
تراكمـت الغيابـات مـن هـذا الخيـر؛ نظـرا لكثرة أسـفاره
وارتباطاتــه فأولــى والــده المهمــة الــى أحــد مقدمــي
الشـيخ الحـاج مالـك وهـو كاتبـه الخـاص الشـيخ علـي
غـي الـذي تابـع تدريسـه وتربيتـه إلـى أن بلـغ سـن الرشـد
فنـاداه والـده إلـى جنبـه ليتولـى مهمـة المعيـن الميـن لـه
إلــى أن صــار يــده اليمنــى ورجلــه وأذنــه وبصــره بــكل
اقتـدار ، متبعـا نهـج سـلفه فاسـتطاع التكيـف مـع بيئتـه
الرياديــة فــي حســن إدارة شــؤون الطريقــة، والحضــرة
التواونيـة، رغـم صغـره حتـى تـم تدريبـه علـى ذلـك ممـا
مكنـه مـن تخزيـن عـدد مـن الخبـرات فـي هـذا المجـال،
ورســخت قدمــاه علــى ذلــك متقلــدا زمــام المبــادرة
فــي تدبيــر شــؤون الــوراد؛ مــن التبــاع، والمريديــن،
والمقدميــن، وأهــل العلــم، كمــا تضلــع فــي تحكيــم
ّ الصلــة بيــن الخليفــة والــده وبقيــة أعضــاء الســرة؛
بعثــا وترتيبــا حينــا، إباغــا وإشــعارا حينــا آخــر، يــزور
مرضاهــم، ويســأل عــن غائبهــم، ويواســي فقيدهــم،
ويشــفي مرضاهــم، ويصلــح ذات بينهــم…
ومــع كل ذلــك كان يمــارس مهنــة التدريــس،
والتعليــم، فــي محضــرة والــده فكــون ثلــة ل بــأس بــه
مـن طلبـة علـم أكفـاء بعدمـا رباهـم ودربهـم علـى العلـم
والعمـل والصـدق والخـاص وبعـد انتقـال والـده الـى
جــوار ربــه؛ عكــف الشــيخ عبــد العزيــز ســي )الميــن(
علــى إدارة شــؤون الحضــرة مــع بقيــة أعضــاء الســرة
الــى أن وافقــوا علــى تنصيبــه كناطــق رســمي للحضــرة
المالكيــة التواونيــة بامتيــاز تحــت إدارة عمــه وســميه
الشــيخ الحــاج عبــد العزيــز ســي الدبــاغ الخليفــة بعــد
والــده، فواصــل تحســين ســير أمــور الحضــرة بطريقــة
فريــدة مــن نوعــه.
وفـي بدايـة السـتينيات تولـى منصـب رئيـس اتحـاد
الجمعيــات الســامية فــي الســنغال، وهــو آنــذاك
أول منظمــة إســامية محليــة تهتــم بشــؤون المســلمين
وخاصــة طلبــة العلــم رغــم اعتراضــات الحكومــة
ووضــع العراقيــل تحــت أقدامهــم، كمــا أن الشــيخ كان
عضــوا دائمــا فــي رابطــة العالــم الســامي، وجمعيــة
الدعـوة السـامية، وشـارك فـي كثيـر مـن المؤتمـرات
والنــدوات الدوليــة بصفتــه عضــوا للجنــة العليــا لكلتــا
المنظمتيــن، وبصفتــه مفكــرا وباحثــا صوفيــا كبيــرا
ومحاضـرا عبقريـا يـرأس عبـر البـاد؛ طولهـا، وعرضهـا؛
عــددا كبيــرا مــن المحاضــرات والمهرجانــات الثقافيــة
الســنوية، والموســمية، فــي جميــع الماكــن خــارج
البــاد وداخلهــا، وألــف عــدة مؤلفــات فــي الفكــر
الســامي مثــل الكتــاب »إلــى النــور« وفــي التصــوف
الســامي مثــل كتــاب »الفيــاض« الــذي تــم طبعــه
وإصــداره مؤخــرا، وعــدة خطــب وبحــوث علميــة فــي
المجــال الدينــي والدعــوي. كمــا يحتــل مكانــا مرموقــا
فــي هــرم الشــخصيات البــارزة فــي العالــم الســامي،
والغيـر السـامي الـى جانـب مـا تميـز بـه مـن تقمـص
ثـوب رجـل عمـل ناجـح فـي مجـال الزراعـة، والتجـارة،
حتــى صــار مــن أهــم شــخصياته.
·الشيخ عبد العزيز سي هذا العبقري:
لقــد صــدق المثــل القائــل » أن النــاء بمــا فيــه
ينضــح«؛ وهــذا متطابــق مــع شــخصيتنا الشــيخ عبــد
العزيــز ســي الــذي نحــن بصــدد الحديــث عــن جانــب
23
N° AL FATHI.indd 23 23/11/2017 06:38
مــن حياتــه المبــارك؛ حيــث عبقريتــه فــي حســن إدارة
شــؤون الحضــرة المالكيــة التواونيــة 60 ســتون عامــا
دون أدنــى خلــل، إلــى أن توفــي غــرة محــرم والحضــرة
ٍ بــل العالــم راض عنــه وهــذا شــيء يــكاد مســتحيا اذا
نظرنـا مـا صاحـب تلـك العـوام مـن تحديـات عديـدة،
ومشــكات متنوعــة، ولــول عبقريتــه وحنكتــه فــي
مواجهتهــا لصــارت تلــك المســاعي المحمــودة مــن
الجــد المؤســس الشــيخ الحــاج مالــك وخليفتــه مــن
بعـده الشـيخ الخليفـة ابـو بكـر سـي ومـن بعدهمـا مـن
خلفــاء الحضــرة التواونيــة هبــاء منثــورا بــل ملقــاة فــي
ســلة المنهيــات لكثــرة العراقيــل والعقبــات؛ فبجهــود
هــذا العبقــري اســتطاعت الحضــرة أن تســترد بيــاض
صفحتهــا الامعــة ونصاعــة وجههــا الباهــرة وأن تعيــد
كتابــة تاريخهــا المجيــد بمــداد مــن ذهــب.
نعـم التاريـخ يعيـد نفسـه، فبعـد ولدتـه فـي بيـت
علــم وورع وتقــى لــم يفلــت هــذا الولــد النجيــب مــن
إعـادة تلـك الدوار التـي كانـت شـبه مفقـودة إلـى خشـبة
الداء، متقنــا تفننــه فــي تقلــد وتقمــص شــخصيات
عديــدة ومتنوعــة فــي لوحــة واحــدة وعــرض واحــد،
إنهـا عبقريـة هـذا الشـيخ الفريـد ولولهـا لمـا اسـتطاع
رغـم صغـر سـنه إثـر انتقـال والـده المنعـم الـى الرفيـق
العلـى )وهـو فـي التاسـعة والعشـرين( أن يديـر بأمانـة
شــؤون الحضــرة بعــد والــده، بــإذن مــن عمــه وســميه،
وكل شــيء آنــذاك تحــت المســتوى المطلــوب نحــو
النهـوض، وإذا قارنـا تلـك العـوام بمـا جـرى فـي زمـن
الحبيـب المصطفـى، وزمـن مـن أتـوا بعـده مـن خلفائـه
الراشــدين، لقلنــا بــأن الشــيخ عبــد العزيــز أدي باقتــدار
وفـي أقـل وقـت ممكـن تلكـم الدوار دون أدنـى شـك؛
فحينــا صديــق فــي الحكمــة والفــاروق همــة وعــدل
َوذا النوريــن حلمــا وعمــا وعليــا فــي العلــم حينــا آخــر
والحبيــب فــي جمعهــا فــي آن واحــد.
·همزة وصل حقيقي:
فبينمـا الحضـرة فـي انشـقاق وتفـرق؛ فهـو الـذي
كان يشــكل همــزة وصــل بيــن كافــة أطرافهــا الــى أن
أكـده فـي ذلـك أخـوه الكبـر الشـيخ محمـد المصطفـي
سـي الملقـب بالجميـل لجمـال خلقـه وخلقـه سـائا لـه
بعـد مـدة لـم يـزره: مـا هـذه القطيعـة؟ مخبـرا إيـاه بـأن
وحــدة الحضــرة مســؤولية تقــع علــى عاتقــه، ومردفــا:
)قـد أسـمح بقطـع عـرى التواصـل مـن الجميـع إل منـك
فأنــت همــزة وصــل بينــي وبيــن باقــي أفــراد الســرة(،
مـن هنـا تقمـص رداء الشـخصية الجامـع المانـع الـذي
ل يـكل ول يمـل فـي جمـع الصفـوف وتوحيـد الكلمـة
إلـى أن تمكـن مـن تقويـة عـرى الصـات والروابـط بيـن
كافـة أبنـاء وأحفـاد الجـد المؤسـس، وبحسـن سياسـته
وكياســته الفــذ، نجــح فــي ذلــك نجاحــا باهــرا؛ فــكان
رسـول سـام، ووئـام، بيـن أبنـاء الحضـرة بشـكل فريـد.
كان ل يمــل، ول يــكل، فــي الســعي وراء توحيــد
أعيــان الحضــرة بمختلــف مشــاربها إلــى أن حكــم
توثيـق عـرى التفاهـم بيـن المقدميـن والشـياخ، وبيـن
المريديـن مـن جانـب، وبيـن باقـي شـرائح الحضـرة، من
جانـب آخـر، نتذكـر يـوم تولـى الشـيخ محمـد المنصـور
زمـام المـور بوصيـة عمـه الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز؛
كخليفــة بعــده فبــادر الشــيخ عبــد العزيــز الميــن علــى
تنصيبــه وتأكيــده علــى ذلــك دون انتظــار مــدة انتهــاء
العــزاء بــل هــو الــذي دعــا إلــى مبايعتــه فــورا، كــون
الشــيخ محمــد المنصــور أكبــر أحفــاد الشــيخ الحــاج
مالــك ســي )الجــد المؤســس( ســنا.
·ا\داري والفني والدبلوماسي:
ولــم يبــق هــذا العبقــري فــي زمــرة المبايعيــن
فحسـب؛ بـل تعـداه إلـى أكثـر مـن ذلـك وهـو العكـوف
علـى حسـن إدارة خافـة الشـيخ محمـد المنصـور وفتـح
بــاب العــون والمســاعدة لــه فــي إنجــاح مهمتــه، فتــارة
بتولــي زمــام أمــور خافتــه وتنظيــم الحــركات والدوائــر
لـه، وتـارة أخـرى فـي تقمـص شـخصية مبعوثـه الخاص
وحامـل كلمـة الحضـرة باقتـدار، وبعـث روح الحيـاة فـي
شــرايين جميــع أعضــاء الحضــرة بتنظيــم محاضــرات
ونــدوات، ومؤتمــرات، ترمــي إلــى توعيــة التبــاع،
والمريديــن، وتربيتهــم تربيــة، إســامية صحيحــة، ولــم
يحــل تلــك المســاعي عقبــة دون أداء مهمتــه الدعــوي
فــي إدارة شــؤون تلكــم التحــادات والجمعيــات التــي
يرأســها أثنــاء مســيرته الناجــح، وهــذا مــن اكبــر دلئــل
عبقريتــه.
24
N° AL FATHI.indd 24 23/11/2017 06:38
كمـا أنـه آنـذاك يتابع عـن كثب مشـاريع إعـادة ترميم
مســجد والــده وتحويلــه الــي درة لمعــة تنيــر وجــه هــذه
الحضـرة، فيسـلب العجـاب مـن القاصـي، والدانـي، إلـى
جانـب أعمالـه الجبـارة فـي سـبيل توفيـر أماكـن ومسـاكن
لسـتضافة زوار الحضـرة، وضيوفها، إلـى أن تمكن بفضل
نفـوذه الدينـي، وثقلـه السـتراتيجي أن يرجـح وزن أحقيـة
هـذه المدينـة العريقـة علـي برنامـج خـاص مـن الحكومـة
بلغـت عشـرات المليـارات، لوضـع تلـك المشـاريع قيـد
التنفيــذ وفــي أســرع وقــت ممكــن تمكنهــا مــن تحطيــم
الرقــام القياســية باســتكمال مشــروعين ضخميــن؛ فــي
تسـعة أشـهر ووضـع تـواوون؛ قبلـة أنظـار مريـدي ومحبـي
الطريقــة التجانيــة، ضمــن أولويــات البرنامــج التنمــوي
للحكومــة الحاليــة، بمباركــة مــن فخامــة الرئيــس ماكــي
صــل الــذي لــم يدخــر أي جهــد فــي ســبيل تلبيــة نــداء
هــذا الشــريك الوفــي والمعاهــد التقــي. الــى جانــب
نشــاطاته الميدانيــة فــي حقــل الدعــوة الســامية مــن
إقامــة المعاهــد، وبنــاء المســاجد، والزوايــا، والمشــاركة
فــي النــدوات، والمؤتمــرات، وتقديــم المبــادرات فــي
حـل الخافـات، والنزاعـات الدوليـة، والمحليـة )نتذكـر
الجهـود الجبـارة التـي بذلهـا فـي سـبيل حـل النـزاع الدائـر
بيـن العـراق وإيـران أثنـاء حربهمـا وكلهـا خلـف السـتار
ووراء الكواليــس(.
·الموحد والمجمع:
إن حـال أسـرة الشـيخ الحـاج مالـك سـي -كباقـي
الســر الدينيــة- لــم يخــل مــن زمــن ركــود وأزمــة كمــا
يحـدث لجميـع السـر نظـرا لختـاف الطبائـع والمزجـة
فإلـى الشـيخ عبـد العزيـز وأخيـه الشـيخ أحمـد التجانـي،
يرجــع فضــل لــم شــمل أبنــاء الســرة الكريمــة، لكــي ل
يــؤدي تلــك الخافــات إلــى أزمــة دائمــة، وكان هــذا
الخيـر يـردد دائمـا بأنـه ل يريـد أن يلقـى ربـه، تـاركا وراءه
أزمــة انشــقاق داخــل أســرة الشــيخ الحــاج مالــك، فأتــى
بمبــادرة جريئــة وشــجاعة، أنهــت خافــا دام أكثــر مــن
نصـف قـرن، ولـم يكـن المهنـدس لهـذه المبـادرة العظيمة
إل الشــيخ عبــد العزيــز؛ لمــا أكــده الســيد الشــيخ أحمــد
التجانــي ســي المكتــوم الخليفــة آنــذاك بديــا لــه ونائبــه
فــي المهمــات قائــا لــه: )إن ثقتــي بــك يــا عبــد العزيــز
ســي ل نهايــة لــه بــل هــي مســتمرة الــى قيــام الســاعة(.
فبــادر الشــيخ ببســالته المعروفــة رغــم ثقــل الســنين
بأخــذ الوحــدة، واللفــة شــعارا لــه فوضــع الســرة أمــام
مسـؤولياتها مـع شـحذ الهمـم نحـو وحـدة حقيقيـة؛ مـن
القمــة، إلــى القاعــدة، حتــى كتــب لــه النجــاح والتوفيــق
فــي ذلــك وهــذه قطــرة مــن بحــر.
وقــد يتســاءل البعــض كيــف اســتطاع الشــيخ عبــد
العزيــز أن يديــر كل هــذه المــور بشــكل فريــد، ويتقــن
سياسـته وهـو فـي سـن قـد تجـاوز السـبعين مـن عمـره؟
ألــم يــأن لهــذا المجاهــد أن يخلــد إلــى راحتــه ويجــرد
راحلتــه، ويشــق عصــا الترحــال، تــاركا زمــام المــور
للجيــل الصاعــد، ومــن فــي حضانتــه مــن أبنــاء وأحفــاد
الجـد المؤسـس؟ وكيـف يمكـن لرجـل فـي طـراز الشـيخ
عبـد العزيـز أن يتعـب نفسـه وينهـي أنفاسـه وعضاتـه فـي
تلــك المهمــات الجســيمة دون ملــل أو كســل؟ وهــل يــا
تـرى رجـل مـن أبنـاء تلـك السـرة الكريمـة، ل يسـتطيع
أن يفعـل مـا يفعلـه الشـيخ منـذ رشـده إلـى يومنـا هـذا؟
وكيــف أن كل واحــد مــن أبنــاء الحضــرة لــو ســئل لــم؟
أو لمـاذا؟ لجـاب بـكل فخـر واعتـزاز بـأن عبقريـة هـذا
الشـيخ ل يشـق لـه غبـار وإنـه ل ولـن يسـتطيع أن يرادفـه
فــي المهمــة التــي نيطــت عليــه؟ إنهــا عبقريتــه!
لقـد عكـف الشـيخ بإيمانـه الراسـخ أن لـكل إنسـان
ميـزة قـد ميـزه البـاري جـل فـي عـاه علـى باقـي خلقـه،
وأن هـذه الموهبـة هـي التـي تصنـع الفـرق، وتنتـج المجـد
ويجعـل جهـود صاحبـه تذكـر وتشـكر مـدى الحيـاة، إنهـا
الموهبـة التـي جبـل النسـان عليـه فيعمـل مـن أجلـه دون
تعـب، ول ملـل، ويتقنـه بصفـة ل تتوفـر علـى غيـره؛ وإن
كان غيـره قـد أصـاب مـا أصـاب مـن مجـد وشـرف. وهذا
حــال الشــيخ عبــد العزيــز لقــد تميــز بصفــات خلقيــة؛
جعلتـه مثـال يحتـذى بـه فـي الصـدق، والـورع، والمانـة،
والتقـوى، والعفـاف، وحـب الغيـر، والنفتـاح، والصبـر،
والرضـا بمـا قسـمه المولـى، بـل كان ملهـم الجيـال فـي
الجــد والعمــل، وموجــه الحبــاب الــى صفــاء القلــب،
ورحابــة الصــدر، ومعلــم العظمــاء جــودا، وســخاء،
ونشـر الخيـر، وامامـا فـي صلـة الرحـم، ومواسـاة اليتـام
والفقــراء، وأمينــا فــي حفــظ العهــود والمواثيــق، ومثــا
أعلـى فـي الهمـة والصـاح، إنـه خليفـة جـده ووالـده أدى
المهمـة الـى أن وافتـه المنيـة فإلـى الرفيـق العلـى يـا أبـا
الحبيــب!
25
إعداد/ سيدي أحمد عبد العزيز سي
أحد أبناء الفقيد
N° AL FATHI.indd 25 23/11/2017 06:38
الحمـد للـه رب العالميـن، الهـادي إلـى أقـوم
طريـق والداعـي إلـى الحـق وإلـى صـراط مسـتقيم
عبــاده المؤمنيــن، المتجلــي عليهــم بمحبتــه
ورحمتــه فــي كل وقــت وحيــن، الذيــن اصطفاهــم
مــن خيــرة خلقــه فجعــل منهــم أنبيــاء ومرســلين
وأوليــاء مرشــدين رحمــة منــه بخلقــه أجمعيــن ،
والصـاة والسـام علـى مصـدر كل خيـر ومنبـع كل
جـود صاحـب الحـوض المـورود واللـواء المعقـود
إنســان عيــن الوجــود وعلــى آلــه مصابيــح الهــدى
وأنـوار العطـاء الموصـول وأبـواب السـمو والقبـول
وصحابتــه المنــاء علــى وحــي الســماء
اللهــم صــل علــى ســيدنا محمــد الفاتــح لمــا
أغلــق والخاتــم لمــا ســبق ناصــر الحــق بالحــق
والهــادي إلــى صــراط المســتقيم أمــا بعــد.
فـإن الديـن الـذي جـاء بـه سـيدنا محمـد بـن عبـد
ٌ اللــه، عليــه أفضــل الصــاة وأزكــى التســليم، هــو ديــن
ِ قائــم علــى الوحدانيــة للــه رب العالميــن، وطاعــة ســيد
الخلــق أجمعيــن، فاقتــدى بــه وبمــاء جــاء بــه جماعــة
الصحابــة الوليــن، وأفضــى إلــى تأســيس مجتمــع
ٍ متســامح مبنــي علــى الخــوة والمســاواة والعــدل بيــن
النـاس فـي كل وقـت وحيـن، ول يتمايـزون فيمـا بينهـم
إل بالعمــل الصالــح، طاعــة للــه ملــك يــوم الديــن.
وكان صحابــة رســول اللــه
صلــى اللــه عليــه وســلم نســاء
ً ورجــال ً مثــال ُ يحتــذى بهــم فــي
الوفــاء بالعهــد الــذي عاهــدوا
ُ
اللــه والرســول عليــه، وهــم أول
ّ جيــل تلقــى الرســالة، فأصبحــوا
شــهوداً علــى العلــم الــذي ورثــوه
فــي تجلياتــه الظاهــرة والباطنــة،
ّ ومــن ثمــة نقلــوه إلــى كل أولئــك
الذيــن أتــوا مــن بعدهــم، فنهلــوا
ْــع ذاكرتهــم وشــهادتهم.
مــن نب
ّمــون الوائــل ضمــن
إنهــم المعل
سلســلة متواصلــة بــدأت مــع
أبــي بكــر وعمــر وعثمــان علــي
وســلمان والحســن رضــي اللــه
عنهــم، لتســتمر عبــر جيــل آخــر مــن الرجــال كالحســن
البصــري وجعفــر الصــادق ورابعــة العدويــة… ثــم فــي
زمـن متأخـر مـع مؤسسـي الطـرق الصوفيـة أمثـال عبـد
القــادر الجيانــي وأبــي الحســن الشــاذلي وأحمــد بــن
علـي الرفاعـي وغيرهـم، لقـد شـكل هـؤلء الزهـاد رفقـة
أتباعهـم دوائـر تولـدت عنهـا العديـد مـن المـدارس فـي
المدينــة المنــورة، ومكــة المكرمــة، والكوفــة، والبصــرة،
وبغــداد، وبلــخ، والقاهــرة، والقيــروان، وبجايــة،
وتلمســان، وفــاس، وقرطبــة….
وقــد بــرزت الطــرق الصوفيــة بعدئــذ بزواياهــا
وشـيوخها وقواعدهـا ومناهجهـا، وكانـت تربيـة المريـد
ّ تمــر عبــر المازمــة التلقائيــة لعــدة شــيوخ، وهــذا مــا
ّ يفسـر أهميـة الترحـال والتغـر ّ ب والصحبـة والدب عنـد
القــوم.
والطــرق الصوفيــة هــي امتــداد لتلــك العاقــة
ّ الروحيـة التـي ربطـت بيـن النبـي صلـى اللـه عليـه وسـلم
والصحابـة والتابعيـن ومـن جـاء بعدهـم مـن رجـال اللـه
الصالحيـن، وهـي تخليـد لهـا عبـر الزمـان والمـكان إلـى
أن يــرث اللــه الرض ومــن عليهــا.
فالتصــوف إذن، هــو وارث الحكمــة الكونيــة ذات
ّ البعــد الروحانــي والباطنــي الســاري فــي الصفــوة مــن
خلقـه والتـي سـميت فـي القـرآن الكريـم بالحنفيـة مثلمـا
26
N° AL FATHI.indd 26 23/11/2017 06:38
ّ تذكرنــا بــه اليــة الكريمــة: )ومــا أمــروا إل ليعبــدوا اللــه
مخلصيــن لــه الديــن حنفــاء ويقيمــوا الصــاة ويؤتــوا
الــزكاة وذلــك ديــن القيمــة(.
وفــي أوائــل القــرن الثامــن عشــر بزخــت شــمس
ٌ رجـل كان لـه شـأن وأي شـأن فـي حمـل مشـعل التصوف
إلـى النسـانية قاطبـة، فقـد انخـرط رضـي اللـه عنـه فـي
ّ الطريـق الصوفـي ولمـا لـم يـزال شـاباً يافعـا،ً إنـه سـيدي
الشـيخ العـارف باللـه المؤسـس للطريقـة التيجانيـة أحمد
التيجانـي الـذي ولـد بقريـة عيـن ماضـي 1150 هجريـة
1737 وتوفـى بمدينـة فـاس عـام 1230 هجريـة 1815
للميــاد ودفــن بزاويتــه بالحومــة المعروفــة بالبيليــدة
مـن محروسـة فـاس، حيـث حفـظ القـرآن ولـم يتجـاوز
الســبع ســنين، وطلــب العلــوم وبــرز فيهــا، ولمــا بلــغ
21 سـنة تطلـع إلـى النهـل مـن معيـن التصـوف فسـافر
ســفره الول إلــى فــاس 1771 هجريــة قاصــداً كبــار
ّ أهــل اللــه مــن الشــيوخ والعارفيــن، وتنقــل إلــى بلــدان
شـتى فـي مغـرب العلمـاء والوليـاء والصالحيـن ليتلقـى
عنهــم علــوم الســام والتصــوف والتربيــة والســلوك،
وكان الشــيخ فيهــا طالبــاً باحثــاً عــن العلــم والمعرفــة
والشـيوخ وكثيـر السـفار والرحـات آخـذاً عـن جميـع
شـيوخ الطـرق وتلقـى رضـي اللـه عنـه عـدة طـرق كمـا
ورد فــي ترجمــة حياتــه فــي مراحلــه الولــى، عمــاً كان
يلقنهـا مــن المشـايخ، فأخـذ الطريقـة القادريـة بفـاس،
والناصريــة عــن ســيدي محمــد ابــن عبــد اللــه التزانــي
بالريــف، وأخــذ طريقــة الشــيخ العــارف باللــه ســيدي
محمــد الحبيــب السجلماســي الصديقــي عــن بعــض
شـيوخها بفـاس، ويتضـح ممـا ذكـر عـن سـيدي أحمـد
التيجانـي رضـي اللـه عنـه جـال فـي ربـوع المغـرب مـن
فــاس إلــى تــازة والريــف ووزان وجبــل العلــم حيــث
مرقــد القطــب الكبيــر مولنــا عبــد الســام بــن مشــيش
رضــي اللــه عنــه، كان ذلــك طلبــاً لماقــاة كبــار شــيوخ
العصــر مــن الصوفيــة المربيــن، وبعدهــا ذهــب إلــى
الحـج وزار مصرإلـى أن اسـتوطن الشـيخ سـيدي أحمـد
التيجانـي مدينـة فـاس فسـطع نجمـه وظهـر علمـه وذاع
صيتـه حيـث تعـرف عليـه مولنـا سـليمان العلـوي رضـي
اللـه عنـه وهـو المـام العـدل العالـم فأكـرم مثـواه وأنزلـه
منزلــة رفيعــة وأســكنه دارا مــن دوره المعتبــرة.
ثــم نجــد أنــه فــي مرحلــة مــا بعــد 1796 ّ ، تفــرد
ســيدي الشــيخ احمــد التيجانــي بطريقتــه الخاصــة بــه
ّ وتصــدر للمشــيخة وإعطــاء الطريقــة ووضــع منهجــاً
سـلوكياً تربويـاً بقواعـد مضبوطـة وشـروط معتبـرة إل أن
دخولــه فــاس واســتيطانه بهــا كان مرحلــة هامــة حيــث
لـم يغادرهـا إلـى غيرهـا علـى سـبيل القامـة وبهـا بنـى
زاويتــه فكانــت منطلــق طريقتــه وبهــا موطنــه ومدفنــه
ومنهــا خرجــت هــذه الطريقــة المباركــة وانتشــرت فــي
الفـاق، ولكـن للطريقـة التيجانيـة القـدم الراسـخ واليـد
الطويلــة فــي نشــر الثقافــة والعلــوم الســامية وتربيــة
الجيــال تلــو الجيــال علــى المحبــة والســام والوئــام
محقــق بذلــك وحــدة روحيــة وهويــة ثقافيــة تجمــع
شـعوب أفريقيـا وقبائلهـا وأجناسـها وحـدة تجمـع بيـن
ّ المــادة والــروح والعلــم والعمــل والديــن والدنيــا وإن
فقيدنــا الراحــل ســيدي الشــيخ عبــد العزيــز ســي ممــن
حمـل هـذه الرايـة التيجانيـة فـي السـنغال وورثهـا كابـراً
عـن كابـر فـكان خيـر خلـف لخيـر سـلف، فقـد نشـأ فـي
بيـت تيجانـي بعلومـه وآدابـه ومعارفـه ودعوتـه إلـى اللـه
وإلــى محبــة رســول اللــه والوليــاء والصالحيــن.
فقـد عرفتـه رحمـه اللـه وكان لـي شـرف اللقـاء بـه
فــي الــدروس الحســنية التــي تقــام فــي حضــرة مولنــا
أميــر المؤمنيــن جالــة الملــك محمــد الســادس فــي
المملكـة المغربيـة الشـريفة، وكانـت هـذه فرصـة طيبـة
مباركــة أن نتلقــي بالعلمــاء والوليــاء مــن شــتى بلــدان
عالمنــا الســامي، فــزادت محبتــي لــه عامــاً تلــو العــام
لمـا وجـدت فيـه سـماحة الخلـق وغـزارة العلـم ومحبـة
الصالحيــن وإقبــال النــاس عليــه، وكان لــي شــرف
زيارتـه بصحبـة سـفير دولـة فلسـطين فـي السـنغال فـي
ُ زاويتـه فـي السـنغال حيـث رأينـا كـرم الضيافـة وحسـن
الســتقبال وأبنــاءه وأتباعــه مــن خيــرة الرجــال.
فمـن حـق أهـل اللـه والعارفيـن بالله وأهـل التصوف
27
N° AL FATHI.indd 27 23/11/2017 06:38
الحقيقـي أمثـال سـيدي عبـد العزيـز سـي أن نذكرهم وأن
نعــرف لهــم فضلهــم وهداهــم، فــإن صفحــات التاريــخ
يســجلها الرجــال وتتناقلهــا الجيــال جيــل بعــد جيــل،
ولذلـك فـإن شـكر النعمـة واجـب والعتـراف بالجميـل
لهلــه فضيلــة، ول يعــرف الفضــل لــذوي الفضــل
إل ذوو الفضــل ولذلــك يقــول رســولنا العظــم صلــى
اللــه عليــه وســلم »ل يشــكر اللــه مــن ل يشــكر النــاس«
وراحلنـا العزيـز الولـي العـارف باللـه سـيدي عبـد العزيـز
سـي مـن هـؤلء الرجـال الذيـن صدقـوا مـا عاهـدوا اللـه
عليــه فمنهــم مــن قضــى نحبــه ومنهــم مــن ينتظــر ومــا
بدلـوا تبديـا(.
فهـو واحـد مـن هـؤلء ومـن صفـوة الوليـاء الذيـن
ّــه اللــه
ّ لهــم قــدم صــدق عنــد ربهــم أحــب اللــه فأحب
ّ وأرضــاه وأحــب رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وســلم
فأفــاض عليــه مــن أنــواره وذلــك بمــا ســار علــى نهــج
والــده العــارف باللــه المقــدم فــي الطريقــة التيجانيــة
وحامـل لواءهـا فـي السـنغال وفـي دول افريقيـا ، ونـراه
رحمـه اللـه ظـل حياتـه منـذ نعومـة أظفـاره وفيـاً لوالـده
مقربــاً إليــه ينهــل مــن علمــه ومعرفتــه ويقــوم علــى
خدمتـه إلـى أن انتقـل إلـى جـوار ربـه وأخـذ بعـد رحيـل
والــده يواصــل مهــام الطريــق والدعــوة إلــى اللــه حيــث
ّ توجـه فـي إفريقيـا وغيرهـا مـن البلـدان ليتلقـى عنـه أبنـاء
ً السـام خلـق السـام مجسـدة فـي أخاقـه قبـل كامـه
وفـي أفعالـه قبـل أقوالـه، فأخـذ عنـه وتلقـى عنـه اللف
مــن أبنــاء الســام ومــن خــال لقاءاتــي بــه المتعــددة
ومعرفتــي بــه عــن قــرب قــد وجــدت فيــه رحمــه اللــه
حبــاً فياضــاً لل بيــت رســول اللــه والدعــوة إلــى حــب
الصالحيــن والوليــاء فكــم اســتضاف فــي بيتــه كبــار
العلمـاء والوليـاء وفـي مقدمتهـم شـيخ الزهـر فضيلـة
الســتاذ الدكتــور عبــد الحليــم محمــود العالــم الربانــي،
وأكــرم وفادتــه كمــا هــي عادتــه مــع علمــاء المســلمين
وأبنــاء التصــوف، وكنــا نجــد فتحقــق فيــه رحمــه اللــه
قــول الرســول صلــى اللــه عليــه وســلم أحبــوا اللــه لمــا
يغدوكـم بـه مـن نعمـه وأحبونـي لحـب اللـه وأحبـوا آل
بيتـي لحبـي فمـا بالنـا وأن يكـون المحـب واحـداً ممـن
ّ يتقــرب إلــى اللــه بحــب آل بيتــه ويســعى بيــن أيديهــم
وإن كان مـن يصحـب الشـريف الولـي يحظـى بالقـرب
والرفعـة حتـى ولـو كان ممـن ضـرب القرآن المثـل به في
صحبـة أهـل الكهـف فذكـر مـع أنـه كلـب فقـال تعالـى:
)سـيقولون ثاثـة رابعهـم كلبهـم( فمـا بالنـا حيـث يكـون
المصاحــب مــن التقيــاء الوليــاء الصفيــاء وفــي هــذا
ُرّد علــى مــن يزعــم خــاف ذلــك كمــا قــال القائــل:
قال تشقى بحب آل بيت النبي
قلت هذا كام غاوي شقي
ٌ فاز كلب بصحبة أصحاب كهف
ّ أفأشقى بحب ّ آل بيت النبي
هـذا ونحـن إذ ننظـر إلـى نسـله الكريم أبنـاءه الوفياء
التقيـاء الذيـن تربـوا فـي مدرسـة أبيهـم نـرى فيهـم خيـر
خلـف لخيـر سـلف ونـرى مواكبـة أهـل اللـه والمحبيـن
لهــذا الــذي يخلــف الوالــد العظيــم والولــي الشــيخ أبــو
بكـر محمـد منصـور سـي فنـردد قـول رب العـزة )أل إن
أوليـاء اللـه ل خـوف عليهـم ول هـم يحزنـون( وحيـث
تتـم البيعـة للشـيخ أبـو بكـر محمـد المنصـور سـي إنمـا
ّــر بهــا مصداقيــة التصــوف الحقيقــي الــذي يعمــر
نعب
الدنيــا بســناه وهــداه وعرفنــاه منــذ حيــاة الشــيخ عبــد
العزيـز سـي وهـو نمـوذج منـذ النشـأة الطاهـرة المبـرورة
وسـلوك طريـق الحـق والهـدى والنـور والعلـم والمعرفـة
والثقافــة الواســعة فأتــم اللــه عليــه النعمــة وزاده خيــراً
علـى خيـر فـي مواصلـة الطريـق وحمـل الرايـة التيجانيـة
والفكــر الصوفــي المســتنير بعــد شــيخه ســيدي الشــيخ
عبــد العزيــز ســي تغمــده اللــه برحمتــه وأســكنه فســيح
جناتـه وجمعنـا اللـه بـه مـع الذيـن أنعـم اللـه عليـه مـن
النبييــن والصديقيــن والشــهداء والصالحيــن وحســن
أولئـك رفيقـا
28
N° AL FATHI.indd 28 23/11/2017 06:38
ّعز في نفس شيخ الخليفة )رض( مجيئ هذا المولود
الناشئ، بمامح ذلك الوجه المشرق، وسمات تلك
الطفولة الواعدة، فاستبشر به خيرا، وتفاءل برؤيته حسنا،
وكان أن اختار له من بين السامي أحسنها وأروعها »عبد
العزيز«، ولسان حاله يقول: رب كما جعلتني أفتخر تيها
ُوعجبا بدخولي تحت قولك يا عبادي، فاجعل وليدي
ّ هذا مقبول عندك عبدا، وشرفه يا عزيز، بقبوله من بين
عبيدك العزاء، إنه لدينا لعزيز.
ولقد نشأ فتى الفتيان وترعرع، في بيت علم وأدب
وخلق رفيع، وكان له من بركة النشأة وأصالة التربية،
أن عاش في جنب الوالد الملهم الشيخ الخليفة، يلهم
خطواته، ويرشد مشيته، ويوجه مسيرة حياته، وقد تنبأ
-ونعم المتنبئ-أن سيكون لهذا الفتى دور رئيسي
في مستقبل الرث المالكي، فأعده ليكون أها وكفؤا
لمقتضيات هذا الرث العظيم.
وكان من أجمل ما عرف عن الشاب عبد العزيز،
حسن اهتمامه بمظهره وهندامه، وجمال تأنقه في لبسه
وأزيائه، وطريقة تسريحه لشعره، فكان يبدو في عيون
ناظريه، شابا وسيما، بهي الطلعة أنيق المنظر، رغم مهابة
الشيخ، ووقار السيد اللذين لزماه صغيرا وكبيرا.
وفي وقت كانت مدينة تواوون، مأوى أفئدة
المتعطشين للعلم والمعرفة، يتوافد إليها أجناس وقبائل
السنغال المختلفة من كل صوب وحدب، ينهلون
العلم من ينبوعه العذب ومعينه الصافي، على يد عالمه
المتجرد، الشيخ الحاج مالك سي، أو على يد الصفوة من
تامذته، الذين لم يبارهم أحد في ميدان امتاك قصب
السبق في العلم والتأليف والتعليم، إل سبقوه فيه، قضى
الفتى الناشئ طفولته في هذه المدينة.
وعاش الفتى عقده الول والثاني، في هذه البيئة
العلمية والثقافية والمعرفية، يطرب أذنيه دروس مجالسه
العلمية، ويرهف سمعه أحاديث والده الوارث لسر
جده والمتربع على عرش الخافة التجانية العامة في
السنغال، وكان حسن إصغائه إلى أحاديث تلك اللقاءات
العلمية، وإنصاته لخطب والده وتعاليمه ورإشاداته أبلغ
الثر، في قولبة شخصيته، وتكوين عاقاته الواسعة مع
شريحة كبيرة من أبناء بلده ومجتمعه، وقد هيأته تلك
العاقات في اكتساب القدرة على التعامل مع كل الوقائع
والحداث التي ستجري لحقا في مسيرة حياته، وقد
ُعِهَد عنه صغيرا الفصاحة في المنطق، فلم يعهد منه قط،
الغراب في الكام، أو تعقيد المعاني، أو اللجوء إلى
ضعف التركيب، أو تنافر الكلمات، أو التأتأة اللفظية،
وقد كان لهذا العامل، أثره الكبير في توليته مهام الناطق
الرسمي باسم الحضرة المالكية مستقبا.
كان ما يتداوله طاب حوزة جده وآبائه، من
موضوعات شتى في العلوم والمعارف السامية والعلوم
اللغوية، يصقل لبه، ويعيد تشكيل عقله، وكان تطلعه
وتعطشه المبكر للعلم والطاع، يدفعان دفعا إلى
المشاركة في كل هذه المناقشات، فيدلي فيه برأيه، مناقشا،
ومعلقا، وشارحا، ومفسرا، وكانت شجاعته الدبية،
وجرأته الشخصية سمتان بارزتان عرفتا عنه منذ الصبا،
وكان له من شرف المعاصرة والمصاحبة والمجالسة، أن
ّ عاصر الكثير من خريجي زواية جده الشيخ، من الوافدين
من الصقاع المختلفة لهذه الباد، فنهل من علومهم،
التي نهلوها من جده مود مالك سي، واستقي المعارف
29
N° AL FATHI.indd 29 23/11/2017 06:38
والداب، من أفواه رجال تلقوها مشافهة وتلقينا، من
الحبر الهمام ذي المآثر الجليلة، والمحاسن الرائعة،
والزوايا الكثيرة.
ولقد كانت لمناسابات إحياء المولد النبوي، التي
تتكرر على مدار السنوات، وعلى مدار الشهور، في جل
مدن هذه الباد، ويتولى إحياءها جهابذة الحضرة المالكية
من أعمامه وكبار تابعيهم، أثرا كبيرا في صقل مواهبه،
وتنمية حسه النتمائي، وكان الفتى العزيز يشهد كل
المناسبات، ولربما وكل إليه القيام بمهمة من المهامات
الساسية في تسيير أو إدارة هذه المناسبات، فكان يقوم
بذلك على أحسن وجه وأكمله.
ولكم كان الفتى العزيز محظوظا في تتلمذه، فقد كان
من أساتذته بعض أعمامه وبعض من خالص المريدين
الذين انتدبهم والده الكريم، ليتولوا أمر تعليمه وتدريسه،
فأظهر من أمارات النبوغ وعامات الذكاء، ما كان يثلج
قلوب شيوخه ومقرئيه، ولقد كان حريا به أن يكون
كذلك، فهو الشبل ابن السد ابن الهزبر.
وكان من دأب والد الشاب عبد العزيز، أن يوفده
أحيانا، -شأنه في ذلك شأن باقي إخوته- إلى العديد
من المناسبات الجتماعية أو الدينية أو الوطنية، يمثله،
أو ينوب عنه في القيام بواجب التهنئة أو تقديم العزاء،
أو تمثيل الحضرة ، أو وضع حجر أساس لمسجد شرع
في بنائه، أو مدرسة قيد النشاء، أو ترأس ليلة مولد
تقام في ذلك القطر، أو تلك المدينة في ربوع السنغال
الواسعة، وكانت أصداء تمثيله، للحضرة المالكية تترك
أثرا كبيرا في نفوس وقلوب من يستمعون إليه، فلمقدرته
اللغوية، وطاقه لسانه، وإحاطته علما ودراية بالمواضع
التي يتناولها في هذه المناسبات المختلفة، إضافة إلى
تمكنه الفريد في مخاطبة مستمعيه، وإدارته الحكيمة
لدفة الخطاب، متنقا بين القصص الهادفة، والشعار
الحكيمة، والروايات المسلية، والشواهد التاريخية
مفعولها في جذب انتباه وإصغاء من يستمعون إليه.
ولو قدر لك أن تستمع إلى عزيز قومه، وهو يلقي
َ محاضرة أو يخطب جموع الناس، لَه َال َك من ضمن ما
يهولك مقدرته العجيبة في تذكر الشخاص والتواريخ،
ولدهشت وأنت تسمعه يردد لك التفاصيل الدقيقة في
الحداث الوطنية أو الدينية الغابرة في القدم، فكم يحلو
الجلوس بين يدي العزيز عبد العزيز لاستماع إليه وهو
يسرد التاريخ لك سردا.
وكان الفتى العزيز، في تمثيله للحضرة المالكية،
أولغيرها من الهياكل التنظيمية التي انخرط فيها، قائدا
لها، أو عضوا فيها، يزاوج بين حنكته السياسية، وخبرته
بالمور الدارية والجراءات الخاصة بالسلطة، وبين
مقدرته على قراءة الحداث الجتماعية والسياسية،
إضافة إلى رباطة جأشه، وقوة عزيمته، وصابة إرادته،
ليكون خيرا سفير لمن أوفدوه وأختاروه ناطقا باسمهم،
وما أكثرهم!!
وقد عايش عزيز قومه، كل الحداث الجتماعية
والدينية والعلمية لجيل زمانه، فتأثر به وأثر فيه، وكانت
له مواقفه التاريخية والبطولية في صنع الحداث، وتوجيه
مسارها، فلم يعرف منه -قط-القبول بالمر الواقع،
ولم يرضخ أبدا لوضع مفروض عليه، وإزاء الحداث
السياسية والوطنية التي شهدتها مدينة تواوون، إبان
فترة الستقال وما تاها من أحداث جسام، وتغييرات
جذرية، تولد لديه نضج سياسي مبكر، ووعي وطني يقظ
بالقضايا الوطنية، وبخاصة منها تلك المتعلقة بشريحة
السر الدينية.
وإبان تأسيس اتحاد الجمعيات السامية في
السنغال في فترة السبعينات، وقف الشاب عبد العزيز
طودا شامخا، وجبا راسخا، مدافعا ومناضا عن كل
القضايا والمسائل التي تخص هذه الجمعيات، فأكسبته
مواقفه تلك ثقة نظرائه، وموافقة الجمعيات السامية
الخرى على أن يستند إليه رئاسة هذا التحاد، فكانت له
مع التحاد مواقف محمودة تذكر فيشكر عليه.
وتشاء القدار، أن يصبح الفتى كها، ثم شيخا، وتتحول
التسمية التي كانت تطلق عليه تحننا وتحببا » عبد العزيز
الصغير« إلى » عبد العزيز المين«، فقد أصبح يشكل وجوده
عاما جوهريا في إدارة وتسيير أمور الحضرة المالكية، وإذا
بأشقائه وبني أعمامه، الكبر منه سنا أو من دونه في العمر، ل
يبتون في أمر ، ول يحسمون في شأن، إل بعد أخذ مشورته،
وإل بعد استخارته، فانطبق السم على المسمى، وأصبح
العزيز أمينا.
وعاقته بإخوته، وبالخص مع العميدين اللذين يكونان
معه -في الوقت الحالي- السرة المالكية التواوونية، ممثلة
في الشيخ أبي بكر المنصور، والشيخ مود مالك عبد العزيز،
أصبح ما تكون بتاحم الجسد الواحد، يذود عن حياضهم،
ويتبنى قضاياهم، ويحمل همومهم، وحرى به أن يكون كذلك
معهم، فكلهم يرونه في تصورهم ملجأ حصينا، وركنا شديدا،
وأخا أمينا، يؤتمن جنابه في المحن والشدائد.
ّ وسياسيته في لم شمل العائلة، وتوحيد كلمتها، أعظم به
ّ من سياسة، فإذا ما جد في ساحتها جديد، أو طرأ طارئ،
هب عزيز قومه، يستجمع كلمتهم، ويشرك قاصيهم ناهيك
عن دانيهم، فإذا بالمر الذي بدا عصيا على الحل، صعبا على
المعالجة، يصبح هينا سها.
ول تسأل عن أيامه، فكل حياته سعي إلى مجد أصيل،
وكل ارتحاله من أجل كسب الخير للحضرة المالكية، وقد
فاض خيراته حتى عم غير أهل حضرته،
30
N° AL FATHI.indd 30 23/11/2017 06:38
التعزية والمواساة
ببالــغ الحــزن والســى وبقلــوب
مؤمنــة بقضــاء اللــه وقــدره، تتقــدم
دائـرة المقتفيـن بآثار البـاء والجداد
بخالــص تعازيهــا للمــة الســامية
عامــة والمــة الســنغالية خاصــة فــي
وفــاة فقيــد المــة حفيــد مجهــول
المــة )الســيد الشــيخ عبــد العزيــز
سـي الميـن( الـذي انتقـل إلـى جـوار
ربــه فــي صبيحــة يــوم الجمعــة 22
ســبتمبر 2017م المواقــف 1 محــرم
1439 هــ ودفـن فـي فنـاء مسـجد والـده شـرقا بمدينـة تـواوون المحروسـة تغمـده اللـه
برحمتــه وأســكنه فســيح جناتــه.
ذلــك الولــي الــذي ســجل أعمالــه القيمــة وصفاتــه الحميــدة فــي صفحــة التاريــخ
البشـري وشـاع صيتـه فـي جميـع أنحـاء البـاد السـنغالية والعالـم السـامي فبفضـل
بصيرتـه الثاقبـة، وجهـده الـدؤوب، وبفضـل مؤازرتـه إخوانـه نظـم الحضـرة المالكيـة
التجانيـة وجعلهـا نموذجـا يحتـذي بـه، ورعـي تـراث الجـداد والبـاء رعايـة سـامية
فـي تسـيير التحـادات والدوائـر وإرشـاد التبـاع والحبـاب إلـى معرفـة القيم والشـعور
التـام بانتمائهـم الحقيقـي للطريقـة التجانيـة، ول يماثلـه أحـد بالقيـام ببنـاء المسـاجد
والزوايـا والجوامـع، والمـدارس والمعاهـد وغيرهـا ممـا ل يمكـن إحصـاؤه.
وكان ـ رضـي اللـه عنـه ـ متميـزا بالحكمـة والمعرفـة واللباقـة والشـجاعة والعزيمـة
والســخاء وصفــات القائــد الرائــد المرشــد الشــيخ المربــي والمصلــح الجتماعــي
الواعــي .المــر الــذي جعــل رجــال الديــن والدولــة والسياســة يلجــأون إليــه لجهــود
الوسـاطة، يقـوم بهـا عندمـا تنشـأ أزمـة مـن الزمـات فـي كل منطقـة مـن المناطـق . كان
كمـا كان والـده أبوبكـر سـي رضـي اللـه عنهمافـي الهـدي والقـرى )ففـي حالـة يهـدي
وفـي حالـة يقـري(.
جعـل اللـه لـه دمـوع باكيـه دمـوع الرحمـة والغفـران تفيـض علـي قبـره ويمـل ميزانـه
بالحسـنات فللـه مـا أعطـى وللـه مـا أخـذ.
إنا لله وإنا إليه راجعون!.
محمد المصطفي سي رئيس دائرة المقتفين بآثار الباء
31
N° AL FATHI.indd 31 23/11/2017 06:38
مــن أجلــك نصبــت الخيــام والســرادقات،
ونكسـت الرايـات والعام، ولفقـدك تبكي القلوب
والفئــدة، ولغيابــك تظلــم الديار،وبأمجــادك
يتذاكــر الخطبــاء، وبمزايــاك يفصــح الشــعراء،
وعــن أخاقــك يمــدح المادحــون، ومهمــا تفنــن
الكتــاب فــي تعــداد خصالــك ومناقبــك، فلــن
ّ يبلغــوا المعشــار فــي ذلــك، ولــو أن نفســا تفــدى
بنفـس، لفدينـاك بـآلف مـن نفوسـنا، فأنـى لنـا مـن
عبــد عزيــز مثلــك؟
بفقــدك فقدنــا العطــف والحنــان والصــدق
والخــاص، فمــن ســيعوضك فــي ذلــك؟، ومــن
ِعَو ُضـك فـي مواقفـك المشـرفة مـن تحقيـق لاسـتقرار
الجتماعـي وتثبيـت للسـام الوطنـي؟ ومـا موقفـك فـي
حادثـة باخـرة »لجـول« عنـا ببعيـد! فمـن أيـن لنـا بشـبيه
مثلــك؟
َ جســدت بامتيــاز المصلــح الجتماعــي، والوســيط
المقبــول، وســفير النوايــا الحســنة، فقربــت وجهــات
النظــر بيــن الفرقــاء، وأعــدت الوفــاق بيــن الســلطة
والمعارضــة والنقابــة، وشــواهد التاريــخ ناطقــة بذلــك،
شــاهدة لــك بتمكنــك مــن إطفــاء نيــران الشــقاق بيــن
الســنغال وموريتانيــا، وبيــن الســنغال وغامبيــا، بــل
اســتعان بــك رئيــس غينينــا فــي درء فتنــة نشــبت بيــن
القبائـل والعشـائر الغينيـة، فوحـدت الشـمل، ووحـدت
الصفــوف، ورأبــت الصــدع إثــر الزيــارة التاريخيــة التــي
ّ قمــت بهــا خاطبــا فــي القــوم، وجاســا فيهــم النبــض
الســامي الخــوي القــوي، فمــن ســيقوم بمواقفــك
تلــك؟
فيــك -ننعــى- المكافــح والمناضــل والمقــاوم
َ والمجاهـد الـذي لـم يـكل ولـم يتعـب ولـم يتـوان يومـا
-منـذ عهـد السـتعمار، وحتـى بعـد السـتقال- فـي
دعــم قضيــة الثقافــة الســامية واللغــة العربيــة -لغــة
القــرآن- فــي الســنغال، فكنــت حجــر الســاس فــي
إنشــاء اتحــاد الجمعيــات الســامية فــي الســنغال،
وعملـت علـى أن تضـم رحابـه الفيحـاء كل النتمـاءات
ُ الفكريـة والعقديـة والطائقيـة والقبليـة السـنغالية، وقـدت
مســيرتها حقبــا مــن الدهــر دون أدنــى ســآمة أو ملــل،
وحققـت لإسـام وللغـة العربيـة وللشـريحة المسـتعربة
مــن الســنغاليين فــي هــذا الكيــان الثقافــي إنجــازات
ضخمـة، تذكـر وتشـكر عليهـا، فمـن يقـدر مـن الاعبيـن
أن نســتبدلك بــه؟
تبكيــك المراكــز الدينيــة الســنغالية جمعــاء، تبكــي
حكمتـك الفـذة فـي تعاملـك معهـا، وفـي خلـق قنـوات
تواصــل بيــن بعضهــا البعــض، وفــي فــكك لقيــود
32
N° AL FATHI.indd 32 23/11/2017 06:38
النانيـة والنرجسـية التـي كانـت تأسـر بعضهـا، فجعلتهـا
بمسـاعيك وحـدة منسـجمة، يـرى كل طـرف فيهـا بمدى
مـا للخـر مـن فضـل وخيـر، ويشـعر بمـا يكنـه لـه مـن
محبــة واحتــرام وتقديــر.
براعتــك وروعتــك ونموذجيــة المســاعي التــي
أقدمـت عليهـا إحيـاء وتخليـدا وتنشـيطا لرابطـة علمـاء
المغـرب والسـنغال، ومـا قطعتـه مـن أشـواط مـن أجـل
تجديـد الحيـاة فيهـا، تبقـى سـطورا مـن الذهـب يخلدها
التاريـخ، وقـد عملـت ضعفهـا عنـد مـا تـم تحويلهـا إلـى
مؤسسـة محمـد السـادس للعلمـاء الفارقـة، فمـن يبـرع
فيهـا بعـدك؟
بغيابــك، افتقــد الساســة شــهما نبيــا، ســعيت
فــي توجيههــم، وتقديــم المشــورة والنصيحــة الغاليــة
لهــم، فاســتفاد مــن خبرتــك الكثيــرون مــن السياســيين
فــي ســاحات السياســة، وبلباقــة دينيــة متميــزة، يبقــى
ســرها محتفظــا بــه لديــك، ومثلهــم اســتفاد المعلمــون
والمربــون والقتصاديــون مــن معيــن بحركــم الصافــي،
ومنهـل معارفكـم العـذب، ومـا خطواتكـم علـى الصعيـد
التعليمــي والتربــوي، ودعواتــك المتكــررة لهــذه الفئــة
مـن المعلميـن والسـاتذة والمربيـن بـأن يكونـوا قـدوة،
وتوجيهاتكــم الرائــدة والواعيــة للسياســيين، وآراءكــم
الحكيمــة والصائبــة لاقتصادييــن إل قطــرات مــن
بحــر الســجل المشــرق الشــاهد علــى عظمتكــم ونفــاذ
بصيرتكــم، فأنــى لنــا مــن مثلــك؟
َت ُ نــد ٌب مَو َ اراتــك الثــرى لجنــة المتابعــة لحــال
الســام وتحقيــق الوئــام بيــن العــراق وإيــران، والتــي
كنـت فيهـا عضـوا فاعـا، وتبكـي فقـدك جمعيـة الدعـوة
الســامية، التــي ســافرت مــن أجلهــا إلــى ماليزيــا،
وســيريانكا، وإلــى ليبيــا عشــرات المــرات، وإلــى
بلــدان المغــرب العربــي؛ تونــس والجزائــر والمغــرب
مــرات ل تعــد ول تعصــى، فبليــت البــاء الحســن فــي
كل مواقفكـم النسـانية والسـامية، وشـاركتم بعلمكـم
وحلمكــم وفكركــم ومالكــم وتجربتكــم وحنكتكــم
ورويتكــم ودرايتكــم أيمــا مشــاركة!.
ودواليـك كانـت رحاتكـم الدعويـة الجهاديـة إلـى
القــارة القديمــة أوروبــا؛ إســبانيا، وفرنســا، وإيطاليــا،
ومالطــا، وإلــى القــارة الجديــدة أمريــكا، وتوغلــت
فــي عمــق إفريقيــا وأدغالهــا؛ فحــط رحالــك أرض
الجمهوريــة الســامية الموريتانيــة، وغينيــا بســاوو،
وغينيــا كوناكــري، والغابــون، ومالــي، وســاحل العــاج،
وجمهوريــة توغــو، وســيراليون، وغامبيــا، ومــا كانــت
أغراضــك ومراميــك النبيلــة مــن هــذه الســفار إل:
تجديــد العهــد، وصلــة الرحــم، وتوعيــة الحبــاب،
وحثهــم علــى الكــدح والعمــل الجــاد، والعتمــاد علــى
النفس،وبأريحيــة منقطعــة النظيــر، أنفقــت أمــوال
طائلـة، وعانيـت فـي هـذه السـفار مشـقات جمـة، ومـا
تراجعــت، ول تــرددت فــي إعــاء كلمــة اللــه، ورفــع
راياتهــا عاليــة خفاقــة، علمــت، وربيــت، ووجهــت،
ونصحـت، وأرشـدت فـي فتـرة لـم تكـن فيهـا الظـروف
ول الوضـاع متاحـة وسـانحة كمـا هـي عليـه الن، ولـو
اسـتفتي النـاس فـي شـأنك، لقالـوا جميعـا بـا اسـتثناء:
َ شــكر ّ ال ُ لــه ســعيك أيهــا الســيد الميــن.
منابــر الــدروس الحســنية رزئــت بفقــدك وغيابــك
المفاجــئ، كــم تشــرفت جلســاتها بحضــورك، وكــم
تناولـت الكلمـة فيهـا ممثـا كـفءا لبنـي قومـك وبلـدك
السـنغال، معربـا ومبديـا فـي تدخاتـك موقـف المثقـف
الســنغالي فــي القضايــا المطروحــة علــى موائــد هــذه
اللقــاءات.
وفــي أرض النبــؤة والرســالة، حــط رحالــك مــرارا
للمشـاركة فـي المؤتمـرات العالميـة التـي دعيـت إليهـا،
وآخرهـا كان فـي عـام ،2008 بدعـوة مـن الملـك عبـد
اللـه، وكانـت كلماتـك فيهـا قويـة وشـريفة بقـدر شـرف
مـن تمثلهـم.
ّ شــجاعتك الدبيــة كانــت الجنــة الواقيــة، والــدرع
الحصيــن، التــي عليهــا تحطمــت خناجــر القــام
المأجــورة والســهام المغرضــة، وغيرتــك علــى الطريقــة
الحمديـة التجانيـة حميـت بهـا عـرض الطريقـة ورجالها
ومبادئهـا، فأنـت جنرالهـا ومحاميهـا والمدافـع الـدؤوب
عنهــا، فهــل تجــود اليــام بمثلــك؟
ّتــم المقدمــون والعلمــاء والئمــة
مــن بعــدك تي
والحبـاب، وأفقـرت مـن الخيـر والهدايـا ديـار الرامـل
َ والثكالـى، فجـودك الحاتمـي وحلمـك الحنفـي ر ْ فعـت
الحجــب بينــك وبينهــم، وأزالــت الحواجــز والســدود
بيــن التابــع والمتبــوع، فــا ســدود، ول حجــاب بيــن
المربــي والمتربــي، وفــي عيــن عنايتــك ورعايتــك لهــم
33
N° AL FATHI.indd 33 23/11/2017 06:38
كلهــم إخــوة وأبنــاء، وهــم يبادلونــك ويكنــون لــك مــن
المحبـة والـود مـا ل يعلمـه إل اللـه، شـاركتهم أفراحهـم
وأتراحهـم، وأغدقـت العطايـا والهبـات السـخية عليهـم،
كنــت لهــم عونــا، ونعــم المعيــن!
راعيـا، معتنيـا، مشـفقا، سـاهرا، كنـت علـى شـؤون
الســرة المالكيــة والحضــرة التجانيــة، فكنــت أخــا
اليتـام والرامـل، وأكـرم النـاس بحـق الضيـف والجـار،
فواضلــك تخجــل مــن جمهــا النامــل، فأنــت البــدر،
ل تخفــى علــى الســاري، تكفلــت بالديــون، وفككــت
العانــي، وأطلقــت الســير، وكنــت ســمح اليديــن غيــر
مقتــار، وأنفقــت ســرا وعانيــة، فمــن كفيلنــا بعــدك؟
ويـا لهـف تـواوون !! وهـي تنـدب فقيدهـا، وتبكـي
ابنهــا البــار، الــذي ســعي مــن أجــل توســيع رقعتهــا
الجغرافية،وتخطيــط أحيائهــا الحديثــة، وتحديــث
أحيائهـا القديمـة، هـي تديـن لـك بمـا وصلـت إليـه الن
مــن تطويــر وتعميــر وتنميــة، عملــت علــى أن تســتفيد
تــواوون مــن كل الخدمــات الجديــدة الضروريــة، ومــن
كل المرافــق الحديثــة الازمــة، فحملــت لهــا الخيــر،
وحققـت لهـا مشـاريع معماريـة خاقة وإبداعيـة، وكانت
نظرتـك البعيـدة والصائبـة وراء التحديـث والتعميـر الذي
أدخلتهمــا الحكومــة فــي العواصــم الدينيــة.
قلبـك الكبيـر، وأياديـك البيضـاء وفعالـك الحسـنى
تجــاوزت آثارهــا مدينــة تــواوون، فكــم مــن مــدن
وقــرى وأحيــاء فــي ضواحــي تــواوون؟، اســتفادت مــن
مكرمـات نبلكـم، سـهرت علـى أن تصـل إليهـا خدمـات
الميــاه والكهربــاء، وعلــى أن يســتفيد كل مســتحق لهــا
بهــذه الخدمــات، بصــرف النظــر عــن انتمــاءه الفكــري
أو الطائفــي، وقــد شــرفتنا بالشــراف والرعايــة لهــذه
العمـال ومتابعتهـا، ومـاذا عـن أنـاس وفـرت لهـم بقعـا
أرضيــة، وأخــذت علــى أيديهــم لبناءهــا بمســاعداتك
الســخية وهباتــك الكريمــة؟ وأنــاس وقفــت وراء
حصولهــم علــى مصــدر محتــرم للــرزق؟
أسسـت دور تربيـة وتعليـم، وأخرجـت مـن ثناياهـا
معاهـد نموذجيـة، ومـزارع تدريبيـة، تـزاوج بيـن الجانب
النظـري والجانـب العملـي فـي تكوين المواطـن الصالح،
والفــرد الخيــر، تحولــت إلــى جامعــات شــعبية وبيئــات
حاضنـة تربـى وتكـون الفـرد لاعتمـاد علـى نفسـه، ومـا
المعهـد السـامي فـي تـواوون، وتجربـة بلـل الزراعيـة
وبـال جـوب، وكـر ممـر سـار، إل أرقامـا ضمـن السلسـلة
الطويلـة مـن إنجازاتـك وجهـودك.
وأنــى يكــون لنــا مــن شــيخ تربــع علــى قمــم النبــل
والشــهامة، والعطــف، والكــرم، والعفــة، والثبــات،
والصبـر، والتحمـل، وكظـم الغيـظ، والعفو، والحسـان،
….الــخ؟،
فعلـى روحـك الزكيـة يـا عبـد العزيـز تحيـة، تحيـة
تجديــد للعهــد والمحبــة، تحيــة تأكيــد وتمتيــن لعــرى
البيعـة وميثـاق الوفـاء علـى المضـي قدمـا فـي المشـوار
والمنهـج الـذي رسـمته لنـا مـع الحبـاب، وتحيـة قسـم
آلينــا فيهــا علــى أنفســنا أن نكــون خيــر خلــف لخيــر
سـلف، فلـن نحيـد قيـد أنملـة عـن وصايـاك وتوجيهاتك
الغاليـة بالمحافظـة علـى التـراث؛ والـذي لخصتـه فـي:
علــم، ومعرفــة، وثقافــة وعبــادة وأخــاق، ولــن نتهــاون
قــط بوضعهــا نصــب أعيننــا ودعــوة الجيــل المعاصــر
لاســتنارة بهــا:
إن مــات شــيخكم مــا مــات شــرطكم
توارثــا كل أوقــات وأوقــات
فيـا مـن باغتـه يـد المنيـة، ورحـل عـن دنيانـا، بعـد أن
أوصـى ذريتـه وأهلـه بمـا أوصـى بـه النبيـون والصالحـون
بنيهــم وأتباعهــم، ويــا مــن ربــى فؤادنــا، وقــوى مــن
عزمنــا، وضاعــف ثقتنــا فــي أنفســنا، ووجــه مصيرتنــا
نحــو التقــدم والتطــور والزدهــار، وداعــا حتــى نلقــاك
فــي جنــة الفــردوس.
ويــا عبــد العزيــز، الــذي رحلــت عــن عالمنــا فــي
ظـرف عصيـب، وواقـع مريـر، نحـن فيـه بأمـس الحاجـة
إلــى تعاليمــك وتوجيهاتــك، وإرشــاداتك وكلماتــك،
ودعواتــك، ويــا خيــر والــد نحــل أولده تربيــة حســنة،
وهيــأ لهــم مــن أمرهــم رشــدا، وكان مأمونــا فــي ترقيــة
الرواح وترويضهــا علــى حــب اللــه وحــب رســوله،
وحـب سـير الصالحيـن والعمـل علـى مقتضـى الكتـاب
والسـنة، مـا أشـد وأصعـب فراقـك لنـا، لكـن إلـى جنـة
الخلــد مصيــرك.
فيــا مــن فارقتنــا، وفــي فراقــك عبــرة وعظــة، ويــا
نجمــا ســطعت أنــواره فــي ســماء تــواوون، ورســم
للسـائرين مـن بعـده نهـج السـعادة والفاحـة، ويـا مـن
رحــل عنــا جســمه وبدنــه، وأبقــى لنــا مــن بعــده ذكــرا
خالــدا، وثنــاء حســنا فــي ذاكــرة التاريــخ وفــي ضمائــر
النـاس، وداعـا وداعـا، وإلـى جنـة الخلـد، حيـث تجـزى
ّ مـن قبـل مولـى عزيـز، أعـز منـك يـا عبـد العزيـز، علـى
ثمــرات جهــودك، ونتائــج أعمالــك فــي فســيح جناتــه.
َ فتحيــة َ إكبــار وتبجيــل، وانحنــاء إجــال واحتــرام،
لتســترح روحــك الراضيــة المرضيــة فــي ظــل والــدك
الرافــل بالســعادة الشــيخ أبــي بكــر، الــذي بشــر بــأن
عبـد العزيـز عندنـا فـي كنـف عنايـة اللـه، الـذي يجـزئ
العامليــن المخلصيــن المحســنين، ولتســتقبلك مائــك
الرحمـة بافتـات »يـا أيتهـا النفـس المطمئنـة ارجعـي
إلــى ربــك راضيــة مرضيــة، فادخلــي فــي عبــادي
34
N° AL FATHI.indd 34 23/11/2017 06:38
وادخلــي جنتــي«.
وعســى مــع مــا يعترينــا مــن شــدة اللوعــة، وهــول
الفاجعــة، وشــدة الحالــة، أن يخفــف ســكب هــذه
العبـرات مـن دمـوع قلـب مفجـوع، ونفـس جريـح علـى
فـراق شـيخها، الـذي هـو السـيد النبيـل، والسـند الجليل،
ووارث أســرار الخيــار، وحامــل مفاتيــح النــوار،
أميــن المــة، وراعــي الملــة، محيــي الشــريعة والســنة،
ومصبــاح حضــرة الئمــة، مــأوى المســاكين، ومحــك
المسـتضعفين، ومنقـذ المحتاجيـن، وموئـل الملهوفيـن،
ُِ وعصمـة الرامـل، وأنيـس الفاضـل، س ْ ـعدت بصحبتـه
وبمرافقتــه طــوال ثاثيــن عامــا، فقلــت مســتعينا باللــه
وفضلــه:
ٌ إنــي لفقــدك هائــم ُ أتوجــع
عزيزنــا فــي ذمــة ال
عبــد ِ العزيــز ُ
ُ
ُ هــذا قضــاء اللــه ل رجعــى لــه
ذهـب الـذي غمـر الجميـع بعطفـه
مــن كان يبســط َ للفقيــر جناحــه
ُ
وســماحة
ٍ
وفصاحــة
ٍ
ذو همــة
ٍ
كم
ُ
ُ ولقــد رأيــت ُ فمــا رأيــت َ شــبيه
َ مـا أنـس َ ل أنـس َ الوضـاءة ّ والتقـى
واصــل َ أرحامــه
ٌ للحــق أهــل ٌ
ْ تبكــي تــواوون ُ والمدائــن حولهــا
ُ ومعاهــد َ للعلــم قــد أنشــأتها
ُ ونجــوم ِ علمــك بالبــل ِ د جميعهــا
هــم
َ َ هــدون ّ بالعلــم الــذي ور َثتُ
ي
ٍ وتتــرا حولــه مــن مالــك
ٌ بــدر
َ إن غــاب ٌ بــدر ُ عاقبتــه كواكــب
ومالــك
َ يــا آل َ ســي آل ِ الميــن ٍ
َ ْت
ك ّ ــم وتشــعب
ُ
فضل
جل ْ ــت ُ مآثــر ِ
ّ
هــم فــي قومنــا
ِ فــأد ْم َ إلهــي فضلُ
ــة
ً
ّ
ِّ يــا رب ْ أنــزل ِ بالحبيــب تحي
ـه
ُ
ر َوح
ِ فـي منـزل ِ الشـهداء ْ فاجعـل ُ
ــه
فعال ِ
إلهــي منــه كل ِ
ّ
ْ واقبــل
وفــق خليفتنــا الجديــد وكــن لــه
واجعلــه ذخــرا للنــام أهلــه
خطاه علـي خَطي خير الورى
ُ
ّسـد ْد
د
ٍ
م
ّ
م َح
ّ ِ علـي الحبيـب ُ
ِّ يـا رب َ ص ِ ـل
ــع
شــئ َ يفج ُ
ٍ
ّ ك أي
ُ ْع ِ ــد
مــا مثــل ب
ُ
ع
ُ
للــه الــذي كل َ لــه يســت َود
ٌ
ــع
ُ فــإذا المنيــة أقبلــت ل ت َدف ُ
ــع
ل ت َقط ُ
ُ
ــا رحمــة
ً ّ
وحب
ُ ً
ــرا
ّ
ِب
ــع
ُ ركــن َ اليتيــم إذا الشــدائد ت َصف ُ
ع
ُ
ٌ للعلــم أهــل ِ بالبلغــة َ يصــد
ــع
ف ُ
ّ
وبســاطة َ يتَر
ٍ
ا عــزة
ٍ
َذ
ع
َ والبــذل ُ إذ تأتــي النــام َ وتفــزُ
ع
ُ
َ َجــز
ومــن الزمــان وريبــه ل ي
ــع
ــن ِ مــن ألــم ِ الرحيــل َ وتخش ُ
ِوتئ ّ
ع
ّ تدعــو لكــم رب َ الســماء وتضــرُ
ــع
ُ تســتنير َ وتلم ُ
ً
وغربــا
ً
شــرقا
ــع
ي َقش ُ
هــم ليــل ِ الجهالــة ُ
ُ
ِ فبفضل
ــع
ُ تلــك الكواكــب ُ نور َ هــا يتشعش ُ
ــع
لــه فلــك ُ يــدور َ وينف ُ
ٌ
كل
ٌ
ــع
ول تتقط ُ
ُ أســراركم ل تنتهــي أبــداً ّ
ع
ُ
ز
ّ
تزدهــي وت َ ــو
ُ
ٍ
ّ فــي كلِ ّ حــي
ــع
ُ حاشــاك تمنــع َ مــا بســطت َ وترف ُ
ــع
رحمــة ّ تتوس ُ
ً ً
ســلما
ً
َ ْ ــردا
ب
ع
ُ
ــد
ّ
ص
الخ ِ لــد ُ ل ي ّ
ُ
ِ يغــدو بــدار
ع
جيــب َ الســائلين َ وتســمُ
يــا مــن ت ُ
ُ
وأعنــه فيمــا يبتغيــه ويشــرع
ع
ولنصــرة الســل َ م دومــا يهــرُ
ــع
ُ ّ
َ بــارك لنــا فــي كل مــا يتتب
ــع
ــد َ يرك ُ
ٌ ْ
َ مــا قــام َ بيــن َ يديــك َ عب
بقلم/خليفة لو /السكرتير الخاص للشيخ
35
N° AL FATHI.indd 35 23/11/2017 06:38
ة ِ ذ ْ ي الَقْدرِ
ُ
َ
َْق َ ى م ِشيئ
ات َك لَ َ ا تب
ُ
َ ْمِر
ا َحي
َْ
اْكَر ِام َ و ْال َخْلِق َ وال
ِْ
ذو ال
ُ
َ َارَك
َتب
َْدَما
َُعي
ًا ب
ََق ِ ا ذْكراً َ جِميل
ِْر َكَف َ اك ْ الب
ف ْ ي الَقب
ب ِ
ُ ّ
ى تَغي
ُ َ
عْقب
لْلُ
َرِحِل َ يك ِ
ه ْم
َلُ
ْ
ال َ وَقب
ٌ
ه َ ف ْض ًل ِ ر َج
ي الذ ْكِر َفَقْد َ ن َالُ
ّ
ف
اء ِ
ً َ ك َم َ ا ج َ
ال َ ق َضْو َ ا ن ْحبا
ٌ
ِر َج
ق َون ِ بَع ْهِدِه ْم
ُ
ٌام َ ص ِاد
اة ِمِن ِ ذ ْ ي الَق ْهِر ِ كَر
ٌ
هَد
ُ ْ
مَهي
ق ْ الُ
ّ
م ْ ال َح
ِل َمْولَ ُاهُ
خْلِدِه
ُ
ن ِ ات
ّ
َ ُ اع ِ وا ب َج
ف ًسا ب
ُ
َْن
ه ْم، ا
ر َفُ
َّ
از ِ وا ر َض ْ ى الب
ُ
ال َ ف َح
ٌ
َ ْمَو
َكَذِل َك ا
الَكا
ّ الدين َِس ِ
ف ِ ي خْدَمِة َج ْهِر
ه ْم ِ
َُ
ر َ و ْال َسَع َ ى س ْعي
ف ّ ي السّ
وه ِ
ف ُ
ُ
َْق
م ي
ُ
ه
يلُ
ُ
َسِب
ال ٍك
م ِ
سَل َالِة َ
ُ
ي ِ م ْن
ا ِلكّ
يب َ ف ْرٍع َ ك َم َ ا ت ْدِر َف ي ًت َ ى مِ
ص ٍول ِ ط ُِ
ُ ُ
ِبِط ِيب ا
ّبا
مَطي
َِم ًين َ ا ذ ْ ا اجِتَه ٍاد ُ
ب ا
ا ْصِل َ ذ َ ا ف ْخِر َفَش ّ
َْ
م َ ا ك َان ِ بال
ه َ
ََن َ ى م ْجَدُ
ب
ا ْخَوٍة
َ ٍاء ِ كَر ٍام َ وِ
ِآب
َِم ًينا ل
ن ْك ا ِر
ُ
طّراً ِ ب َل
ُ
ن َ و ذ ْ ا الَع ْصِر
َُ
َكَذ َ اك ب
امًة
ب ْ ال َجِم ِيع َ كَر َ
ّ
ى ح
ُ
َِم ًين َ ا حَو
ْ ا ِر
الِه ْ ال َخي
َ ْفَع ِ
ح ْسَن َ ى وا
ِلِس َيرِتِه ْ ال ُ
ع ْرِفِه
ُ
م ْ ال َجِم َيع ِ ب
ّ
َِم ًين َ ا لَقْد َ ع
ر
ي ض ا ّ
ُ
ِ َح ِ ذ
َ ْعَر َض َ ع ْن ِ ذ ْي ال َج ْهِل َ سام
َوا
حَل ِاحِلي
ُ
َْد ْ الَعِز ِيز
َ ْعِن ِ ي بِه َ عب
َ ْكِر َفا
ِبي ب
َ
ْ ِخي ا
ص ِور َ شي
ُ
ِب ْ ي ال َمْن
َ
َسِل َيل ا
ال ِك َ ع ْصِرِه
م ِ
ر َ وف َ
ُ
ى الد ْهِر َيل ّ الر َض ْ ى ال َم ْع
ّ
مَد
ً َسِل َ
ِْه ْم ِ ر َض ّ ى الر ْحَم ِان َ دْوما
َعَلي
ج ْمَعٍة
ُ
َْوَم
ه ي
ُ
ي
ُ
َ ً اح َ ا ن ْع
ََت َان َ ا صب
ف َ ي ذِل َك ا ْ الَوْق ِت ِ ذ ْ ي الَقْدِر
َلِتِه ِ
ْ
ِلَلي
رٍم
ّ
َْد ُ ا م َح
ُ آ ش ْكِر ِ ي« ب َمب
َ ْدِر
ي ز ْمَرِة ْ ال ِبَع ِام ِ »حَر ب
ُ
ف
م ِ
َْن َضّ
ه ي
َُ
َق َض َ ى ن ْحب
ا َسى
َْ
لٍ ِ م َن ال
ّ
ك
ُ
ال
ُ
ال َ ي ح
ت َ و َح ِ
قْل ُ
ُ
م ْفَرَد ْ الَع ْصِر َف
قْدَوًة ُ
ُ ً
اَماما
ت ْم ِ
ُْ
َنَعي
دِه ْم
ّ
مِم
ُ
ق ْط ِب ْ الَع ِارِف َين
ُ
ق ْطِر َخِل َيفَة
ُ
خَلَف ِاء ّ السِابِق َين ِ بَذ ْ ا ال
ُ
َعِن ْ ال
ً
ّيا
مَرب
ُ ً
ْخا
ال ِله َشي
ّ
م
ُْ
ي
َ
م ْ الِب ْشِر َوَك َان َ وا
ائُ
ه َ دِ
ُ
ه
ُ
ً َ و ْج
ً َ كِريما
َعِفيفا
ًة
ّ
َ َ ى دِني
ب
ْ
اء َ تا
َ َ
مٍة َ عْلي
َ َخ ِ ا ه ّ
م ِور َ ك ا ِذ ِ ي ح ْجِر
اُ
ُْ
ه َ سْف َس َ اف ال
ُ
َوَت ْكَر
ً
ّبا
م َحب
يًد َ ا وُ
ً َ ا سّ
اه َ ن ْدب
ُ
ِلْفَن
َ
ْ ا ِر
اَل ْ ى ال َخْلِق َ ذ َ ا ع ْزٍم َ و َح ْزٍم ِ ب َل ِ كب
ِ
اَذى
َْ
الضَر َ وال
ّ
َ ْكَثَر
ي الش ْعِر ِسِه َ ، ك ْم ا
ّ
ف
اء ِ
ً َ ك َعَل َ ى نْف َم َ ا ج َ
ِلَنْفِع ْ الَوَر َ ى حّقا
دِه
ّ
ال ِك ْ الَع ْصِر َ ج
ف َ ي م ِ
ا ْسَت ِاذِه ِ
ُ
ق ِ ب َل ل َ غ ْدٍر ِ
ّ
م ِح
ُ
ق ِ م ْن
ّ
َشَه َادَة َ ح
ٍَة َ نَفى
ك ْرب
ُ
َْق ِض َ ي وَك ْم
ف ّ ي السِر َ و ْال َج ْهِر َفك ْم َ ح َ اجٍة ي
ِْن ِ
َي
ا ْص َل ِح َ ذ ِ ات ْ الب
ِبِ
ً
ن َ ص ِادعا
يَد ِاري لَ ُ ا يَد ِاه ُ
ِْر َوَك َان ُ
اف ِ م َن ْ الَغي
ُ
َ َخ
ً ي
ق َ ف َل َ لْوما
ّ
ِب َح
ائٍر
لْل َجِل ِ يس َ وَزِ
ا َم َع ال ْمِر ِْا ْحِتَر ِام ِ
َْ
ائِل َ وال
ف ْ ي ال َم َس ِ
اه ِ
ُ
ْ ِ ي سَو
َوَرا
ه ْم
لُ
ّ
ك
ُ
ا لْل َجِم ٍيع َ و
مِع ًين ِ
ع ْسِر َوَك َان ُ
ي ْسِر َ و ْالُ
ف َ ي ح َالِة ْ الُ
ه ِ
ال َ لُ
ٌ َ
ِعي
ه ْم
لُ
ّ
ك
ُ
ق
ُ
م ْخَت ِار َ ف ْال َخْل
اء َ عِن ْ الُ
َ ْحِر َو َج َ
ر َ و ْالب
َّ
ف ْ ي الب
ب ْ الَع ْر ِش ِ
ّ
لَر
ال ِ
ٌ َ
ِعي
ً
ّ النْفِع َ ر ِ احما
ر
َ ْكَثُ
ق ْل ا
ُ
م
ُ
ه
ُّ
َ َحب
ا ا ْجر
َْ
ال ِله َ وال
ّ
ْ َل ِ ر ْضَو ِ ان م َن
ه ْم َ ني
َلُ
36
الحمــد للــه، والصــلة والســلم علــى رســول اللــه
وعلــى آلــه وصحبــه، ومــن وله.
وبعـد : فهـذه قصيـدة مـن بحـر الطويـل أنشـأها راجـي
عفـو ربـه الجليـل مـام غـور طـوب الحقيـر، يرثـي بهـا
الحكيــم الشــهير البطــل الماجــد، والعابــد الزاهــد/
مـولي عبـد العزيـز أبـي بكـر الميـن رضـي اللـه عنهـم
وعنـا بهـم ومعهـم آميـن، قائـل وباللـه تعالـى التوفيـق
وهـو الهـادي بمنـه، إلـى سـواء الطريـق :
N° AL FATHI.indd 36 23/11/2017 06:38
اضٍع
ُ
ً َ ذ َ ا تَو
ينا
ً َ لّ
طوفا
ُ
ً َ ع
كوراً َ ذ َ ا وَق ٍار ِ ب َل َسِخي َ ص ْعِر ّا
ُ
بوراً َ ش
ُ
َص
ه
ه َ وَنَه َارُ
َلُ
ْ
مَد ٌام ْتِر َ لي
اه ُ
ُ
َ ْزَك َ ى طَع ٍام َ و ْال َحِد ِ يث ِ بَل َ ا ق ِقَر
ِبا
َ ْح ِث َ ذ ِاكراً
لْلب
اَل ْ ى الَف ْجِر َو َع َ اش َ قِل َيل ّ النْوِم ِ
ِ
ب ِ ذ ْ ي ال َجَم ِال
ّ
مَن ِاجَي َ ر
ُ
ائ ٍف
ع َ خ ِ
ُ
م ْفَز
ل ِب َ
ّ
الط
ّ
يْتِم َ و
ُ ْ و الُ
ب
َ
م ْجِدِب َين َ ذ ا ِو ْ ي الَفْقر
َ َ ا و ْالُ
غَرب
ُ
ُ ْ و ال
ب
َ
ا
وَدٍد
َ َ ا و ُسْ
ا مَزاي
ً َ ذ َ
ّا
ً َ نِقي
ّا
َ ْجِر َت ي ِقي
ا ْذ ي
لش ْع ِب ِ
ّ
ل
خْل ِف ِ
ُ
َ ِاج ْ ي ال
مِن َير َ دي
ٌ
ً
مْنِفقا
ُ
م
ُ
ّس َس ْ الَقْر
َ
م ْسِجٍد َ قْد ا
لش ْكِر َوَك ْم َ
ّ
ل
ْ َس ِ
ًة َ لي
َ
ف ِيه ِ ح ْسب
َمَل ِاي َين ِ
م ْع َهٍد
مَد ِار َس َ
ّ ِ ي م ْن َ
ت ْح ِص ِيه َ ك ْالَق ْطِر َوَم َ ا ش َاد ِ حب
ُ
َمَر ِاكَز ِ عْلٍم َ ل ْس َت
م
ُ
ه
ُ
ه ْم
ُ
ت َح ِاد َ و
ّ
ِْا
ا الش ْهِر َوَك َان َ رِئ َ يس ال
ّ
اة ِ بَذ
لْلَوَف ِ
ِ ً
نَزاعا
َ ًاء ِ
اب
ِ
ح ْسِن ْدِر ْ الِخصاَِل َ وَن ْجَدٍة
ُ
ا ف ِيه ِ م ْن
م ْع َ وَف ٍاء ِ بَل َ ا غ ِل َم ِ
ٍْر َ و ِحْلٍم َ
َو َصب
ل َ ج ْمٍع َ وَن ْدَوٍة
ّ
ي ك
ُ
ف
ه ْم ِ
ثَلُ
ّ
ِْر
م َم ِخب
د ِين َ و ْال ُ
مْلَتَق ْ ى الّ
وَتَمَر ٍ ات ُ
ْ
م
ُ
َو
انِه
ِ َ
َي
ي ِ س ْحَر ب
ه ْم ْ ال َم ْر ِضّ
ُ
يب
ف ْ ي الِف ْكِر َخِط ُ
َ َان ِ
تْنِس َ يك َ س ْحب
ُ
ه
ُ
ت
َف َص َ احُ
م ْوِلٍد
َلِة َ
ْ
اء َ لي
َ َ
ا ْحي
ِ
ع ْمِر َ اضَرًة
ُ
م َح
مَد ْ ى ال ُ
ل ِ ح ٍين َ
ّ
ي ك
ُ
ف
اتِه ْم ِ
َ َارِ
ِزي
ه
ُ
ن
ل َ ى و ِسّ
ّ
َ ْخَل ٍاق َ ت َح
الشِر َك ِارَم ا
ّ
َ َم َ ى عِن
َْنا
ِْر ي
يل َ حِل َ يف ْ ال َخي
ٌ
َقِل
م ْرِشداً
ُ
ر ْم َت
ا ْن ُ
تْغِن َ يك ِ
ُ
ه
ُ
يب
ل ْت َ عِن ْ ال َح ْصِر َت َج ِار ُ
ّ
ِْد َ ج
ب َ هَذ ْ ا الَعب
اق ُ
َمَن ِ
د ْه
الُ
ة َ و ِ
ُ
اه ْ ال َخِل َيف
ُ ّ
ر َو َل َ غ ْرَو َ رب
ِْمِن َ ذ ِ ا سّ
مَهي
لْلَمْوَل ْ ى الُ
اه ِ
ق ُ
ّ
َوَر
ه
د َ فْقَدُ
ُ
ُآن َ و ْالِو ْر
قْر
ُ
م َ و ْال
َ ِر َك ْ ى الِعْلُ
ْ ب
ض ِ م ْن َ ف ِاعِل ْ ال َخي
ُ
ا ْر
َْ
ه ّ السَم َ ا وال
ُ
ََكْت
ب
لَها
ُ
َ ْه
ه َ وا
ُ
ََكْت
ً َ قْد ب
ُ اوون َ حّقا
ع ْسِر َو
ام َ ى ذ ْ وو ال ِت ُ
َ َ
اي
َْ
ُاء َ وال
فَقَر
ُ
َكَذ ْ ا ال
بَنا
ّ
اه َ ر
م ْخَت ِار َ ج َاز ُ
مِة ْ الُ
ّ ُ
ْ ِض َ و ْالَوْفِر َفَع ْن ا
ج ِان ِ ذ ْي الَفي
ّ الت ّ
ز ْمَرِة
ُ
َو َع ْن
َ ْع َم ِامِه َكَذا
ْ ٍخ َ وا
الٍد َ شي
ر َو َع ْن َ و ِ
ّ
ً َ عَل ْ ى الِب
ً َ وِطينا
ة ِ دينا
ٌ
ا ْخَو
ِ
ه
َلُ
نِة ّ الر ْضَو ِان َ دِار َ سَل ِامِه
ّ
ا َقْدِر َل َ ى ج
َ ِاء َ ذِو ْ ي ال ِ
اْنِبي
َْ
الشَهَد َ آ وال
ّ
َم َع
َ ِ اضهاَ
ّس ْع َ رْو َضًة ِ م ْن ِ ري
َْر َ و
ه ْ الَقب
ّ السْتِر َلُ
وََر ِ ه ب ْالَف ْضِل َ ذ ْ ا الَعْفِو َ و
مَنّ
ُ
م ْن
ِْر َ
م َج ِاوَر َ خي
ْ َح ٍان ُ
َ ِلَر ْجِر ْو ٍح َ وَري
ى ال ِلط ِ يف ِ بَلا ا
ّ
لْلَمْوَل
َدَع ْ ا ال َخْل َق ِ
ت ْر ِض ِيه َ ش ِاكَر َ س ْعِيِه
ُ ً
ا ن ْكِر ًرض َ ى ر ِ احما
ُ
اه ِ بَل
ُ َ
ب
َ
َ ْكِر ا
َا ب
ب
َ
تِر ِيه ا
ُ
ال َك َ ع ْصِرِه
م ِ
ص ِور َ
ُ
َ ْ ا ال َمْن
ب
َ
يِر ِيه ا ْنِشر
ا ال ُ
ّ
َ ْحَمَد َ ذ
ّ ِ اس ا
َ ْ ا الَعب
ب
َ
يِر ِيه ا
ُ
مداً
ّ
م َح
طّراً ُ
ُ
ر َ شِف َيع ْ ال َخْلِق
ّ
يِر ِيه َح
َ ْرِد َ و ْال ُ
ِْه َ سَلاماَ َ ج ِاعِل ْ الب
َعَلي
ه َ كَذا
َْن ُاءُ
ب
َ
ا ْخَو ِان ا
ِْ
ا ِر َلى ال
ِ
ٌاء
ق ْط َعَز
ُ
ك ُان َ ذ ْ ا ال
ّ
س
ُ
ا ْس َلِم
ِْ
ن ِ و د ِينَنا ال
َُ
ب
ً
افظا
ي ْد ِ بَن ْصٍر َ ذ ْ ا ال َخِل َيفَة َ ح ِ
ّ
َ
َ ْكِر َفا
ِبي ب
َ
ق ْطِبي ا
ُ
ي َ فِر ِيد ْ الَع ْصِر
ّ
َسِم
يِدي
ّ
َ ْحَمَد َ س
ّ َ ي كا
ه َ رب
ا ْخَو َانُ
ا ْصِر َوِ
ِْ
اِم ِين َ ذِوي ال
َْ
ِْن َ وال
الَكي
َم َع َ الم ِ
اتِه ْم
َ َخَو ِ
م ْع ا
ا ْخَو ِان َ
ّ الن ْصِر ِْ
َِني ال َة
َِن ِيه ب
َ ب
ص ْحب
ُ
ه ْم
ع َ و لُ
ُ
َ ْد
ه ْم ي
ُّ
َوَم ْن َ حب
ي
ّ
ً َ عَل ّ ى النب
يم َ دَواما
اة َ وَت ْسِل ٌ
ٌ
ِْر َل
اَل ْ ى ال َص َخي
َ ْص َحِابِه ِ م َن َ سِابِق َين ِ
َوا
ً
ي َ ر ِ اضيا
انّ
ّ ي الت َج ِ
ْ ِخ
ا َم َع ال ْمِر ْ ِآل َ ، ع ْن َ شي
َ
لْل
مِط ِيع َين ِ
خَلَف ِاء َ و ْالُ
ُ
َم َع ْ ال
ً في طويله
اثيا
ب َ رِ
ّ
ة ِ ذ ْ ي الَقْدِر َ ا ق َ ال ِ ح
ُ
َ َوَم
َْق َ ى م ِشيئ
ات َك لَ َ ا تب
ُ َ
َحي
37
N° AL FATHI.indd 37 23/11/2017 06:38
إن القلــوب لتتوجــع والدمــوع تســكب والقصائــد
تفيــض مــا أمكنهــا ، والعقــول مــا برحــت تخــرف مــن
جـراء انمحـاء هـذه المكتبـة العظيمـة الشـيخ عبـد العزيـز
الميـن التجانـي ذلـك اليـة فـي الزهـد والـورع والتقوى
والخلـق والصـاح. فهـو فـي الديـن رمـز وفـي الطريقـة
طــود شــامخ وعلــم راســخ. وفــي ميــراث الحكمــة
والموعظــة الحســنة جمــع الفــرض والتعصيــب. وفــي
القيــادة والمواطنــة ابــن جــاء وطــاع الثنايــا. فهــو
شــخصية متعــددة الجوانــب: دينــي علمــي سياســي
اقتصــادي اجتماعــي … ومــن بــاب السياســة نطــرق
فندخــل فــي مواطنتــه التــي مــا كانــت تنحصــر بعناصــر
المواطنــة الغربيــة الضيقــة التــي تتمثــل فــي: الدولــة ـ
المواطنيــن ـ الرض. بــل كان يتقيــد بأصــول المواطنــة
الســامية التــي حددهــا النبــي الكريــم وبيــن معالمهــا
فــي وثيقــة المدينــة والتــي كانــت تتركــز علــى الحــكام
والقيــم التــي تحــدد الحقــوق والواجبــات فــي مختلــف
جوانــب الحيــاة.
والشــيخ عبــد العزيــز رضــي اللــه عنــه بصفتــه
مواطنـا صالحـا، كان يسـعى جاهـدا مخلصـا إلـى كل مـا
يكـون فيـه خدمـة للوطـن والمـة. فلـم يغـادر فـي سـبيل
بحـث ذلـك صغيـرة ول كبيـرة إل وأحصاهـا. فقـد كان
يقـول:« قيمـة المـرء مـا يقدمـه لينفـع نفسـه والخريـن
مـن حولـه، وبمقـدار مـا يسـاهم فكريـا وعقديـا فـي بنـاء
الوطـن واسـتثمار ثرواتـه وصيانـة حقـوق أبنائـه وحمايـة
الرض مـن العـدوان تتحقـق مواطنتـه«؛ إنـه بحـق لمثـال
راق فـي المواطنـة الحسـنة.
ولذلـك الصـدد ارتـأت مجلـة الفاتـح أن تبـرز فـي
هــذا العــدد الخــاص نبــذة مــن بصمــات خــادم الدولــة
والمــة حامــي الطريقــة والملــة. رحمــه اللــه. معتمــدا
علــى هــذه النقــاط:
1 ـ مفهــوم المواطنــة فــي الغــرب وفــي الشــريعة
الســامية.
2 ـ مقومات المواطن المسلم
3 ـ بصمة المين في المواطنة الحسنة.
·مفهوم المواطنة:
تحــدد دائــرة المعــارف الســامية بأنهــا: عاقــة
بيــن فــرد و دولــة، كمــا يحددهــا قانــون تلــك الدولــة،
وتؤكـد أن المواطنـة تـدل ضمنـا علـى مرتبـة مـن الحريـة
ومــا يصاحبهــا مــن مســؤوليات،
وتســبغ عليــه حقوقــا سياســية مثــل: حــق
النتخــاب وتولــي المناصــب العامــة. وميــزت الدائــرة
بيــن المواطنــة والجنســية التــي غالبــا مــا تســتخدم
كمــرادف لهــا.
·مفهوم الجنسية في الشريعة ا\سلامية:
الفقهــاء كانــوا يطلقــون علــى الدولــة الســامية
اسـم: دار السـام. كمـا كانـوا الفـراد الذيـن يسـتوطنون
فيهــا بأنهــم أهــل دار الســام. وكان ارتبــاط الدولــة
بالسـام ارتباطـا خاصـا، ل يشـبه ارتبـاط الفـرد بالفـرد،
لن الدولــة الســامية ليســت فــردا وإنمــا هــي منظمــة
سياسـية كالدولـة، فرابطـة أفـراد شـعب دار )دار السـام
( بهــذه الــدار رابطــة سياســية وقانونيــة، ولن آثــارا
قانونيــة تنتــج عنهــا ويلتــزم بهــا الفــرد والدولــة فهــذه
الثــار هــي الحقــوق التــي يتمتــع بهــا الفــرد فــي ظــل
الدولـة والواجبـات التـي يلتـزم بهـا قبلهـا. وهـذه الرابطـة
هــي الجنســية وإن لــم يســمها الفقهــاء بهــذا الســم.
·الجنسية في المفهوم المعاصر:
»هـي نظـام قانونية تضعـه الدولة« والمواطنة حسـب
موســوعة الكتــاب الدولــي: عضويــة كاملــة فــي دولــة
أو فــي بعــض وحــدات الحكــم، وتؤكــد الموســوعة أن
المواطنيـن لديهـم بعـض الحقـوق مثـل حـق التصويـت
وحــق تولــي المناصــب العامــة وكذلــك عليهــم بعــض
الواجبــات مثــل واجبــات دفــع الضرائــب والدفــاع عــن
بلدهـم. و المواطنـة فـي صيغتهـا المعاصـرة فـي الغـرب
تركــن إلــى فلســفات معيتــة، وترتكــز علــى مبــادئ
الفلســفة الليبراليــة حيــث تعلــو فيهــا قيمــة الفــرد.
أمــا المواطنــة فــي الفقــه الســامي فإنهــا ترتكــز
علـى الحـكام والقيـم التـي تحـدد الحقـوق والواجبـات
فــي مختلــف جوانــب الحيــاة. والــذي يعنينــا منهــا هنــا
هــو جانــب الوطــن ،فــإن كان مواطنــوا البلــد كلهــم
مســلمين فالمــر واضــح فــي تســاويهم فــي الحقــوق
والواجبــات بينهــم وبيــن دولتهــم. وأمــا إن وجــد غيــر
مســلمين فدســتور المدينــة فــي الفقــرة الولــى والثانيــة
مــن البنــد رقــم ) 25 ( يقــرر المواطنــة المتســاوية
لليهــود وغيرهــم مــع المســلمين تحــت لــواء الدولــة
الســامية… يعيشــون معصوميــن دمــا ومــال وعرضــا
بحكــم مواطنتهــم الدائمــة وعلــى مــن يكتســب هــذا
الحـق أن يقـوم – فـي نظيـر ذلـك – بواجبـات مؤداهـا
38
N° AL FATHI.indd 38 23/11/2017 06:38
تحقيـق التكافـل مـع الدولـة والـولء لهـا لحفـظ كيانهـا
داخليــا وفــي هــذا دللــة علــى أمريــن:
الول: تأصيــل مبــدأ حريــة العقيــدة، وهــو مــن
المبـادئ السـاس التـي تقـوم عليهـا هـذه الدولة الناشـئة.
الثانـي : مبـدأ التسـامح مـع أهـل الديـان السـماوية
الخـرى.
وقــد حــذر الســام مــن اضطهــاد المســلم لغيــر
المســلم فقــال: ) أل مــن ظلــم معاهــدا أو انتقصــه أو
كلفـه فـوق طاقتـه أو أخـذ منـه شـيئا بغيـر طيـب نفـس
فأنــا حجيجــه يــوم القيامــة » وقولــه أيضــا: ) مــن قتــل
معاهـدا لـم يـرح رائحـة الجنـة، وإن مسـيرتها توجـد مـن
مســيرة أربعيــن عامــا(
أسـاس المواطنـة والنتمـاء للدولـة السـامية هـو:
اليمــان أول، والــولء ثانيــا. والصــل فــي هــذا قولــه
تعالــى: ) إن الذيــن آمنــوا والذيــن هاجــروا وجاهــدوا
بأموالهـم وأنفسـهم فـي سـبيل اللـه والذيـن آووا ونصـروا
أولئــك بعضهــم أوليــاء بعــض…(
وبهــذه المقومــات الســامية فــي المواطنــة، كان
الشـيخ عبـد العزيـز يتمسـك ويطبـق بهـا علـى أحسـن مـا
يـرام، فيتعـاون مـع أهـل دينـه وطريقتـه، و يتسـامح مـع
غيــر المســلمين، فــي دفــع عجلــة الدولــة إلــى النبثــاق
والتنميــة والتقــدم والتطــور..
2 ـ مقومات المواطن المسلم
إنــه رضــي اللــه عنــه فــي الحقيقــة كان متوســما
بمقومـات المواطـن المسـلم التـي تجعـل المـرء مواطنـا
صالحــا ولبنــة صامــدة نــا فعــة وهــي:
ـ العمل بالكتاب والسنة
ـ طاعة ولة المر
ـ البعد عن الخاف والختاف.
ـ الحفاظ على أمن البلد
ـ التضحية لجل البلد.
وهـذه مواقـف فـي المواطنـة الحسـنة وضـع الميـن
فيهـا بصمتـه .
· 3 ـ بصمة اPمين في المواطنة الحسنة.
إن مـن صفـات ومواصفـات المواطن الصالح طاعة
ولة المـر، ونصحهـم وتقديرهـم والتضحيـة بعـد العمل
بالكتــاب والســنة، فهــو رضــي اللــه عنــه فــي الحقيقــة
ّ لمواطـن صالـح، لنـه بعـد مـا تربـى وتكـون فـي حجـر
والــده حتــى تضلــع فــي العلــوم والمعــارف، أصبــح ذا
فكـر راشـد وبصيـرة متوقـدة مـن النـوار والمعـارف فقـد
تسـلم رايـة الريـادة فـي القيـادة و التوجيـه والرشـاد، منذ
نعومـة أظفـاره ، ورغـم ذلـك مـا كان يتناقـض مـع الـولة
ّ إل فيمـا ل يرضـي اللـه ورسـوله صلـى اللـه عليـه وسـلم،
بـل كان يمـد إليهـم يـد العـون بتوجيهـات ونصائـح مـن
شـأنها تتقـدم الدولـة وتسـعى نحـو السـلم والسـتقرار،
فــا تأخــذه فــي ســبيل نصــح الــولة وإرشــادهم لومــة
لئــم، فــكل مــا يــراه مصلحــة لهــم وللدولــة يتحمــل
مســؤوليته تجــاه ذلــك، بشــجاعة تفــوق عــن الوصــف
والتصــور. وبأســلوب حــواري متحضــر راق وذلــك
عمـا باليـة الكريمـة: ) أطيعـوا اللـه وأطيعـوا الرسـول
وأولــي المــر منكــم( فكــم مــن مواقــف أخذهــا ضــد
التمـرد. فلـم يكـن الشـيخ واقفـا فقـط موقـف المتفـرج
مـن الجـدال المحتـدم بيـن رجـال الساسـة فـي كل زمـان
زمـكان حـول قضايـا الدولـة، بـل كان دائمـا يتوسـط بيـن
المطرقــة والســندان لحــل مشــاكل الدولــة .فقــد كان
بحــق أبــا حنونــا للدولــة، وأخــا شــقيقا للــولة الدينيــة
والدنيويـة. فقـد كان يضحـى لحـل المشـاكل السياسـية
والدينيـة فـي الدولـة وفـي العالـم، بـل كان يسـتغرق وقتـا
أكثـر مـن الـازم فـي اسـتضاف المواطنيـن مـن مختلـف
مرافـق الدولـة ويسـتمع عليهـم، ثـم يبـذل مـال يسـتهان
مـن الجهـد والمكانيـات ليجـاد الحـل المناسـب لهـا.
وبهـذه المواطنـة المثاليـة جعلـت سـاحته ملتقـى الحـل
والترحــال بيــن رجــال الديــن والساســة داخــل البــاد
وخارجهـا. فهـو بحـق كان رجـل المواقـف الصعبـة.
فقــد انهــدم أحــد أركان المــة الســامية واختفــى
المثــل العلــى والنمــوذج الســمى فــي الخلــق الرفيــع
والدب والحكمــة والنســانية… وفــي ذلــك الصــدد
أقــول:
َ ِ ا بَر َحا
ِه م
َموِاط ٌن َ صالِ ٌح تَاللّ
ّيًا وَاجِبًا فِي النّشْءِ وَالْكِبرـ
مُوَد
ً
َة
َُو ّجع
َ ْصَو ٍات م
َ ُ اعِ با
ِلبق
ْ
نَ َ اح ا
ِْم ِْصرِ م ْن َ وزَر
ِْسَي َ ه ْلِ في ال
ْ َف نَف
يا لَه
ً
ْز َعة
ُِف
ُ م
َ َ مصار
ْل
لمَدِائ ُن َ وا
َ ْ
ِْكي ا
تَب
ُ َس ِ ـــر
ْل
ِة ا
ْلَ
ِقب
َ َ ـــا و
ِنِسه
و
ُْ
ْر م
ِل َخِي
ْ
َِائَد ُهم
َ ْجيَ ُ ال ق
ْا
ُ َ وال
َْمنَِابر
ِْكي ال
تَب
ُِ م ْن ُ خ َسـر
يْتَام
َ
ْل
لمَدِار ُس َ وا
َ ْ
ِْكي ا
تَب
ُه
ََكِارم
َ َ ا غابَ ْت م
ُ َ وم
ُْه َمام
َغ َ اب ال
َِر
ْغــز
بًَدا بٍَاق َ علَى ال
َ
ْ ُضهُ ا
َي
َف
ف
39
N° AL FATHI.indd 39 23/11/2017 06:38
ٍد
ََح
ُِ م ْن ا
ِا ْس َام
ْ
ُ َ وال
ْر
ْ َخي
لَْو َ خلَّد ال
ّ َِهر
َ ِى بَذا الد
بْق
َ
ُ ْدَوتُنَا ا
لََك َ ان ق
ًـا
ِه لََم َ ا خ ّصنَ َ ا خلَف
ْ َح ْمُدِ للّ
اَل
ِر
ِم بَابََك
ِو
َ
ْق
ِْخ ال
َ َ شي
َنْ ُصور
بنَ ْجِل م
ِع َدا
ُْق ْطِب الَّذ َ ي ص
َا ال
ي َ وِالِد ذ
َسِمّ
ِب َشر
ْ
َْم ْو ُص ِوفِ بال
َ ْح َمِد ال
ْا
ْزَِخ ال
ِلبَر
من الفقير إلى رحمة ربه : محمد في
40
يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله:
قــد جاءكــم مــن اللــه نــور وكتــاب مبيــن يهــدي
بــه اللــه مــن اتبــع رضوانــه ســبل الســام ويخرجهــم
مـن الظلمـات إلـى النـور بإذنـه ويهديهـم إلـى صـراط
مســتقيم )المائــدة ٥١ــــ٦١(
فالشــيخ عبــد العزيــز ســي الميــن قــد أدرك مــن
خـال هـذه اليـة إشـكالية القيـادة بمنهجيتهـا ومواردهـا
ومقاصدهــا. وكتابــه المســمى ”إلــى النــور“ الــذي ألفــه
إثـر تعمقـه فـي دراسـة المجتمـع تحـت مرجعيـة الكتـاب
والسـنة الغـراء، ليبقـى دليـا واضحـا علـى دقـة نظرتـه.
إذا تصفحنــا هــذا الكتــاب وجدنــا الشــيخ وهــو
يتطــرق إلــى تشــخيص الضطرابــات والمــراض التــي
تعانـي منهـا المجتمعـات السـامية )وخاصـة المجتمـع
الســنغالي( تشــخيصا جذريــا، قبــل أن يعــرض للمــة
الحلـول المناسـبة والمواقـف الازمـة لـكل مـن القيـادة
والشــعب.
فالصـور التـي تتجلـى مـن المجتمعـات السـامية
ومنهــا الســنغالي تعكــس عقليــة أغلــب المواطنيــن،
عقليـة تبـرز ميولهـم نحـو النحـراف والنهيـار الخلقـي
وتفريطهـم فـي أوامـر اللـه وفـي أداء إلتزاماتهـم الناشـئة
عــن كونهــم خليفــة فــي الرض.
هــذه العقليــة المقصــرة تولــدت مــن التغيــرات
الهائلــة فــي المجتمــع وخاصــة فــي المســاحات التــي
تنبــع منهــا، مــن حيــث المبــدإ، المــوارد التــي تــزود
الحيـاة بمعانيهـا العـدة ثـم تبلغهـا إلـى الجيـال الناشـئة
والمقبلــة. هــذه المجــالت المخصصــة لقامــة صــرح
القيـم فـي المجتمـع ـ مدرسـة كانـت أو أسـرة، جماعات
دينيــة كانــت أو أحــزاب سياســية أوحــركات المجتمــع
المدنــي-ـ تشــتتت بســبب انتشــار عوامــل الجهــل
والتســاهل والتقصيــر.
والشــيخ، كمــا تعودنــاه بوعيــه الحــاد إزاء وطنــه
الغالــي وإزاء الرســالة المحمديــة، رغــم يوميتــه التــي ل
مجـال فيهـا للفـراغ، تعـرض نفسـه بمزيـد مـن التضحيـة
لن المجتمـع كان فـي حاجـة ماسـة إلـى أضـواء كـي ل
يضيـع تـراث المجـد الـذي تورثنـاه جيـا بعـد جبـل مـن
الجـداد ذوي الهمـم العليـةـ
إن التاريــخ يخبرنــا أنــه منــذ تنصيــب مراكــز
النــور للتربيــة الســامية فــي الســنغال ل يــزال النــاس
يسترشــدون بالقــرآن، يوجهــون حياتهــم بأنــواره بــدون
تطــرف ول تشــدد، فيبــث الــروح اللهــي فــي أعمالهــم
اليوميـة وهـم واعـون بـأن بقاءهـم علـى وجـه الرض ل
يفيـد شـيئا إل إصاحهـا كمـا أمـر بـه الخالـق البـار. لكن
بقلم أ.د. عبد العزيز كيبي
)جامعة شيخ أنت جوب ـ دكار(
المفوض العام لشؤون حجاج
السنغال
N° AL FATHI.indd 40 23/11/2017 06:38
41
مـع السـف الشـديد، لحـظ الشـيخ، ونحـن معـه، أنـه
مــن يحــدق حولــه فــي الوقــت الحالــي يشــعر بالدهشــة
وكأن النــور انطفــأ وأن روح القــرآن هاجــر أجواءنــا.
والســؤال الــذي يطــارده هــو: أيــن نحــن والمجتمــع
الــذي نريــده ونطالبــه فــي أحامنــا؟
فأصبحنــا غربــاء فــي مجتمــع يحولــون التجديــف
إلـى قيمـة ويسـجلونه فـى قائمـة الحقـوق ول حـول ول
قــوة إل باللــه. وســار العــرى فــي أعيــن الحداثــة تطــورا
ومواكبــة العصــر، والســب والشــتم واللفــاظ الرديئــة
مـن مظاهـر البطولـة، ويعـد النهـب والسـرقة مـن أدوات
الرقــي الجتماعــي. أمــا تســول الطفــال فــي المــدن
الكبيـرة فيدعـي البعـض أنـه وسـيلة مـن وسـائل التربيـة
الخلقيـة، متجاهليـن تعـرض هـؤلء المسـاكين لمخاطـر
الممارسـات الهامشـية، وقلـة أوقـات التعلـم والمراقبـة.
هـذه اللوحـة المظلمـة أوجعـت كثيرا مشـاعر الشـيخ
وسـببت عنـده مؤاسـات بالغـة حتـى أدى بـه المـر إلـى
سـهر اليالـي حرصـا علـي إيجـاد حلـول مناسـبة. فترتبـت
علـى أفـكاره النيـرة هـذا الكتـاب ”إلـى النـور“، لنقـاذ
المجتمـع وإخراجهـم مـن تلـك الظـروف الحالكـة إلـى
النـوار الربانيـة.
انطاقــا مــن الصفحــة الرئيســية يســتدل الشــيخ
الميــن بهــذه اليــة فــي ســورة يس،آيــة ٠٣
)يــا حســرة علــى العبــاد مــا يأتيهــم مــن رســول
ال كانــوا بــه يســتهزءون(، ليحــث الســنغاليين علــى أن
يسـتيقظوا مـن سـباتهم وأن يعـوا بمسـؤولياتهم التاريخية
احتفاظـا بتركـة المجـد التـي ورثوهـا مـن مراكـز النـور.
فدعاهــم بليــن ورفقــة إلــى الخــذ بجــد رســالة القــرآن
التـي تهـدي خطاهــم إلـى ســيبل الرشـاد .
وبهـذا سـيحققون مسـؤوليتهم العظمـى، علـى حـد
قــول الشــيخ، وهــي الربــط بيــن المخلوقــات والخالــق،
بيــن الكــون والمكــون. ويبتعــدون عــن طريــق الهمــال
والغفلـة والكسـل، تلـك المـراض النفسـية التـي تعمـي
النسـان إمـا بسـبب الجهـل أو بسـبب علـم ل سيترشـد
بضميـر.
وأمـام هـذه الحالـة الحزنـة تجـد الشـيخ عبـد العزيز
ســي الميــن فــي موقــف مرشــد نورانــي يقــود المــة
الــى طريــق الشــعاع الــذي يضــيء القضايــا المعاصــرة
بالنوارالربانيـة السـاطعة مـن كام القـرآن لفظـا ودللـة،
كمــا ورد فــي اليــات الكريمــة:
)الــر كتــاب أنزلنــاه إليــك لتخــرج النــاس مــن
الظلمــات إلــى النــور بــإذن ربهــم إلــى صــراط العزيــز
الحميــد(. اليــة 2-1 ســورة إبراهيــم.
بصيغتـه المألوفـة بالجـرأة مـع تعقـل وتدبـر، بـدون
تعصــب ول مجاملــة فــي التحليــل ول فــي التفســير،
يوضــح الشــيخ فــي هــذا المنــوال المســائل الحرجــة
فــي المجتمــع مثــل التســول، إنتــاج الثــروات، حقــوق
النســان، الحكــم الرشــيد، مســائل الســرة، قضايــا
الصحـة بصفـة عامـة، وأحـوال المسـلمين المسـتضعفين
فـي جميـع أنحـاء العالـم )فلسـطين، الروهينجـا، قضيـة
العنــف والتطــرف والرهــاب، …الــخ.
وهكـذا كان ـ الميـن ـ، رجـل مثالـي يؤمـن بوطنـه
ويكـن لـه حبـا خالصـا ل حـد لـه، كريـم وسـخي لشـعبه،
للغايــة. يدعــو أمتــه الســنغالية بــا ملــل ول يــأس، ل
يرجـو مـن أحـد جـزاء ول شـكورا، إن أجـره إل علـى اللـه
ـ يدعوهـا لخراجهـا مـن ويـات معـادلت العصـر الـى
النورالهـادى إلـى دار السـام. ومـا كان ليقصـد بذلـك أن
يبقـى النـاس منطويـن فـي المسـاجد والكنائـس فقـط بـل
كان يشــجعهم علــى بنــاء مجتمــع فاضــل، المــر الــذي
لـن يتحقـق إل بالهمـة العاليـة والتـزام القيـادات مـا منهـا
دينيـة ومـا منهـا حكوميـة واجتماعيـة.
ولهــذا كان يعتقــد أن صــاح المجتمــع ل يقتصــر
علـى سـن قوانيـن وإنمـا يقتضـي التوفيـق بيـن التربيـة
والقـدوة الحسـنة. فقـال فـي كتابـه ”إلـى النـور“:
”فنظــام الحكــم صاحــا وفســادا يتوقــف علــى
أخــاق الشــعب. و]…[ أن القانــون وحــده ل يصلــح
المــة وإنمــا يتحقــق صاحهــا بالتربيــة علــى الدعــوة
والقــدوة.“
لن المثاليــة والقــدوة ل تنحصــران عــن المظاهــر
والتكلـف والتصنـع ولكنهـا عمـل يومـي مطابـق بأعمـال
نـور القـرآن.
هكــذا كان الشــيخ عبــد العزيــز الميــن الخليفــة،
هــذا المقــود الــذي ل يــزال الشــعب يبكيــه وســيبكيه
الدهـر، أسـكنه اللـه جنـان النبييـن والصديقيـن والشـهداء
والصالحيـن وحسـن أولئـك رفيقـا. فعلـى هـذا المرشـد
الــذي ألفنــاه بجــده ووفائــه، بعزيمتــه ورشــده، بعفتــه
وقناعتـه، بهمتـه وصبـره، بإحسـانه وعفـوه، هـذا الميـن
المعيـن ـ رفعـه اللـه مكانـا عليـا ءاميـن ـ ينطبـق عليـه
حقـا هـذه اليـة بـدون أيـة مجاملـة:
”مــن المومنيــن رجــال صدقــوا مــا عاهــدوا اللــه
عليــه فمنهــم مــن ثضــى نحبــه ومنهــم مــن ينتظــر ومــا
بدلــوا تبديــا“
صدق الله العظيم ـ الحزاب، ٣٢
N° AL FATHI.indd 41 23/11/2017 06:38
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ŏŤǀƀƧƧƍƄƼdž ŏŤƧƧǀŤŧř ŤƧƧǎ ŏƳƧƧơſوǀ ŏƳơſوǀn
ƳƧƧơſوǀ ŏŤǁƧƧƊيǀřdž ŏŤǁžيƧƧƍdž
ŤƧƧƼdž ƲƄƧƧيƥ ƪƄƧƧƢǀʬ نƧƧźǀdž ŤƧƧǁŮưƃŤƬ
ƻƧƧƵƭǁƴ njوƧƧƉ ŤƧƧǁƭلř
ƯƧƧƎǁŮƊǀ ŏƳƧƧƹƝ ͯƧƧƬ ƷƞŮƧƧƊǀ ŤƧƧǁƴ ƻƧƧƴdž
ǃƧŭŤŨǁŵ نƧيŧ ƄƢƧƎǀdž ŏͯƧƱǁلţ Ŗ ţوƧDžلţ ǃƧيƬ
ŪƧƧǁيǀŚمƚلţdž ŏƃţƄƱŮƧƧƉʬţdž ŪǁيͺƧƧƊلţ
ͭƧƧƹơ ƾوƧƧưŤŧ ŤƧƧǁǀŚŧ ƲƀƧƧDŽŤƢǀdž ƾŤƧƧƼʨţdž
ƳƧƧűţƄŭ ŖŤƧƧيŹŝ ͯƧƧƹơ ƾوƧƧƞƬŤźƼ ŏƀƧƧDžƢلţ
ƻƧƧƹơ نƧƧƼ ƄƧƧŲƴŚŧ ƈƧƧلي njƂƧƧلţ ŏͯƧƧلŤƦلţ
ǃƧʓلţ ƲƀƧمƦŭ ŏũſŤƧŨơdž ƮʭƧŽřdž ŪƧƬƄƢƼdž
mǃƧƧŮǁŵ ŸيƧƧƊƬ ƳǁͺƧƧƉţdž ǃƧƧŮمŹƄŧ
رفقاء الشيخ المين:
الخ محمداندو ، الخ خليفة كن ، الخ باطي
جوب ،الخ خليفة جنك ، الخ خليفة انجاي،
الخ إبراهيم كواجو، الخ إبراهيم جوب، الخ
انبي فال ، الخ مالك فاي ، الخ الخليفة
سل، الخ شيخ جنك، الخ شيخ جوف وكافة
الحباب أهل الحضرة المالكية
ŏŪƧƧǀŤƼʨţdž ƮƀƧƧƒلţ ŏƲƀƧƧƱƭƭŧ ŤƧƧǀƀƱƬƄƧƧŨƒلţdž ŏƪŤƧƧƭƢلţdž ŪơŤŶƧƧƎلţdž ŏƺƄƧƧͺلţdž ſوƧƧŶلţdž ŏƏʭƧƧŽʪţdž ſوƧƧمƒلţdž ŏũŖţƄƧƧŶلţdž ūŤƧƧŨŲلţdž ŏƻƧƧيƱلţdž ƮʭƧƧŽʨţ ŤƧƧǀƀƱƬ ƷƧƧŧ ^ŪƢƧƧƉţdž ŪƧƧمŹƃ ǃƧƧʓلţ ƳƧƧمŹƃ ƷšŤƖƭلţdž الخ الشيخ أحمدالتجاني صو مدينة ندر عبد العزيز الصدوق ا5مين : ŤƧƧǁŧوƹưdž ŏƌƧƧƚƢلŤŧ ŤƧƧǁولƱơdž ŏŪƧƧƎŹلوŤŧ ƄƢƧƧƎŭ ŤƧƧǀƄšŤمƕ ŬƧƧƢƕdž ƀƧƧưdž ŏƳƧƧŧƃ ƃţوƧƧŵ ͭƧƧلŝ ŤƧƧǁŮưƃŤƬ ŤƧƧƼƀƢŧ ŏŪƧƧơوƹلŤŧ ƳƧƧŧƃ ƀƧƧŨơţdž@ ͭƧƧلŤƢŭ ǃƧƧولư ũŤƧƧيźلţ ŪƧƧƹيƙ ƳƧƧيǁيơ ŦƧƧƒǀ >نƧƧيƱليţ ƳƧƧيŭŚǎ ͯƧƧŮŹ ƄǎƀƱلţ ͯƹƢلţ ͭلمولţ ǃʓلţ ŪمŹƃ Ƴيƹơ الشيخ الحاج فال صار دكار ديم ديك el haji Falle sarr dakar déme dikc ŦيŨźلţdž ͭƭƚƒلمţ Ťŧř Ƅͺŧ Ǎŧř Ťŧř Ťǎ Ƴل Ťơţſdž ǃولư ƄơŤƎلţ ƠƼ ſſƃř نƼ ŪƱű ͭƹơ Ťǀř ʬ ƳǎƆƢǀ Ťǀŝn نǎƀلţ ŪǁƉ نͺلdž ũŤيźلţ ǃŮيƼ ƀƢŧ ƮŤŨŧ njƆƢلمţ ŤمƬ ^ mينŹ ͭلŝ ŤƍŤơ ƾŝdž LjƆƢلمţʬdž الشيخ أحمد التجاني انجاي غالغ امبور {أبانا الحنون عبدالعزيز ا5مين ǃƧǎƃţوǎ ʬ ƷƧميŶلţ ƲƄƧƴƁ نƧͺلdž ŏƳمƧƊŵ ƄƧŨƱلţ ƻƧƕ ƀƧƱل ũƄƧƧƴţƁ ͯƧƧƬ ŏţƀƧƧƹžƼ ŤƧƧمšţſ Ʒƞǎ ƷƧƧŧ ŏLjƄƧƧŲلţ ŬƧƧƎơ ŏƇŤƧƧǁلţ ƄƧƧšŤمƕ ͯƧƧƬdž żƧƧǎƃŤŮلţ ŤƧƧمƬ ŏŤǁيƼřdž ŤƧƧƒƹžƼ ŏŤƧƧưſŤƑ ŤƧƧŨيŶǀ ŬƧƧƢŵţƄŭʬdž ŏūƄƧƧيƥ ŤƧƧƼdž ŬƧƧلƀŧ ͭƧƧƹơ ƛŤƧƧƭźلţ ƷيŨƧƧƉ ͯƧƧƬ ūſſƄƧƧŭʬdž ǃƧƧʓلţ ŤƱƧƧƉ ŏنƧƧيƼŤلميţ ƳƬʭƧƧƉř ůţƄƧƧŭ ^ǃƧƧŮمŹƃ ƷƧƧŧţوŧ ƲƄƧƧŨư الخ عبد الله انجاي غالغ تواوون انبور يا ساكنا في القلوب ŬǁͺƧƧƉ ƳƧƧǀʨ ƆƧƧǎƆƢلţ ƀƧƧŨơ ŤƧƧǎ ƲŤƧƧƊǁǀʬ
ŏŏŬƧƧƒƹŽřdž ŬǁƧƧƊŹř ťوƹƱلţ
ūƀƧƧDŽŤŵdž ŏŬƧƧمưřdž ŬƧƧيǁŧdž ŬƧƧƹمƴřdž
نƧǎƀلţ ŪƧƼƀŽ ͯƧƬ ŬƧƹƕŤǀdž ŏŬƧƼdžŤưdž
ƺʭƧƧƉʪţ نƧƧơ ǃƧƧʓلţ ƲţƆƧƧŵ ŏنƧƧƙلوţdž
ƺوƧƧǎ ͯƧƧلŝ ʬوƧƧƑوƼ ŖţƆƧƧŵ مينƹƧƧƊلمţdž
ţلƧƧǎƀن ^
الخ محمد سل طيبة سل
nوداعا وداعا ياعبد العزيز !!
نƧƧƊŹ ŤƧƧǁƢƼ ͭƧƧƱŨǎdž ƳمƧƧƊŶŧ ŤƧƧǁŮưƃŤƬ
ŖƄƧƧلمţ ŤƧƧمǀŝ ŏƳšŤǁű ƷƧƧميŵdž ƲƄƧƧƴƁ
نƧلم ŤǁƧƊŹ ŤƧŲǎƀŹ ƻƧƵƬ ŏǂƀƧƢŧ ŰƧǎƀŹ
ƳǁͺƧƧƉřdž ǃƧƧŮمŹƄŧ ǃƧƧʓلţ ƲƀƧƧمƦŭ ŏͭơdž
42
N° AL FATHI.indd 42 23/11/2017 06:38
mǃƧŮǁŵ ŸيƧƊƬ
المدير العام لشركة papex
الشيخ عبدالله سعد
حفظه وبارك في جهوده«
ťوƧƹưdž ŏŤƧǀƆŹdž ŪƧơلو ƄƧƊźŮŭ ƇوƧƭǁŧn
ŤƧƧǎ ƳƧƧǎƆƢǀ ŏǃƧƧʓلţ ŖŤƧƧƖƱŧ ŪƧƧيƕţƃ
ŏƮƀƧƧƒلţdž ŖŤƧƧƬلوţ ƆƧƧƼƃ ŤƧƧǎ ŔƆƧƧǎƆƢلţƀŨơ
ŤƧŽř ŤƧǁƢƼ ŬƧƎơƀƱل ƺƄƧͺلţdž ƄƧŨƒلţdž
ŏŤƧيمͺŹ ţƀƧƍƄƼdž ŏʭƧيŨǀ ţƀيƧƉdž ŏţƄƧيŨƴ
ŪƧƧŨźلمţ ͭƧƧƊǀř ʬdž ŏʭƧƧيƹŵ ŤžيƧƧƍdž
ͯƧƧŮلţ ŪƧƧŨيƚلţ ūŤƧƧمƹͺلţdž ͯل ŤƧƧDžǁƵŭ ŬƧƧǁƴ ͯƧƧŮلţ ŏŪƧƧƑŤžلţ
ŤƧƧǁŧوŨźƼ ƃƄƧƧƵŭdž ƃƄƧƧƵŭdž ŏƳƧƧǁƼ ŤƧƧمšţſ ŏŤDžƢمƧƧƉř ŬƧƧǁƴ
ŤƧƧǁŧوŨźƼ ŤƧƧǁŧوŨźƼ
ƺʭƧƉʪţ نƧơ ǃƧʓلţ ƲţƆƧŵdž ƆƧǎƆƢلţ ƀƧŨơŤǎ ƳƧل ŤƧơţſdž ŤƧơţſdž
mţƄƧيŽ
محمد بارود سي اللبناني السنغالي التواووني
تجديد الوفاء بالعهد
ŤƧƧǁƚŧƄǎ njƂƧƧلţ ŔƀƧƧDžƢلţ ͯƧƧƹơ ͭƧƧƱŨǀ ŤƧƧǁǀŝn
ͯƬ ţƀŧř ŦƧيƦŭ نƹƬ ŏƆƧǎƆƢلţ ƀƧŨơŤǎ ƻƧͺŧ
ŏƻƧͺلŤمơř żǎƃŤŮلţ ͯƧƊǁǎ نƧلdž ŏŤƧǁŧوƹư
ƄƧƧƎǀdž ŏƺʭƧƧƉʪţ ũƄƧƧƒǁل ƻͺيơŤƧƧƊƼdž
ŖŤƧƧيŹŝdž ŏŪƧƧǎƀمŹʨţ ŪƧƧƱǎƄƚلţ şſŤƧƧŨƼ
ǃƧƧʓلţ ƻƧƧƴţƆŶƬ ŏŪƧƧيͺلŤلمţ ũƄƧƧƖźلţ ůţƄƧƧŭ
نƧǎƀلţ ƺوƧǎ ͯƧلŝ ʬوƧƑوƼ ŖţƆƧŵ ŏمينƹƧƊلمţdž ƺʭƧƉʪţ نƧơ
mƳƧƹDŽř ͯƧƬ ƲƃŤƧŧdž ǃƧʓلţ ƳƧمŹƃ
maître Mbaye badiane notaire
ميتر انبي بجان
ƷƬŤŹ żƧǎƃŤŮŧ ƾوƧƬƄƢǎ ŖŤƧمƞƢلţ ƶŤƧŵƄلţ`
ƆƧƧǎƆƢلţƀŨơŤǎ ŬƧƧǀřdž ŏŪƧƧƹيƹŶلţ ƄƧƧűŘلمŤŧ
ţوƧƧƉƄƴ نƧƧǎƂلţ ŔƶŤƧƧŵƄلţ ũƄƧƧيŽ نƧƧƼ
ƻƧƧيƱلţ żيƧƧƉƄŭ ƷيŨƧƧƉ ͯƧƧƬ ƻƧƧDžŭŤيŹ
ūŤƧƧźƭƑ ƷƧƧƢŵ njƂƧƧلţ ƄƧƧƼʨţ ŏŪƧƧيǁǎƀلţ
ƲŤǎŤŶƧƧƉdž ƲŤƧƧǎţƆƼ نƧƧƼ ŜƧƧلʩŮŭ żƧƧǎƃŤŮلţ
^ƳƧƧǁơ ͯƧƧƕƃdž ǃƧƧʓلţ ƳƧƧمŹƃ
محمد مختار انجاي عبد العزيز
لا يزال العالم في حاجة إليك!
ͯƧƧƬ ƆƧƧǎƆƢلţ ƆƧƧǎƆƢلţƀŨơ ͯƧƧلŤƦلţ ŤƧƧǀƀيƱƬʊ
ŏŪƧƧƎŹdž ͯƧƧƬ ƻƧƧلŤƢلţ ƲƄƧƧŮŭř ŏŤƧƧǁŧوƹư
ųŤƧƧŮźŭ ŤƧƧمǁيŧ ũƄƧƧيŹdž ŪƧƧƎDŽſdž
ŏŤƧƧDžŭŤŢƬ ƷͺƧƧŧ ŪليŤƦǁƧƧƊلţ ŪƧƧƼʨţ ƳƧƧليŝ
ƲƄƧƧƴƁ ƀƧƧƹžŭ ũƀيƧƧƍƄلţ ƳƧƧليمŤƢŭ نƧƧͺل
ƲŖŤƧƧǁűdž
ʉƆǎƆƢلţ ƀŨơŤǎ ƳŹdžƄل Ūيźŭ
السيد جوب سي المندوب في البرلمان
مدى الدهر لا ننساك
ƫƧƧيƴdž نƧƧيƼʨţ ƆƧƧǎƆƢلţ ƀƧƧŨơ ŤƧƧǎ ƲŤƧƧƊǁǀʬ ƄƧƧDŽƀلţ LjƀƧƧƼ
ŤƧƧǁل ŬƧƧǁƴ ŏŤƧƧǁŧوƹư ͯƧƧƬ ŪžƧƧƉţƃ ƳƧƧŭŤمƒŧ ƻƧƧلŤƢƼdž ŕƲŤƧƧƊǁǀ
ŏŷوƒǀ żيƧƍ ƄƧيŽdž ŏƻƧيͺŹ ƀƧƍƄƼ ƄƧيŽdž ŏƾوƧǁŹ ťř ƄƧيŽ
ŬƧƧǁƴdž ŏƳƧƧŧƄŧ ƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹř ƀƧƧƱل ŏنƧƧيƼř ƟţƃƄƧƧيŽdž
ƠƧƧƼ ŏƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹřdž ŏŤǁƧƧƊźƼ ŤمƹƧƧƊƼ ŤƧƧǁƼŜƼ ţƀƧƧŨơ
ţƄƧƧDŽŤƙ ŏŤƧƧŨيŶǀ ŤƧƧƭيƭơ ŏƳƧƧƊƭǀ ƃƀƧƧư ŤƧƧƬƃŤơ ŬƧƧǁƵƬ ƳƧƧƊƭǀ
ʭƧƧšوƼ ŬƧƧǁƴdž ŏƳŭƄƧƧƉř ƠƧƧƼ ƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹřdž ŏŤƧƧơوǁư
ŏƇŤƧǁلţ ƠƧƼ ƳƧŮưʭơ ŬǁƧƊŹřdž ŏŤǀţوƢƼdž ţƂƧƱǁƼdž ŏţƁʭƧƼdž
ŏŤƧƧيمŹƃ ŤƧƧƬdžśƃ ţƃوƧƧŨƑ ŏŤƧƧمǎƄƴ ŤƧƧưſŤƑ ŤƧƧيمƹŹ ŬƧƧǁƴdž
Ūيǁǎƀلţ ūţſŤƧيƱلţ ƠƧƼ ƳƧŮưʭơ ŬǁƧƊŹřdž
ŬƧƧǁƴdž ŏŪيƼʭƧƧƉʪţ ūŤƧƧيƢمŶلţdž
ʬŤƧƧŲƼdž ũdžƀƧƧưdž ŏʭƧƧليſdž ŤƧƧƊيǀř
ŪƚƹƧƧƊلţ ƠƧƧƼ ƳƧƧŮưʭơ ŬǁƧƧƊŹřdž
ūŤƧƧŧŤƱǁلţdž ŏŪƧƧƕƃŤƢلمţdž
ŤƧƧǁيƼř ŤƧƧưdžƀƑ ŬƧƧǁƵƬ ŏūŤƧƧơŤƚƱلţdž
ŤƧƧƢƼŤŵ ŤƧƧźƹƒƼ
ţƀŧř żǎƃŤŮلţ ƲŤƊǁǎ نƹƬ ƆǎƆƢلţ ƀŨơŤǎ ŬƎơ ţƂͺDŽ
ǃŭŤǁŵ ŸيƊƬ ƳǁͺƉřdž ǃŮمŹƄŧ ǃʓلţ ƲƀمƦŭ ŏƲŤƊǁǀ لنdž
محمد مختار سيس
المدير العام لشركة الكهرباء في السنغال
senel
{فقدناك أبا ومربيا وشيخا
ͯƧƧƬ ŤǀƄƢƧƧƍ ĽŤƧƧŧř ŏƲŤƧƧǀƀƱƬ ŏǃƧƧƼوư ƆƧƧǎƆơ ŤƧƧǎ ƲŤƧƧǀƀƱƬ
ǃƧƧيƬ ŤƧƧǁƭلř ŏƷƧƧšŤƖƭلţdž ƷƧƧŲلمţdž ƻƧƧيƱلţ ƾţƀƧƧƱƬ ŏǃƧƧǀţƀƱƬ
ƺƄƧƧƴdž ŏŦƧƧǀŤŶلţ نƧƧليdž ŏƃƀƧƧƒلţ ŪƢƧƧƉdž ŏǃƧƧŵلوţ ŪƧƧƍŤƎŧ
ƺƄƧƧƴdž ŏŦƧƧيŹƄŮلţ نƧƧƊŹdž ŏŪيŶƧƧƊلţ ƷƧƧŨǀdž ŏũſŤƧƧƬلوţ
ŖŤƧƧƭƑdž ŏŪƧƧƹƼŤƢلمţ ƷƧƧميŵdž ŏŖŤƧƧƦƑʪţ ťſřdž ŏũdžŤƧƧƭźلţ
ͯƧƧƬ ŤƧƧǀƀƱƬdž ŏƈƧƧƭǁلţ ũƆƧƧơdž ŏŦƧƧƹƱلţ
ŪƧƧƭƢلţdž ŏŪƧƧǀŤƼʨţdž ƮƀƧƧƒلţ ƳƧƧǀţƀƱƬ
ŏūŤƧƧŨŲلţdž ŪƧƧمǎƆƢلţdž ŏŪơŤŶƧƧƎلţdž
ƄƧƧيƥdž ŏƟƃوƧƧلţdž ƀƧƧDŽƆلţdž ƄƧƧŨƒلţdž
ƄƧƧيƥdž
ŏƳǀŤمŲŵʬŝ ŪƧƱيƱźلţ ͯƧƬ ŤǀƀƱƬ ŤƧƼdž
ƲſوƧƧDžŵdž ƳƧƧلŤمơř ͭƧƧƱŨŭ ŤƧƧمǁيŧ
ũƀƧƧلŤŽ ŪƧƧيŹ ƳƭưţوƼdž
^ƳźǎƄƕ ƃوǀdž ƆǎƆƢلţ ƀŨơŤǎ ǃʓلţ ƳمŹƃ
الحاج غور سك
تحية وداع ياعبد العزيز ا5مين
ƳƧŭŤيŹ ƷƧŹţƄƼ ŬƧƖŽdž ƀƧDžƢلŤŧ ŬƧيƬdždž ŪƧǀŤƼʨţ ŬƧǎſřƀƱƬ
ƮƀƧƧƒلŤŧ ŪƧƧمͺźلţdž ŪƧƧƬƄƢلمţdž ƻƧƧƹƢلŤŧ
ūŤƧŨŲلţdž ŪƧمǎƆƢلţdž ƏʭƧŽʪţdž ƄƧŨƒلţdž
ũƀƧƧلŤŽ ͯƧƧƱيŨŭ ūŤƧƧمƒŧ ŤƧƧǁل ŬƧƧƴƄŭdž
ƲƃŤƧŧdž ƲƄƧŵř ƫƧơŤƕdž ƲƄƧŨư ǃƧʓلţ ƠƧƉdž
ƳƧƹDŽř ͯƧƬ
njƃŤƴƀلţ ͯžولͺلţ njŤŶǀţ ƀمźƼ Żʬţ
43
N° AL FATHI.indd 43 23/11/2017 06:38
أول: التعريف به وبيان نسبه ومولده
ّ هــو الشــيخ التقــي النقــي، الطاهــر البــي، العــارف
الزاهـد، الميـن عنـد أهلـه وحضرتـه، الولـي الصالـح، الشـيخ
الحـاج عبـد العزيـز ابـن الخليفـة العظـم، والهمـام القـوم،
الشـيخ الخليفـة أبـي بكـر، ابـن العـارف باللـه مربـي القـوام
والجيـال الشـيخ السـيد الحـاج مالـك بـن عثمـان بـن معـاذ
رضـي اللـه عنهـم أجمعيـن.
ينتمــي الشــيخ عبــد العزيــز الميــن إلــى أســرة
معروفـة بالديـن والصـاح والتقـوى والدب، فوالـده –
كمـا سـبق بيانـه – هـو سـراج المتقيـن وشـمس المهتديـن،
صاحــب الفيوضــات والبــركات، الخليفــة أبــو بكــر ســه t،
وأمـا جـده فهـو ناشـر السـنة وقامـع البـدع والهـواء، العـارف
باللــه تعالــى الســيد الحــاج مالــك ســه ، هــذه الســرة
التــي بهــا تأسســت مدرســة تــواوون، مدرســة نشــرت العلــم
والمعــارف فــي البلــدان، وأخرجــت الظلــم والجهــل فــي
ّ الوطــان، وترب ُ ــى بهــا الجيــال والقــوام، مدرســة تكتســب
بهـا السـتقامة والتقـوى والـورع، كمـا شـهد بذلـك العلمـاء
والخيــار، يقــول الشــيخ الحــاج محمــد المنصــور t:
ــل ِ هَدايٍَــة
ّ
َ َح
ْ َ ه ِــذي م
ِتَواوونُُكــم
ُ
ُْه ْجــر
تــلَ ٍاف لَا يَِل ُ يــقِ ب ِــه ال
ْ
َو ُح ْس ُ ــن ائِ
ٍة
َ
َام
ــل ْ اسِــتق
ّ
َ َح
ْ َ ه ِــذي م
ِتَواوونُُكــم
ّوا
َــر
ْ م
ْلَُكــم
َب
َ ْ ــن ق
ِق ُ يم ِ وا مثْ َ ــل م
َ ْ اســتَ
لَا ف
َ
ا
َ ٍ ــاون
ــل تَع
ّ
َ َح
ْ َ ه ِــذي م
ِتَواوونُُكــم
ُ
ْ َ ــو ِى بِــه يُ ْحتَ َ ــوى النّ ْصــر
ّ َ والتّق
ِبــر
ْ
َعلَــى ال
ص ٍ ــب
ّ َ
ــل تَع
ّ
َ َح
ِت َس ٍ ــاب لَا م
ــل ْ اك
ّ
َ َح
م
ُ
ْــر
ِحب
ْ
تَانَ ِ ــا ب ِــه ال
َ
َــا ا
ض َ ــوا علَــى م
ّ َ
َع
ف
ويقـول الشـيخ سـعد أبيـه مادحـا السـيد الحـاج مالـك رضـي
اللـه عنهمـا:
َ َ ــدِارِس
ُ م
ْــر
ِْــم َ خي
ِعل
ْ
ََدِار ُســهُ ِ فــي ال
م
ْدُ
َ ِ ــا مثْلُــهُ ِ ور
َادُهُ ِ ف ّ ــي الذ ْكِــر م
َْور
َوا
ُ وأمــا والدتــه فهــي الســيدة س ْ ــخَن عائشــة كان بنــت مقــدم
البركــة القاضــي الحــاج عبــد الحميــد كان، ووالــدة الســيدة
عائشــة هــي الســيدة مريــام بــاه بنــت الســيد عبــد اللــه بــاه،
َ وهــو أخ للمجاهــد الكبيــر المــام م َاب َ ــا ج ُ اخ َ ــو ب ْ ــاه.
فهـو مـن كل الجوانـب ينتمـي إلـى أسـر عريقـة، معروفـة
بحـب الديـن والعمـل بـه، والسـعي الجـاد فـي إقامتـه.
وظهـر الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الميـن إلـى الوجـود
تحـت رعايـة هـؤلء العظمـاء الفـذاذ، وكان ظهـوره فـي عـام
1927م، وقيــل: 1928م فــي مدينــة تــواوون، فربــاه والــده
الخليفـة أبـو بكـر سـه رضـي اللـه عنـه أحسـن تربيـة، حيـث
ّ بـدأ دراسـاته الوليـة عنـده، ثـم حولـه والـده الشـيخ الخليفـة
رضـي اللـه عنـه هـو وأخويـه الشـيخ محمـد المنصور والشـيخ
أحمــد التجانــي إلــى مقــدم البركــة الشــيخ علــي غــي رضــي
اللـه عنهـم، فأخـذوا عنـده العلـوم الشـرعية وبعـض اللغويـة،
كمـا أخـذ أيضـا عـن مقـدم البركـة الشـيخ شـيبة فـال، وعـن
أخيـه الشـيخ أحمـد التجانـي سـه، وغيرهـم مـن العلمـاء.
ثانيا: الشيخ عبد العزيز رضي ال عنه أمي قومه
مــا إن بلــغ الشــيخ عبــد العزيــز الميــن ســن الرشــد
والتمييــز حتــى اختــاره والــده، فجعلــه أميــن أســراره، ووكل
ّ إليـه تسـيير كل مـا يتعلـق بأمـور البيـت والسـرة، فـكان يدبـر
أمـور المنـزل مـن نفقـات وغيرهـا، مـع وجـود إخوتـه الكبـار،
لكـن والـده أثـره علـى غيـره فـي هـذه المهمـة؛ لمـا رآه فيـه
مـن الصاحيـة لهـا، وبعـد ارتحـال والـده إلـى الرفيـق العلـى
وعمــره آنــذاك يناهــز الثاثيــن، واصــل الشــيخ عبــد العزيــز
ّنـه
الميـن عملـه برعايـة أمـور السـرة بتنفيـذ إخوتـه، كمـا عي
ّه الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الدبـاغ رضـي اللـه
عمـه وسـمي
ّ
ّ عنــه ناطقــا رســميا باســم الســرة المالكيــة، ثــم بعــده أقــره
أخــواه الشــيخ محمــد المنصــور والشــيخ أحمــد التجانــي
علــى هــذه المهمــة، أي: أنــه مكــث أكثــر مــن ســتين )60(
ســنة وهــو لســان الحضــرة المالكيــة، أكثــر مــن ســتين ســنة
وهـو الميـن عنـد قومـه، فـي زمـن أصبـح النـاس فيـه سـدى،
وعـادت المانـة فيـه غريبـة أو مفقـودة، لكنـه ِ كان لمـا
ُ اصطِفــي بــه ناهضــا، قائمــا بــه حــق القيــام، وراتقــا لفتقــه،
ّ ومتحم ّ ــا لعبــاءه دون شــكاية، فلــم يتضــور ولــم يشــتك
قـط، صـرف همتـه عـن الدنيـا وزخارفهـا، فلـم تثنيـه لذاتهـا
عــن طلــب مــا عنــد اللــه، ولــم تطبيــه شــهواتها عــن ابتغــاء
الزلفـة بيـن يـدي ربـه، والقربـة إليـه، بـل صـرف همتـه كلهـا
إلـى تأييـد حضـرة آبائـه وأجـداده رضـي اللـه عنهـم، وتعديـل
أحوالهـا إلـى مـا هـو أصفـى وأرقـى، ناهـدا للعـداء الممتـدة
أعناقهــم، المنطلقــة أطماعهــم، المحاوليــن النيــل بالحضــرة
ٍ أو السـام بـرأي يفـل السـيف البتـار، وعـزم يـكل الجحفـل
ّ الجــرار، فدح ّ ــض آراءهــم، وهــو َ ن مــن خ ْطِبهــم، فــكان –
بحمـد اللـه ونعمتـه – للخلـق غيثـا وربيعـا، وللمسـلمين وزراً
وحصنـاً منيعـا،ً ولهـذا أحبـه النـاس، وغرقـوا فـي بحـر شـوقه،
يقـول الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الدبـاغ t معبـرا عـن حبـه
وشـوقه إيـاه:
ِل ٍ ــص َ غِــرٍق
ُ ْخ
ٍْــد م
ُ َ عب
َه ِــذ َ ي هِديّــة
َِم
َْكـر
ِة ال
السـادَ
ِق َك يَـا ابْ َ ـن ّ
ِفـي بَ ْحِـر َ ش ْ ـو
44
N° AL FATHI.indd 44 23/11/2017 06:38
َِالِكنَــا
ُْق ْط ِ ــب م
ِف ِ يــد ال
َز ِيــز َ ح
ِْع
ِْــد ال
َعب
ِحَك ِــم
ْ
ِْــم َ وال
ِعل
ْ
َِة بَ ْحِــر ال
ِهيــر
َش ْ ــمِس ّ الظ
ثالثا: صفاته وأخلقه رضي ال عنه
تميـز الشـيخ الحـاج عبـد العزيـز الميـن بالتحلـي
بالصفـات المصطفويـة، والتخلـق بالخـاق المحمديـة، فلـو
اكتفينــا بالقــول بأنــه كان أمينــا، لكفــاه ذلــك، إذ فــي
المانـة تجتمـع كل الخصـال الخيريـة، لكنـه زاد إلـى جانبهـا
التحلــي بالزهــد والــورع، فمــع المكانيــات الهائلــة التــي
ملكهــا اللــه إيــاه، إل أنــه لــم يلتفــت إليهــا، فمــا بنــى منــزل
قـط، ل لنفسـه ول لبنائـه، بـل جعـل أموالـه كلهـا وقفـا للـه
تعالــى، ينفقهــا علــى التاميــذ وطلبــة العلــم وأبنــاء الســبيل،
والبعـض الخـر ينفقهـا علـى الجيـران والضعفـاء، والبعـض
ّ الخـر يمولهـا لمشـاريع الحضـرة مـن بنـاء مسـاجد ومـدارس
وغيرهمــا.
كمــا تميــز الشــيخ عبــد العزيــز الميــن بالصراحــة
والجــرأة فــي تبيــان الحــق وإظهــاره، فــكان ل يتوانــى عــن
إبـداء رأيـه فـي المسـائل التـي تمـس المجتمـع، سـواء أكانـت
مسـألة دينيـة أم اجتماعيـة أم سياسـية، ول يمنعـه عـن ذلـك
مــا يــردده بعــض العــوام وســفلة النــاس، الذيــن يحكمــون
علــى الشــخاص دون الدرايــة بنواياهــم ومقاصدهــم.
كمـا كان الشـيخ عبـد العزيـز الميـن عالمـا بارعـا،
وسـالكا مسـلكا، ومربيـا مرقيـا، يربـي أتباعـه بحالـه ومقالـه،
ويوصــل المريديــن بعلمــه وحلمــه، فــكان حياتــه كلهــا فــي
التعليــم والتربيــة، فلــم يتــرك أي فرصــة إل واســتغلها فــي
تربيـة التبـاع وتوجيههـم، سـواء فـي ذلـك مواسـم المواليـد
أو المحاضــرات أو المناســبات الخــرى.
ً وزيــادة علــى غــزارة علومــه ومعارفــه فقــد كان الشــيخ
عبـد العزيـز الميـن ذا خبـرة واسـعة فـي كل مجـالت
الحيـاة، مـع مـا أوتـي مـن الفصاحـة وفصـل الخطـاب، وقـد
ّمكنــه ذلــك ميــل الجماهيــر إليــه، وانقيــاد العلمــاء تحــت
طاعتــه، فــإذا تكلــم انفتقــت بكامــه أعمــاق القلــوب، وإن
خاطـب انبهـرت بخطابـه أصحـاب العقـول، وتزينـت بمعانيه
أرواح المريديــن.
رابعا: عنايته بشؤون الدين والتمع
كان الشــيخ عبــد العزيــز الميــن ل يفتــر فــي كل
ّ مــا فيــه صــاح للديــن أو المجتمــع، فــكان عضــوا فعــال –
إن لـم يكـن المؤسـس- لكثيـر مـن التجمعـات والمنظمـات
الســامية والعالميــة، أمثــال: اتحــاد الجمعيــات الســامية
بالســنغال، وجمعيــة الدعــوة الســامية، ورابطــة علمــاء
المغـرب والسـنغال، وغيرهـا؛ ولهـذا كانـت حياتـه كلهـا حركة
ّ مســتمرة دون ســكون، فقــل أن تجــد مدينــة أو منطقــة مــن
مناطــق الســنغال، أو دولــة فــي العالــم الســامي أو الغربــي
ُ ولــم يلــق فيهــا الشــيخ محاضــرة دينيــة، أو تجــد مشــكلة
ّ ألمــت بالمجتمــع ولــم يقــم بســاق الجــد ويســعى بمســاعيه
الحكيمــة فــي حلهــا، ومــن أبــرز مواقفــه الحكيمــة:
1- رأيـه الثاقـب فـي إنشـاء هيئـة جعلـت مهمتهـا تنظيـم
المناسـبات المتعلقـة بالحضـرة )COSKAS)، وذلـك فـي
ســنة 1968م حيــن اضطربــت البــاد بســبب الضرابــات
ُ المتكــررة، وفقــد المــن، فلــم يكــن للدولــة مــا يكفيــه مــن
الرجـال لتوفيـر المـن فـي المناسـبات، فأوحـى إليـه حكمتـه
َ الثاقبـة بإنشـاء هـذه الهيئـة لتحـل َ محـل رجـال المـن.
2- ســعيه الدائــم فــي حــل المشــاكل الجتماعيــة أو
ٍ السياسـية، فـكان ل يسـمع بمشـكلة نشـبت أنيابهـا، أو خطـر
أحـدق بأنظـاره، إل وقـام t بسـاق الجـد للدفـع عنـه، والمنـع
َ عـن وقوعـه، وم ْ ـن ِ مّنـا ل يتذكـر موقفـه الجـاد حيـن صممـت
الحكومــة الســنغالية عــام 2016 ْ م بفصــل حوالــي 5000
معلـم عـن العمـل فـي الوظيفـة العموميـة بسـبب الضرابـات
المتكــررة، وكيــف قــام الشــيخ بالمنــع عــن ذلــك،
حيــث اتصــل برئيــس الدولــة مباشــرة وأقنعــه بالرجــوع عــن
قــراره، ومــن جانــب آخــر دعــا النقابــات إلــى الرجــوع إلــى
العمــل ونبــذ العنــف.
وكذلــك مواقفــه النبيلــة فــي القضايــا السياســية، مثــل:
ْ قضيتــي ْ كريــم واد وخليفــة أبابكــر ســل، وغيرهمــا.
3- دعواتــه المتكــررة للصحافــة والعامييــن إلــى
التثبــت مــن صحــة الخبــار قبــل نقلهــا، فــكان فــي أكثــر
ّ المناســبات يذكرهــم بهــذا المبــدأ الصيــل فــي مجــال
ّ الصحافــة، وينهاهــم عــن التســرع فــي نشــر الخبــار، أو
ّ النتقـاص مـن أعـراض البريـاء وتلفيـق التَهـم عليهـم؛ لن
ذلــك يبعــث بالتوتــر وعــدم الســتقرار، فأكثــر الضطربــات
والفتــن إنمــا نشــبت لعــدم التثبــت.
4- اهتماماتــه المتزايــدة لقضايــا العالــم الســامي،
وقــد مكنتــه ثقافتــه الواســعة إلــى ا ِلْلمــام بمــا يــدور فــي
هـذا العالـم، فـكان ل يتوانـى فـي إبـداء رأيـه لحـل مشـاكله،
والنصــرة للمســتضعفين، ســواء فــي فلســطين أو أفريقيــا
الوسـطى أو غيرهمـا، ومـن أواخـر أعمالـه فـي هـذا المجـال:
النصـرة التـي أبداهـا لقضيـة الروهينغيـا )Rohingya les )
الذيـن اسـتضعفهم البوذييـن البرمانييـن، فقتلوهـم وعذبوهـم
ّ وشـردوهم، وقـد قـام الشـيخ عبـد العزيـز الميـن بإلقـاء
خطــاب دعــا فيــه الرئيــس الســنغالي ماكــي ســال وصنــوه
التركـي رجـب طيـب أرغـان والمجتمـع السـامي والدولـي
ّ ّ ـن فـي خطابه أن
إلـى مزيـد العنايـة بهـؤلء المسـتضعفين، وبي
لهـم الحـق فـي ممارسـة الديـن الـذي ارتضـوه فـي بادهـم،
دون اضطهــاد أو تنكيــل.
خامسا: علقته t بإخوته
إن العاقـة التـي تربـط بيـن الخليفـة الحـاج عبـد العزيـز
الميـن t وبيـن أخيـه الخليفـة أبـي بكـر المنصـور – أيـد اللـه
ونصـره- هـي عاقـة روحيـة دينيـة ودمويـة، فبجانـب كونهما
أبنـاء أعمـام، فـإن الخليفـة أبـا بكـر المنصـور مـن جانـب آخـر
خـال لـه، وذلـك للتقائهمـا عنـد جديهمـا الشـقيقين، وهمـا:
َ َ ــرا ســك، فهــو الخليفــة
َ الشــيخ عبــد اللــه ســك والســيدة تب
أبــو بكــر ابــن الســيدة آمنــة ســك بنــت الترجمــان الشــهير
45
N° AL FATHI.indd 45 23/11/2017 06:38
ُ الشـيخ محمـد المعـروف بــ »د ُود سـك« ابـن محمـد المختار
ِ المعــروف بــ »اْبُنــو المقــداد ســك« ابــن الشــيخ عبــد اللــه
ســك، بينمــا الميــن فهــو الحــاج عبــد العزيــز ابــن الســيدة
عائشـة كان بنـت مقـدم البركـة الحـاج عبـد الحميـد كان ابـن
َ َـرا سـك،
ِ السـيدة بْن َ ـت ِ س َ ـير َ ا بنـت سِـلَمَة َ ك ْان َ بنـت السـيدة تب
ولعـل هـذه الخـوة المتينـة، هـي مـا كان يرمـي إليهـا الشـيخ
الحــاج محمــد المنصــور ، فيمــا رواه عنــه الخليفــة
الشــيخ أحمــد التجانــي ســه ، حيــث قــال فــي إحــدى
َ محاضراتـه: بـأن عمـه الشـيخ الحـاج محمـد المنصـور
نـاداه قبـل وفاتـه بقليـل، وقـال لـه: هـل تعـرف العاقـة التـي
تربطـك بأخيـك أبـي بكـر المنصـور؟ قـال: فقلـت لـه: نعـم،
فقــال: إذن يمكنــك أن تنصــرف.
إذ مــن الواضــح أن الشــيخ الحــاج محمــد المنصــور
الحـاج مالـك ؛ لنهـا واضحـة وجليـة، وإنمـا يريـد هـذه ل يريـد بذلـك إعامـه العاقـة التـي تربطهمـا بالشـيخ
العاقـة الخفيـة عـن كثيـر مـن النـاس.
وبجانــب هــذه العاقــة الدمويــة المتينــة التــي كانــت
تربــط بيــن الزعيميــن، فهنــاك عاقــات روحيــة وتربويــة
ـن لخيـه
ُ واجتماعيـة أخـرى، ولهـذا كان كل واحـد منهمـا يِك ّ
كل الحتـرام والتقديـر والحـب والشـفقة، فـكان الشـيخ عبـد
ــت فــي أمــر إل بعــد استشــارة لخيــه أبــي بكــر
ُ العزيــز ل يب ّ
المنصـور، فيسـتمع لرائـه ونصائحـه باهتمـام بالـغ، وقـد بـدأ
ّنـه ناطقـا
ذلـك قبـل توليـه الخافـة، وبعـد اختيـاره خليفـة عي
رســميا باســم الســرة، فــكان بذلــك يــده ولســانه ورجلــه،
وبالجانــب الخــر كان الخليفــة أبــو بكــر المنصــور يعامــل
أخــاه معاملــة حســنة بالتأييــد والنصــرة والنصيحــة الحســنة،
وهــو أيضــا يقابــل النصيحــة بالســمع والطاعــة.
ونفــس هــذه المعاملــة هــي مــا كان يجــري مــع بقيــة
السـرة، فقـد كانـوا يشـاركون ويؤنسـونه فـي أعمـال الحضـرة
مــع الحتــرام والحرمــة والشــفقة، فجزاهــم اللــه عــن هــذه
الحضــرة خيــر جــزاء.
فهكــذا كانــت ســيرة الشــيخ عبــد العزيــز الميــن مــع
إخوتـه، حتـى ارتحـل إلـى جـوار ربـه، وهـو عنهـم راض، وهم
كذلــك راضــون عنــه، بعــد حيــاة مليئــة بالعبــر والــدروس،
فليعتبـر بهـا أولـي النهـى، وليأخـذ المريديـن الصادقيـن منهـا
أســوة لصــاح حالهــم ومآلهــم.
ولله الحمد أول وآخرا
فاتيك /11 نوفمبر/ 2017م
46
بقلم/الحاج عبد امبينغ
لقــد كانــت العاقــة بيــن طوبــى وتــواون تتميــز
دائمــاً بالحســن والجمــال نظــرا لصالــة الروابــط
الدمويــة، والدينيــة، والجتماعيــة التــي تربــط بيــن
السـرتين عبـر التاريـخ، وقـد حـرص كل الخلفـاء الذيـن
تولــوا زمــام المــور علــى مختلــف العصــور فــي كل
مــن طوبــى وتــواون علــى حفــظ هــذه الروابــط، وتــرك
كل منهـم بصماتـه فـي خدمـة هـذه العاقـة، وتطويرهـا
مـن الحسـن الـى الحسـن، باعتبارهـا منطلقـا لترسـيخ
جــذور الخــوة الدينيــة، ومبــدإ وحــدة المســلمين فــي
المجتمــع الســنغالي.
الـى أن وصـل المـر إلـى الخليفتيـن المثالييـن وهما
الشـيخ سـيد المختـار امباكـي والشـيخ عبـد العزيـز سـه
الميــن، فضــا عمــا ورثــاه مــن أســافهما ممــا ســبق
ذكــره فقــد جمعتهمــا ظــروف خاصــة، وذلــك، أن كا
منهمـا قـد تولـى زمـام المـور فـي ظـرف زمنـي خـاص؛
يتميــز بكثــر ة التحديــات مــن جوانــب مختلفــة؛ منهــا
علـى سـبيل المثـال:
ظهــور تيــارات فكريــة جديــدة تهــدد الثوابــت
الدينيــة المتعــارف عليهــا فــي المجتمــع الســنغالي؛
N° AL FATHI.indd 46 23/11/2017 06:38
وظاهــرة النهيــار الخاقــي التــي بــدأت تنتشــر فــي
أوسـاط الشـباب؛ وغيرهـا مـن التحديـات، التـي فرضـت
ضــرورة اتخــاذ موقــف موحــد وتوحيــد الجهــود مــن
أجـل مواجهتهـا ،وقـد كانـا علـى وعـي تـام بمـا يقتضيـه
الحـال، نظـرا لمـا يتمتـع بـه كل منهمـا مـن خبـرة قياديـة
ُ واسـعة، فالشـيخ عبـد العزيـز مثـا؛ عـرف طيلـة حياتـه
بلزومـه بيـت الخافـة فـي أسـرة سـيدي الحـاج مالـك،
ســه وكان رضــى اللــه عنــه مازمــا لوالــده الــذي ورث
الخافـة مباشـرة بعـد جـده، ول شـك أن مـا تعلمـه مـن
والـده، كان كافيـا ليكـون قائـدا دينيـا مميـزا، ولكنـه ظـل
مازمــا ومســاندا بــكل اخــاص، لــكل الخلفــاء الذيــن
ورثـوا الخافـة مـن أبيـه حتـى لقـب بالميـن، وبالفعـل
كان أمينـا، لنـه كان علـى وعـي تـام بمسـؤوليته؛ كمرجع
دينــي، وشــخصية وطنيــة، يتميــز بمصداقيــة تامــة،
ونتيجـة لذلـك، فقـد اسـتفاد المجتمـع السـنغالي لكثـر
مــن مــرة بــدور الوســاطة الــذي كان يؤديــه للمســاهمة
فــي حــل الزمــات الكبــرى، ســواء أكانــت سياســية،
أو اجتماعيــة، ولــه فــي ذلــك فضــل ل يــزال التاريــخ
يذكــره. هــذا وقــد كان يعتبــر أمــن واســتقرار الوطــن
َ فــوق أي اعتبــار ولــم يمنعــه ذلــك مــن دفــع كل نفيــس
وغــال فــي خدمــة الطريقــة التيجانيــة، ورفــع رايتهــا،
ليـس فقـط فـي السـنغال ولكـن حتـى فـي الخـارج، ول
نخشــى أن نقــع فــي خطــإ، إذا قلنــا إنــه ســخر حياتــه
ِ بدايــة ونهايــة فــي خدمــة الســام والمســلمين، وفــي
ســبيل خدمــة وطنــه وخدمــة الطريقــة التيجانيــة التــي
عــاش عليهــا طيلــة حياتــه، و كل عمــل كان يقــوم بــه
يدخـل فـي هـذا الطـار بمـا فـي ذلـك عاقتـه بالطـرق
الصوفيــة عامــة؛ وبالطريقــة المريديــة، خاصــة ويظهــر
ذلـك علنـا فـي عاقتـه بالشـيخ ســيدي المختـار الـذي
كان يعتبــره أخــا حقــا، وخليــا صادقــا، وكان أول مــن
هنــأه بعــد توليــه الخافــة العامــة للطريقــة المريديــة
وانتقــل شــخصيا للقــاءه فــي مدينــة طوبــى، وكانــت
هـذه المبـادرة خيـر دليـل علـى صـدق نيتـه فـي المضـي
علـى نهـج أسـافه الـذي حرصـوا علـى حفـظ الروابـط
الدمويــة والدينيــة والتــي تربــط بيــن الســرتين واعتبــر
الشــيخ ســيدي المختــار هــذا اللقــاء فرصــة أبــدى لــه
خالهـا نيتـه فـي العمـل معـه جنبـا الـى جنـب مـن أجـل
توحيـد كلمـة المسـلمين فـي السـنغال فوافقـه علـى هـذا
ووعـده بالمضـي معـه علـى هـذا النهـج مـن أجـل تحقيق
المصلحـة الكبـرى لإسـام وهـي وحـدة المسـلمين كمـا
قــال ســبحانه وتعالــى: )واعتصمــوا بحبــل اللــه جميعــا
ول تفرقــوا(، ثــم قــام كل منهمــا بإعــان هــذا التفــاق
فأعلنـه الشـيخ سـيدي المختـار فـي أول خطـاب علنـي له
حيـث دعـا فيـه جميـع المسـلمين إلـى توحيـد صفوفهـم
عمــا بقولــه تعالــى )إنمــا المؤمنــون اخــوة فأصلحــوا
بيــن أخويكــم ( وخــص فيــه بالذكــر العاقــة التاريخيــة
التـي تربـط بيـن أسـرة الحـاج مالـك سـه وأسـرة الشـيخ
احمـد بمـب وطلـب مـن الجميـع معرفـة ذلـك والعمـل
علــى الحتفــاظ بهــا .
واســتمر الشــيخان علــى هــذا النهــج والتزامــا معــا
بمبــدأ الشــورى الــذي أقــره اللــه ســبحانه وتعالــى فــي
القــرءان فــي قولــه تعالــى: )وأمرهــم شــورى بينهــم(
وكانــا دومــا يتبــادلن الزيــارات فقــد كان رضــى اللــه
يقـوم بزيـارة مدينـة طوبـى علـى القـل مرتيـن فـي السـنة
لتهنئـة أو مواسـاة أخيـه فـي السـراء والضـراء عمـا بقوله
)ص(:)زر غبـا تـزدد حبـا ِ ( وفـي حـال تعـذر الحضـور
َ شــخصيا فــان تبــادل الوفــود بينهمــا كان طبيعيــا ولــم
يكـن أحـد منهمـا يقطـع أمـرا هامـا دون استشـارة الخـر
وخيــر دليــل علــى ذلــك أن المســلمين فــي الســنغال
ّ توحـدوا لول مـرة فـي تحديـد أيـام العيـاد وصلواتهـا
بفضلهمـا وكان كل واحـد منهمـا يفـوض للخـر كامـل
الصاحيــة لينطــق باســمه كمــا كان كل منهمــا يتحــدث
عـن محاسـن أخيـه فـي مجلسـه تعبيـرا منـه لمـا يكنـه لـه
مـن محبـة وتقديـر وكان الهـدف السـمى مـن كل هـذه
الجهــود أن يلتــزم كل المســلمين فــي الســنغال بقولــه
تعالى:)واعتصمــوا بحبــل اللــه جميعــا ول تفرقــوا(
رضــي اللــه عــن الشــيخ عبــد العزيــز ســه وأطــال بقــاء
الشـيخ حتـى يتـم نيتـه فـي خدمـة السـام والمسـلمين .
عبد القادر امباكي
47
N° AL FATHI.indd 47 23/11/2017 06:38
مـن هـو الميـن شـخصية؟ مـن هـو الميـن تكوينـاً
وتنشـئة؟ مـن هـو الميـن داعيـة؟- لمـاذا الميـن؟ مـن
هـو الميـن عاقـة؟ مـن هـو الميـن اجتماعيـة؟ مـن هـو
الميـن موقفـاً؟ ومـاذا أنجـز الميـن؟
هــذه التســاؤلت تشــغل بــال كثيــر ممــن يتابعــون
عــن كثــب مجلــة الفاتــح بالعيــن واليــد،
لـذا أحـاول فـي هـذا البحـث الجابـة عنهـا لضافـة
شـيء إلـى رصيـد القـارئ والمتـاع لـه بالنظـر فـي بعـض
محطــات جــد مهمــة متموقعــاً فــي المواضــع المركزيــة
مـن هـذا الطـراز الفريـد مـن رجـال الديـن المعاصريـن
ا-المي شخصية
الميـن هـو الشـيخ عبـد العزيـز سـي بـن الشـيخ أبي
بكـر سـي، أول خليفـة للشـيخ الحـاج مالـك سـي، والدته
َ السـيدة عائشـة ك ْ ـن، ولـد فـي تـواوون سـنة 8291م كان
الناطـق الرسـمي للسـرة المالكيـة مـا يربو علـى……
وكان عضــوا فــي مكتــب مؤتمــر العالــم الســامي
بجـدة، وعضـوا فـي جمعية الدعـوة السـامية بطرابلس،
وفـي مؤتمـر العلمـاء الفارقـة بالمغـرب، ورئيسـا لتحاد
الجمعيـات السـامية بالسـنغال إلـى حيـن وفاتـه رضـي
اللـه عنـه يـوم الجمعـة أول المحـرم عـام 9341هجريـة/
الموافـق /61 مـارس/ 7102
ب-تكوينه وتنشئته
الشــيخ عبــد العزيــز رحمــه اللــه نبتــة صغيــرة فــي
حديقــة خضــراء يتعهدهــا صاحبهــا بالســقي، ويعتنــى
بهـا بـكل عنايـة فتمنـو غضـة تـروق الناظريـن، حتـى إذا
اســتوت علــى ســوقها آتــت أكلهــا.
تـرون إذا مـن خـال هذا المثـال التقريبي أن الشـيخ
لـم يبلـغ الكمـال منـذ فجـر يومـه، ولـم يصـل إلـى النهاية
منـذ بدايتـه، لكنـه مـر بمراحـل التعليـم، واجتازهـا مثـل
مــن ســبقوه مرحلــة مرحلــة. ابتــداء مــن حفــظ القــرءان
َ الكريــم علــى يــد معلمــه الشــيخ م َام ْ ــه ُ ل ْ ــوح، وكان
يتعهـده بعـد الحفـظ بعشـرة أحـزاب يوميـا، بـإذن والـده
الــذي أمــره بالقفــول إليــه ترســيخا لحفظــه، ثــم شــرع
فـي تعلـم العلـوم السـامية والعربيـة بأصولهـا وفروعهـا
علـى يـد أخويـه الشـيخ أحمـد التجانـي والشـيخ محمـد
المنصـور سـى وفـق المنهـج الدراسـي الـذي كان يسـير
عليـه التعليـم العتيـق آنـذاك، وشـرب كذلـك مـن المعيـن
ِ الـذي ل ينضـب أل وهـو الشـيخ علـي غ ْ ـي، كمـا درس
علـى آخريـن غيـر أولئـك، وارتقـى إلـى سـلم العلـم الذي
يعـادل اليـوم فـي التعليـم الحديـث الدراسـة العليـا فـي
الجامعـات. ولـم يكـن هـذا التحصيـل بمفـرده، بـل كان
مشــفوعاً بتعليــم فئــة مــن التا َ ميــذ لنــه ت ْمنطــق مبكــراً
بحــزام التعليــم كمــا كان هــو العــادة الموروثــة والســنة
المتبعـة فـي هـذه السـرة المباركـة بـدءا من المعلـم الول
ّ الجـد الحـاج مالـك سـي، نـزول إلى بنيـه، وحفدتـه الغر،
يلتـف حولـه ثلـة مـن التاميـذ يدرسـهم وهـو المسـؤول
عنهـم دراسـة، وصحـة، وسـلوكا، وتهذيبـا، والتزامـا فـي
ظـل والـده، وتحـت سـقف بيـت تتواصـل فيـه حلقـات
العلـم، وأضـواء الشـموع بالغـدو، والصـال. للـه در مـن
وصــف هــذا العســكر العلمــي وصفــا صادقــا ـــ – لمــا
فيـه مـن أنـواع العلـوم والدراسـات، والبحـوث العلميـة،
والعـروض، والمحاضـرات، ومـا يتخـرج منـه مـن نوابـغ
العلمــاء – ـــ بالجامعــة الشــعبية، وغيــر خـاف عليكــم
أيهـا القـراء الكـرام مـا لهـذه الكلمـة مـن معنـى.
ج -المي داعية
وبعـد وفـاة والـده المرحـوم مضـى قدمـا علـى هـذه
الجـادة، ولـم ينحـرف عنهـا قيـد أنملـة سـائرا فـي حـال
هـذا السـبيل ل فـي حـال سـبيله، فتتوسـع دائـرة نشـاطه
وحركتـه وتمتـد عاقاتـه فـي الداخـل والخـارج، فيلقـي
محاضـرات هنـا وهنـاك بصـورة مكثفـة، ومبرمجـة طـول
السـنة. تقـام حينـا بالليـل، وأحيانـا بالنهـار، ول يأخذ من
الراحــة، ول مــن الكل، ول مــن النــوم إل قــدرا يســيرا.
تداولــه الماكــن والمناســبات والدعــوات فيبلــغ رســالة
48
N° AL FATHI.indd 48 23/11/2017 06:38
الســام ويــؤدي المانــة التــي اســتخلف فيهــا مبينــا
للنــاس مــا يربطهــم بخالقهــم ومــا يربطهــم بطريقتهــم،
ومــا يربــط بيــن بعضهــم البعــض، مهمــا يكلفــه ذلــك
مـن جهـد، ووقـت، وتضحيـة. وقـد ل يغيـب عـن ذاكـرة
التاريـخ ذلـك الرجـل الـذي قادتـه مكيـدة شـيطانية إلـى
وضـع قنبلـة فـي سـيارته ليفجرهـا عليـه فـإذا هـو فجرهـا
علــى نفســه كحاتــف نفســه بظلفــه )ومكــروا ومكــر
اللــه واللــه خيــر الماكريــن( ومضــى فــي مهمــة النبيــاء
والدعــاة الصالحيــن يقــول صلــى اللــه عليــه وســلم:
)العلمـاء ورثـة النبيـاء( ويتوافـد عليـه الدوائـر والـزوار
فيذكرهــم باللــه ويزودهــم بشــحن روحــي
وكان إذا تكلـم أسـر القلـوب بالبيـان، واسـتولى علـى
العقــول بالبرهان
ول يخامـرك أدنـى شـك فـي أن بعضهـم يأتـي وهـو
طريـد فقـر مدقـع، أو شـغل شـاغل فيعينـه علـى رمقـه.
د-المي اجتماعية:
فمــن النــاس نــاس خلقــوا لغيرهــم. نقــف مــع
القـارئ فـي هـذه المحطـة لنقـرأ الشـيخ فـي سـطور: فـي
قلبـه المفتـوح، فـي حسـه الرقيـق، فـي شـعوره العميـق،
القائــم علــى أســاس اليمــان باللــه. ويقــول المصطفــى
صلــى اللــه عليــه وســلم: )ارحمــوا مــن فــي الرض
يرحمكــم مــن فــي الســماء(، ولنواصــل القــراءة لتجليــة
كرمــه وســخائه، وتقديــره للنــاس واحترامهــم، وفــي
حســن معاملتــه معهــم. لــو بحثــت لــه نــداً فــي معاملتــه
مــع جليســه ل تلفــي لــه نظيــرا،ً إذ يرتقــي بــه أيــا كان
إلـى علـو مكانتـه، ويصغـى إليـه، ويبسـط لـه الـكام، ول
يلمـس الجليـس أبـدا مـن مامـح وجهـه، أو لسـانه أنـه
سـئم منـه، كا، بـل يسترسـل معـه الحديـث ول يسـتبدره
قـط بالـوداع أو بالسـتئذان لنبلـه وشـهامته ولباقتـه. وهذا
الشــق يمثــل نصــف الديــن، أو زد عليــه ، قــال رســول
الســام عليــه الصــاة والســام: )الديــن المعاملــة(
مــن نافلــة القــول أن نقــول إن الشــيخ عبــد العزيــز
كان يعامـل بالتـي هـي أحسـن، ويكايـل المعـروف صاعا
بصاعيـن وحسـنى بحسـنيين، أو نقـول إنـه كان يخفـف
العـبء عـن كواهـل لنـاس، ويعيش معهـم الفـرح والترح
لكنــه كان ماســح دمــوع المعوزيــن ومضمــد جــراح
المنكوبيــن، يســدي كرمــه ومعروفــه للقريــب والبعيــد ،
للسـائل والمحـروم، وكان ملجـأ آمنـا للخائفيـن ومسـحة
صحيــة لعاهــات النفــوس وآهــات القلــوب، ول تــكاد
تأتـي إليـه إل وتجـد عنـده مـن شـرائح المجتمـع أصنافـا
مـن النـاس كثيـرة : الفقيـر المكـدود، الغنـي المحسـود،
العاطــل اليائــس، العالــم التائــه، الظالــم والمظلــوم،
الدائـن والمديـون الـذي أوثقتـه ديونـه، وأرقتـه همومـه.
كل يجتمــع إليــه فتعــرض إليــه مشــاكل هــي كالجبــال،
ً فيقلبهــا بجميــع الوجــوه، ويخــرج لــكل صنــف حــا
مناسـبا،ً ويفـرق مـا يأتيـه مـن الـرزق علـى المحتاجيـن
وعلــى مناســباتهم المتعــددة عقائــق، ومآتــم، وأعيــاد،
وغيرهــا بســخاء مذهــل، ول يدخــر لنفســه، ول لعيالــه
شــيئيا، اللهــم إل مــا كلــف اللــه عليــه مــن الحقــوق
والشــواهد علــى ذلــك ل يحصرهــا عــدد، ومــن
العبــث والســذاجة فــي رأيــي محاولــة ذكرهــا،
ويحضرنـي هنـا بيـت شـعر فـي قصيـدة قلتهـا فـي
حقــه عــام 4991 لمــا حــاول العــدو الفاشــل تفجيــر
ســيارته بقنبلــة
ودوره السعي في مصلحة البشر
بشرى له حبذا وهكذا العمل
وكانـت نفسـه الشـفافة تطاوعـه فـي ذلـك بالسـجية،
وإيمانـه باللـه وشـفقته بخلقـه تبعثانـه عليه.
ه-لاذا المي؟؟؟؟
الميــن وصــف مــن الوصــاف المحبوبــة فــي
السـام. وصـف بـه رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسـلم
فــي مكــة قبــل البعثــة لصدقــه وأمانتــه، فتســمية الشــيخ
بالميــن نعمــة مــن اللــه ومنــة أول وقبــل كل شــيء
ثـم إن والـده اختـاره بيـن إخـوة أشـقاء لـه، وإخـوة
لب ليازمــه فــي الخلــوة والجلــوة، وليكــون مســتودع
سـره وأمانتـه، وصلـة بينـه وبيـن نزلـه، وخادمـه الميـن
فـي خاصـة أمـوره، بعـد أن آنـس منـه الصـدق والنزاهـة
والمانــة، ووجــد فيــه مامــح النبوغــة والــذكاء.
وجــاء بعــده عمــه وســميه الشــيخ الحــاج عبــد
العزيــز ســي ووجــد فيــه الكفــاءة والبطولــة والخــاق،
فعينــه الناطــق الرســمي للحضــرة المالكيــة عــام…….
وخلــف مــن بعــده أخــوه الشــيخ محمــد المنصــور
سـي )بـروم دارج( وشـهد لـه بالخبـرة والدربـة والموقـف
والمبــادرة والخــاص فثبتــه فــي منصبــه مضيفــا إليــه
قـدم السـرة ورأسـها إن صـح التعبيـر كمـا كان يقـول
فأتــى أخيــرا شــقيقه المحبــوب الشــيخ أحمــد
التجانــي ســي وجعلــه ممثــل الخافــة التجانيــة مســلما
إليــه عصــا القيــادة قبــل أن يصبــح قبيــل وفاتــه بســتة
أشــهر الخليفــة العــام لطريقــة أبــي العبــاس أحمــد
التجانـي، فاجتمـع المـر كلـه بيـده لنـه هـو الميـن. ثـم
رحــل إلــى جــوار ربــه.
و-المي علقة:
كانــت لــه عاقــات طيبــة ومتميــزة مــع الطوائــف
49
N° AL FATHI.indd 49 23/11/2017 06:38
50
الدينيـة بكافـة أشـكالها وباختـاف توجهاتهـا اليدلوجية
وكذلــك الحــال مــع الهيئــات الديبلوماســية المتمثلــة
بالســفارات والقنصليــات وتتجســم العاقــات فــي
الزيـارات الوديـة والتباحثيـة التـي كان يقـوم بهـا بيـن فينة
وأخــرى إلــى الســر الدينيــة أو إلــى الهيئــات الرســمية.
وفــي البعثــات العلميــة التــي ترســل إليــه عبــر
السـفارات، ومنـذ سـنوات يسـتفيد معهـد الشـيخ الحـاج
مالــك للدراســات الســامية والبحــوث العلميــة مــن
بعثــة الســاتذة الوافديــن مــن جامعــة الزهــر الشــريف
بالقاهــرة ومــن موريتانيــا الشــقيقة.
كمـا تتجسـم بالدعـوات المتبادلـة فـي المناسـبات،
أمـا عاقتـه مـع المغـرب فهـي عاقـة اسـتثنائية روحيـة
علميـة ووديـة. ذلـك لمـا يربـط المغـرب بالسـنغال مـن
جهــة، وبالحضــرة المالكيــة مــن جهــة أخــرى، وخيــر
مثـال علـى ذلـك الـدروس الحسـنية التـي تعقـد سـنويا
بالمغــرب فــي القصــر الملكــي ويدعــى إليهــا كضيــف
شــرف.
ويصــدق هــذه العاقــة أيضــا التقريــر الصحفــي
الــذي أجــري لعــان وفاتــه وذكــر محاســنه ومواقفــه
الجبـارة الحكيمـة، وجميـع الجهـزة العاميـة بالمغرب
تلقــت هــذا النبــأ الليــم وأعلنتــه بالحــزن والســى.
وهــذه العاقــات ســمحت لــه بكســر الحواجــز
وخلـق التفاهـم مـع المسـؤولين فـي البـاد فـي كلمـا مـن
شـأنه جمـع الكلمـة وتوحيـد الصـف وحفـاظ كيـان المة
عــن الزعزعــة. لنــه كان يتحلــى بــروح الحــوار ورحابــة
الصــدر وحــب الخيــر فضــا عــن إلمامــه بالقضايــا
المركزيـة فـي البـاد، والمواطـن الهشـة منهـا، والتـي كان
يرعاهـا بحنكـة وحـذر مـن جانـب، وشـجاعة وضـروس
مـن جانـب آخـر حفاظـا علـى وحـدة جميـع الطيـاف.
:
ً
ز-المي موقفا
وكان ينطلــق مــن الشــعور بالمســؤولية الجســيمة
التـي كان يغطـي بهـا جسـد المـة ليتدخـل فـي القضايـا
الكبــرى التــي ترتبــط بمصيرهــا الدينــي والوطنــي وكان
يأخـذ عنهـا مواقـف حكيمـة تترتـب عليهـا نتائـج تنفـع
العبـاد والبـاد، وتعـود عليهـم بالمـن والسـتقرار. منهـا
علــى ســبيل المثــال ل الحصــر:
-1تدخلــه فــي التفــاوض مــع الحكومــة فــي ملــف
مدرسـي العداديـة والثانويـة عـام 6102/5102م حيـن
احتدمــت المواجهــة بيــن الطرفيــن، وانســدت الســبل
َ المفضيـة إلـى اتفـاق واستم َ ـــر كل فـي موقفـه، فدعاهمـا
إلـى طاولـة حـوار شـهدت بالنجـاح.
-2تدخلــه الحاســم عنــد مــا تجمعــت الحــزاب
السياســية فــي ســاحة الســتقال تعبيــرا عــن رفضهــم
البطاقـة المزدوجــة لنتخــاب رئيـس الجمهوريــة ونائبـه
دفعـة واحـدة وكان الرئيـس السـابق عبـد اللـه واد يريـد
تمريرهـا فـي البرلمـان ليصـوت عليهـا النـواب فتكاتفـت
الحــزاب مجمعــة علــى تنظيــم مســيرة أدت أخيــراً إلــى
مشــابكات مــع رجــال المــن، فدخلــت عبــوة ناشــفة
متفجــرة فــي زاويــة الحــاج مالــك ســي بــدكار باطــو،
وهــم فــي حفلــة الذكــر لعصــر يــوم الجمعــة. فتوتــرت
العصــاب إلــى أوج التوتــر وقامــت الدنيــا ولــم تقعــد،
فــي مثــل هــذا الوضــع الحســاس مــا ذا تتوقــع أيهــا
القـارئ أن يكـون رد الفعـل مـن الرجـل السـتثنائي الذي
يحتكـم إلـى سـلطان العقـل ل إلـى سـلطان العاطفـة يـوم
هـرول النـاس إلـى الزاويـة بيـن عاطفييـن غيـر واعيـن،
ومتظاهريـن علـى التضامـن وهـم فـي الحقيقـة ينضـوون
علــى نوايــا ســيئة. والشــيخ بفطانتــه الخارقــة وقــد
ضرسـته التجـارب ل يخفـى عليـه حـال هـؤلء وأولئـك.
حســم المشــكلة فــي لحظــة واحــدة حيــث قــال: إننــا
هنــا اليــوم لموعــد قــد تضاربنــا عليــه مســبقا للضيــف
الشـريف الـذي نـزل إلينـا قادمـا مـن المغـرب وهـو مـن
حفـدة شـيخنا أحمـد التجانـي رضـي اللـه عنـه ل لغـرض
آخـر، ول أحـد يملـي علينـا مـا نفعـل، نحـن أدرى منكـم
مـا هـو الحـل النسـب فقفلـوا راجعيـن علـى أدراجهـم
صاغريـن. ل يعـرف الرجـال إل بمواقفهـم فـي القضايـا
العالقــة وإل بتصرفهــم فــي الظــروف الحرجــة.
ولـه مواقـف عديـدة فـي الشـؤون الدينيـة الختافية
التــي تمــس تديــن الشــعب واختياراتــه، لــم يقــف أبــدا
وقفـة المتفـرج المكتـوف اليديـن فجـزاه اللـه عـن الديـن
والوطـن.
حسن السياسة والرأي خصوصته
كأنه في الثبات والقوى جبل
فـا تـرى أحداً يسـوده شـرفاً
ول ترى أبداً يفوقه بطل
ح-إنازاته:
أنجـز الميـن كثيـرا مـن المشـروعات التـي ل تنتهـي
منهــا: تغييــر صــورة مســجد الشــيخ الخليفــة إلــى أبهــى
صـور.
منهـا بنـاء مبنـى كبيـر يضـم قاعـة لاسـتقبال، قاعـة
للمحاضـرات، ومكتبـة للكتـب، وغرفـا للضيـوف.
ومنهـا بنـاء معهـد الشـيخ الحـاج مالـك للدراسـات
السـامية والبحـوث العلميـة.
بقلم الستاذ عبد العزيز با
N° AL FATHI.indd 50 23/11/2017 06:38
ّإن ّ ا لل ّ ه وإنا إليه راجعون
ّ ّ ـة مـن بحرالط ّ ويـل كتبهـا العبـد الفقيـر / عبـد العزيـز سـار للتعبيـر عـن مشـاعر الحـزن والسـى
ّـة مرثي
ّ فهـذه القصيـدة التائي
ّ ّ دة الص ّ الحـة الورعـة، سـت ّ نا البـار ّ ة أم ُ نـا الحنـون، س ْ ـخ َن ُ فاطمـة سـه
ّ المتأث ّ ـرة برحيـل الشـيخة العارفـة باللـه تعالـى، السـي
ّ المنصـور، التـي انتقلـت روحهـا الط ّ اهـرة إلـى الرفيـق العلـى فـي يـوم الحـد الموافـق /15أكتوبـر2017/م، فـي شـهر
ّ النبيئيـن والصديقيـن والشـهداء وحسـن ألئـك رفيقـا) آميـن واللـه علـى مـل نقـول وكيـل: ّ المحــرم 1430 ّ هــ. أســكنها اللــه أعلــى جن ّ تــه بجوارجدهــا الصميــم ووالدهــا الكريــم مع(الذيــن أنعــم اللــه عليهــم مــن
ـــت ِ ب ْال َم َ ـــك ِارِم َ ح َفَقْل ّل ِت ِب َ ـــي جِر ٌ يـــح َ و ّ الش َ ـــه َادُة َ د ْم َعِتـــي
َعَل َ ــــــى فْقِد ِ س ّ
َْك ْى الُقُل َ ـــوب َ جِم َيع َهـــا
ب
َ
لَ َان ْ ـــــــعُيَهاا
َ
ان ِ ـــي ب َح ْس َ ـــرِة ا
ُ َع ِ
م ْه ُم ًومـــا ا
َف ُحّي ْ ـــر ُت َ
ْ َخِت َي وَو ِس َيلِتي
لَ ِا ه َ ـــــي ِ س ّ ـــت َي شـــي
َ
ْ ا َلِة
ِم َ ـــــــن ْ الَع ِارَف ِ ـــات ّ الن ِاس َ ـــك ِ ات ِ بَلي
ـــة
ٍ َ
َ ّ ـــارٌة َ ذ ُ ات َ ر ْحب
ِّة َلِط َ يــــفُة َ نْف ٍ ـــس ب
َِري
ْ َ ـــر َ نْف ِ ـــع ْ الب
َفَل ْ ــــم َ تُك ْن َ ت ْح َ ـــي َ غي
وُه
ي ْ اانِتَمـــاُ
ًَ
ْ ْإن َس َ ـــان ا
َ ِ ـــرُم ال
لَر َ احِة َوَت ْحتـ
ْ ِ ـــر ْ ال َجِم ِ يـــع ِ
ـــع َى عَل َى خي
َوَت ْس َ
ـــة َ و ّ الن َ ـــدى
َ َار ْم َ ـــز ْ الِعَف َاف ِ
َ ْ ـــدَن ِاك ي
ف ُ ـــي ك ّل َ وْقَفِة َفقـــ
ّ التَق َى و ّ الس ْ ـــلِم ِ
َوَر ْم َ ـــز
ـــدِق َ و ْالَوَفا
ّ
َ َ ـــا ر ْم َ ـــز ّ الت َص
ـــة َفَق ْ ــــدَن ِاك ي
ال ّ ي النِف َ يس ِ
َوَر ْم َ ــــــز َ س َ ـــخ ٍاء ِ ب ْالَغَو ِ
ـــاة َ و ُع ْمُرَهـــا
اَن ِ
َْ
َ َار ْم َ ـــز ال
ِْد ُ س ّ ـــنِة َفَق ْ ــــــدَن ِاك ي
ف َي قي
ي ِ م ِ ــــــن ْ ال َحـــالَ ِات ِ
ا ّ
َ
ِ
ل
َ َ ـــا ر ْمَز ْالَوَق َ ـــارِة َ و ّ الش َ ـــها
ـــة َفَق ْ ـــــدَن ِاك ي
ْ ِ ـــر ْ ال َجِم ِ يـــل ِ ب َص ْدَم ِ
ــــــة َ و ّ الصب
َم ِ
َ ّس ِ ـــي لِج ِيلَنـــا
َ َار ْم َ ـــز ّ التا
ـــة َفَق ْ ــــــدَن ِاك ي
ل ُ ـــك ّل ْ ال َخِل َيق ِ
َ ِ ــــس َيرُتَه َ ا د ْر ٌس ِ
فـ
ـــة
ـــر َ وَر ْحَم ِ
ّ
ا لِب
َ َ ـــا ر ْم ً ـــز ِ
ُْت ِك ي
َ ِة َ ــــكي
ٍُم َ ث ْكَل َ ـــى عَل َ ـــى فْق ِ ـــد َ فْل َ ـــذ ب
ــــاء ا
َُك َ
ب
ًَدا
ْ َ ـــن َ ذ ْ وو ال َح َ اج ِ ات ُ كْن ِ ـــت َ لُه ْم ي
ي
َ
ـــة َفا
ِ َ
ْ َ ـــر َ عِطي
ف ّ ـــي الس ّ ـــر َ خي
ــــد ُهُم ِ
َتُم ّ
افِل ِ مْثَلَما
الض َح َى وْق َ ـــت ّ النَو ِ
ّ
َ ِ ـــام َ وَد ْع َ ـــوِة َكْت ِ ـــك
َ ب
ال ِ ـــي لْلِقي
ِ َ
ََك ْ ـــــت ِك ّ اللي
ب
ج ِ ـــد ِ مْثَلَمـــا
ّ
ال ِ ـــي ل ّلتَه
ِ َ
َ ِة َك ْ ــــت ِك ّ اللي
َ ب
لَن ْكب
ََك َ ـــى ص ِارًخ َ ا ص ْ ـــوُم ّ الط َ ـــو ِ اع ِ
ب
َّنـــا
لَرب
َ ِك ٍ يـــد ِ
ْ ِ ـــت َ عَل َ ـــى ع ْ ـــزٍم ا
ـــة َوُكنــ
ـــب َ و َح ْزَم ِ
ّ
َ ٍ ـــال َ و ُح
اْقب
ــــد َ وِ
ٍ
َوِج
ال َح ِ ات َ فَم ْن ُ يِر ْد
َِس ُ ـــيرِ بِه ّمِة َف َ ــــــهَذ ُ ا س ُ ـــل ُوك ّ الص ِ
اَل ْ ـــى ال َمْوَلى ي
ُ وصـــــــولًا ِ
َ ْن
َ ْع َ ـــد ا
َ َانِة ب
َ ْ ـــا الِخي
َ ُ ـــا دْني
كـ ُتَغ ِ ــــادُرَن َ ا ر ْم ُ ـــز ّ الطَه َ ـــارِة ُ ع ْمَدِتـــي َ ِ ـــر ْهُت ِك ي
َ َ ـــوَر ُى د َون ِ م َ يـــزِة ُ ــــات ِك ِ ب ْال ُح ْس َ ـــن َى و ُصْن ِ ـــع َ جِم َيلٍة
لْل َحي
ْ ٍ ـــر ِ
ا ْس َ ــــد ِاء َ خي
َوِ
ََذْلِتَها
ف َي ن ْش ِ ـــر ْ الُخُي ِور ب
َ ُي ِ ـــوف ِ ب ِخْدَمِة ُ ــــــــات ِك ِ
الض َحي
ّ
ِلُطــــّل ِب ِ عْل ٍ ـــم َ و
َْفٌة
و ِاد َ وَرا
ف ْ ـــي الُفـــَ
ـــة ُ ــــات ِك َ ع ْط ٌ ـــف ِ
ِ َ
ـــد ِ بِرّق َحي
ّ
ُيَغ ِ ــــامُرَه َ ا ش ْ ـــو ٌق َ وِج
اْن َس ِ ـــاب ُ ت ْع َ ـــز ِى ل َم ِاجٍد
َْ
ْ ُ ـــت َ صْفَوِة َفِل ْ ـــم لَ ِا م َن ال
َي
َ ْس َ ـــل ُافَها ب
اَل َى م ِ ــــــــاجٍد ا
ِ
ِ ٍ ـــع
ل َجائ
ا ْطَع ُ ـــام ّ الطَع ِ ـــام ِ
ِّة ُ ــــات ِك ِ
و ِ وس ّ الرِوي
َ ـــُ
َو َسْق ُ ـــــي ِ عَط ٍ ـــاشِ ب ْالُك َحي
لْل َ ـــوَرى
اُخ ّ ـــوِة ِ
ُْ
ـــة ُ ــــات ِك َ تْوِط ُ يـــد ال
لَر ْحَم ِ
َ ِط ُ يـــع ِ
َ ْوَق َحي
ــــــــــــد َعَد ٍاء ا
ّ
َو َص
لِذ ْي ال َجَفا
َ ٌء ِ م ْن َ حَن ٍان َ و َش ْ ـــفَقِة ُات ِ ــــك َ ت ْكِر ٌيم َ وَو ْص ٌ ـــل ِ
ُ ِك ِ د ْف َحي
َجَنــــــــــاب
ُ ّم ْ ال َم َس ِ ـــاك ِين َ ص ْدَم ٌ ـــة
َـــا ا
َِة ُ يــــل ِك ي
َْو ْى الَه ِض ِيم َ وُغ َرِح ْرب
ا مـــا
َ َ
َعَل ْ ـــى ال ْكوِن ي
ـــة
َ َار ِ بَو ْحَش ٍ
ــــــــم ْرِتَه ِا ب ْال َرِح ُح ُ ــــــــنّوِة ُ ــــيل ِك َ قْد َ خّل ّ ـــى الدي
لَ َاط َال َ ــــــم َ اع ّ
َ
ا
ـــال ٍك
الد َع ِاء َ و َس ِ
ّ
ال ٍب ُ ي ْم َ ـــن
اَل ْ ى ال َمْوَل َى فَنـــالَ ِا ب َح َ اجِة َف َ ــــك ْم َ ط ِ
َدَع ْ ــــــو ِت ِ
ـــه ْ الَكِر ِيم َ س َ ـــل ُامُه
ِ ّ
ـــة ْ ِ ـــك ِ م َ ـــن الل
ْ ِ ـــك ِ ب َجّن ِ
وُه ْ تج ِ ـــر َ ي ل َعَليــ َدي
َوآلَاُ
ائ ًمـــا
ْ َ ـــرِك َ دِ
َ ّ ــــل َل ِ ب ّ الر ْض َ ـــو ِان َ قب
َ ُ ـــب َ نْف َحِة َوب
َ ْطي
ــــب َ عَل َ ـــى مْث َ ـــو ِاك ا
ّ
َُه
ي
ّ ٌ ـــة
َ ْ ـــــحَي َ عَل ُ ـــى ع ْم ٍ ـــر َ طِو ٍ يـــل ُ ذري
َ ْط َ ـــو َل ُ م ّ ـــدِة َوي
ا ْه ُ ـــل ا
َْ
ُّت ِ ــــك َ وال
ُذري
ْ ُش ّ الرِغ ُ يـــد َ حِل ُيفُه ْم
ــــا ف َين َ و ْال َمِك ِ يـــن َ وُن ْصَرِة َعي
ا ْمِن ْ ال ُم َع ِ
َْ
َم َ ـــع ّ الس ْ ـــلِم َ وال
ال ٍ ـــك
م ِ
َ ِ ـــاء َ ج ّ ـــدِك َ
ْآب
ْ َن ِ بال
َ ْ ـــلَقي
لِجّلِة َوتــ
َ
ال ِ ــــــدِك ْ ال َمْن ُص ِ ـــور َ ف ْخ ِ ـــر ا
َوَو ِ
ِ ِع ْ الَوَرى
ـــل ٌيم َ عَل َى شـــاف
ِْر ِ عْتَرِة َ ـــل ٌاة َ وَت ْس ِ
ا ْحَم ُ ـــد ْ ال َص ُم ْخَت ُار ِ م ْ ـــن َ خي
َْ
ُهَو ال
ـــة ْ ِآل َ و ّ الص ْح ِب ْ الِك َ ـــر ِام َ جِم ِيعِه ْم
لَف َم َ ـــع ال ْرَخ ِ
َِع ٍ يـــد ِ
ٌْرِم ْ ـــن ب
َم َ ــــت َى ن َ ـــاح َ طي
لُقْدَوِة
ْ َت ّ الرَث ِ ـــاء ِ
َي
َْنَش ُ ـــدوا ب
ـــة َوَمـــــــا ا
َ َ ـــارِ بَو ْحَش ِ
َرِح ُ ــــيل ِك َ قْد َخّل ّ ـــى الدي
51
بقلم/ عبد العزيز سار
تلميذ وربيب الفقيدة
بمدينة تواوون المحروسسة
N° AL FATHI.indd 51 23/11/2017 06:38
52
حضرة الحمدية التجانية في ريفسك
إنهــا لفــرع زكــي مبــارك مــن شــجرة الحضــرة
المالكيـة التجانيـة التواوونيـة المباركة،ويطيـب إذا طـاب
الصــول فصــول.
نبــذة عــن حيــاة المؤســس/ الشــيخ الحــاج عبــد
اللــه جــوب التجانــي الخليفــة.
إنـه رضـي اللـه عنـه، لرمـز مـن الرمـوز الدينيـة فـي
الســنغال ودعامــة مــن دعائــم الطريقــة التجانيــة، ظهــر
فــي دنيــا الواقــع بكاهيــدي فــي جمهوريــة الســامية
المورتانيــة عــام 1920م.منحــدرا مــن ســالة الفانيــة
بفــوت المورتانيــة.
درس القــرآن علــى يــد والــده/ الشــيخ أحمــد
محمـود، وعلـى يـد الشـيخ صمـب صـل، أرسـله والـده
إلـى الشـيخ محمـد سـعد آن بقريـة بيلنابـي القريبـة مـن
كيهيــدي، حيــث حفــظ القــرآن علــى يــد هــذا الشــيخ
وهــو لــم يجــاوز الثانيــة عشــر مــن عمره.ومنــه أيضــا
درس علــوم الشــريعة ومبــادئ اللغــة العربية،وعندمــا
بلــغ مــن العمــر اثنتيــن وعشــرين ســنة واصــل تنقاتــه
العلميــة بيــن الشــنقيط فــي مورتانيــا وتومبكتــو بمالــي
.عـاد إلـى كيهيـدي وخلـف أخـاه محمـد الميـن علـى
عــرش الخافــة.
تلقـن الطريقـة التجانيـة علـى يـد والـده، والتجديـد
مـن أخيـه الـذي لعـب دورا مهمـا فـي تربيتـه.
وأثنـاء رحاتـه زار السـنغال ومالـي وسـاحل العـاج
وغينيــا والســودان والتقــى بعــدد كبيــر مــن العلمــاء
ومشـائخ الطريقـة وأخـذ عنهـم، ونـال مـن بعضهـم عـدة
إجــازات مطلقــة، وآخــر مــا نــال منهــا: إجــازة الشــيخ
التجانــي عــال بلعرابــي أثنــاء زيارتــه للســنغال.
زار أول مدينــة غونــاس المحروســة عــام 1944م
واتصـل بيشـيخه محمـد سـعيد بـاه. وبعـد أربع سـنوات،
رجــع الشــيخ رضــي اللــه عنــه إلــي الســنغال وحــل فــي
ســان لــوي باســتضافة المفتــش التربــوي الــذي ســاعده
علــى المشــاركة فــي مســابقة وظيفــة التدريــس فنجــح
فيهــا وعيــن مدرســا فــي قريــة تمســكيت.
عاقتـه مـع الشـيخ الحـاج مالـك وخلفائـه رضـوان
اللـه عليهـم أجمعيـن.
وقبيـل تولـي الوظيفـة، سـاق القـدر؛ أن يرى الشـيخ
الحـاج مالـك فـي منامـه فيشـيره بحتميـة التوجـه إليـه .و
بعزيمـة فائقـة، تـرك الوظيفـة متوجهـا إلـى تـواوون، تلبية
لدعــوة الشــيخ الحــاج مالــك، وبعدمــا وصــل تــواوون،
رحبـه خليفـة الشـيخ الحـاج مالـك/ السـيد أبوبكـر سـي
قائـا لـه: إنـك ضيـف الشـيخ الحـاج مالـك، الوصيـة
عنـد أخـي : الشـيخ الحـاج المنصـور فهـو فـي انتظـارك،
وبعــد مــا قابلــه أعطــاه مــا أمــره والــده بتوصيلــه إيــاه.
ثــم قــال لــه بعــد ثاثــة أيــام الضيافــة يمكنــك الرجــوع
إلــى الهــل والحبــاب. ولكــن الشــيخ رضــي اللــه عنــه
مراعــة للكرامــة التــي جــاد ت بهــا تــواوون لــه، فضــل
البقــاء فيهــا للخدمــة واســتزادة البركــة مــن فيوضــات
مقــدم البركــة الشــيخ الحــاج مالــك رضــي اللــه تعالــى
عنه.وبعــد مــا مكــث ثــاث ســنوات أتــاه نعــي والدتــه،
فقفـل راجعـا إلـى كيهيـدي ليشـارك الهـل فـي مراسـيم
الجنــازة، وبعــد ذلــك اشــتغل بتربــة الهــل وتعليمهــم.
حضرة الحمدية التحانية في روفسك:
وفـي سـنة 1963 غـادر الشـيخ عبـد اللـه كيهيـدي
متوجهــا إلــى الســنغال وحــل فــي مدينــة ريفســك دار
تيجانيــي يدعــي: شــيخ غــي فــي حــي كلوبــان، الــذي
رأى الشــيخ أحمــد التجانــي رضــي اللــه عنــه يقــول لــه:
إن هــذا الــذي فــي بيتــك تلميــذي وخليفتــي فأكرمــه
وأحســن إليــه فنفــذ الوصيــة. وقــد لبــث الشــيخ هنــاك
فتــرة يربــي خالهــا ويعلــم القــرآن الكريــم ولكثــرة
الطـاب فكـر الشـيخ فـي أن يبحـث مكانـا آخـر، فانتهـى
بــه المــر إلــى مــكان مزبلة،طلــب مــن صاحبــه الحــاج
جبريـل غـي أن يبيعـه لـه فاعتـذر لنـه فـي نيتـه أن يتخـذ
ذالـك المـكان مسـجدا، فأخبـره الشـيخ نيتـه أيضـا فـي
بنـاء مسـجد ومحضـرة للتربيـة والتعليـم فقدمـه الول لـه
هديـة. وروي أن الشـيخ الحـاج المنصـور مـر يومـا علـى
المــكان فأدركتــه صــاة العصــر فقصــد المــكان فأشــار
إليــه مقدمــه الحــاج داوود انجــاي بــأن هــذا المــكان
مزبلــة، فأخبــره الشــيخ بــأن هذاالمــكان ســيتحول فــي
N° AL FATHI.indd 52 23/11/2017 06:38
يـوم مـن اليـام إلـى مسـجد للصـاة والعبـادة فصاحبـه
لـم يـأت بعـد.
والمـكان يوجـد بحـي غنديـل 3 قريبـا مـن الشـارع
العمومــي حيــث توجــد زاويــة الحمديــة التجانيــة التــي
شــهدت مــع مــرور الوقــت تجديــدات وتوســيعات
أعطـت المـكان صـورة أخـري حديثـة فيضـم إلـي جانـب
المســجد الجامــع مرافــق أخــري كالمعهــد الداخلــي
للتحفيــظ والتربيــة والتعليــم وســكن للمدرســين
والطــاب ومكاتــب إداريــة وذالــك بفضــل الجهــود
الجبـارة التـي بذلهـا ابـن الشـيخ عبـد اللـه البـار ووارث
سـره وخليفتـه محمـد الميـن جـوب الـذي يحظـى لـدي
الحضـرة المالكيـة التجانيـة مكانـة بـارزة، لدبـه وحنكتـه
وشـجاعته الفائقـة. وتفانيـه فـي حـب الحضرةالمالكيـة
وعاقتــه القويــة بالخليفــة الراحــل الميــن والســرة
المالكيــة عمومــا.
إنهـا لعاقـة جيـدة متبادلـة قـام بها كل مـن الخليفة
الشـيخ عبـد العزيـز الميـن والشـيخ عبـد اللـه التجانـي.
فــي الحقيقــة قــد بــذل كاهمــا مــا بوســعه فــي توطيــد
عاقــة الحضرتيــن، مواصلــة لجهــود كل مــن الخليفــة
الســيد أبــي بكــر ســي وأخيــه الشــيخ محمــد المنصــور
رضـي اللـه تعالـى عنهمـا، فـي تنفيـذ وصيـة والدهمـا:
ّ الشـيخ الحـاج مالـك رضـي اللـه تعالـى عنـه فـي ترحيـب
الشــيخ عبــد اللــه التجانــي وتقديمــه مــا خصصــه إيــاه،
كمــا ذكــر ســابقا. ومــن تلــك الوصيةامتــدت جــذور
العاقــة بيــن الحضرتيــن: المالكيــة فــي تــواوون
والحمديــة فــي ريفســك.
وســعيا إلــى ترســيخها تشــمر الشــيخ عبــد العزيــز
عــن ســاعده لتثبيــت تلــك الروابــط الخويــة الدينيــة
الروحيـة التجانيـة، فلـم يغادر صغيـرة ول كبيرة إل قدمها
فـي سـبيل ذالـك. وعنـد مـا سـاق قـدر اللـه أن يلتحـق
الشـيخ عبـد اللـه التجانـي إلـى جـوار مـوله ، فالخليفـة:
الشـيخ عبـد العزيـز، شـارك فـي مراسـيم الجنـارة حيـث
صلــي عليــه ودعالــه بالرحمــة والبركــة للهــل. وذالــك
تجسـيد لمـدى العاقـة بيـن الشـيخ والخليفـة فـي تلـك
الفتــرة. وبعــد مارحــل الشــيخ عبــد اللــه إلــى جــوار
مـوله، واصـل الخليفـة الميـن سـيره مـع إبنـه : الشـيخ
محمــد الميــن جــوب ذلــك الشــبل الوفــي الــذي حــذا
حـذو والـده فـي خدمـة السـام والطريقـة، فمـا ضعـف
ومــا اســتكان فــي ذلــك وقــام بإنجــازات جبــارة فــي
شــأن رفــع الديــن ودفــع عجلــة الطريقــة التجانيــة إلــى
المـام. زاده اللـه نصـرا وتأييـدا وسـدد خطـاه، ويسـر لـه
التوفيـق والنجـاح بجـاه والـده الشـيخ عبـد اللـه وحبيبـه
الخليفـة الميـن الراحـل فقيـد المـة السـامية، رحمـة
اللــه ورضوانــه عليهمــا. وخيــر دليــل علــى ذلــك: هــذه
الخطبـة التـي ألقاهـا فقيـد المـة السـامية الشـيخ عبـد
العزيــز الميــن التجانــي فــي مناســبة الزيــارة الســنوية
الكبــرى للشــيخ عبداللــه رضــي اللــه عنــه.
ومنها قوله:
ـ ســماحة الشــيخ المحبــوب عبــد اللــه جــوب ـ
حفظكــم اللــه ورعاكــم ـ
ـ أصحاب المعالي السادة الوزراء
ـ أصحاب السادة السفراء
ـ أيهــا الخــوة والحبــاب عمــار هــذه الحضــرة
الحمديــة المالكيــة التجانيــة.
ـ الحضـور الكريـم مـن الئمـة والعلمـاء والسـاتذة
والطلبـة
ـ البـن البـار والخ الكريـم ومـن معـه مـن الخـوة
المنظميـن.
السام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقـد عدنـا بقلـوب مفعمـة مـن العتـزاز، لنتقاسـم
معكــم لحظــات الســرور والفــرح بهــذا اللقــاء الروحــي
التاريخـي الـذي تعبـرون فيـه عـن معانـي الوفـاء، بالعهـد
الــذي يربطكــم بهــذا الشــيخ الجليــل والمقــدم النبيــل
الحـاج عبـد اللـه جـوب..
فلقـد جـال زمنـا طويـا وقطـع مسـافات بعيـدة مـن
أجــل طلــب الحــق صادقــا وفيــا مخلصــا حتــى شــاءت
المقاديــر اللهيــة أن يتلقــى وابــل ســر مــن فيوضــات
أسـرار قطـب زمانـه وفائـق أقرانـه الشـيخ الحـاج مالـك
علـى يـد خليفتـه ووارث سـره الشـيخ الخليفـة أيـي بكـر
ســي، الــذي بــادر لحظــة مقابلتــه إلــى تفويــض أمــوره
ومطالبـه فـي الشـريعة والطريقـة والحقيقـة لجنـاب أخيـه
البـار الفاضـل الحـاج محمـد المنصـور سـي حيث سـقاه
مــا ســقاه مــن كــؤوس النــوار والبــركات، ذلــك فضــل
اللـه يؤتيـه مـن يشـاء…. وهـذه قطـرة مـن فيـض.
حمــى اللــه الحضرتيــن ووفــق الهــل والخلــف
نصــرا وتأييــدا.
جمع وتنسيق: محمد في
بإماء من خليفة حضرة الحمدية بريفسك/
الشيخ محمد المين جوب
53
N° AL FATHI.indd 53 23/11/2017 06:38
علــى أســرار الحضــرة كان أمينــا، وعلــى أســرار
الطائفــة كان أمينــا، وعلــى أســرار الوطــن كان أمينــا،
وعلـى أسـرار الكيانـات السياسـية والنقابيـة والجتماعيـة
والدينيــة والمهنيــة كان أمينــا أيضــا، فأســتخلصه
ُ السـاف، ومـن بعدهـم الخـاف، مَلّمِح َ يـن لـه »إنـك
اليــوم لدينــا مكيــن أميــن«.
جعــل مــن صــدره الرحــب مســتودعا أمينــا لــكل
السـرار، فتداعـى إلـى بيتـه الكبيـر )بيت شـيخ الخليفة(
شــرائح المجتمــع المختلفــة يســتودعونه أســرارهم،
ويأتمنونــه علــى مكنونــات صدورهــم، يســتقبلهم
بابتســامته المعهــودة، ويســتمع إليهــم بقلبــه الكبيــر،
فيوجههــم ويرشــدهم وينصحهــم، ويعاتــب البعــض
منهــم، يرجعــه إلــى جــادة الصــواب، ليجنبــه العقــاب،
ثـم يصـون لـه سـره، عنـد البعـض هـو المتحـدث باسـم
العائلــة، ولــدى الخريــن هــو الناطــق الرســمي باســم
الحضــرة المالكيــة، لكــن بالنســبة للــكل، وفــي أفئــدة
الــكل؛ هــو الميــن.
بلـي البـاء الحسـن فـي مهامـه ووظيفتـه، فاستشـاره
رؤســاء الجمهوريــة، والــوزراء، والبرلمانيــون، وطلــب
نصحـه المديـرون العامـون، وأعيـان السـلطة، والقضـاة،
ورجــال المــن، فــكان جــوادا معهــم بوقتــه ونصائحــه
الغاليــة، وكان أجــود معهــم كذلــك بإغداقــه العطايــا
والهبـات عليهـم، يكـرم وفادتهـم، ويرحـب بضيوفهـم،
ويقــدم لهــم مــن أنــواع الكرامــات والهدايــا مــا يثيــر
حفيظــة أعدائهــم، ويثقــل جيــوب مابســهم، ويخجــل
البحــر والوبــل.
دأب الميـن -مـع عامـة النـاس- أن يكـون الناصح
الميــن، يســتقبل جموعهــم؛ يحتفــي بهــم ويحادثهــم،
ُ يفاكههــم -ول يقــول إل صدقا-ينــزل كل شــخص
مكانــه، ول يبخســه قــدره، ينصحهــم ول يفضحهــم،
ويعاتبهــم ول يجرحهــم، يتحمــل نفقــات العــاج
عــن مريضهــم، ويواســي بمالــه فقيرهــم ومعوزهــم،
ويدعــم محتاجهــم، ويســتمع إلــى شــكاويهم، وينتصــر
لمظلومهــم، ويتدخــل بنفســه لــدى الســلطات ليجــاد
الحلــول المناســبة للهالــي والســكان الذيــن صــودرت
حقوقهــم، أو صــدت فــي وجوههــم كل أبــواب الدارة،
ويســعى مــع عاطلهــم حتــى يجــد لــه مصــدرا للــرزق
ثابتـا ومحترمـا، والكثـر والهـم مـن كل ذلـك، أنـه كان
يدعــو لهــم بقلبــه الكبيــر ونفســه الطاهــرة، ليبــارك اللــه
لهــم عملهــم وحياتهــم وذريتهــم.
انفـرد الميـن -مـن بيـن شـيوخ جيلـه- باسـتثناء
فريــد، هــو انفتاحــه الكبيــر علــى القضايــا والمســائل
التــي تهــم مجتمعــه، ووعيــه الشــخصي بهــا، وثقافتــه
الموســوعية فــي مواكبــة الجيــال فــي المواضيــع التــي
يتطرقــون إليهــا معــه، فلــم يكــن يومــا مــن هــذا النــوع
مـن الشـيوخ البسـطاء، الذيـن ينيبـون آخريـن لسـتقبال
زوار يتحــرج أو يســتثقل الحديــث معهــم، أو يكــون
غيــر مرتــاح فــي التحــاور معهــم لجهلــه بالمواضيــع أو
القضايـا التـي يثيرونهـا معـه، بـل كان بحسـن اسـتماعه
وإنصاتــه إلــى متحدثيــه، وبروعــة تدخاتــه وإســهاماته
الفكريــة فــي الموضــوع المثــار، مثــار إعجــاب ودهشــة
لــدى زواره، وربمــا أبــرز لمخاطبيــه تمكنــه وأهليتــه
الكاملــة فــي فهــم ومعالجــة القضيــة المعنيــة.
ليــا ونهــارا، ومكرهــا ومنشــطا، واصــل الميــن
مهامــه المســنود إليــه منــذ عهــد البــاء والجــداد، فلــو
تكلمـت الفيافـي والريـاف، وشـهدت الوهـاد والنجـاد،
ونطقــت الطــرق والســبل، لقالــت بــأن الميــن جابهــا
ذهابـا وإيابـا: تبليغـا لكلمـة اؤتمنـت عليهـا، أو إصاحـا
لـذات البيـن، أو تدشـينا لمشـروع ذي جـدوى، أو رعايـة
لمصالـح العبـاد والبـاد، أو إحيـاء لموالـد ذي المناقـب
العليــا والكمــالت الكبــرى؛ صاحــب المقــام العالــي؛
رســولنا ذي الذكــر الرفيــع صلــى عليــه اللــه وســلم.
عظمــاء القــوم -مثلــه- لــن تعتــري ســبيلهم
الخفاقـات المتكـررة، أو النتقـادات الحادة ذات اليمين
وذات الشــمال، ولــن تثنيهــم عــن محــاولت الصــاح
وتغييــر الواقــع المريــر ريــن القلــوب وصــدأ الطبــاع
علــى ممارســات مألوفــة، تؤخــر ول تقــدم، وتفــرق ول
تجمـع، إنـه مـن رواد الصـاح وقـادة الطائـع، الذيـن
نجاحهــم يقيســونه بحجــم مــن أخرجوهــم مــن مثلــث
الجهــل والفقــر والمــرض، ل يحملــون الحقــد ضــد
أحــد، ول يضمــرون الكيــد لحــد، ول ينتقمــون مــن
أحـد؛ ول ينتظـرون الجـزاء مـن أحـد، إنهـم فـي مراتـب
كمالهـم، وسـموهم الروحانـي ل يـرون فـي النسـان إل
جانبـه اليجابـي فيركـزون عليـه، ولـو أجملـت الوصـف
فيـه، لقلـت بأنـه: قـوي نفسـيا ومعنويـا وأدبيـا فـي حمـل
مـا أنيـط علـى عاتقـه، أميـن فـي تبليـغ الرسـالة والكلمـة
54
N° AL FATHI.indd 54 23/11/2017 06:38
والوديعــة »إن خيــر مــن اســتأجرت القــوي الميــن«.
َز َان ِ الميــن رْفَق َ ــه بعبــاد اللــه وعف َ ــوه وصفحــه
َ وســمحه بهــم، فتعهــد فــي شــبابه وكهولتــه وفــي
ّ شـيخوخته الكثيـر منهـم، واحتضـن فـي أروقـة بيتـه جما
غفيـرا مـن طالبـي العلـم وناشـدي المعرفـة، وعلـى يديـه
ارتقـى اللف فـي دروب التربيــة والتزكيــة، أفسـح لهـم
مجلسـه الكبيـر، وفتـح أبوابـه علـى مصراعيـه، يسـتقبلهم
ويؤويهــم، ويتكفــل بتعليمهــم وإعاشــتهم وإســكانهم،
ُ موائــد ٌ ه دعــوة جفلــى، وإيثــاره الخريــن علــى أبنــاءه
يذكــرك باليــة »ويؤثــرون علــى أنفســهم ولــو كان بهــم
خصاصــة«.
عـز عزيـز كل قـوم فـي مناسـباته، ول يبخـس أحـد
ّ
ُي
مـن النـاس أشـياءهم، ل يسـتصغر المكرمـة أو الخدمـة
مــن أحــد، يعلــي مــن قــدر المســئولين والدارييــن،
يستشــيرهم ويســتأنس برأيهــم، وتــراه فــي المناســبات
ّ الكبــرى يثم ّ ــن ويقــدر مواقــف الدارات والمصالــح
ّ الحكوميــة، وينــو ً ه مشــيدا بإســهام الطــراف الخــرى
ّ فـي تحسـين وتطويـر الخدمـات المقدمـة إلـى الوافديـن
والزائريــن لتــواوون، ومــا مــن مســئول إداري، أو تابــع
لجهـة حكوميـة أو مدنيـة، إل ولـه فـي مخيلتـه ذكريـات
جميلــة ولحظــات ســعيدة عاشــها مــع أميــن تــواوون.
زعامتــه لنظرائــه -بوصفــه خريجــا مــن مدرســة
تكويـن جيـل الشـيوخ- فـي مجـال العاقـات العامـة أو
الخاصــة، ل يشــق لــه فيــه غبــار، بــل إن انفــراده بكونــه
قطـب الرحـى ومركـز الثقـل فـي كل التنظيمـات الوطنيـة
والروابــط الثقافيــة التــي أقامهــا الفاعلــون القدامــى فــي
حقــل الثقافــة الســامية واللغــة العربيــة كان اعترافــا
ضمنيــا، بــأن شــخصية الميــن هــي التــي تحــل محــل
الجمــاع مــن قبــل كل الطــراف لتولــي الدوار أو
المناصــب الحساســة، ويجهــل كثيــر مــن شــريحة
الدارسـين للغـة العربيـة أن مكاسـب عديـدة يسـتمتعون
بهـا الن، كانـت نتائـج مباشـرة للكفـاح والنضـال الـذي
خاضــه أميــن تــواوون مــع رفقائــه لســترداد الحقــوق
المســلوبة منهــم علــى أيــدي الحكومــات الســابقة.
ســجل حياتــه مليئــة بالفعــال الجميلــة، لقــد آثــر
صاحبـه أن يكـون أفضـل شـاهد عليـه فـي غيابـه أخاقـه،
ّ وأن ل تكتــب مآثــره إل بمــاء الذهــب، ولــو قل َ بــت
صفحـات هـذا السـجل، لرأيـت بياضـا ناصعـا، وذكـرا
حســنا، وســيرة ناصــح أميــن، ســتقرأ الجيــال القادمــة
تفاصيلهــا بإعجــاب وتأمــل، تــردد فــي قــرارة نفســها :
ُ
ديــث بَ َ عــده
ُ َ إل ح ٌ
َْمــرء
َــا ال
َوم
َ ْ كــن َ حديثً َ ــا حســنً َ ا لمــن و َعــى
ف
عديــد مــن النــاس -مثلــي ومثلــك- تناهــى إلــى
أســمائهم فــي وقــت مبكــر مــن حياتهــم هــذا النعــت
المنعــوت علــى شــخصيته، وهــذا الوســام الشــرفي
المعلــق علــى صــدره، اســتحقاقا واقتــدارا »المتحــدث
باســم العائلــة«، ويجــزم المــرء العــارف بقــدر الرجــل
وبعلــو همتــه، أن هــذا المنصــب الــذي أوكل إليــه لــم
يكـن محابـاة لـه، لكونـه فـردا متميـزا مـن أفـراد العائلـة،
أو إرضــاء لنــزوة شــخصية فــي نفســه تجعلــه أســيرا
لوسـائل العـام وقنـوات الذاعـة، باحثـا عـن النجوميـة
والشــهرة، أو رغبــة ذاتيــة منــه فــي احتــكار الكلمــة دون
بقيــة النــاس.
والعديــد مــن جيــل عصــره، وأتــراب زمانــه لــم
يكونــوا يملكــون إزاء مقدرتــه المبكــرة، وقدرتــه الفــذة
علــى مواكبــة عصــره ومخاطبــة بنــي وطنــه، واختيــار
محتـوى الخطـاب الـذي يدلـي بـه إليهـم فـي المناسـبات
المختلفـة والحـوادث المتباينـة، إل أن يعترفـوا لـه بإحراز
قصـب السـبق فـي هـذا المضمـار، وإل أن يشـهدوا بأنـه
الرجــل الهــل فــي المقــام المناســب، فقــد كان قــس
زمانــه، ونابغــة عصــره فــي التبليــغ والتوعيــة والترشــيد
والتوجيـه للنـاس، وفـي حمـل الرسـالة المطلوبـة إليهـم
تلقيهـا فـي المناسـبات الدينية أو الجتماعية أو السياسـية
التــي تســتجد علــى الســاحة الوطنيــة أو الدوليــة.
وعلــى تعاقــب العقــود والجيــال، وازديــاد المــور
تعقيــدا وإشــكالية، ازدادت لديــه المقــدرة الخطابيــة،
وإمتــاك أدوات التواصــل العاميــة الازمــة لــكل
الحـالت الطارئـة أو العاديـة، وظلـت المانـة التي عرض
َ عليـه حملهـا، وقِبَلهـا عـن طيـب نفـس، أمانـة ل تقبـل
بأيـة حـال مـن الحـوال أن تتهـاون أو تسـتخف بـه، وهـو
يقــوم بمهمــة تبليغهــا، فهــو مــن طــراز الرجــال الذيــن
تظـل الودائـع والمانـات لديهـم مهمـا طـال الزمـان أو
ً قصــر، وعظــم الخطــب أو ســهل مصونــة ً ومــؤداة علــى
أكمـل وجـه وأحسـنه.
وميــزة الجــرأة المعنويــة، والشــجاعة الدبيــة،
والطاقـة التعبيريـة، والذن الواعيـة المسـتوعبة، إضافـة
إلــى المعرفــة الدقيقــة بالتفاصيــل التقنيــة الصغيــرة
والكبيــرة عــن الموضــوع الــذي يتحــدث عنــه، جعلتــه
قـادرا علـى امتـاك مسـامع وآذان مـن يصغـون إليـه حتى
لفتـرات طويلـة، تسـحرهم فصاحتـه وباغتـه المعهـودة،
ِ وتخلـب ألبابهـم طرائـف الحكـم وفرائـد النظـم الجميـل
التــي تنبــع مــن جنباتــه.
وتوافـر السـتعدادات الفطريـة المذكـورة آنفـا، مـع
تلــك المكتســبة عبــر مشــوار حياتــه العمليــة الممتــدة
لكثــر مــن ســبعة عقــود، فــي المناســبات المختلفــة
55
N° AL FATHI.indd 55 23/11/2017 06:38
ومـن الحـداث المتنوعـة فـي حياتـه الحافلـة بالمواقـف
التاريخيــة، والعبــر الثريــة، رشــحته أكثــر مــن أي فــرد
آخــر فــي العائلــة لاضطــاع بأمانــة تولــي »التحــدث
باســم العائلــة«، وكمــا كان معهــودا فــي الســابق بــأن
الشـاعر الـذي يمثـل القبيلـة، ويتكلـم بلسـانه، ويـرد عـن
مهاجميـه ومنتقديـه، ويـذود عـن حياضـه، ل بـد مـن أن
يكــون خطيبــا مفوهــا، وأديبــا حكيمــا، وبصيــرا عليمــا،
وذا إحسـاس مرهـف، وصادقـا موثوقـا بـه، كان الميـن
فــي بعــده العملــي وفــي بعــده الخاقــي.
ويــكاد المــرء يندهــش ويذهــل، وهــو يــدرس
شــخصية الميــن مــن زاويــة عاقاتــه المتشــعبة
والواسـعة، وشـبكته العريضـة مـن الوشـائج والصـات،
والتــي أقامهــا مــع كافــة الشــرائح والقــوى الســنغالية؛
الســرية والدينيــة، والنقابيــة منهــا والسياســية، وكذلــك
مــع التنظيمــات المختلفــة؛ الوطنيــة منهــا والدوليــة،
ويســتحضر المتمعــن فــي شــخصيته رجــا يجســد
مقولــة الشــاعر:
ِ وإذا كانــت النُ ُ فــوس ِ كبــاراً
ُ
جســام
َ
ُ ِرادهــا ال
ِعبَ ْ ــت فــي م
تَ
فهــو رجــل المهمــات الصعبــة، وهــو الواجهــة الفكريــة
البــارزة، التــي تمثــل الكيانــات الســامية والتنظيمــات
الدينيــة الســنغالية فــي الكثيــر مــن المناســبات الدينيــة
أو الوطنيــة أو الدوليــة التــي نظمــت فــي الســنغال أو
خارجهــا، ينطــق بلســانها، ويحمــل كلمتهــا، وينســق
آراءهــا، ويعــرب عــن موقفهــا، فــي غيــر مــا ملــل، ول
كلــل، ول ســأم، وحتــى بعــد أن أثقــل عــبء الســنين
المتواليــة عليــه كاهلــه، وقصــم كــر الجديديــن ظهــره،
ظــل هــو الميــن الــذي يأتمنــه القــوم دائمــا لداء أمانــة
تبليــغ الكلمــة.
وانفتاحــه علــى مجتمعــه والقضايــا والمســائل
الحساســة والمصيريــة التــي تحكــم واقعــه ومســتقبله،
وتجاربــه الســابقة مــع الحكومــات الســابقة، أو تعايشــه
مـع حالت مشـابهة لما يسـتجد فـي السـاحة، وخضرمته
فـي المجـال السياسـي والثقافـي والجتماعـي، وشـهوده
لفـول فتـرة السـتعمار، ومـا بعـد السـتعمار، ومواكبتـه
لــكل الرؤســاء الســابقين والحالييــن فــي الســنغال،
جعـل مـن الميـن شـخصية ذا وزن سياسـي واجتماعـي
بــارز وفاعــل. وجعــل منــه الخبيــر وذا الــرأي الســديد
والبصيـرة النافـذة، فـي تشـخيص الوضـاع، وتحليلهـا،
وفــي طــرح الحلــول واقتــراح المخــرج الســليم مــن
الزمـات والوضـاع الصعبـة، ويشـهد القـوم لـه بأنـه لـم
يكـن يهـادن أو يتملـق أو يحابـي أحـدا، أو يجاملـه، بـل
كان يسـعى إلـى حـل وسـط، يحفـظ لـكا الطرفيـن مـاء
وجهيهمــا، دون أن يتنــازل عــن مبادئــه المينــة.
كان الميـن أمينـا فـي حمـل سـر حضرتـه المالكيـة
التــي هــو ابنهــا البــار، ائتمنــه علــى الســر الوالــد والعــم،
قبـل الخ والشـقيق، فنافـح عنـه ليـا ونهـارا، وشـهدت
لــه المنابــر القاصيــة والدانيــة، والزوايــا المعمــورة فــي
شـرق البـاد وغربهـا، وفـي شـمالها وجنوبهـا أن الفارس
القديـر، والخطيـب المفـوه الـذي لـم تسـأم مـن خطبـه
وأحاديثــه ومحاضراتــه وتدخاتــه أي ســامع، هــو أميــن
الحضـرة، ولسـانها الناطـق.
لقــد كان كل إطــالت الميــن فــي المناســبات
المتجــددة، حدثــا كبيــرا ومرتقبــا، وطنيــا وإعاميــا،
تتسـارع وسـائل العـام المختلفـة مـن مرئية ومسـموعة
ومقـروءة إلـى تغطيتهـا، تقتبـس مصطلحاتهـا وفقراتهـا،
َ عناويــن لخبارهــا الرئيســية، ويشــغل مضمونهــا الــرأي
العــام الوطنــي فتــرات ليســت بالقصيــرة ول بالقليلــة،
إذ يتنـاول فـي إطالتـه جوهـر الحــدث المقبــل، مقيمـاً
الماضــي، ومستشــرفاً القــادم، ومعطيــاً ٍ توجيهــات
ٍ وإرشــادات تحفــظ النفــس والنفيــس.
ّ سـيوحش غيابـه أزقـة تـواوون وأحياؤهـا، وسـتفقد
منابــر الوســائل العاميــة تلــك الشــخصية البشوشــة
المرحـة واللبقـة فـي أسـلوب اسـتقباله وتعاملـه واحتفاءه
بمــن حولــه وبمــن يخاطبهــم، وســيذرف المعــوزون
ّ وذو الحاجــة وطــاب العلــم، الدمــوع الغزيــرة الحــارة
والصادقــة، علــى ذلــك الكريــم الريحــي بعلمــه ومالــه،
وسـتبكيه الجيـال تلـو الجيـال، بعدمـا بـكاه الحبـاب
والصفيــاء.
فيـا ربـاً ّ توحـد بالعـز والبقـاء، وقهـر عبـاده بالمـوت
والفنــاء، ويــا كريمــاً تفضــل علــى أصفيائــه بالجــر
والنعمـاء، ويـا رافعـاً َ قـدر َ مـن عبـد ِ ه، وخضـع لـه ب َج ْع ِ ـل
ُ مراتبهـم تضاهـي مرتبـة الشـهداء والنبيـاء، كـن لعبـدك
ّ عبـد العزيـز فـي حسـن ظن ّ ـه بـك، ل فـي حسـن ظننـا بـه،
َو ّرو ْح َ عنــه بالرحمــات مغفــرة ورضوانــا، وكمــا وس َ ــع
َ الجميـع ّ بقلبـه الكبيـر، وس ْ ـع منازلـه فـي دار الصديقيـن
والنبييـن، فأنـت اللـه الـذي لـن يخيـب عبـد كان أملـه
فيــك، وأجــزه عــن كل كــرم عمــل بــه كرمــاً وإحســانا،ً
وأســكنه مــع البــرار فردوســا وعلييــن جــوار حبيبــك
المختـار، وأخلفـه فـي أهلـه وذريتـه إنـك سـميع الدعـاء،
وولــي التوفيــق.
56
بقلم/سمب أم جو
N° AL FATHI.indd 56 23/11/2017 06:38
J’ai écouté très attentivement le discours
de Serigne Abdoul Aziz Sy Al Amiine à l’occasion de sa dernière Tabaski parmi nous.
La vidéo, mise en ligne suite à son rappel
à Allah Soubhanahou Wa Taala, mérite une
oreille attentive. Une écoute sereine et positive. Tant le message est chargé d’amour
pour une Nation sénégalaise sans coutures.
«Rassemblez-vous autour de ce qui peut
nous réunir car ce qui nous unit dépasse de
loin ce qui nous sépare.» Nous dit-il en substance. Il nous interpelle tous, s’adressant
tout particulièrement à la classe politique qui
est le moteur des divisions, sinon le catalyseur des passions qui y mènent.
Je nous conseille d’écouter, et de méditer profondément, les propos de Serigne Abdoul Aziz Al Amiine car, ils sonnent comme
le testament d’un Saint homme, de dialogue
et de consensus, qui aura consacré toute sa
vie à construire des ponts et à gommer les
frontières entre les différentes communautés.
Ce message bien compris devrait, si nos
larmes sont sincères, jeter dans nos cœurs
les graines de cette franche introspection,
tant attendue et toujours différée. Notre petit pays a produit de grands hommes. Dans
plusieurs domaines de la vie, des Sénégalais ont fait preuve de réussites individuelles
appréciables. Des success stories de personnalités de tous horizons alimentent notre
ferté nationale. Mais nous ne sommes pas
encore parvenus à construire un collectif
gagnant, à la hauteur de nos belles qualités
individuelles reconnues par tous. À l’image,
par exemple, de nos sportifs qui brillent individuellement sur tous les stades du monde
et peinent, collectivement, à faire aboutir nos
rêves…
Al Amiine nous invite à corriger cette distorsion.
Nous devons, à sa mémoire et à celle
de ses pieux prédécesseurs, de consentir un effort individuel et collectif de grande
amplitude, pour construire une équipe nationale dans chacun des secteur d’activités et
à l’échelle de notre pays. C’est le seul prix
à payer pour un Senegal vraiment gagnant!
Le rappel à Dieu, en cette année 2017,
de fgures marquantes du Senegal de ces
cinquante dernières années est chargé de
messages pour ceux qui savent lire entre les
lignes: nos vies sur terre sont brèves. Il faut
leur donner du sens. Il faut surtout savoir
mesurer le temps qui passe et lui donner de
l’utilité pour soi et pour son pays. Loin des
glorioles éphémères et des bravades vaniteuses, il faut parfois chercher, dans l’humilité et les concessions, le levain d’un nouveau
départ pour tous.
Le message de Serigne Abdoul Aziz Al
Amiine m’a profondément touché, pour ne
pas dire bouleversé. J’ai eu le privilège de
lui parler au téléphone pendant mon récent
séjour à la Mecque. Je le dois à la compagnie de Khalifa Lo, son fls et fdèle compagnon, avec qui j’effectuais le pèlerinage. Je
ne l’en remercierai jamais assez. Ne croyant
plus au hasard depuis si longtemps, je garde
pour moi les derniers mots souffés au creux
de mon oreille. Mais je n’oublierai jamais son
ardent désir de voir le Senegal rassemblé,
apaisé et tourné vers l’Essentiel: le bonheur
pour tous ses enfants.
Qu’Allah exauce les prières de Serigne Abdoul Aziz Sy Al Amiine pour
nous tous et accepte nos prières pour
lui. Il continuera à vivre dans nos cœurs.
Nos sincères condoléances à toute la famille
de Seydi El Hadji Malick SY ainsi qu’au pays
tout entier.
Amadou Tidiane WONE
1
Il a terminé sa mission, il est parti rejoindre
son Créateur. Cette explication sufft pour calmer
les cœurs meurtris depuis qu’Allah (SWT) a mis
fn à la vie terrestre de notre Prophète bien-aimé,
Seyyidina Mouhammed (SAW). Mais pourquoi
donc ne sufft-elle plus pour sécher nos larmes et
calmer notre inquiétude ? Mawlaya Cheikh Abdoul
Aziz SY Al Amine (rta) était-il donc un surhomme
? Certes non, mais Allah, Le Tout-Puissant, avait
réuni en cette attachante créature tant de vertus
et de qualités que, irrésistiblement, Serigne Abdou avait fni par forcer l’admiration de ses pires
détracteurs et conquérir le cœur de tous les terriens de bonne volonté qui avaient la chance de
l’approcher. Au point de rendre sa disparition diffcilement supportable.
Serviteur fdèle, loyal, généreux et effcace de
tous les Khalifes Généraux qui se sont succédés
à Tivaouane de Serigne Babacar SY (RTA) à Serigne Cheikh Ahmed Tidiane SY Al Maktûm (RTA),
il a cultivé l’art d’utiliser la surexposition de son
statut de ‘’Porte-parole’’ pour cacher au monde
l’essentiel de ses attributs de Saint Homme (Wilaya). Il avait choisi de servir au lieu d’exercer un
quelconque pouvoir, fut-il simplement temporel.
Al Amine avait dédié son existence sur cette
terre à la défense et à la promotion des enseignements de Mame Seydi Elhadj Malick SY (RTA) et
de son vénéré père, au développement de la cité
sainte de Tivaouane qu’il chérissait et défendait
mieux que n’importe quel député, à la paix et à la
sécurité de ce Sénégal pour lequel il était prêt à
entendre toutes les critiques et à braver l’adversité des oppositions les plus crypto-personnelles.
Serigne Abdou, c’était aussi un Citoyen du
monde, un militant de la paix, qui allait de continent en continent, de pays en pays, semant les
bonnes idées et plaidant en faveur de l’entente,
de la coopération et de la solidarité, singulièrement entre pays de la Oumma islamique. C’est
ainsi qu’il prit une part décisive dans la création de
la chaine de télévision arabe ‘‘Al Jazeera’’ et qu’il
contribua signifcativement à l’apaisement des
tensions entre l’Irak et l’Iran, d’une part et, d’autre
part, entre la Lybie de Mouammar Kadhaf et certains pays membres de l’OCI.
Mais Al Amine, c’était surtout le génial continuateur et la face visible de son illustre père, Serigne Babacar SY (RTA). Mieux, Serigne Abdou,
c’était tout simplement Serigne Babacar, tant il est
resté fdèle à la philosophie de ce dernier, qu’il ne
cessait de défendre et d’illustrer, et à la poursuite
de l’œuvre de ce glorieux père dont il avait hérité
les rares vertus de pureté et de droiture. Ceux qui
lui étaient proches savent d’ailleurs que le Cinquième Khalife Général des Tidianes tirait toute
sa force (tranquille mais ô combien réelle) de ce
que sa dimension mystique se confondait parfaitement avec celle de Cheikh Al Khalifa (RTA).
De la manière la plus parfaite, il a achevé de
conférer à Tivaouane et à la sainte Hadara Malikiya une dimension universelle, apposant ainsi sa marque indélébile sur l’œuvre éternelle et
multidimensionnelle des continuateurs de l’œuvre
de Mame Seydi Elhadj Mack SY (RTA). En guise
de dernier rappel à la conscience universelle, sa
dernière adresse de la Tabaski 2017, dédiée pour
l’essentiel à la défense des Rohingyas de la lointaine Birmanie, a marqué les esprits au-delà de
nos frontières.
Voilà, dessiné à grands traits, le profl diffcilement cernable de l’Homme de foi, du Guide bien
aimé et respecté, du Conseiller avisé des Souverains et Chefs d’Etats de ce monde, du Saint (inconnu de ses contemporains) que notre pays et la
Oumma viennent de perdre.
Me reviennent alors les mêmes questions
que je me posais en apprenant son rappel à Dieu
: mais quel Elu du Ciel va désormais hériter de
ce lourd fardeau que le Saint homme a toujours
supporté avec un éternel sourire ? Vers qui vont
désormais se tourner les faibles qui se verront
injustement spoliés ? Quel génial stratège va se
risquer à prendre sa suite auprès du COSKAS et
des dahiras ?…
Puisse Allah, Le Tout Puissant, Le Tout Miséricordieux, Le Très Miséricordieux, Lui qui, des ténèbres les plus denses, sait faire surgir la lumière
éclatante, combler pour nous le trou béant laissé
par Al Amine et perpétuer à jamais son œuvre ainsi que ses enseignements. Amine.
Serigne Malick FALL
serviteur absolu de
Cheikh Abdoul Aziz SY Al Amine (rta)
2
Il est des hommes dont la vie et l’œuvre résisteront à l’usure du temps et seront gravées à jamais
dans la mémoire collective.
Le Soleil ne se couchera jamais sur une réussite
longitudinale d’une vie exceptionnellement glorieuse à tout point de vue.
Témoigner sur le Khalif Serigne Abdou AZIZ SY
impose à nous de fait et de droit un tryptique :
Tarikha Cheikh, Tivaouane, Générosité
Tarikha Cheilkh : il en a porté la voix pendant 60
ans. Il en a incarné les principes de base dans la
pratique Souf de tous ses actes posés au quotidien .
Tivaouane : Il a voué à la ville un amour diffcilement égalable. Il nous rappelait que dans une ville
qu’on aime, il y’a toujours Quelqu’un qu’on aime
Générosité : généreux en ses avoirs et en son savoir a été le fondement de son exemplarité. Il a
aimé la tolérance plus que tout autre privilège. Il a
combattu tous les replis de l’obscurantisme.
Serigne Abdou Aziz Sy Al Ibn que la Nation Sénégalaise a fni par appeler Serigne Abdou Aziz Sy
Al Amine est un de ces hommes exceptionnels qui
méritent de fgurer au Panthéon de l’histoire de
la Nation Sénégalaise et de la Ummah Islamique
Continentale et Internationale.
Je ne suis pas qualifé pour juger le guide religieux
respecté de tous qu’il est mais mon statut de fls
et de talibé m’autorise à apprécier les enseignements du père qu’il restera toujours pour moi,
l’empreinte du protecteur et guide qui manquera
désormais aux populations et à l’Etat Sénégalais
et enfn la marque du gestionnaire désigné de
toute la famille de Seydi El Hadji Malick Sy (RTA)
et de la confrérie Tidjanya.
Etre utile est l’essence et la clé de lecture de la
vie et de toute l’œuvre de Serigne Abdou Aziz Sy
Al Amine (RTA)
- Utile à sa famille et à celle de Seydi El Hadji Malick Sy : Très tôt responsabilisé par son père
Seydi Aboubacar Sy (RTA) , il a su assumer les
misions d’un père attentif, généreux, courageux,
responsable, rassembleur malgré ses lourdes
charges et la grande taille de cette famille qui
comprend outre les flles, les garçons, les nièces
et neveux de ses frères et sœurs mais également
les flles, garçons, nièces et neveux des Compagnons qui ont contribué au rayonnement de Tivaouane. - Utile à son pays et à sa Nation Tivaouane
est demeuré un centre d’infuences incontournable dans la gestion des affaires publiques.
Conseiller avisé grâce à une longue pratique des
hommes d’Etat, depuis la colonisation, soutenue
par une intelligence fne et un bon sens cayorien,
il est resté le défenseur intrépide et infatigable des
populations .
Médiateur social très écouté, Représentant désigné par les grandes familles religieuses sénégalaises, il est resté accessible à tous, sans discrimination et résonne encore à mes oreilles, son cri
de cœur qui renseigne- s’il le faut encore- sur son
sens profond de l’humain »je refuse que ma maison soit éclairée par un groupe électrogène lors
des délestages pendant que les populations sont
dans l’obscurité » - Utile à la Tidjanya et à la Ummah islamique
Serigne Abdou Aziz Sy Al Amine nous a donné
toute sa vie durant, des leçons de vie : descendant légitime de Seydi El Hadj Malick Sy, il a servi fdèlement, loyalement et humblement tous les
Khalifes généraux des Tidjanes. Erudit en Islam
d’une piété exemplaire, Al Amine, par son dernier
acte, a signé les belles pages de l’histoire de la
confrérie tidjane qu’il a écrites pendant quatre
vingt dix ans : homme de parole, il n’a pas longtemps survécu à cet autre Grand homme , Cheikh
Ahmed Tidjane Sy Al Makhtoum qui a toujours été
son mentor.
Nous souffrons du vide laissé par la disparition de
cet Homme. Nous sommes Tous , Musulmans ,
Talibés, Dépositaires de son legs que nous nous
devons de perpétuer, de sécuriser. C’est seulement là le refuge de l’atténuation de cette souffrance.
- Que Dieu le Tout Puissant l’accueille dans
Ses Grâces et nous donne la force de toujours
prier pour Al Amine.
BON GAMOU 2017
El Hadj Malick Diop
Ancien Député Maire
de Tivaouane
3
Acte 1
O ciel ! qui essuiera tes larmes de tristesse
Et te consolera si ce n est cette terre qui l’a vu
naître et qui l’a couvert,
Cette terre contrite de cette douleur diagonale
qui a déchiré la première nuit de ce mois béni ?
O père ! Qui consolera Médina Sy, sorti de
l’oubli par cette pluie bienfaitrice qui rendit le sourire aux enfants et l’espérance à leurs mères reconnaissantes
De t avoir comme protecteur, à l’heure des récoltes incertaines?
Qui me dira ce qu’il adviendra d’Omar, fls de
berger, ce bien-aimé, que tu couvris de ton Amour
pastoral
De même, tous ces enfants du monde courus
vers ton bienveillant ombrage,
Qui me dira ce qu’il adviendra d’eux ?
De même, tous ces ressuscités que tu tiras
de leur torpeur cadavérique en leur insuffant ce
nectar, pulpe de hyacinthe rouge qui leur ouvrit
la voie.
Tu leur insuffas de belles leçons de vie,
Viatique sublimé par ta sagesse, fruit de mille
pérégrinations et de moult confdences, tablettes
gardées que seule ta denture blanche et parfaite
est la clé de la porte qui y mène.
Qui me dira ce qu’il adviendra de nous ?
Qui me dira ce qu’il adviendra d’eux ?
Face contre ce sol qui te couvrit, nous te pleurons. Mais est- ce de tristesse ou de joie?
Tristesse et joie ont elles encore un sens
lorsque tu as ton pourquoi de la vie et que peu
t’importe le comment de la mort!
Oui ! Murshid de tes homonymes pluri-générationnels,
Je te salue, toi qui fs de Tivaouane, la cité
idéale de ton ancêtre, l’Elu de Cheikh Tijaan,
Maître aux lauriers tressés de fl d’or épuré par le
plus orfèvre de ses illustres fls, Ababacar, au mérite reconnu et fruit d’un décret d’outre-monde :
Tu en fs, une destination pour tous les assoiffés, O, Maitre, source intarissable de cette énergie
spirituelle sans laquelle la voie qui t’a vu naître et
mourir, ne serait qu’une simple association d’aspirants sans but et non la crème de l’accomplissement et la source des fermes connaissances !
Nous te pleurons, Père. Est ce une larme qui
perle sur nos yeux ou est ce une perle de pluie
qui trace un sillon d’espérance sur nos visages
hagards?
L’espoir de voir et d’ouïr les états-majors làhaut battre leurs ailes luminescentes
A l’annonce de ton ascension céleste. Mais
avons-nous les yeux et les oreilles qui seyent ?
Repos mérité d’un soldat infatigable de la foi
et de la fdélité, hussard de la décence et de la
générosité
Comme tu fus Chevaleresque dans tes derniers habits de pèlerinage !
Ah oui ! Pour ceux qui ne le savent pas, ton
premier et dernier Hadj fut pour la Kaaba céleste,
celle dont on ne revient qu’aureolee de la grâce
des Apôtres.
Il en est dont la tombe est l’antichambre de
l’union avec l’Ami. Ni remontrance, ni invective ne
viennent perturber cette quiétude .
Tu fus du cordeau des hommes de leur siècle,
Certes, tu es parti trop tôt pour tes disciples, trop
tard pour tes maîtres.
Car ton labeur sur cette terre t’a précédé làhaut et fait déjà les confdences des messagers
ailés.
4
Mais qui n’a jamais rêvé sans illusion de cette
mort volontaire, mais pourrons nous, comme toi,-
subir sans broncher, le sourire au coin, son frimas
et son hiver glacial ?
Tu fus du cordeau des patriotes sans terre.
Ne nous as-tu pas appelé à être à l’article de ton
ascension, des citoyens modèles ?
Jamais un homme n’a autant rendu de service sans retour à sa patrie. Au point d’en rejeter
toutes les médailles et tous les honneurs.
Jamais un homme n’a autant parcouru les
sentiers de la détresse de ses congénères et n’y
a autant apporté dé satisfactions.
Tu nous appris l’humilité de la main qui donne
et la décence de l’oreille qui se tend.
Que de plaies cautérisées ! Que d’angoisses
dissipées à la vue de ton chapelet salvateur ! Par
la pureté de ton culte, tu déplaças monts et vaux
sans t’en enorgueillir.
Car l’orgueil est le dernier piège des hommes
de labeur, le fl fatidique pour les funambules de
l’action.
O Abdoul Aziz, la clameur de ton Appel a déchiré le voile de cette nuit et le manteau de l’aube
annonciatrice !
Nul ne sût, exceptés, les Huit éveillés, l’instant de la signature de ton décret.
À petit pas, à petit pas, tu te retiras de cette
scène hideuse d’un monde ayant perdu son âme .
Car ta dernière contrition fut pour un peuple
opprimé.
Ton dernier sacrifce : rachat de l’indifférence
d’une humanité sans cœur.
O Abraham de la fdélité sans condition
O Moussa du verbe sans vacarme
Jesus du cœur et de la charité sans vanité
Toi Mahomet de la pleine lune de la fermeté !
Repose en paix, Maitre de la Décence ! Que
la terre de Tivaouane te soit à jamais reconnaissante !
Abdoul Hamid Sy
MISSIONAIRE IL L’AURA ÉTÉ JUSQU’À
SON DERNIER SOUFFLE. ABDOUL AZIZ SY
AL AMINE EST PARTI APRÈS AVOIR SERVI SON PÈRE SON ONCLE ET SES FRÈRES.
VIGIE INFATIGABLE DE LA TARIQHA TIDJIANE,
PRÊT À PARTIR PARTOUT OÙ SON DEVOIR
‘’DE GARDIEN DU TEMPLE’’ L’APPELAIT, ABDOUL AZIZ AL AMINE IGNORAIT LA MALADIE, LA FATIGUE, L’AGACEMENT ET LA RANCOEUR.
LE 06 DÉCEMBRE 2013 JE L’AVAIS INVITÉ À VENIR PRÉSIDER À ZIGUINCHOR LES
3 JOURNÉES ET 3 NUITS DE PRIÈRES POUR
LA PAIX EN CASAMANCE ORGANISÉES
SUR LES ULTIMES RECOMMANDATIONS DE
SÉRIGNE MANSOUR SY BOROM DARADJI.
COINCIDENCE DU CALENDRIER, CE VENDREDI LÀ ON COMMÉMORAIT À ZIGUINCHOR
L’OUVERTURE DE LA MOSQUÉE DE LA PAIX
PAR DARADJI APRÈS 40 ANNÉES DE CONFLIT.
DEVANT TOUT CE QUE LA CASAMANCE
COMPTE DE MARABOUTS ET DE FAMILLE
RELIGIEUSES, DE DIOGUÉ À GOULOUMBOU,
DEVANT LE CLERGÉ ET LES MEMBRES DES
CULTES TRADITIONNLS, ABDOUL AZIZ SY AL
AMINE A PRÈCHÉ LA PAIX, DIRIGÉ ET CLOTURÉ LES JOURNÉES DE PRIÈRES AU STADE
DE NÈMA.
LA CASAMANCE TOUTE ENTIÈRE LUI EST
RECONNAISSANTE CAR ET DEPUIS CETTE
DATE, AUCUN CRÉPITEMENT DE BALLE N’A
ÉTÉ ENTENDU DANS LA RÉGION. LA PAIX
PLUS QUE JAMAIS EST DEVENUE UNE RÉALITÉ EN CASAMANCE.
PAIX À SON ÂME !
ALASSANE SARR
5
Seydi Abdou Aziz Sy Al Amine, continuateur
véritable des hauts guides de la Tidjania au Sénégal, a mis en place un dispositif managérial
dont l’impact confrme et conforme une synergie
managériale dont l’essence, la quintessence, la
prospective ont offert un socle qui aura permis à
la Tidjania de s’émanciper, et de se développer.
Donc les pré-requis obtenus à partir des
préconisations conçues, élaborées et mises en
opération par les guides tidjanes ont favorisé l’élimination de l’obscurantisme, du fanatisme, de
la stigmatisation au Sénégal et ont contribué au
triomphe du combat avant-gardiste, en somme,
engagé pour l’accession à l’indépendance.
Retenons que son style communicationnel,
sa vision de génie en structuration et sa perspicacité ont donné à la Tidjania une cartographie très
achevée, car les dahiras couvrent le territoire national, une structure verticale ou fédérale assure
la gestion des structures horizontales présentes
dans toutes les circonscriptions administratives
du Sénégal.
Ces pré-requis en gestion des activités de la
Tidjania obtenus grace à Al Amine ont accentué
l’effcacité en recrutement, l’élargissement des
bases en proximité horizontale, l’adoubement de
la diffusion du savoir-faire en pratique islamique,
de la démultiplication des moyens d’action inhérents au faire-faire cultuel et spirituel ; d’ailleurs,
l’institutionnalisation du dara, de la Wazifa, de la
Ziarra, des chants religieux et des conférences
aura contribué, fortement et vivement, à l’effcacité collective de la Tidjania sans aucune remise en
cause du fondamental théologique.
Il est utile de rappeler, soixante (60) ans après,
l’intérêt que constitue le système de pertinence
du management que Seydi Ababacar SY a défni,
la pédagogie qu’il a élaborée et l’excellence des
préconisations qu’il a conçues afn que la mise à
niveau des croyants musulmans reste effective et
que le tidjane puisse, à tout instant, s’émanciper
sans être victime de l’incroyance.
Insister, également et surtout, sur la rigueur
de Seydi Abdou Aziz Al Amine, dans la mesure
où la stratégie déployée, en management des
activités de la Tidjania demeure constante et intègre, sans complexe, tous les changements où
toutes les mutations imposés par la modernité ;
saluons, de plus, sa vigilance qui aura permis un
encadrement très orthodoxe du rapport à l’Etat,
à la politique, à la Nation et à la culture sans, en
aucune fois, travestir ou violer les stipulations du
code de conduite conçu par l’Islam : il reste un
chantre de l’exemplarité.
L’impact de son apport, sur la construction du
Sénégal musulman, s’apprécie dans la solidité
des fondamentaux, par lui, conçus et le réalisme
des préconisations défnies pour la sauvegarde
du juste milieu, l’éradication du fanatisme, de
l’obscurantisme, de l’ignorance et de la stigmatisation ; seulement, la préservation du Sénégal
musulman devient, en ce siècle, un devoir essentiel devant la montée des moralités variables qui
rendent, l’homme et le citoyen, vulnérables et fragiles : Al Amine avait fait de ladite préservation sa
ligne d’horizon.
Bien entendu les continuateurs, à leur tour,
vont conférer une dimension totale à la Tidjania
qui a débouché, aujourd’hui, sur un niveau de
pratique dont l’excellence ne confère que confort
et réconfort aux musulmans et assure à l’Etat un
équilibre qui lui permet, en réalité, d’être fort pour
6
construire, en bout de course, une nation meilleure ; Seydi Abdou Aziz Sy Al Amine avait compris, d’ailleurs que les vagues de l’incroyance très
menaçantes, du reste, méritent attention dans la
mesure où certains polluants et contaminants générés, malheureusement, par la pauvreté et l’indigence agissent, passivement, sur la jeunesse,
la détournent du fait de l’état du sans-emploi,
l’aliènent, sans nuance, parce que victime du festif sauvage et la prédisposent à subir l’infuence
des divertissements frelatés. Confgurer un futur
possible resta sa ligne d’action
Il avait compris le fait que le Sénégal musulman demeure, certes, un recours mais le poids
démographique que représente la jeunesse du
Sénégal, l’absence d’une confguration d’un futur possible pour cette dite jeunesse et la montée
en puissance de la contre-culture dans le pays
restent autant de raisons pour que l’encadrement
de la pratique en Islam soit, en fait, renforcée afn
que le diktat de l’incroyance ne puisse détruire la
fne feur et démolir, par conséquent, une bonne
part de la pousse que constitue la jeunesse : la
mise en danger de la jeunesse reste un risque
certain. Disait-il toujours.
Son contrat de gestion resta que la résilience
de la Tidjania soit bien encadrée, que les fdèles
tidjanes restent éduqués, que l’effcacité collective
de la confrérie demeure forte, que les préconisations conçues fassent l’objet d’une relecture, que
sa politique en démultiplication, en mise à niveau
et en management des activités de formatage et
de formation soit mise à jour.
Al Amine signalait, également, le fait que la
dimension de la Tidjania au Sénégal, sa résilience, sa créativité et son sens de l’innovation
expliquent les performances réalisées depuis le
XIXème siècle à nos jours ; il insistait, particulièrement sur, le début du XXIème siècle qui mérite,
du fait de l’arrivée fulgurante de l’incroyance, un
encadrement judicieux de la pratique en Islam ; il
revenait, de plus, sur le diktat des moralités variables dont les causes sont le festif frelaté, l’alcoolisme, la délinquance juvénile, l’argent facile,
la drogue et l’insécurité sociale ou le sans-travail
et le sans-emploi.
Heureusement, avec lui, le management des
activités de la Tidjania a gagné, toujours, en anticipation et en prospective mais il avertissait sur
la campagne internationale, déployée au proft
de l’Universalisme occidental et exigeait, un réel
encadrement parce que la pratique en Islam se
consolidait et prospérait sans limite : seulement,
le renforcement de l’effcacité de la Tidjania, au
plan du management, demeurait une priorité.
Pour lui ne s’agissait, en aucun cas, dune
quelconque remise en question, mais l’Universalisme occidental ne cesse de cibler la pratique
en Islam et entend réduire, en ce début du siècle,
l’acquis de ladite pratique en considérant l’islam
comme son ennemi intime ; la Nation Sénégal,
disait-il confrme, en chaque période et depuis
le XVIIème siècle, son évolutivité en Islam et demeure, sans conteste, une référence en cultualité
et spiritualité ; cependant, les nouveaux polluants
font jour au Sénégal et leurs effets, malheureusement, pourraient affecter la ferveur de la jeunesse
en croyance islamique. Seydi Abdou Aziz Sy Al
Amine avait pris conscience, depuis 1977, des
tendances lourdes imposées par la géopolitique
mondiale agie, sans nuance, par le capitalisme
devenu omnipotent.
D’ailleurs, sa vigilance trouve justifcation dans
la montée effective de l’incroyance, de l’industrialisation du festif sauvage et de l’internationalisation d’une campagne déployée contre la pratique
en Islam. Le Sénégal, pays parmi les remparts de
l’Universalisme musulman, doit garder sa position
de porte-étendard dans l’encadrement de la pratique en Islam avant que les nouveaux savants
du mal et les extrémistes ne parviennent, contre
toute attente, à infltrer la jeunesse du Sénégal ;
cette dite vigilance confrme sa vision de génie et
explique pourquoi la Tidjania a, toujours, anticipé
mais les avancées en démolition obtenues, par
les tenants et les soutiens de l’incroyance, exigent
un renforcement des moyens d’action à déployer
avant que le ciblage qu’ils ont programmé en direction de la jeunesse, ne gagne en sensibilisation et en conscientisation ; la stratégie déployée
par les ennemis de la pratique en Islam a, pour
principale logistique, le festif, surtout, que la population générale au Sénégal est constituée entre
60 à 70% de jeunes âgés de 18 à 30 ans, que la
population active manque de débouchés, dans la
mesure où que seuls 20% de cette dite population ne travaille. Sérigne Seydi Abdou Aziz Sy Al
Amine estimait que : encadrer la jeunesse, la formater et la prédisposer à se spiritualiser sont les
principales missions de la Tidjania, en ce début du
XXIème siècle ; une nouvelle offre en communication islamique devenait une priorité pour éviter,
d’abord, une montée de l’incroyance et assurer,
ensuite, à la génération montante, une garantie
contre la nuisance qui pollue, sans mesure, la mo7
ralité collective nationale. De plus, sa démarche
et sa préconisation consistaient à retenir le fait
que combattre la pauvreté et le sous-développement sufft dans une nation mais les vaincre,
d’ailleurs, reste une autre bataille aussi complexe
que le premier. Il savait aussi que l’entreprise déployée au travers de l’hostilité de l’Occident, le cynisme mis en action par les puissances politiques
et fnancières occidentales et, enfn, la résistance
déployée par l’Universalisme musulman expliquaient l’accentuation de la confictualité qui sévit
entre certains non-musulmans et tous les musulmans.
Le Khalife Général des Tidjanes, Seydi Abdou
Aziz Sy Al Amine, aura créé toutes les conditions
afn que la Tidjania puisse gagner, d’abord, en
innovation et en conscientisation et se préparer,
ensuite, à faire face à l’incroyance devenue, en
ce début du XXIème siècle, la principale ligne
d’action de ceux qui considèrent, maintenant,
la pratique en Islam comme leur ennemi intime.
Heureusement, Sérigne Abdou Aziz Sy Al Amine
a conçu et mis en œuvre un leadership fort, utile
et conséquent qui permet à la tidjania de continuer à encadrer le musulman afn qu’il reste, un
croyant exemplaire ; le management qu’Il a déployé demeure une référence et offre, à l’Islam,
le moyen de se protéger contre le mauvais génie
des savants du mal.
C’est pour ces raisons qu’Il avait placé des
options sur des lignes d’action dont les principales
restent :
Renforcement de l’effcacité de la Tidjania,
Eradication de l’inégalité,
Elimination des maladies à retentissement
social,
Combat radical contre le désœuvrement, la
prévarication, la perversion, la récurrence de la
corruption, l’inactivité de la jeunesse,
Restauration de la capacité et d’indignation.
De plus, l’amélioration des services sociaux
de base était et restait sa préoccupation majeure
et, à ce titre, il pensait structurer, à l’image du Coscas, la solidarité active musulmane ; de même, il
se préoccupait de l’encadrement de la moralité
nationale, l’avenir du management des activités
de la Tidjania constituait une ligne d’horizon déterminante.
D’ailleurs une réfexion, par lui amorcée en
2014, déboucha, avec le concours de l’élite tidjane, sur la conception d’un programme de travail dont les lignes forces sont :
Etude des exigences en innovation et en
créativité,
Maîtrise du rapport de l’Islam à la mondialité,
Esquisse d’un organigramme pour encadrer
le management des activités de la Tidjania,
Renforcement de la Recherche action,
Intégration d’un centre d’étude Islamique
dans le complexe Mosquée de Seydi El Hadji Malick Sy.
Le Khalife Général Seydi Abdou Aziz Sy Al
Amine, en tant que continuateur des continuateurs, a esquissé les éléments constitutifs d’un
plan de marche, afn que le management des activités de la Tidjania puisse, entre 2017 et 2037,
renforcer l’effcacité collective de la Tidjania. La
part importante de la jeunesse, en considérant
son taux très représentatif en statistiques démographiques, expliquait sa préoccupation intense,
quant à l’avenir de la jeunesse musulmane du Sénégal et son éducation islamique.
Il convient de retenir le fait que la mise en action du plan de travail ne vise, de toute évidence,
que le renforcement d’une effcacité collective
et ne s’arrête, par conséquent, à l’examen d’approches pour pouvoir, au bout du rouleau, augmenter les performances en encadrement du Tidjane, réussir le recrutement d’échelle et négocier
avec succès le virage né de la mutation imposée
par la mondialité, l’état de sous-développement
du Sénégal et l’inactivité d’une jeunesse devenue
la cible de l’incroyance.
Le redressement en vue s’avère possible
parce que le Khalifat Général présente des atouts
qui permettent, assurément, d’engager des transformations sans recourir à une chirurgie chaude.
Sérigne Abdou Aziz Sy Al Amine a signalé, également et en tant que visionnaire, que la mondialité appelle, de la part des croyants musulmans,
une grande circonspection soutenue, particulièrement, par une essence managériale de pointe. Or
le système de gouvernance confrérique valable
pendant le XXème siècle n’est plus de saison du
point de vue de sa forme : le management appelle,
maintenant, innovation et créativité, sans quoi l’effcacité collective risquerait d’être très faible.
09/11/2017
Pape Alioune NDIAYE – DAKAR
8
Essayer d’écrire sur un homme de la dimension de Serigne Abdoul Aziz SY Al Amine, relève
assurément d’une gageure. Aussi, ce soir, il nous
faudra élever l’encre jusques aux hauteurs confdentielles de la feuille, jusqu’à la morsure de l’absence, pour essayer de dire un petit mot sur cet
« Océan sans rivages », et encore….
Pour ceux qui l’ont connu, ceux qui l’ont même
approché, pour ceux qui l’ont pratiqué, pour ses
collaborateurs, parents, amis, pour sa famille, il
incarnait le modèle achevé de l’élégance morale
et intellectuelle, la générosité, autant de qualités
faites Homme.
J’ai eu l’honneur et le privilège, par un matin
de grâces de l’an 1985, au détour d’obligations
professionnelles, d’intégrer son « Task force » par
le canal de son fls Serigne Moustapha Sy. A lui,
ma reconnaissance éternelle.
En fait, parler de Serigne Abdoul Aziz SY Al
Amine, n’est pas chose aisée, car il faudra convoquer entre autres, l’Elégance morale, spirituelle et
physique, le Courage lucide, il ne transigeait en
rien quant aux intérêts supérieurs de la Religion,
de la Tarikha, de la Hadara et de la famille. Ce
n’est pas pour rien que feu Ibrahima Diop Barham
lui avait décerné le titre de « Général de la Tarikha » la Noblesse de cœur et d’esprit, la Générosité à l’extrême, l’Intelligence, la Subtilité et la
Finesse, le Sens de l’Organisation et de la Méthode, autant de qualités qui se retrouvaient dans
un management exquis.
Vous aurez remarqué sans doute que ces parures énumérées ne comportent pas de qualifcatif ; la raison, en est que le superlatif l’apercevant
de loin, s’écarte de son chemin de peur d’être terni par son sillage.
Père de famille modèle, soucieux d’une éducation parfaite de ses enfants, fondée sur des
valeurs religieuses et morales rigoureuses, inspirées du saint Coran. Serigne Abdoul Aziz SY Al
Amine était un militant infatigable engagé dans un
islam qu’il a toujours voulu multidimensionnel, faisant de l’ « Imane » sa raison de vivre, et de l’« Ihsane » une mission perpétuelle. Il ne faisait pas
de différence entre ses enfants biologiques et ses
talibés, tous étaient logés à la même enseigne.
« Né avec sa tenue de travail » comme il aimait à le dire, Serigne Abdoul Aziz SY Al Amine
était le dépositaire de cet héritage séculaire que
lui ont laissé ses illustres parents, qu’il a accompagnés et servis avec un respect obséquieux
dans la défense et l’illustration de la CAUSE ;
socle de toute l’action de la Hadara de Seydi El
Hadj Malick SY.
Il a toujours refusé la médiocrité, préférant
l’excellence qu’il avait érigée au rang de culte. Il a
toujours privilégié l’Action à la parole.
Parler de Serigne Abdoul Aziz SY Al Amine,
c’est aussi esquisser quelques traits de sa personnalité multidimensionnelle : sociale, spirituelle,
économique, sociopolitique, il a accompagné tous
les dirigeants de ce pays, de Senghor à Macky,
dont il était tour à tour le conseiller avisé et discret. Un relief sur la dimension civique : lors de
la dernière élection présidentielle, il s’est déplacé personnellement pour aller voter, administrant
au monde une immense leçon de citoyenneté
civique. Sur chacune de ses superbes qualités
9
d’autres pourraient écrire des livres et des livres.
Et j’en oublie, Dieu que j’en oublie. Car des tomes
et des tomes ne suffraient pas s’il fallait égrener
sa vie : toute d’ACTIONS.
Aujourd’hui dans les rues désolées de « Tivaouane la sainte », et dans les cœurs meurtris,
des sénégalais de tous bords, que d’orphelins !!!
Dans de telles circonstances, faut-il le rappeler,
les mots n’ont guère d’importance, car l’essentiel
se trouve ailleurs, que dans l’émotion collective.
Avec la disparition de Serigne Abdoul Aziz
SY Al Amine, c’est une page de l’histoire de notre
communauté qui se tourne, à jamais.
Pour ma part, c’est une chance inouïe de
l’avoir connu, ferté d’avoir fait partie de cette
équipe à qui il confait des missions hautement
stratégiques au service de la Hadara. Il m’a dit
un jour en présence de Mbaye Lô, son secrétaire
particulier, « Khalifa mission bou ma la mossa
sant, ame nga thia ndam. Djeureujeuf ». Ce sentiment de satisfaction valait pour moi plus que tout
l’or du monde.
Vous comprendrez dès lors, qu’il m’est encore
diffcile d’imaginer, sa disparition, tant le chagrin
qui m’étreint encore et les stigmates de l’inattendu
de la nouvelle, m’émeuvent toujours, et toujours
et toujours…..
Aujourd’hui, je mesure à sa juste valeur le
« carpe diem » de la vie.
Cependant il restera de lui entre autres, cet
immense viatique qu’il nous a légué à savoir cette
rigueur dans le travail de qualité, valeur qu’il avait
sacralisée, mais aussi cet altruisme spirituel, cette
générosité d’âme qui ne souffrait pas qu’on manquât, de quoi de ce soit d’utile et de nécessaire à
une vie saine. C’est cette mystique qui enrobait
toute son action. En cet instant, nous n’avons
certes pas le cœur à autre chose, mais du moins
dirons-nous en pensant à lui, pour tenter d’estomper notre peine commune : Ouvrons largement
les portes de l’espérance.
J’ai énormément appris à ses côtés.
Puisse ALLAH SWT lui accorder sa miséricorde et l’accueillir à cette station du paradis,
seule réservée aux saints.
« Généreux lecteur, mon semblable, mon
condisciple : » comme pour paraphraser l’autre,
je sais que tu aurais dit plus et mieux.
Khalifa Babacar Gaye
10
تتقـدممجلـة «الفاتـح» برفـع أسـمى التعـازي،وأحـر معـان المواسـاةوالتصـبرة إلى الأمـةالإسـلاميةكافـة،وإلى الأمـةالسـنغالية خاصـة
في وفـاةعلمـي كبييـن مـن أعلامهـاوهـم:
الشـيخ الجليـل والعـالالروحـي البـارز؛ الجهبـذابـن الجهبـذ؛ حفيـدمؤسـس الحـضرةالمالكيـةالتواوونيـة؛ السـيدمالـك مـود هـادي
تـوري، والـذي وافتـه المنيـة في بدايـة شـهر مـارس سـنة٢٠١٧م، وقـدكان الفقيـدآيـة في العلـم والمعرفـة، والصـلاح والزهـدوالـورع، وقـد
كان جـوده وسـخاءه الكبـي مـع طلبـة العلـم والمعرفـة في تقديـم الكتـب العلميـة والمراجـع الكبـية إليهـم مجانـا شـهرته وميـدان إسـهامه
المفضــل في نــشر العلــم والمعرفــة، كــم كان نصوحــا ومستشــارا خبــيا، يتوافــد العــوام والخــواص لحلقتــه اســتنارة واســتغلالالمشــورته
ونصائحـه الغاليـة في أمـور حياتهـم الخاصـة والعامـة، كـم كان مرجعـا يسـتفتيه كل الأطيـاف والانتـمءات الدينيـة السـنغالية بـلا اسـتثناء؛
الشـيخ الكبـي؛ ورائـد الديبلوماسـية العربيـة السـنغالية، ابـن المقـدم الكبـي الشـيخ تفسـي عبـد سيسـيه؛ السـيد مصطفـى عبـد
سيسـه، والـذي انتقـل إلى جـوار ربـه في شـهر يوليـو،٢٠١٧ وقـدكان الفقيـد مـن أوائـل السـنغاليي الحاملـي للثقافـة الإسـلامية والعربيـة
والذيــن تقلــدوا مناصــب ديبلوماســية كبــية، وخدمــوا بلادهــم خدمــات جليلــة في علاقتهــا مــع البلــدان العربيــة والإســلامية، ومثــل
السـنغال أكـث مـن مـرة في العديـد في المحافـل والمؤتـرات الدوليـة،وقـدكان معروفـا بانفتاحـهالفكـري،وحبـهالخـي لأبنـاء بلـده،وسـعيه
الـدؤوب في كل مـا مـن شـأنه أن يرفـع مـن شـأن الثقافـة الإسـلامية في السـنغال.
تغمـد اللـه فقيدينـا بواسـع رحمتـه، وبوابـل مغفرتـه ورضوانـه، وأسـكنهم اللـه فسـيح جناتـه في أعـلى الفـردوس وعليـي، وجعلهـم
مـن زمـرة حبيبنـا ورسـولنا محمـد صـلى اللـه عليـه وسـلم، مـع مـن أنعـم اللـه عليهـم مـن النبيئـي والشـهداء والصالحـي، وحسـن أولئـك
رفيقـا.
هيئة تحرير مجلة «الفاتح»
11
12
Leave A Comment