جملة علمية دينية
يصدرها معهد الشيخ احلاج مالك يس
لدلراسات اإلسالمية وابلحوث العلمية
بتواوون .
السنة اثلاثلة ـ العدد 03
مولد عام 2015
المشرف العام :
الشيخ عبد العزيز سي األمني
نائب المشرف العام :
الشيخ أبوبكر سي عبد العزيز الدباغ
رئيس التحرير :
خليفة لو
com.live@1khalifalo
مدير التحرير :
مصطفى سي املدير
سكرتير التحرير :
عبد العزيز باه
fr.yahoo@elhadjiabdouba
هيئة التحرير :
الدكتور بشير انغوم ـ الحاج مالك فال ـ عبد
العزيز صار ـ امبي درامي ـ عبد العزيز كيبي ـ
شيخ تجان فال ـ أستاذ بامر انجاي ـ بابا مختار
كيبي -السيد أحمد سي عبد العزيز سي – الحاج
مالك محمد المنصور سي – محمد الحبيب سي
سرين عبد – السيد مور نيانغ
المخرج الفني:
أبو سيراندو
776543837
المراسالت:
أو com.gmail@129khalifalo
TIVAOUANE 8 : P . B
/ 339552655(+221) :TEL
339552020(+221)
775767594(+221)
املقر الرئيسي:
معهد الشيخ احلاج مالك يس لدلراسات
اإلسالمية وابلحوث العلمية، يح »بام« شمال
املدرسة اثلانوية احلكومية يف تواوون.
1
بسم الله الرحمان الرحيم
إذ نعايش -وإياكم – في هذه األيام المباركة، ميالد النبي
الهاشمي، رسول الرحمة والرأفة، نواكب ذلك نحن في هيئة
تحرير مجلتكم الغراء، )الفاتح لما أغلق(، بإصدار هذا العدد
الثالث، ويحدونا أمل كبير في أن تحظى برضاكم، وأن تنال
اإلعجاب والتقدير، كما حظيت بهما مثيالتاهما السابقتان،
أعني العدد األول والثاني من هذه المجلة.
لقد كانت الغاية من صدور العددين األول والثاني في
أيام المولد هي اإلتاحة ألكبر عدد ممكن من القراء للحصول
واالطالع على محتويات ومضامين المجلة، وهيئة التحرير
توافيكم بهذا العدد راجية أن يعم، وأن يحقق االنتشار
المطلوب.
وبهذه الخاطرة الطيبة والنية الصادقة التي تكنها الهيئة
لكم أعزاءنا القراء فإنها عندما ينذر المولد النبوي باالقتراب،
تكثف الهيئة جهودها وجنوبها عن المضاجع متجافية إلسداء
خدمة جليلة إليكم، فتهز العقول فتتساقط رطبا جنيا تشتهيه
األنفس. وفعال تكونون كذلك عندما تقرؤون في هذا العدد
ّة، والعلمية واألدبية، من
المقاالت الشيقة ذات القيم الروحي
حيث األساليب البالغية المزيّة، والمضامين السمينة الجليلة،
من كتبة مجيدين صناعة الكتابة يعون بواقع العصر والحياة،
ويوجهون إليها أقالمهم.
فالمجلة تفتح لهم المجال فسيحا ألن أهدافها ترمي أوال:
وقبل كل شيء إلي قيادة سفينة حياة الناس نحو المسار الصحيح
في عقيدة اإلسالم و علم الشريعة والتربية الصوفية بعيدة عن
الرياح العاتية الهوجاء التي تقلبها بين ليلة وضحاها ثم ثانيا:
إلى تنشيط حركة الفكر والنهضة في عقلية شباب الحضرة
المالكية المقبلين على العلم والعاكفين عليه وثالثا:إلى نقل
تراثها المجيد إليهم وشق مجار ثقافية تتدفق عليهم تدفقا من
أولئك الكتبة المهرة.
وديدنة المجلة كما الحظتم في العددين السابقين أن تضم
أعالما من هذه الحضرة للتعريف بهم قدر اإلمكان باإلضافة
إلي المحاور التي تدور حول القضايا األخرى. ها هي ذي هذه
المرة تقدم إليكم علمين هما من أقدم الرجال الذين كانوا مع
العالم العالمة العارف بالله الشيخ الحاج مالك أعني الشيخ
الحاج روحان انغوم والشيخ الحاج مالك صار رضوان الله
عليهم جميعا. وفى الصفحات الموالية ستعر فون عنهما قليال
من كثير أو كقطرة من البحر .
الشيخ عبد العزيز سه األمين
إَّن َك َ سِم ُيع
ًة ِ
َ
ًَّة َ طِّيب
ل ِ ي م َّن لُدْن َك ُ ذِّري
َ»ر ِّب َ ه ْب ِ
لد َعاء«
ُّ
ا
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله العلي األكرم،
والصالة والسالم على النبي
األعظم، محمد الهادي إلى
صراط الله التام األسقم، وعلى
آله حق قدره ومقداره العظيم.
وبعد:
ِّفت به
ُ فإن خير ما صر
ُ ُّ فنيت فيه األوقات واألعمار بعد التفقه بكتاب
الهمم، وأ
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هو مذاكرة سيرة علماء هذه األمة
األخيار، ومدارسة أحوال وسلوك األتقياء األطهار، لكي
يكونوا نبراسا للخلف، يستنيرون بأنوارهم، ويقتفون
بآثارهم، ويهتدون بعبرهم.
وقد كان من لطف العلي القدير أن كانت الشيوخ
األفاضل، ساللة منقذ الديار السنغالية من دياجي الجهل
والغرور من أبرز الشخصيات اإلسالمية، وأعظم الزعماء
الروحية، لذا دعاني حافز النصح واإلرشاد إلى وضع هذه
السطور عن حياتهم وسيرتهم؛ لكي يكونوا عبرة يحتذي
بهم الجيل القادم، ويتأسى بهم الشباب الناشئ، وخاصة
في هذا العصر الذي انهدم فيه كل المعايير، وانخرمت
فيه المقاييس، ويعاني فيه الشباب – إال من رحم
ّ ربك – فراغا روحيا، سه ّ ل للطماعين انتهاز الفرصة
السانحة؛ لتغرير شباب العصر، فادّعوا مراتب ليست
لهم، ومقامات هم عنها مبعدون، فكان بذلك التعريف
برجال الله حقا الزما، والتنويه بصفاتهم شرعا واجبا،
ولهذا آثرت الكالم عن هؤالء الشخصيات الثالثة الفذة،
الشيخ الخليفة أبو بكر، والشيخ الحاج محمد المنصور،
والشيخ الحاج عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين، لما
لهم من صفات يجب أن تُعرف، ومواقف يلزم أن تُعلم،
على أمل أن يشمل األعداد التالية على حياة وسير كل من
أخويهم: السيدان أحمد سي والحاج محمد الحبيب -ما
زالت سحائب الرحمة والرضوان تنهل على روضاتهم-
ثم إلى األحفاد األماجد، أمثال: الشيخ محمد المصطفى
)الجميل(، والشيخ الخليفة محمد المنصور، قبل التطرق
إلى بعض المقدمين الكبار، عليهم رضوان الباقي الصمد.
أوال: الشيخ أبو بكر سي :
الشخصية المثالية للجيل الناشئ
وتعلِمه:
التعريف به وبيان ِ نسبه ِ ومولده ُّ
هو الشيخ الخليفة، واإلمام القدوة، سراج المتقين،
وشمس المهتدين، العالم المعلوم بالفضل، والعارف
المعروف بالعدل، السيد الهمام، ذو الخصال العظام،
القطب المشهور، خديم الحضرة التجانية، أبو البركات
2
والفيوضات، أبو بكر سي ابن الشيخ العارف
بالله تعالى، مربي األجيال، وناشر السنة الغراء، وقامع
البدع واألهواء، شيخي وسيدي الحاج مالك بن عثمان
بن معاذ، المعروف بـ )دمب بون( ابن محمد بن علي
بن يوسف الجلفي موطنا، الصيني قرية، القلقمي أصال
ونسبا، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ويرتفع نسب
هذه األسرة الطيبة إلى العارف بالله الشيخ شمس الدين
القلقمي، المشهور بـ )جم سي(.
أما والدته فهي السيدة النبيلة، الطاهرة العفيفة، مام
رقية انجاي، المنحدرة من مدينة اندار Ndar سان
لويس السنغالية، عاصمة العلم والمعرفة والثقافة آنذاك،
وقد أشار الشيخ أبو بكر سي إلى انتسابه إلى هذه
المدينة حيث قال في إحدى قصائده:
َ ْهِل اْنَدِر
إَّنِن َي قْد ُ كْن ُت ِ م ْن أ
َوِ
َْنَدِري
َوَم ْسَكِن ِي بَه َ ا لَد ِى ري أ
َُع َون ُ ق ْل َ ذاَك اْلَعَد ْد
َ ْرب
اْثَن ِان أ
ِ
إَذا ُ ر ْم َت اْل َمَد ْد
ِلُن ْمَرِة ا َّلداِرِ
إ ْسِمي
إ ْن َ ل ْم َ تُك ْن َ ت ْعِرُفَه َ ا فِ
ِ
ق ِ ا غْلِمي
ًّ
ل َك ا ِّ لصَرا َط َ ح
ُّ
َُد
ي
وكانت رؤية النور للشيخ أبي بكر سي في هذه
المدينة )اندار( سنة )1885م(، وتربى في حجر والده
الكريم ، وأخذ عنده قسطا من القرآن الكريم، قبل
أن ُي ِّعهده الوالد إلى الشيخ الحاج مالك صار أحد
َّ مقدميه، ثم إلى عم الولد الحاج مور خجه ِسي
في قرية َك ْر ُيُرو َس ُ اجو )Sadio Yoro Keur )فحفظ
الشيخ أبو بكر سيالقرآن الكريم على يد ّعمه حفظا
جيدا، َّ وجوده قراءة، وأتقنه كتابة، كما أخذ بعض العلوم
عند الشيخ تفسير مور بتي )Biteye Mor Tafsir)، ثم
رجع إلى والده لتكملة دراساته العليا في تلك المدرسة
العريقة، والجامعة المباركة، التي اعترف لها علماء
عصره بالسبق في ميدان العلم والتربية، يقول الشيخ سعد
أبيهفي حق تلك المدرسة:
مَداِر ِس
ُْر َ
في اْلِعْلِم َ خي
َمَداِرُسُه ِ
م ِ ا مْثُلُه ِ و ْرُد
في ا ِّلذ ْك ْر َ
َ ْوَراُدُه ِ
َوأ
كما شهد لها األعداء بذلك، قهرا من رب العباد،
فوصفها بول مارتي بأنها: »الجامعة الشعبية السنغالية«،
أخذ الشيخ أبو بكر سي في هذه المدرسة عند
ِّ المدرس النجيب الماهر، الحاذق بمداخل العلوم وخفايا
الكنوز، فكانال يفارق والده في حله وفي ترحاله،
وفي أحد أسفاره معه إلى دكار أشار إليه الشيخ الحاج
مالك أن يذهب إلى أحد الشيوخ الذين كانوا
يدرسون فيها؛ ليأخذ منه بعض الدروس كي ال تتوقف
دراسته مدة مكثه في دكار، فذهب السيد أبو بكر
إليه، ولما وصل طلبكأس ماء وشرب منه، ثم رجع،فلما
رأى الشيخ الحاج مالكرجوعه المبكر، سأله قائال:
ألم تمتثل لما أمرتك به، يا أبا بكر؟ فأجابه الشيخ الخليفة
أبو بكربإجابته الحكيمة: »نعم، امتثلت به، لكني ال
أريد أن يختلط أخذي عنكم باألخذ عن اآلخرين«.
وهكذا أخذ الشيخ أبو بكر عند والده الكريم
رضي الله عنهما حتى ّ تضلع في جميع العلوم الشرعية
واللغوية، تفسيرا، وحديثا، وفقها، وأصوال، ونحوا،
وأدبا، وعروضا، ولغة، وتربى عنده تربية صوفية نزيهة،
حتى تشربت مفاصله بنور الحضرة القدسية، ومأل قلبه
بالحقائق الربانية، وفاضت روحه بالمواهب الرحمانية،
فالحت بذلك أنواره ، وعظمت آثاره، وشهد له
بالعلم والعمل والتقوى، فأجازه الشيخ الحاج مالك
في الطريقة التجانية إجازة مطلقة، وأطلعه على
أسرارها وحقائقها الربانية، ولم يقف الشيخ الحاج مالك
عند ذلك ّ الحد، بل ّسلم إليه زمام قيادة مدرسته
العلمية، رغم حداثة ِّسنه، غير أن الوالد كان واثقا
بكفاءة الولد ّ الفذة، ومقدرته العلمية، وفهمه العميق
الدقيق لمقاصد الشريعة اإلسالمية، ومرامي الطريقة
األحمدية، فجلس الشيخ أبو بكرعلى بساط الوالد،
ُي ِّوجه ُوي ِّربي األتباع، إلى أن دعاه الوالديوما، وأشار
إليه على لسان القوم بقوله له: »الثوران الثائران ال يبيتان
في مربط واحد«، ففهم الشيخ أبو بكرإشارة الشيخ
الوالد الحاج مالكالدقيقة، وبعد مشاورة معه قرر
ُّ التوجه إلىِر ِيف ْس ْك Rufisque؛ لممارسة خلواته الربانية
ورياضاته الروحية.
وهكذا بقي الشيخ أبو بكرهناك إلى أن استدعاه
الوالد الشيخ الحاج مالك ليرسله إلى سان لويس
لإلشراف على أعمال بناء الزاوية بها، فأشرف على هذا
البناء خير إشراف، ّ وأتمها خير إتمام، ثم َّسلم المفاتيح
إلى الوالد الكريم ، غير أنه لم يعش مع الوالد بعد
ذلك مدة طويلة، ألن روحه الطيبة الطاهرة الكريمة قد
انتقلت إلى جوار ربه ذي الرحمة الواسعة، وذلك في يوم
الثالثاء ُغَّرة ذي القعدة سنة 1340ه، الموافق لـ 27 يونيو
1922م.
توليتهللخالفة:
َّ تربع الشيخ أبو بكر سي على كرسي خالفة
الشيخ الحاج مالكبعد انتقاله إلى الرفيق األعلى،
على الرغم من حداثة ِّسنه آنذاك، إذ كان عمره في تلك
الحقبة من الزمن في حدود 37 سنة، ومع ذلك فقد
أجمعتكلمة القوم على أنه هو الخليفة، وأن هذا الكرسي
الرباني ال يصلح لغيره، وإلى هذا أشار الشيخ الحاج عبد
العزيز سي الدباغبقوله:
افًعا
َ ِ
ِّ ْدُت ْم ِ عْقَد اْلِخَل َافِة ي
وَُقل
ِْر
ُل ُوح َ عَل ِى تب
َ
ر ي
ٍّ
َ َ ا ل َك ِ م ْن ُ د
َفي
لَذِل َك ُ ح ْزَتَها
َ ْهٌل ِ
َْنُت ْم َ لَها أ
َوأ
أ ْمِر
َْ
إ ْم َض ِاء َ ر ِّب اْلَع ْر ِش ِ ذي اْل َخْلِق َ وال
ِبِ
3
لَنا
ُّ
نَزاٍع لَا َ وَك َّال َ وُك
ِبُد ِون ِ
ِبَذِل َك َ را ٍض ُ د َون ُ ك ْرٍه َ ولَا ُ ع ْذِر
م َ ا ثَّم لَاِئٌق
َْوُم َ
َوِل ْم لَا َ وَذاَك اْلي
َ ْكِر ْم ِ بُك ْم َ جِابَر اْلَك ْسِر
ُْرُك ْم أ
ِبَه َ ا غي
ّوأكد الشيخ مور ساسم جخته نفس المعاني
حيث جسدها في رائيته التي جاء فيها قوله:
ِب َ يك َ قْد
َ
م ْو ِت أ
َ ْعَد َ
إَّن اْلِخَل َافَة ب
ِ
َُر
َ ْكب
لِح ْك َمٍة ِ هَي أ
ْ َك ِ
إَلي
ُنِقَل ْت ِ
َْن َت اَّلِذ َي ت ْكِف ِي لُك ِّل ُ مَوَّفٍق
أ
َْنُظُر
َ ِص َيرٍة ُ هَو ي
م ْنِ بب
َوِلُك ِّل َ
وهكذا تربع الشيخ أبو بكرعلىكرسي الخالفة
ّة، المحمدية األحمدية المالكية، كما قال الشيخ
الثالثي
ُّ
الحاج محمد الحبيب سي:
ال ٍك
ِْن َ وَم ِ
أ ْحَمَدي
َ
لْل
و َ َخِل َيفٌةِ
أ ْسَراِر َ واْلِع ْرَف ِان
َْ
ِفي اْلِعْلِم َ وال
ِّ متحمال أعباءها دون شكاية، قائما على حقوقها خير
قيام، ناصحا ومرشدا األتباع والمريدين إلى ما فيه نفعهم
دنيا وأخرى، باذالكل جهده على إقامة شرع اللهفي أرضه،
وإعالء كلمته إلى سمائه، مواظبا على النهج الذي تركه
عليه الشيخ الحاج مالك، ِّ مخرجا ِّ ومكونا مئات بل
آالف من فطاحل العلماء وأفاضل الصلحاء، ُيوازون علما
وتقوى واستقامة أولئك العلماء األتقياء الذين َّخرجهم
الشيخ الوالد ، ومفاخرهم بادية للعيان، ومآثرهم
ظاهرة في البلدان.
وهكذا كان الشيخ أبو بكر حتى وافاه األجل،
فارتفعت روحه النقية األبية إلى جوار ربه ذي الفضل
واإلحسان، وذلك في يوم اإلثنين 25 مارس 1957م.
تراثه العلمي:
خلف لنا الشيخ الخليفة أبو بكر تراثا علميا
ذخيرا، يشمل الفنين معا، وهما:
أوال: الشعر، وقد نشر له في هذا الفن مقتطفات
تشتمل على )2206( ألفين ومئتين وستة أبيات، موزعة
على )106( قصائد، و)30( مقطوعة، منها:
ْ َض ِاء، قصيدة
َي
َْد ِاء َوَزَبْرَجُد ْالب
1- قصيدة ُدَّرُة ْالَغي
همزية في سيرة النبي، وتحتوي على )213( بيتا،
في مقدمة وتسعة فصول، مطلعها قوله:
َتَف َارَق ْتِ بَنَواِح ِي ح ِّب َ خْن َس ُاء
في اْلِم ْصِر َ و ْجَن ُاء
َ َ ا ل ْه َف َ نْفِس َي ه ْل ِ
ي
ْ َسِمَها
مب
ُيْغِن َ يك َ ع ْن ِ ذْكِر َ سْلَم ِى ط ُ يب َ
َ ْسَم ُاء
أْفَك ِار أ
َْ
َل َى فُتْن َس َى عِن ال
ْ
َلي
2- وسيلة المبتهل المفتقر المعترف المحتقر إلى
حضرة ربه المقتدر، ومواله المغتفر، وهي قصيدة في
التوسل والتضرع إلى الله تعالى، نظمها على حروف
صالة الفاتح.
3- قطوف المجتني وشفوق المعتني، قصيدة عينية
في مدح الشيخ التجاني.
4- إعانة الولدان بمعرفة شروط الطريقة التجانية،
قصيدة في فقه الطريقة.
5- روضة األخدان، وتبشرة اإلخوان، من منح
المنان، في مدح السيد الحاج مالك ابن عثمان، قصيدة
كاملية قافية، وغيرها.
ثانيا: النثر، وله فيه عدة رسائل وكتب وفتاوى قد
أجاب بها عن بعض المسائل، منها:
الجكني البادي، رسالة رد فيها على ترهات هذا الجاهلإرغام أنف العادي محمد الخضر بن مايأبى
الذي حاول النيل من الطريقة ومؤسسها، وقد أتبع الرسالة
بقصيدةكاملية ميمية، مطلعها قوله:
ِْم
لا ِ م َن ا َّ لضي
إَّ
َ ِى إَلُه اْلَع ْر ِشِ
ب
ْ
َأ
َوي
ْ َب َ واْلَع ِار َ وا َّلذِّم
َأ
ماي
أْنِف َك ْ ُول ْد َ
َ
ِ
ل
ومن نماذج فتاويه التي تدل على تبحره في العلوم
جوابه عمن سأله عن رجل تزوج بامرأة وهي حامل، ثم
وضعت بعد أربعة أو خمسة أشهر، هل يتأبد التحريم أم
ال؟ وكيف العدة؟
فأجاب : من عقد على امرأة وظهر بها حمل،
ولم يقع بينهما شيء من مقدمات الجماع إلى أن وضعت
الحمل، وفسخ العقد األول، فيجوز أن يعقد عليها، وإن
تقدم شيء مما قلنا تأبد التحريم، على ما مشى عليه
الشيخ خليل رحمه الله.
وأما عدة الحامل في الطالق أو الوفاة فوضع حملها
كله، يعني: أن الحامل من مسلم أو كافر، حرة كانت أو
أمة، مسلمة أو كتابية، معتدة من طالق أو وفاة، تنقضي
عدتها بوضع حملهاكله ….ولو بلحظة.
قال أبو الضياء وشارحه شمس الدين التتائي في
مبحث االستبراء: »واستبراء الحامل بوضع حملها كله،
وإن دما اجتمع، فال يكفي بعضه«، ثم قال: »وال فرق في
ذلك بين حامل من زنا وغيرها« من فتاوى أبي عبد الله
الشيخ محمد أحمد عليش.
ومنها أيضا: إجابته عمن سأله عن حكم الصالة
خلف اإلمام اللحان، فأجاب :
إن في صالة المقتدي بإمام لحان ستة أقوال:
1- إنها باطلة، سواء أكان لحنه في الفاتحة أو غيرها.
2- إن كان لحنه في أم القرآن لم يصح االقتداء به،
وإنكان في غيرها صحت الصالة خلفه.
3- إنكان لحنه يغير المعنى لم يصح الصالة خلفه،
وإن لم يغير المعنى صحت إمامته.
4- إن الصالة خلفه مكروهة ابتداء، فإن وقع ونزل
لم تجب اإلعادة.
5- إن إمامته ممنوعة ابتداء مع وجود غيره، فإن ّ أم
مع وجود غيره صحت صالته وصالتهم.
6- إن الصالة خلف اللحان جائز ابتداء، وهذا القول
4
حكاه اللخمي.
أنظر إلى هذه اإلجابات الشافية، إجابات ال تترك
للسائل بعدها مجاال للشك أو االرتياب، ولهذا استطاع
أن ّ يكون ِّ ويخرج علماء فطاحل، ومقدمين أتقياء يكادون
يفوقون العدد الذي خرجه الوالد ، فجزاه الله عن
هذا الدين خير جزاء.
صفاته وأخالقه:
كان الشيخ أبو بكر سي متحليا بالصفات
القرآنية، ومتخلقا بالخصال المصطفوية، تقيا ورعا
زاهدا، ناسكا عابدا، سخاء جوادا، واسع الصدر، لين
الجناب، غزير العلم والمعرفة، رزين العقل والفكر،
مصونا عن عبث الصبيان، ولهو األقران، يواسي الفقراء،
ويرحم األيتام والمساكين والضعفاء، ذا ّهمة عالية في
العبادة، وبصيرة نافذة في السياسة، يداري أهلها دون
أن يشتهي منهم إلى فلسة، ويمازح أهله وأتباعه دون أن
يخرج عن جادة الحق طرفة، ال يأخذه عن الحق لومة
الئم، وال ُيْقِعده رأفة أو مجاملة عند النيل من الشريعة أو
الطريقة.
كما كانت للشيخ أبي بكر حالة منيعة سامية،
وعزيمة صادقة، ومقامة عالية، وكان بشوشا لطوفا
لق عفيفا، صارما في وقت الجد
عطوفا، ليون ُ الخُ
والحق، نزيها عنكل ما فيه ريبة، ُم ِّ ترفعا عنكل ما يخل
بالمروءة، عالما تقيا، عامال بعلمه، وشيخا مربيا واصال
ُوم ِوصال، عارفا بالله سبحانه وتعالى، ومطلعا على أسرار
الطريقة وحقائقها، مكاشفا بذخائرها وكنوزها، بل كان
هو »الخليفة« بكل ما يحمله االسم من معان.
وبجانب هذه الصفات الحميدة كلها فقد كان
الشيخ أبو بكرمتحمال لمسئولياته اإلنسانية، حسن
القيام بحقوق عائلته وإخوانه،كثير اإلنفاق عليهم، محبا
لهم، يعينهم على نوائب الدهر وشدائده، ويشاورهم في
التعلق بتعاليم الشيخ
ُّ
الملمات والمهمات، ويرشدهم إلى
الحاج مالكوإرشاداته، كماكان بصيرا بمتطلبات
عصره وأوانه، محنكا بأحوال السياسة، يجالس رجالها
ويحاورهم، وهم في ٍواد وهو في آخر، فكأنما تمثلت بين
يديه أبيات العارف بالله سيدي عبد الوارث الياصلوتي
:
م َ ا ت ْهَو ُى نُف ُوسُهُم
ل َّلن ِ اس َ
َتَر ْك ُت ِ
اه
ز َ وِم ْن َ ج ِ
ٍّ
م ٍال َ وِم ْن ِ ع
ِم ْن ُ ح ِّب َ
ام ِ ات ُ هَن َ ا و ُهَن ْ اك
َكَذاَك َ ت ْرُك اْل َمَق َ
ِه
َّ
َُتَن َ ا ع َّم ِ ا سَوى الل
ْب
َواْلَق ْصُد َ غي
إذ قلبه لم يزل متعلقا بربه، راضيا بحكمه وقضائه،
وكم أخبرني بعض من عاصره بأنه لم يكن ُيرى ّمادا
رجليه أمام الناس، أو ضاحكا ومقهقها في المجالس، أو
ملتفتا وباصقا في قارعة الطريق، بلكان ّ التبسم ضحكه،
والهوينا مشيه، والرب أنيسه، والقرآن حديثه، والذكر
رفيقه، والخلوة مجلسه.
بل إن تعداد صفاته الجميلة ومزاياه العظيمة لعزيز،
يكاد يكون ّ أعز من بيض األنوق، فهو كما قال الشيخ
الحاج عبد العزيز سي الدباغفي حقه:
َ ْحٍر َ تَل َاط َم ْت
َ ْمَوا ُج ب
َ ُاك ْم أ
َمَزاي
َ ْسَتِط ُيع َ ذُوو اْلِح ْجِر
َوَت ْعَداُدَها لَا ي
هذه الصفات الكريمة النبيلة التي تمثلت في شخصية
السيد الشيخ أبي بكر سي، هي التي جعلته يحظى
بكل االحترام واإلعجاب والتقدير لكل طبقات المجتمع،
ُوحَّق لمن هذه صفاته أن ُيجعل مثال أعلى ُيحتذى به،
وقدوة مثلى ُيقتدى به، في جميع مجاالت الحياة، دينية،
وسياسية واجتماعية واقتصادية.
الشيخ أبو بكر سيوالشريعة اإلسالمية
كان الشيخ أبو بكر سي آية عظمى ليس فقط
في مجال الفهم الدقيق للشريعة اإلسالمية، بل أيضا
في مجال التطبيق والعمل بأحكامها، والتحذير عن
مخالفتها، فكانال يتوانى عن القيامبواجبه الدعوي
يكل عن
أو اإلرشادي متى انتهكت حرمتها، وال يعجز أو ُّ
توجيه األتباع لاللتزام بمبادئها، ومواقفه الباسلة خير مثال
على ذلك، ومنها ذاك المسافر الذي أراد أن ّ يؤم بالناس
صالة الجمعة بعد وفاة الشيخ الحاج مالك سي ،
فقام الشيخ أبو بكر وقفة رجل باسل، وحال دون
وقوع ذلك؛ وأعاد األمور إلى مسارها األصلي، وقد مدحه
الشيخ الحاج محمد المنصور سي لهذه الوقفة
بقصيدة رنانة، منها قوله:
ْ ِخي
ا لَشي
ً ِ
ً َ ا فَوا َ ع َجب
َفَوا َ ع َجب
َلَقْد َ صُل َح ْت َ صَل ُاة اْل َج ِامِع َينا
أْف َسُد َوها
َوَلولَاَك ا َّ لصَل َاة لََ
م اْل َح ِ اضِر َينا
َُعُّ
ِبَتْغِل ٍيط ي
ََق َام ِ بَع ْزِمِه َ و َصَوا ِب ُ ح ْكٍم
أ
َ ْح َسَنَه ُ ا مِب َينا
َكَواِلِدِه َ فأ
الشيخ أبو بكر سي والطريقة التجانية
إن الشيخ الخليفة أبا بكر سيكان الحامل للواء
هذه الطريقة الربانية، والمحامي لها ضد كيد األعداء
الماكرين، فكانال يرى بممقوت َمريد حاول النيل
من هذه الطريقة الغراء المبنية على الكتاب والسنة إال
ّن غلطه، وأفحمه بالحجة
ّ أقض مضجعه، ّ وشرد نومه، وبي
والبرهان، وتركه أضحوكة لذوي النهى واألفكار، فلنقرأ
معا أيها القارئ الكريم هذه النبذة من ِّرده على كتاب
محمد خضر ابن مايابي الجكني الشنقيطي الذي حاول
النيل واالنتقاص من هذه الطريقة ومؤسسها، فأذاقه
الشيخ أبو بكر سيالخزي والعار، َّ ورده ّرداً مخزيا،
منها قوله:
5
َُّهُ ن ْصَرَتُه
َى الل
ب
ْ
َأ
ْ َب ي
َأ
ما ي
ْ َن َ
إَِّن اب
ُ َّم ُ خ ْسَراَنا
ًا ث
م ْولَاُه ِ خ ْزي
َ ْولَاُه َ
*أ
َ ِص َيرُتُه َ واْلَقْل ُب ُ مْنَطِبٌع
َت ْع َمى ب
ُ ْهَت َانا
ق ِ م َّم ْن َ ش َاع ب
ُّ
لَا ُ ي ْمِك ُن اْل َح
َت ْكِف َ يك َ ذَّلُتُه َ داَم ْت َ وُغ َّصُتُه
ام ْت َ وُغَّلُتُه َ غ َالْتُه َ ع ْطَش َانا
َق َ
إَذا َ ك َان ا َّ لصَوا ُبِ بِه
ل َ ش ْيٍء ِ
ُّ
َوُك
م ْن َ عْقُلُه َ زاَنا
َ ْحَم َق لَا َ
َ ُس ُوء أ
ي
وإلى جانب هذا كله فقد كان الشيخ الخليفة
نزهة ُلمريدي هذه الطريقة، ُوجّنة لعشاقها، فأشعاره
وقصائده حافلة بتعداد مناقبها، والتنويه على مؤسسها
وأصحابها، واإلرشاد لمبادئها وشروطها، استمع إليه
وهو يخاطب الشيخ أحمد التجاني الشريف
بهذه األوصاف الجميلة، فيقول:
َ ْفَو َح ِ م ْن
أ ْر َج ِاء أ
َْ
َ ِ ا ط َ يب َ راِئ َحِة ال
ي
ْ ِآس
َ ِاح ِين َ وا ِّلن ْسِر ِين َ وال
َن ْشِر ا َّلري
م ْن
َ ْدُر ا ِّلد ِين َ واِر ُث َ
أِهَّلِة ب
َْ
َش ْم ُس ال
َ ْحَرا ِس
ان ُي د َون أ
َْع اْل َمَث ِ
َقْد ُ خ َّص َ سب
ُق ْط ُب اْل ُُوج ِود َ وَت ُ اج اْلَع ِارِف َين َ وَم ْن
م ْحُف ًوف ِا ب ُحَّرا ِس
َمَق ُامُه َ ك َان َ
أْقَط ِ اب َ ص ِاحُبُه
َْ
َهَذا اْل َمَق ُام َ عَلى ال
َ ِ اس
َ ْل َ فْو َق ِ م ْقي
َّا ا َّلثَرى ب
لثَري
ُّ
ِمْث ُل ا
َ ْحِس ُب ِ م ْن
أُن ِوق َ وَم ْن َ قْد َ ك َان ي
َْ
ْ ُض ال
َي
ب
َ ِ اس
ا ْكي
َ ْخِذ ا ُّلسَه َ ا ل َسَه َ ا وَلْو ِ م َن َ
أ
َ ْجَمِعِه ْم
لَر ِّب اْل َخْلِق أ
َ ْهٍل ِ
د أ
ُمِمُّ
ْ ُن اْل َم َش ِار ِب ُ م ْعِط ُي مْتَرِع اْلَك ِ اس
َعي
أ ْر
َ
ِ
ِه َ ف َ ات ل
َّ
ِْإَم ُام ِ بَف ْضِل الل
َو ْهَو ال
َ ْر َح ْلِ بِقْنَع ِ اس
َ ِ اب اْلَك َم ِال َ وَل ْم ي
ب
َخِل َيفُة اْلُم ْصَطَف َى تْنُم َ و سَراِئُرُه
َ ْجَن ِ اس
َ ْسِق ُي ك َّل أ
ِه ي
َّ
َت ْسِر ِي م َن الل
ُْط ا َّلر ُس ِول ا ِّلر َضى اْل َم ْحُم ُود ِ س َيرُتُه
ِسب
َ ْحٌر َ فَل ُا ي ْعَز ِى لِقْرَط ِ اس
اه ب
َم ْعَن ُ
مْنــــــ
َ ْحَمُد َ
اتُم اْل َم ْكُت ُوم أ
َ ْرَزُخ اْل َخ ِ
َواْلب
ْ َضُه َ واِسي
َُع اْل َمَع ِار ِف َ هَذا َ في
ـــــب
ويقول أيضا في قصيدة أخرى:
َ ُ اح ا َّلظَل ِام َ وِم ْفـــ
َِة ِ م ْصب
ْ ُت اْلِولَاي
َي
ب
لْلِح ِين
َ ــــت ُ اح اْلُكُن ِوز َ و َخْتُم اْلُك ِّل ِ
َش ْم ُس اْل َمَع ِار ِف َ ت ُ اج اْلَع ِارِف َين َ وَم ْن
َ ِاس ِين
ائ َل َ ن ْجُل َ طَه ي
َ ْحِوي اْلَف َض ِ
ي
ِْر َ واْلُم ْخَت ِار ِ م ْن ُ م َضٍر
َخِل َيفُة اْل َخي
ر ا َّ لسِر َيرِة ُ سْلَط ُان ا َّ لسَل ِاط ِين
ِسُّ
ر َ فَّرَقُه ْم
َُّ
َ ْهِل اْلُهَد َى واْلب
َرِئ ُ يس أ
ِْإ ْسَل ِام َ وا ِّلد ِين
في ال
ِ ِخ ِ
ُْخ اْل َم َشائ
َشي
ََهَر ْت
ْ ِض اَّلِذي ب
ُو اْلَفي
ب
َ
َ ِ اس أ
ُو اْلَعب
ب
َ
أ
َ ُاتُهُ ك َّل َ عْقٍل َ ذاَك ُ يْغِن ِيني
آي
ََتُه
َْد ِى ولَاي
ب
َ
ُق ْط ُب اْل ُُوج ِود اَّلِذي أ
ْ َن اْل َم ِاء َ وا ِّلط ِين
َي
ِّ َي و َ آدُم ب
َرب
َ ْقـــ
الَي أ
َ ْرَزُخ اْل َم ْكُت ُوم َ ع ِ
َواْلَغ ْو ُث َ واْلب
ْ ٍب َ وَت ْمِي ِين
ِْإَلِهِ بَل َ ا ري
َ ـــــط ِ اب ال
ْ ِخي ا ِّلت َج ِان اَّلِذ َي ش َ اع ْت َ طِر َيقُتُه
َشي
ََراِه ِين
ُ ْرَه ُان اْلب
َِّة ب
َِري
ْ َن اْلب
َي
ب
زيادة على هذه األوصاف النبيلة فإن الشيخ أبا بكر
لم يترك شيئا في هذه الطريقة ينبغي للسالك معرفته
َّنه وأوضحه له، فقها، وشروطا، وآدابا، استمع إليه
إال بي
فيقول: وهو يصف المريد التجاني في إحدى قصائده،
ًَدا
ب
َ
َ ْهِلِه أ
َ َحًدا ِ م ْن أ
َفَل َا تَرى أ
ف ُي ح ْسٍن َ وَت ْزِي ِين
اه ِ
لا َ و ِس َيم ُ
إَّ
ِ
فالشيخ أبو بكرقد جمع في هذا البيت ُ للمريد
التجاني كل أوصاف المسلم الحقيقي، من االعتناء
بالواجبات الشرعية، والقيام بها على أكمل وجه ّ وأتمه
وأحسنه، مع اإلخالص فيها، واالهتمام بالفضائل
والوظائف ُّ السنية، من اعتناء بالهندام، وقص الشارب،
واستعمال العطور والبخور، واجتناب المالبس الدقة،
وأحرى الوسخة، مع الزهد في الدنيا وملذاتها.
ولغيرته الشديدة لهذه الطريقة وحبه لها،
كان من أوائل ما قام به بعد توليته للخالفة هو إنشاء
الدوائر، فأسس دائرة الكرام سنة 1927م، فكانت بذلك
6
أولى دائرة أسست في تاريخ الفكر اإلسالمي على العموم،
وكان هدفه في ذلك تنظيم األتباع والمريدين، وتكوينهم
علميا وثقافيا وفكريا، وتعليمهم دقائق الشريعة والطريقة،
وتزويدهم بما يلزم معرفته للمريد التجاني، ونعمت هذه
الفكرة، ولذا حذا حذوه جميع المراكز الدينية، فما منهم
أحد إال ويحاول تنظيم أتباعه على شكل دوائر، وكان
كثيرا ما يوصي هذه الدوائر بوصاياه الخمسة، وهي:
1- االعتناء باألمور الدينية
2- االعتناء بالطريقة األحمدية التجانية
3- بر الوالدين وصلة الرحم
4- العناية بمدينة تواوون المحروسة
5- العناية بالمهن والحرف.
الشيخ الخليفة ومجتمعه:
الشيخ الخليفة أبو بكر سيلم يكن شيخا
منعزال عن مجتمعه، بلكان يولي له اهتماماكبيرا، فيتفقد
أحوال الناس، ويرشدهم ويوجههم إلى ما فيه النجاة،
َّع ُ المستجدات ُوي ِّبين حكم الله فيها، ويتمثل ذلك
ويتتب
فيكثرة الرسائل التيكان ُي ِّوجهها إلى المجتمع السنغالي
أو إلى الزوايا التابعة للمدرسة التواوونية، ومنها هذه
الرسالة التي أرسلها إلى المجتمع السنغالي في 17 ذو
الحجة 1350هـ، لما اقتربت االنتخابات، جاء فيها قوله
بعد الحمدلة والبسملة: »فموجبه إعالمكم بأننا نحمد
الله الذي ال إله إال هو بجميع األحوال المرضية واألفعال
السنية، ونتفقد أحوالكم –أصلح الله حالنا وحالكم-
ثم بعد ذلك نذكركم ما كنا نذكركم به من وصية شيخنا
ووالدنا الحاج مالك رضي الله تعالى عنه ونفعنا ببركاته
آمين، التي كان يشنف بها األسماع، ويقرع بها القلوب
لجلب نفع لمن أراد االنتفاع، وهي أن نكون ساكتين
أيام االنتخاب أي: )وتي( وغيره، وبأنفسنا آخذين، وربما
يقول: كل من كانت له ورقتان منكم، فليرم الواحدة
ّوادخر األخرى، ومن كانت له ورقة واحدة ّ فليدخرها،
ومعنى الورقتين: الورقة الحقيقية واللسان، فاألفضل فيه
أن يرمي الحقيقية واختزن اللسان، ومعنى الورقة الواحدة
اللسان فقط، فاألولى بصاحبه أخذه وادخاره«، فانظر
أيها القارئ الكريم إلى هذه الوصية الجامعة، والحكمة
الربانية، والتمثيل الرائع، الصادرة من هذا الشيخ الرباني،
والمرشد الناصح، فلو امتثلت بها المجتمعات ّلما
وجدت هذه النزاعات والخصومات التي تحدث فيها، إذ
أغلبها إنما نتجت من تدهور األحوال السياسية، ولعاشت
المجتمعات في وئام ووفاق مستمر.
ُ فحَّق لمثل هذا الشيخ الرباني أن يهتم به الشباب
الناشيء والجيل القادم، ويتدارسوا سيرته ومواقفه،
ويأخذوا بتعاليمه وإرشاداته، ليكون لهم مستقبال ِّنيرا،
وحياة طيبة، ويصبحوا خير خلف لخير سلف.
ثانيا: الشيخ الحاج محمد المنصور سي
الحكيم المجهول
بعد الكالم والتعريف بالشيخ الخليفة أبي بكر سي
محمد المنصور سي، فأقول: ، سنصرف العنان للكالم عن أخيه الشيخ الحاج
أوال: التعريف به
هو السيد الشريف القدر، المنور القلب والصدر،
فريد عصره في اآلداب، الفائق على جميع األتراب،
األديب الشاعر، والفقيه الماهر، الحاج محمد المنصور
سيابن الفقيه النبيه، الفائق على األقران، المجدد
للقرن العشرين،قدوة أهل السنة، وإمامأصحاب الحقيقة،
الشيخ الحاج مالك سي بن عثمان بن معاذ بن محمد بن
علي بن يوسف رضي الله عنهم أجمعين، الجلفي أصال،
التواووني مسكنا.
فوالده – كما سبق بيانه- هو الشيخ موالنا السيد
الحاج مالك )1853- 1922م(، ذاك السني
الكبير، والعارف الرباني الشهير، والفقيه الجليل، ّ مربي
األجيال، ومجيز شيوخ عصره، المشهود له بالعلم
والتقوى، ّ المتخرج على يديه مئات من العلماء، وآالف
من طالب العلم والمعرفة األتقياء، ِّ المنورللديارالسنغالية
من دياجي الجهل والغرور إلى نور الهدى واإلسالم.
أما والدته فهي السيدة النبيلة الخبيرة، التقية النقية
ََرْمُبْنُغ.
الطاهرة، صفية انياغ بنت السيدة أ
هذه هي أسرته الكريمة، أسرة نشأت على العلم
وطلبه، وعرفت ّ بالتعلم وخدمته.
ثانيا: حياته
ولد الشيخ الحاج محمد المنصور سي في
تواوون سنة 1900م، ونشأ في كنف والده نشأة دينية
صالحة، في بيت علم ودين، وتربى على يديه تربية
حسنة، وأخذ عنده علمي المعقول والمنقول، ونهل من
7
منابعه العذبة، وينابيعه الصافية، فهو بذلك من خريجي
مدرسة تواوون، تلك المدرسة العريقة التي ّ تكونت فيها
أولئك النخبة من العلماء، وتلكم الخيرة من األتقياء،
الذين يعتز بهم اإلسالم والمسلمون في الوقت الحاضر.
أخذ الشيخ الحاج محمد المنصور سيالقرآن
الكريم على يد والده الكريم ، ولما حفظه حفظا
جيدا، ورتلهترتيالحسنا،شرع في دراسةالعلوماإلسالمية
واللغوية، حتى أتقنها إتقانا محكما، ويقال: إنه
في هذه الفترة كان قد طلب من والده السماح له
بالتنقل في البلدان اإلسالمية والعربية لألخذ من علمائها،
فأجابه والده بقوله: »ابق معي لتعرف الناس حق المعرفة،
وسيتولى الله تعليمك ما لم تكن تعلم« فجلس عنده،
وصار ساعده األيمن، وأمين وحافظ أسراره، ومحرر
رسائله، وحظي الشيخ الحاج محمد المنصوربذلك
ما لم ينله أحد من إخوانه، إذ كلهم قد تلقوا العلم والتربية
عن بعض الشيوخ، إال هو، فإن والده قد آثر بأن يبقى
عنده، وأن يالزمه طول حياته، وقد شخص لنا الحاج
محمد المنصور نوع التربية والعلوم التي أخذها عن والده
رضي الله عنهما، حين قال:
ًا
ِّي
ُل َ قْلِب ُي مَرب
ْ
ْ ِخ َي قب
َوَقْد َ را َض َ شي
لَد ْوَرا ِت اْلُخُط ِوب اْل َمَف ِ اص ُل
َفَل َان ْت ِ
َ ًـة
ً ِ ـا كَفاي
َوَزَّوَدِن ِ ـي د ًين َ ـا وُدْني
إ ْذ ُ هَو َ وا ِص ُ ـل
ََّهِ
ِّي الل
َ ْحَمُد َ رب
َفأ
وقال أيضا مخاطبا والده، ومشيدا للتربية الحسنة
التي تلقاها منه:
ِّي ا َّلنْف ِس ُ م ْصِل ُحَها
ْ ًض ُ ا مَرب
ي
َ
َْن َت أ
َوأ
ِي ُيد
ْ
إ ْرَش ٌاد َ وَتأ
ل ِي مْن َك ِ
َوَك َان ِ
ف َي زَمِني
َ ِ اس ا ِّ لسْتِر ِ
َ ْسَتِن ِي بِلب
َْلب
أ
أْقَراِن َ دا ُ ُوود
َْ
في ال
َِّنَي ِ
ُخ ْضًرا َ كأ
ًا
را َ ل ْس ُت ُ م ْحَتِفل
الَي ِ سًّ
َ ْصَل ْح َت َ ح ِ
أ
ف ِيه َ ت ْسِع ُ يـد
ِسَوى ا ِّلر َض َ ا وِر َض ُاك ْم ِ
ْ ٌوح ُ يَذِّك ُـرَنا
َْوٍم َ لَن َ ا لـ
ِف ُي ك ِّل ي
ف َيها ا َّلد ْهُر َ ت ْرِش ُيد
ِم ْن ِ ح ْك َمٍة ِ مْن َك ِ
وقال في قصيدة أخرى:
لي اْلَقْل َب َ حَّت ِى ص ْر ُت ُ م ْسَتِر ًحا
َ َم َ ات ِ
أ
اه
َ ْصَف ُ
ُ َّم أ
َا ث
َ ْحي
ف َي ذا ا َّلزَم ِان َ فأ
ِ
ف َي ذا اْلَف َس ِاد َ وَذا
ف َي دَعٍة ِ
َو ِص ْر ُت ِ
اه
م ْشَف ُ
ن ْع َم َ
ٌَة ِ م ْن َ طِب ٍيب ِ
ِعَناي
فهي إذن تربية أخالقية روحية سلوكية مقيدة بالكتاب
والسنة المطهرة، والتي حظي بها كل من تلقى العلم في
مدرسة تواوون العريقة.
وهكذا نشأ الشيخ الحاج محمد المنصورفي
هذا الجو العلمي النزيه، وفي هذه البيئة الطاهرة النقية،
نشأ يتقلب في أعطاف العلم تعلما وتعليما، وتربى
يتحلى بميادين الزهد تربية وإرشادا، ترعاه يد أمينة
كريمة، حريصة على أن يكون من أهل العلم وحملته،
فصار هذا مع ما أتاه الله من فكر وقاد، وحافظة غريبة،
واطالع مدهش، وصفاء نفس، وسالمة صدر، من أبرز
خريجي هذه المدرسة، وأشهر المنتسبين إليها
ولما انتقل والده إلى دار البقاء سنة 1922م
سافر الشيخ الحاج محمد المنصورإلى قرية ِ)جِم ْير
Diemer )في إقليم سان لويس عند الشيخ أحمد انجاي
جاك، ومكث عنده مدة، انتقل بعدها إلى َج ْك َس ْاو يتعبد
فيها، ويناجي ربه، فكان إذا جن الليل يخرج إلى الغابة،
ويسمع له وهو يردد قوله المشهور:
وا
ُّ
ِه ُ هب
َّ
َ ِ ا ر َج َ ال الل
ي
ُوا اْلِبَّر َ حَّتى
َل ْن َ تَنال
بو
ُّ
ِه َ ر
َّ
ْ َس ِ سَوى الل
َلي
و
ُّ
ُتْنِفُقوا ِ م َّم ُ ا تِحب
وحجالشيخالحاجمحمد المنصورسنة1944م
بأمر من أخيه األكبر الشيخ الخليفة أبي بكر، وفي
طريق عودته َّمر بفاس في المغرب األقصى، والتقى مع
مقدم البركة الشيخ محمد بن عبد الواحد النظيفي،
ولما رجع ظل في خدمة أخيه األكبر الخليفة أبي بكر
سي، يسانده ويواسيه في أمور الخالفة، إلى أن توفي
الشيخ أبو بكر يوم اإلثنين 25 مارس 1957م،
وتوفي الشيخ الحاج محمد المنصور بعده بأربعة
أيام، أي: يوم الجمعة 29 مارس 1957م، وعمره
)57( سنة.
ثالثا: صفاته
كان الشيخ الحاج محمد المنصور صبورا، حموال
ألذىاإلخوان، واسع الصدر، ِّلين الجناب، مالزمالصمت
والسكوت عما ال يعنيه، ذا مروءة، كثير المداراة، محبا
للسالمة العامة، ويمكن أن نستخلصكل هذه الصفات
في أشعاره بنفسه، وفي أشعار معاصريه، ومن أمثلتها قوله
:
ِْل َ سَلا
لَني
ََذْل ُت َ كْنَز ُ مَداَرا ٍت ِ
ب
َِن َي زَمِني
ا في ب
ًْئ ِ
َمٍة َ وَل ْم ُ يْغِن َ شي
َ َسَط ْت
ما اْنب
ُ ْخ ُت ا ِّلد ِين َ
َلْولَا اْلُمُر َوءُة أ
َ َحٍد َ خْوًف ِ ا م َن اْلِفَتِن
َنْفِس ِي إَلى أ
8
إلى أن قال:
الُكَها
م َس ِ
ُر ْم ُت ا َّ لسَل َامَة َ ف ْان َسَّد ْت َ
ُْر ُ م ْمَتِهِن
َ ْمٌر َ غي
إَّن ا َّ لسَل َامَة أ
ِ
وقال أيضا:
َْدِني
َ ْعِر ُف َ دي
ْ َس ي
َوَك ْم لَاَمِن َي م ْن َ لي
ُ َح ِاو ُل
ما أ
م َ ا ق ْصِد َي ولَا َ
َ ْدِر َ
َوَل ْم ي
إَّنِني
َوُي ْع ِجُبُه ِ مِّني ا ُّلسُك ُ وت َ وِ
َ ِاط ُل
أب
َْ
إَذا ُ ف ْه ُتِ ب ْال َح ِّق ا ْض َم َح َّل ال
ِ
ُْنَف ًـة
َّ َـة أ
َى ا َّلدِني
ب
ْ
ُمُر َوءاُتَن َ ا تأ
ُ َج ِ ـادُل
ًا أ
ُْلَف َى عِريب
َمَدى ا َّلد ْهِر لَا أ
َ َ ا عَلَّي َ عِز َيزًة
لدْني
ُّ
َوَلْو َ ك َان ِت ا
ات ُ ـل
َْه ُ ـا يَق ِ
ً َ ا عَلي
َ لُكْن ُت َ ك َم ْن َ ج ْهل
وقال الشيخ الحاج كبي مؤكدا تلك الصفات
الجليلة:
ًْرا َ قْلُبُك ْم َ سِلَما
َطْوَد اْل َجَل َالِة َ صب
َ ِ اض ِين
َي
ؤِد َب اْلَقْوِم ُ س ٍود َ واْلب
َ ُ ا مْ
ي
َ َ ا وَزِري
ْ َت ي
ً َ ا وَنْف ًس ِ ا طب
ِلْن َت َ جَناب
ق َ ا وا َّ لسَواِد ِين
ًّ
ُمَل ِاط َف اْلِب ِ يض َ ح
وكان الشيخ الحاج محمد المنصور إلى
جانب هذه الصفات كلها عالما ناسكا، متصوفا سنيا،
زاهدا ورعا، فكتاباته تنطق بما هو عليه من سعة
العلم، وقوة الحجة، والتمسك بالسنة، وعظيم بقيته بربه،
ومعرفته بإلهه، وعيشه في ظل محبته، وتلذذه بكالمه
ومناجاته، وشوقه إلى لقائه، كما تشهد بتواضعه وزهده،
وعفته وورعه، ونبذه للدنيا وراء ظهره، فاقرأ معي أيها
القارئ هذه األبيات من قصائده، واحكم بعد ذلك
هل بقي بعد هذه العقيدة من عقيدة؟، أمبعد هذه المعرفة
بالله والثقة به من معرفة وثقة؟ يقول الشيخ الحاج محمد
المنصور:
ِِّه
َِة َ رب
ف َي م ِشيئ
لاِ
إَّ
ُْد ِ
َوَما اْلَعب
َُد ُور
ْ ُث ي
أْقَداُر َ حي
َْ
َتُد ُورِ بِه ال
ََشا
َ ْصَن ْعِ ب َما ي
ِْه ا َّلنْف َس ي
إَلي
ِّ ْم ِ
َف َسل
ِْإَلِه َ خِب ُير
ْ َس ِ سَواُهِ بال
َفَلي
ل َمْولَاَك َ ت ْسَتِر ْح
ًْدا ِ
َ ِخ َي عب
َا أ
َوُك ْن ي
َُب ُور
َ ِ ا سَواُه ي
لدْني
ُّ
ِم َن ا ِّلد ِين َ وا
افٌذ
أْقَل ُام َ واْل ُح ْكُم َ ن ِ
َْ
َوَقْد َ جَّف ِت ال
َ ِص ُير
ِْه ب
َْق ِض َي ولَا ُ يْق َض َى عَلي
َوي
َْرُه
م ُ ا كْن َت َ ت ْخَت ُار َ غي
إَذا َ
َ َراَكِ
أ
ٍْر َ ف َّ الضَل ُال َ جِد ُير
َْد َ غي
َتُك ْن َ عب
رابعا: الشيخ الحاج محمد المنصور سي المرشد
الناصح
إن المطلع على ديوان الشيخ الحاج محمد المنصور
ليعجبه الحضور الحافل للنصائح واإلرشادات
فيه، فهو كغيره من العلماء الفحول، والزهاد ّ الكمل،
لم يكن منعزال عن مجتمعه وأهل عصره، بل كان يولي
لهم اهتماماكبيرا، ينصحهم لله ويرشدهم إليه، ويهديهم
إلى أقوم السبل، وأنفع النسك، وال غرو لمن هذا منهجه
أن يؤلف رسالة بعنوان: »نصيحة اإلخوان«، وفيها
يقول »أوصيكم بالتنازل إلخوانكم، وسيروا بسير
ضعيفكم، وكونوا كمؤذن بالمنار ويصلي باألرض مع
البشر«،، ويقول أيضا: »المؤمن المتحقق ال يتحرك إال
لشيئين: حسنة لمعاده، أو درهم لمعاشه، وإال فهو فيما ال
ُيغني، وما ال ُيغنيكم يوقعك فيما ال يعنيك«، ويقول في
نونيته موصيا إخوانه ومجتمعه:
َْن َت َ ت ْع ُمُرَها
َدْع َ عْن َك َ داَر ُ غُر ٍور أ
َوَطِّهِر ا َّلنْف َس ِ م ْن ِ ر ْج ٍس َ وِم ْن َ دَرِن
ا لْلَعِلِّي َ عُموا
ائِر َ عْنَه ِ
َ َص ِ
ُوا اْلب
ول
ُ
أ
َ ِ ا م َن اْلَوَطِن
لدْني
ُّ
ق َ ا وَما اَّت َخُذوا ا
ًّ
َح
ف َيه َ ا ص ِابِر َ ين َ عَلى
َُّدوا ا ِّلد َ ين ِ
َو َشي
ال ِ يف ِ م ْن َ ف ْر ٍض َ وِم ْن ُ سَنِن
َح ْمِل ا َّلتَك ِ
ِْإ َيث ُار ِ ش َيمُتُه ْم
لش ْكُر َ وال
ُّ
ُْر َ وا
َوا َّ لصب
أ ْمِن َ خْو َف ا َّ لسْل ِب َ واْلِم َحِن
َْ
َوِقَّلُة ال
أ ْع َم ِال َ وا ْع َنِ بَها
َْ
في ال
ائ َس ِ
َوا ْخ َش ا َّلد َس ِ
إ ْن َ تُك ْن ُ م ْخِل ًصا لَا ُ م ْسِم ًع ُ ا تَعِن
َفِ
ِْر لَاَ ت ْكُب ِو بَراِكِبَها
ُة ا َّ لصب
َّ
َمِطي
َْنُب ِو لُم ْضَظِعِن
َو َص ِارُم اْلَع ْزِم لَا ي
ََواِئَقَها
َ َس َّن َ ولَاُ ت ِوم ْن ب
ْأ
لَاَ تي
ْ َت َ ت ْح َت ا َّلل ْحِد َ واْلَكَفِن
َّب
َحَّت َى تَغي
َك ْش ُف اْلِح َج ِ اب َ عِن اْل َم ْحُب ِوب ُ مْنَدِرٌج
إ ْخَل ٍ اص َ فَل ُا تِهِن
ِف َي طِّي ِ ص ْدٍق َ وِ
9
إ ْن َ ظَهَر ْت
اء َ كَراَم ٍ ات َ وِ
َدِع اِّدَع َ
ُ َّم ا ْسَتِق ْم َ وِبِق ْسِط اْلَع ْدِل َ ف َّاتِزِن
ث
َو َهِّذ ِب ا َّلنْف َس َ واْقُت ْل َ عْن َك َ ش ْهَوَتَها
ِْإَلِه َ سِني
ا ْسَراِر ال
ر ِ م َن َ
َتُفْزِ بِسٍّ
إلى أن قال:
َوُك ْن َ عِن ا َّلن ِ اس َ قْدَر اْل ُج ْهِد ُ م ْعَتِزلًا
ََدِن
ما ا ْسَط ْع َت لَاِ ب ْالِج ْسِم َ واْلب
ِب ْالَقْل ِب َ
َ ْن ُ ك َّل َ سْوَدا َ ت ْمَرًة َ فَلَك ْم
لَاَ ت ْحِسب
ْ َسِ ب ْال َح َسِن
ا م َ ا لي
ؤ َ ح َسًن َ
ٌ
ى ا ْمُر
َ
َرأ
ويقول أيضا في قصيدة أخرى:
ُ ْذِن اْلَقْل ِب ُ م ْسَتِم ًعا
َِع ْرِن ِي بأ
َ ِخي أ
أ
أ ْحَواِل َ نَّق َادا
َْ
في ال
م ْن َ ك َان ِ
ُيِفْد َك َ
ف َي ن ْظِمَه ُ ا دَرًرا
ِم ْن ِ حَكٍم َ قْد َ زَر ْت ِ
إ ْن ُ تِر ْد َ زاَدا
َ ْف َضِل َ زاٍدِ
َتُك ُون أ
م ِال اْلَفَت َى عْقٌل َ وَم ْعِرَفٌة
ْ ُس َ
َوَرأ
َ َادا
ق َ ا فَقْد ب
ًّ
إ ْن ُ ه َم ُ ا فِقَدا َ ح
َوِ
َِم ْت
ِه ِ د ًينا لَا ُ دًن َى وأ
َّ
اف ْس َ عَلى الل
َن ِ
إ ْرَف َادا
َ َى وَت ْحَظ ِى مْنُهِ
َهَواَك َ ت ْحي
ِِّه ْم َ و َعُموا
م ْع َشًرا ُ حِجُبوا َ ع ْن َ رب
َدْع َ
ِه ِ مْن َج َادا
َّ
ا في الل
ُمَل ِازًم َ ا ع ِارًف ِ
ًا
إ ْن ُ كْن َت ُ م ْعَتِني
َ َ اسِة َ دْع ِ
ب ا ِّلري
ُّ
ُح
ف َي م ْولَاَك ِ م ْق َص َادا
ِب َما ا ْعَتَنى اْلَقْوُم ِ
إلى أن قال:
إَّن اْلَفَت َى م ْن َ سَم َى ن ْحَو اْلُعَل َى وَدَنا
ِ
إْفَراَدا
ََّه َ تْو ِح ًيدا َ وِ
ُيَو ِّحُد الل
ْ َل اْلَق ْطِع ُ مْن َسِلًكا
َْقَطُع اْلَوْق َت َ قب
َوي
اه َ زَّه َادا
َ ُ
َمَداِر َج اْل َح ِّق َ ع ْن ُ دْني
ل َح ْضَرِتِه
َوُك ْن ُ مَل ِازَم َ آدا ٍب ِ
َ ِ ات ِ م ْسَه َادا
ْآي
في ال
َوا ْسَت ْعِمِل اْلِف ْكَر ِ
َ ِخي
م ْطُل ٌ وب ُ هِد َ يت أ
ِّ َي َ
إَّن ا َّلت َخل
ِ
م ْن َ س َادا
ِّ ِي بِه َ قْد َ س َاد َ
ْ َل ا َّلت َحل
َقب
م ْه َم َ ا ت ْشَتِه َي فَلَك ْم
ال ِف ا َّلنْف َس َ
َو َخ ِ
َت ْحِو ِي بِه اْل َحَّظ ُ غ َّض ا َّلط ْر َف َ جَّل َادا
ائ َسَها
ُم َج ِاهًدا َ ع ِ اص ًم َ ا وا ْحَذ ْر َ د َس ِ
إْقَع َادا
م ْولَاُهِ
َك ْم ُ تْقِعُد اْل َم ْرَء َ ع ْن َ
ِه َ ص ِ اح َ عَلى
َّ
َ تَف ُ اض ُل اْلَقْوِم ِ عْنَد الل
ِه َ ت ْرَداَدا
َّ
في الل
جِه َ دْع ِ
ُّ
ِص ْدِق ا َّلتَو
ومن وصاياه الضاربة إلى الحكمة قوله :
ا في ا َّلزَم ِان َ عِد َيمٌة
َ ِ
َ ْشي
َثَل َاثُة أ
ب َ ص ِادٌق ،َ وَوِز ُير
ٌّ
ُمِر ٌيد ،َ و ِح
إ ْن ُ ر ْمَتَه ُ ا ر ْم َت اْلُم َح َالَة َ ف ْ اسَتِع ْن
َوِ
َِس ُير
إَّن اْلَع ْوَن ِ مْنُه ي
ِّ َك ِ
ِبَرب
ومن وصاياه وإرشاداته الربانية أيضا قوله موصيا
اإلخوان والمريدين على االعتناء بمدينة تواوون
المحروسة، وعدم القيام فيها بما ال يليق بحرمتها قوله
:
ٍَة
ل ِ هَداي
ُّ
ِتَوا ُ ُوونُك ْم َ هِذ َي م َح
َِل ُيقِ بِه اْلُه ْجُر
ِْتَل ٍاف لَا ي
َو ُح ْس ُن ائ
امٍة
ل ا ْسِتَق َ
ُّ
ِتَوا ُ ُوونُك ْم َ هِذ َي م َح
روا
ُّ
م
َلُك ْم َ
ْ
م ْن َ قب
لَا َ ف ْ اسَتِق ُيموا ِ مْث َل َ
َ
أ
ل َ تَع ٍ اُون
ُّ
ِتَوا ُ ُوونُك ْم َ هِذ َي م َح
َعَلى اْلِبِّر َ وا َّلتْقَو ِى بِه ُ ي ْحَتَوى ا َّلن ْصُر
ص ٍب
ل َ تَع ُّ
ُّ
م َح
ل ا ْكِت َس ٍ اب لَا َ
ُّ
َم َح
ُْر
ََت َان ِا بِه اْلِحب
ضوا َ عَل َى ما أ
َفَع ُّ
ويقول في قصيدة أخرى في حق مدينة تواوون
المحروسة:
أَد ِب
َْ
مَق ُام اْلِعْلِم َ وال
َهَذا اْل َمَق ُام َ
لُم ْعَتِبِر
لَا َ داُر ُ خْل ٍف َ ولَاَ ل ْهٍو ِ
لُمْنَتِبِه
إ ْصَل ٍاحِ
ِْتَل ٍاف َ وِ
َداُر ائ
ِه َ واْل َحَذِر
َّ
ِْل الل
ِْا ْعِت َص ِام ِ ب َحب
َوال
ومن وصاياه الهامة أيضا تلك القصيدة التي أنشأها
لتحريض أبناء زمانه على التعلم والتعليم، يقول فيها:
10
في اْلُع َصِر
َّ ُان ِ
لشب
ُّ
يَها ا
َُّ
ُ ِوص ُيكُم أ
أ
في ا ِّ لصَغِر
لِم َ وا َّلت ْعِل ِيم ِ
َعَلى ا َّلتَعُّ
ف ِي صَغٍر
لِم ُ ق ْم ِ ب ْالِجِّد ِ
َن ْحَو ا َّلتَعُّ
في اْل َح َجِر
ٍَر َ ك َّ النْق ِش ِ
ف َي خب
اء ِ
َو َج َ
مْتَلَفٌة
ِْإ ْه َم ُ ال َ
لَاُ ت ْهِمِل ا َّلد ْر َس َ وال
َِر
أ ْعَذاِر ُ م ْعَتب
َْ
لُع ْذٍر ِ م َن ال
لاِ
إَّ
ِ
ق َ فَلا
ُّ
َ ْسَتِح
ما ي
ل َ وْق ٍت َ لُه َ
ُّ
َوُك
إَّن اْلُع ْمَر ُ ذو اْلِق َصِر
َ ْفَع ُل ِ
َتُق ْل َ سأ
م َ ا تَش ُاء ِ بِه
ْ ِف َ ف ْافَع ْل َ
َواْلَوْق ُت َ ك َّ السي
م ْقُط ٌوع َ عِن ا َّلنَظِر
إَّن َك َ
لا َ فِ
إَّ
ِ
َ ْح ِث َ وا َّلت ْكَراِر َ ف ْ اجَتِهَد ْن
ِب ْالِحْفِظ َ واْلب
ُِر
في ا ُّلزب
ِفي ا َّلد ْر ِس َ حِّر ْر َ عَل َى م َ ا ك َان ِ
ََلٍة
م ْسأ
َْلِق َ س ْمَع َك َ واْفَه ْم ُ ك َّل َ
َوأ
ْ ِآي َ وا ُّلسَوِر
َ َّمَل ْن ُ شُبَه ِ ات ال
َتأ
لا َ عِن ا َّ لصْفِو اْلُمِه ِّم َ و َس ْل
اَّ
َِل ِ
لَاَ ت ْسأ
د ِب َ وا َّلتْوِق ِير َ واْنَت ِصِر
َُّ
َم َع ا َّلتأ
ق ِ ح َين ُ ق ْم َتِ بِه
ٌّ
ِّ ِم َ ح
َوِلْلُمَعل
ََرَك ِ ات اْلِعْلِم َ واْلُع ُمِر
َو َجْد َت ِ م ْن ب
ًَدا
ب
َ
َ ْكِر ْم َ وا ْحَتِر ْم أ
َوِّق ْر َ و َعِّظ ْم َ وأ
َْتِدِر
ا ف ِيه َ فاب
ًْئ ِ
َ ْحَت ُ اج َ شي
إ ْن َ ك َان ي
ِ
َ ْو ِ خْدَمٍة َ ح َضَر ْت،
ِم ْن ِ ه َّمٍة َ قْد َ عَر ْت، أ
ِْغ ِيه ِ م ْن َ وَطِر
َب
ما ي
ف ُي ك ِّل َ
َس ِاع ْدُه ِ
عد
ٍّ
فهذا غيض من فيض نصائحه، وبرض من
إرشاداته، ويكفي من الحلي ما ّقل َ وستر ُ العُنق، ومن
الكالم ما َق ّل َونَفع، ولهذا سنقتصر على هذا القدر، ثم
نحيل القارئ الكريم إلى ديوانه، فسيلتقط منه فوائد ودررا
تنير له المسير.
خامسا: إنجازاته العلمية
للشيخ الحاج محمد المنصور سي إنجازات
علميةكثيرة، منها ما هي معنوية واألخرى أدبية:
أما المعنوية فتتلخص في العدد الهائل من المقدمين
والعلماء الذين ّ تخرجوا على يديه، وكثيرا ما يروى عنه
قوله من باب التحدث بنعمة الله، ال للتفاخر أو العجب:
»ترقية الرجال حتى يصبحوا عارفين بربهم أسهل عندي
من أخذ قبضة ترابية«.
أما األدبية فتتلخص في كتاباته وقصائده، وهي على
قسمين:
1- في فن النثر
ولهفيه )نصيحة اإلخوان( في الوعظ واإلرشاد،
وإجازات ورسائلكان يكتبها إلى المقدمين واألتباع.
2- في فن الشعر
وله فيه – على ما اطلعت عليه – ديوان
مشتمل على حوالي )1234( بيتا، َّ موزعا على )32(
قصيدة، ثالث عشرة منها في فن المديح )13(، وست
في التوسالت )6(، والباقي في النصائح واإلرشادات
والمناسبات، وال نطيل الكالم عنها، على أمل أن نضرب
للقارئ الكريم موعدا آخر للكالم عن خصائص وفنون
شعرهفي األعداد القادمة من هذه المجلة.
ثلثا: الشيخ الحاج عبد العزيز سي
الشيخ الكامل والمرشد الناصح
بعد الكالم عن الشيخين أبي بكر والحاج محمد
المنصوررضي الله عنهما، فيحسن الكالم عن صغيرهما،
ذاك اإلنسان الكامل بكل ما تحمله الكمال من معان، أال
وهو الشيخ الحاج عبد العزيز سي.
التعريف به وبيان نشأته وتعلمه
هو الكوكب الوقاد، والمصباح الوهاج، والجوهر
الصفاء، سمي صاحب اإلبريز، عبد العزيز نجل اإلمام
الفقيه، السني الصوفي الشيخ الحاج مالك بن عثمان بن
معاذ، الذي يرتفع نسبه إلى الشيخ شمس الدين القلقمي،
وقد أقر الشيخ الحاج عبد العزيز سي هذه النسبة
على نفسه، حيث قال في مقدمةكتابه: زاد المشمر عاطفا
11
على نسبه:
َْن ُاء َ ش ْم ُس ا ِّلد ِين
ب
َ
ؤلَا أ
ُ
َو َه
ل ِا لَن ْشِر ا ِّلد ِين
ًّ
َُعوا ُ ك
َتَتاب
أما والدته فهي السيدة النبيلة الطاهرة صفية انياغ بنت
ََرْمُبْنُغ.
أ
ولد الشيخ الحاج عبد العزيز في مدينة
تواوون المحروسة سنة 1904م، وهي الفترة الذهبية
لحياة مدرسة والده الكريم، فتفتحت عيناه حين تفتحت
على الحلقات العلمية، واستمعت أذناه حين استمعت
إلى المجالس الذكرية، وأنصت فكره حين أنصت إلى
المواهب الربانية، وال شك أن هذه العناصر ال بد أن يؤثر
في حياته، فهو كما يقولون: »اإلنسان ابن بيئته«.
نشأ الشيخ الحاج عبد العزيزفي هذا الجو
المفعم بالعلم والمعرفة، وفي هذه البيئة المرشفة بعطر
األدب والزهادة، وتربى في حجر والده الكريم الذي أخذ
على يديه قسطا من العلم، كما أخذ عن مجموعة من
خيرة هذه المدرسة الكريمة، منهم: الشيخ الخليفة أبو بكر
سي، والشيخ صغير كي Gaye Saer، والشيخ الحاج
امبي باسين امبي، والشيخ إبراهيم جوب من سان لويس،
والشيخ محمد الهادي توري بفاس، الذي كان الشيخ
الحاج مالك رضي الله عنه وعنهم أجمعين قد ّفوض إليه
مهمة تربية ابنه وفلذة كبده، فقام بهذه المهمة خير قيام،
واعتنى بهذه الوديعة خير اعتـــناء، ونجح في تكوين هذه
الشخصية العظيمة، التي ستبقى تعتز بها البالد والعباد،
وستزل فخرا وعزا لألمة اإلسالمية جمعاء، وال أعجوبة
بعد ذلك أن نرى الشيخ الحاج عبد العزيزيعترف
له بهذا الصنيع الجميل، ويثني عليه، ويمدحه بقصائد
رنانة، منها قوله:
َه ِاد ِي دَم ْن ُ كَم ُ د ْي َ ه ِاد ِي دَم ْن ُ ك َم َس ْف
َ ْجِز ِيه
َُّه ي
َد ْخ َ ه ِاد ُ م ْوم ُ كُكَو ْي َ فالل
الِقَنا
لَّلِه َ خ ِ
ُِو ْرِ
َْو ب
َج ِايْنِت َـن ْ اك ي
َ َّل َ راِع ِيه
َق ْ ـــــم ِ ــــن ِ دْفَنا ي
َُّه ُ م ْويِ كُكِد ْف
ا ما الل
َْنَن َ
َي
ْ َخَنا ب
َ َ ا شي
ي
َْق ِض ِيه
اء ي
ب اْلَوَر َى م َ ا ش َ
ُّ
َُّه َ ر
َوالل
ُ َم َم ْن
ُ ْول ل
م ل
م َاك ْي َ سُّ
ل َ
ُّ
َخَمْلِن ْه ُ ف ُوت
ا إَلُه اْل َخْلِق ُ مْنِش ِيه
َع ْهًدا َ قِد ًيم ِ
إذن نشأ الشيخ الحاج عبد العزيز سيفي
هذا الجو، وأخذ فيه من العلوم أصفاها، ومن اآلداب
أغالها، وإن مما يتحرك له الجبين، ويقف أمامهذو العقل
السليم حائرا، هو تلك العناية المبكرة التي حظي بها
وهو لم يبلغ سن الرشد، فهذا الشيخ الحاج مالك
يحمله على أحضانه وهو في طور الصبا، وينشد له قائال:
َ ُ ا عَّدِت ِ ي ف ِ ي شَّدِتي
ي
ُيْنِقُذِن ِ ي م َن ا َّلرَدى
َ َ ات ِ بُك ْم
َ ِى ل َم ْن ب
ُطوب
َْن َت َ فَم ْ ــــــن
إ ْن َ ل ْم َ تُك ْن أ
ِ
َ َ ا ص ِاح َب اْلِف ْعِل اْل َح َس ْن
ي
ُم َشِّرًدا َ عِن اْلَوَط ْ ـــــن
وقال الشيخ الحاج إبراهيم جوب في
كتابه تحفة اإلخوان بعد الكالم عن الشيخ الحاج محمد
المنصور : »وله صغيران من جهة األم، كالهما
كالكوكب الوقاد، أحدهما: عبد العزيز الذي في فصاحته
أزرى سحبان وائل، وفي جوده أخجل حاتم الجواد……«
وقال الشيخ محمد تابان المجلسي الشنقيطي
في كتابه: مواهب الوهاب المالك في التعريف
بالشيخ الحاج مالك عاطفا على أبناء الشيخ الحاج مالك
: »ومنهم الفتى الذي وجود مثله عزيز، سمي الغوث
صاحب اإلبريز، القطب عبد العزيز«.
وقال الشيخ الحاج محمد المنصور سي في
إجازته له رضي الله عنهما بعد البسملة والحمدلة:
»وبعد: فليعلم المطلع على هذه الورقة بأني الحاج محمد
المنصور سي نجل الشيخ الحاج مالك سي قد
أجزت وأذنت لألخ الكبير الخطير وابن الشيخ السيد عبد
العزيز …..«.
توقف أيها القارئ الكريم، وضع خطا على
قوله: »األخ الكبير الخطير« وتفكر إلى أي كبر وخطورة
يشير إليهما، مع العلم بأن الشيخ الحاج محمد المنصور
سي كان أكبر منه سنا، لتعرف بأنك أمام شخصية
عظيمة، ورائد من رواد الفكر اإلسالمي الحنيف.
بعد وفاة الوالد إلى الخالفة:
بقي الشيخ الحاج عبد العزيزتحت رعاية
الشيخ محمد الهادي قيد حياة الوالد، يجلس عنده في
الحلقات الدراسية، ويصاحبهفي أعمال البساتين وغيرها،
إلى أن توفي الوالد السيد الحاج مالك سي، وذلك
ظهر يوم الثالثاء األول من ذي القعدة 1340هـ، الموافق
لــــ 27 يونيو 1922م، فانتقل الشيخ محمد الهادي
توريإلى فاس بصحبة تلميذه ومريده، وهكذا إلى
أن استدعاه أخوه الشيخ الخليفة أبو بكر سي، فلبى
دعوته، وبقي عنده يواسيه ويسانده في أمور الخالفة، وقد
كلفه الشيخ الخليفةبعدة مهام، أبرزها:
مهمة مرافقة السادة الشرفاء الذين يرغبون في
زيارة األحباب والفقراء في الديار السنغالية.
مهمة تولية أمور الدوائر وتنظيم الزيارات
واالجتماعات والنشاطات العامة.
مهمةقراءة األناشيد والمدائح النبويةفي المحافل
والمناسبات.
وبقي الشيخ الحاج عبد العزيزعلى هذه الحالة
إلى أن توفي الشيخ الخليفة أبو بكر سي في يوم
12
اإلثنين 25 مارس 1957م، وتوفي الشيخ الحاج محمد
المنصور بعده بأربعة أيام، أي: في يوم الجمعة التالي،
فتقلد الشيخ الحاج عبد العزيز بعدهما أمور
الخالفة، وتحمل أعباءها دون شكاية، وقام بها خير قيام،
إلى أن جاءه األجل صباح يوماألحد 14 سبتمبر 1997م،
فكانت مدة خالفته حوالي أربعين سنة وستة أشهر، رضي
الله عنه، وزاده فيضا.
صفاته:
كان الشيخ الحاج عبد العزيز سي متصفا
بالصفات القرآنية، ومتحليا باآلداب النبوية، عابدا
ناسكا، زاهدا ورعا، تقيا نقيا، متواضعا لينا، فال الزخارف
الدنيوية تلهيه عن ربه، وال ملذاتها تنسيه عن إلهه، ال يفتر
عن ذكر ربه، وال يكسل عن مواساة الفقراء والمساكين،
وال يقصر عن إعانة البؤساء المحتاجين، يحب جميع
المسلمين، بل لإلنسانية أجمع، ويعطي لكل األفراد
ن لهم تعظيما
حقوقهم احتراما وتقديرا، ووقارا، ُويِكُّ
وتبجيال، مهتما بالسالمة العامة.
كما كان الشيخ الحاج عبد العزيز الدباغ
شكورا لنعماء ربه، متوكال عليه في السر واإلعالن، صبورا
على إذاية عباده، ليس في حياته فراغ، بل ساعاته كلها
مليئة بالعمل الجاد، مع جلد ال يعرف التعب، ودأب ال
يعرف الملل، َزَهد عن المنصب والجاه والمال والصيت
والسمعة كلها، وترك األثاث والرياش، وانتقل إلى جو
آخر يمارس فيه عيش الفقراء والغرباء، مع ما أجرى الله
على يديه من النعم والمحبين، فال التفت إلى هذا وال
ذاك، بل آثر الفقر عن الغنى، والزهد عن المال والجاه،
واآلخرة عن الدنيا، والعبادة عن االلتفات باألنساب
وأمجاد األجداد، مع ما وهبه الله من إرادة قوية، استطاع
أن يسيطر بها على نفسه، ويغير بها مجرى الحياة تغييرا
جذريا.
ولهذه الصفات المتوفرة فيه، نال إعجاب جميع
معاصريه، مسلميهم وغيرهم، ومدحوه بأرفع وأجمل ما
يمدح به ذوو الشخصية الفذة، ومن هذه المدائح قول
نجله الشيخ الحاج مالك الدباغ في حقه:
ََق ْمَتَها
َ ْخَل ِاق ا َّلنِبِّي أ
َمَك ِارَم أ
في اْلَع َالِم َينِ بَل َ ا دِد
َو ُسَّنَتُه ِ
َوُذ ْد َت ِ ذَم َار ا ِّلد ِينِ ب ْالِعْلِم َ وا ُّلتَقى
ُِّد
َ ْرَك ًان َ ا لُهِ بَتَعب
َّ ْد َت أ
َو َشي
ًا
في ا َّلن ِ اس َ داِعي
َّْق َت َ ن ْه َج اْل َح ِّق ِ
َوَطب
وِد
ُّ
ِْر َ تَز
ِهِ ب َّ التْقَو َى و َخي
َّ
إَلى الل
ِ
رٍق
َ ْعَد َ تَفُّ
َجَم ْع َت َ شَت َ ات اْلَقْوِم ب
حِد
ُّ
َ ْرَوا ًح َ ا لَن ِا بَتَو
ْ َت أ
َي
َ ْحي
َوأ
ف َين َ ا و َجَّدَنا
ْ َخ اْلَقْوِم ِ
ْ َت َ شي
َ ْر َضي
َوأ
ِّ َم ْشَهِد
ف ُي كل
َ ْحَمَد اْل َمْن ُص ِورِ
َا أ
ب
َ
أ
إلى أن قال – زاده الله فيضا وأطال عمره في طاعته:
ًا
مَراِتب
نْل َت َ
َ ِاء ِ
ِبِه َّمِت َك اْلَعْلي
م ْق َصِد
ُ ِول ُيت ْم ِ بَه ُ ا ك َّل َ
ِه أ
َّ
ِم َن الل
َ ْسِر ِي لُك ِّل ُ مَوَّفٍق
ْ ُضُك ْم ي
َفَذا َ في
لُك ِّل ُ مَو ِّحِد
َوَذا ُ ن ُورُك ْم َ س ْعٌد ِ
وقال الشيخ اإلمام ُغ ْور َم ْك ُت ْوب مادحا إياه في
طويليته:
َْد اْلَعِز ِيز ُ حَل ِاحِلي
َ ْعِن ِي بِه َ عب
َفأ
َِّة
ِْن ُ عْثَم َان اْلَعِظ ِيم اْل َمِزي
َسِل ِيل اب
َخِل َيفَتُه اْل َم ْحُم َود ُ ح َّجَة ِ د ِينَنا
م ْع ُ ك ِّل ِ ه َّمِة
ُم َجِّدَدُهِ ب ْالَع ْزِم َ
لشُي َوخ َ جِم َيعُه ْم
ُّ
َو َهَذا اَّلِذ َي ف َ اق ا
م ْع َ صَل ٍاح َ وَن ْجَدِة
ِبِعْلٍم َ و َع ْدٍل َ
امَنا
إَم َ
ْ َت ِ
ي
َ
م َ ا رأ
َتَر َى مِلًك َ ا لْو َ
َ ْكِر ْم ِ بُقْدَوِتي
َعَل ِى ز ِّي ِ م ْسِك ٍين َ فأ
لْل َُّوراِدِ ب ْالِب ْشِر َ واْلَهَنا
َ ِادُرِ
ُيب
ِه ِ م ْن ُ د ِون ُ م ْهَلِة
َّ
َْقِر ُي ضُي َ وف الل
َوي
َ ُل ُ ع ْذَرُه ْم
َْقب
ِ ْخَواِن ي
لْلإ
َ ْخ َضُع ِ
َوي
ِْر ِ مَّنِة
لْلِم ْسِك ِين ِ م ْن َ غي
َوُي ْطِعُم ِ
ِِّه ْم
لَرب
ب َ جِم َيع اْلُم ْسِلِم َين ِ
ُّ
ُيِح
ً َ ا وَدْفًع ِا بُمَّنِة
َوُيْنِجُد ُه ْم َ جْلب
ٌِع
َوُق ٌور َ عِن ا ِّلد ِين اْل َحِن ِ يف ُ مَداف
ِْر اْلَو ِس َيلِة
مْنَه ِج ا ِّلت َّج ِان َ خي
َو َع ْن َ
الشيخ الحاج عبد العزيز والقضايا الدينية:
كان الشيخ الحاج عبد العزيز مهتما باألمور
الدينية، والقضايا التي تمس األمة اإلسالمية، وله مواقف
مثالية فيها، منها:
1- سعيه لتأسيس مجلس إسالمي أعلى يكون مرجعا
لألمة المسلمة لدراسة حالتها واألمور التي تمسها، وقد
شارك في هذا المجلسكثير من الزعماء الدينيين آنذاك،
منهم: الشيخ إبراهيم انياس، الشيخ محمد الفاضل
امباكي، الشيخ محمد األمين كونتا، الشيخ جيرنو سعيد
13
النور تال، وكثيرون غيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
2- موقفه من قانون األسرة السنغالي الذي
أراد الرئيس السنغالي لوبول سدار سنغور فرضه على
المجتمع، فقام الشيخ الحاج عبد العزيز بالتنديد
بهذا القانون، ودعا الشيوخ إلى الرفض والتنديد به، ّ ولم
الشمل لمحاربته، ونظم في ذلك قصيدة رائعة، منها قوله:
َِّن ُ ا هَو اْلِكَت ُ اب
ِكَت ُ اب َ رب
ِه
َّ
ُد ْسُت ُورَن َ ا ن ْحُن ِ كَت ُ اب الل
َوَم َ ا لَن ُ ا كٌد ِ سَوى اْلُقْر ِآن
َتَم َّسُكوا ِ بِه ُ هَو ا َّ لصَوا ُب
ِْرِه َ فَل ِاه
اءَن ِ ا بَغي
َم ْن َ ج َ
َْط ِان
ُْرُه ُ هَو ُ كُد ا َّلشي
َفَغي
3- موقفه من كتابات بعض المعاندين لإلسالم.
ومنها الموقف الجاد الذي وقفه حيال كتاب سلمان
رشدي: »اآليات الشيطانية«، وصف فيه القرآن الكريم
بما ال يليق به، وأظهر عداءه القديم له، وكرهه األثيم لهذا
الدين الحنيف، فقام الشيخ الحاج عبد العزيزبالرد
عليه، وندد للمعلومات التي أوردها في هذا الكتاب،
وأنشد في ذلك أبياتا، منها هذين البيتين:
لَه ِ ا كَت ُ اب ا ُّلر ْشِد
ُّ
َ ُح
َ ْر ٌض ي
أ
َ ْر ِضَه ِ ا بُد ِون َ فَنِد
َح َّل ِ بأ
َْه َ ا ل ْعَنُة اْل َجِل ِيل ا َّ لص َمِد
َعَلي
ل َ ك َمِد
ُّ
ْ ُل َ واْلِبَل َ ا وُك
اْلَوي
َ
4- موقفه من قضية التعليم في الكتاتيب
إن أعداءاإلسالملم يزالوا يتنكرون بكل األلوان إلبعاد
المسلمين عن حقيقة دينهم، وإحداث الفراغ الروحي في
نفوسهم، ويتلبسون بكل الوسائل المتاحة، سواء بحقوق
األطفال، أو المرأة، أو اإلنسان، أو غيرها هتافات الزائفة
التي ال يريدون بها بحقوق األطفال، أو المرأة، أو اإلنسان،
أو غيرها هتافات الزائفة التي ال يريدون بها ال الباطل،
وقد وقف الشيخ الحاج عبد العزيزعنهم بالمرصاد
حين أرادوا وضع قوانين لمنع األطفال من الذهاب إلى
الكتاتيب بحجة أن شيوخهم ال يدرسونهم بل يتركونهم
يتسولون في الشوارع، وقد دعا الشيخ الحاج عبد العزيز
لهذه المناسبة األتباع في زاوية والده بدكار، وما
زالت صدى نغمات حديثه في الواقعة تقرع اآلذان حتى
اليوم.
الشيخ لحاج عبد العزيز سي ومجتمعه:
إن الشيخ الحاج عبد العزيز سي كإخوته – رضي
الله عنهم – في ذلك، فلم يكن منعزال عما يحدث في
مجتمعه، بلكان يولي له اهتماماكبيرا، فكان يحضر في
حفالتهم، ويؤنسهم في مناسباتهم، ويساعد الفقراء،
ويمد يد العون للمساكين، ويتحمل أذاهم دون شكاية أو
ملل، ويدعو ربه كي يرفع عنهم البال والمحن، ومن أهم
المواقف التي تؤكد ذلك، ما يلي:
1- استدعاؤه للطلبة والتالميذ الذينكانوافي إضراب
دائم تزعزع بها أمن البلد إلى الجلوس إلى طاولة الحوار،
والسماع إلى شكاواهم، والتلبية لرغباتهم األساسية،
بحيث يسود األمن واالستقرار في البالد، وقد تكررت
له هذه األعمال كثيرا، سواء مع الطالب، أو النقابات،
أو األحزاب السياسية، وكلها قد نجح فيه بمراده، لشدة
إخالصه وحبه للخير، ومعرفة الناس بأنه ال يدعوهم إال
لما يصلح العباد والبالد.
2- دعوته للناس إلى التضرع إلى الله في أيام
القحط والبالء، فكانكثيرا إذا نزل بالعباد شيء من ذلك
يدعوهم إلى التضرع إلى الله، ويقدم لهم أذكارا وأدعية
يتلونها في المساجد والجوامع، لكي يزيل الله عنهم
البأساء والضراء.
وكثيرا ماكان ينشد قصائد لهذا الغرض، ومنها تلك
القصيدة الرائعة التي مطلعها قوله:
تِك ْل
َ َاد َ عِز ُيزِ
َوَم َ ا ه َ ال اْلِعب
ا إَّن َ هَذا ِ ج ْب َ ل َج َ اخ ْل
َسِر ًيع ِ
اه اْلُم ْصَطَف َى ك ْي َ كْن ِجِ بْنِد ْ يف
ِب َج ِ
ِّ ْت َ غُف ُورَ كُب ِول ِ جَّك ْل
َت ُج ْن ِ جب
إلى أن قال:
م َات ْخ
َ َ ا ر ِّب َ
ُسِفِّك ِي ل ُي جَد ْل ي
ك ِ جَّك ْل
ْ ُت ِ دُت ْ وب َ تِه ْت ِ دِج َس ُّ
ََتي
أ
ا إَلِهي
َ ِ
َ َادَك ي
ََر ْم ِ عب
َ ْالَم ي
َكب
َ ْل
ائ َي ر ِّب َ ف ْاقب
افِعَن ُ ا دَع ِ
ِبَش ِ
3- اهتمامه بالسالمالدائم واألمن واالستقرارالثابت،
حتى أدى به الحال أن آخر قصائده إنما أنشده للدعوة
والتضرع إلى الله بأن يؤلف قلوب أهلكاسمانص وينزل
عليهم سحائب الرحمة والرضوان، يقول فيها:
ُ ِف
م َع ا َّلتآل
َْنِز ْل َ عَل َى ك َ اس َ
أ
َ ْهِلَه َ ا و َسّو
ِّ ْف ُ قُل َ وب أ
ل
َ
أ
ِّي
َ ِاد َ رب
إَغ َاثَة اْلِعب
َ ِع ِّج ْل ِ
ائ َب ا َّلتَع ُاط ِف
ِب َج ِاهِه ْم َ س َح ِ
اه ِ ذي اْلُعُلِّو
ُصُف َوفُه ْم ِ ب َج ِ
ف ِ ي شَّدٍة َ وَك ْر ِب
إَّنُه ْم ِ
َفِ
الشيخ الحاج عبد العزيز والقضايا السياسية:
كان الشيخ الحاج عبد العزيز كثيرا ما يدعو
السياسيين إلى تقديم مصالح العباد على مصالحهم،
وكم من مرة دعاهم إلى نبذ الخصوم والجدال، واالهتمام
14
بالمشاريع العامة دون الخاصة، ومن نصائحه لهم: »لو
كان ألحدهم برتقاال، ولآلخر تفاحة فليقطع كل واحد
من نصيبه قسطا لآلخر«، ويشير إلى ذلك بأن األحزاب
السياسية كل واحدة منها تدعي األفضلية على األخرى،
وبما أن األمر كذلك فال يضن أحدهم بما لديه من
معلومات ومعارف، بل ُفليْدِل بها في خدمة الوطن
والعباد، وال غرو بعد هذه النصائح وهذه الصفات أن
يتذكر به الشعب في اليوم الثالث والعشرين من يونيو
2011م، حين اضطربت األحوال، وفزعت القلوب،
واختلطت األنظمة، واحتاجت الناس إلى منقذ، فليس
لهم إال الرجوع إلى تعاليمه وإرشاداته، والتوجه بنصائحه
وتوجيهاته، واإلنارة بنور بصيرته، واتجهت األنظار
واإلذاعات والقنوات التلفزية إلى األراشيف، ليس
الغرض إال إلسماع الناس ذاك الصوت الناصح، والعارف
الراشد، فوا عجبا من صامت ناطق!!!
الشيخ الحاج عبد العزيز واألخوة الدينية:
إن الشيخ الحاج عبد العزيز كان آية من آيات
الله في االعتناء باألخوة الدينية، ليس فقط في المنتمين
لألسرة المالكية، بل لكل الطرق والمراكز الدينية، فكان
ينتقل إليهم بنفسه لزيارتهم وتفقد أحوالهم، ويراسلهم
في المناسبات، قد ذهب إلى طوبى مرارا، وزار انجاسان
وكولخ ويوف،كل هذا ليس إال الهتمامه باألخوة الدينية،
ومعرفته التامة وإيمانه بأن الطرق إنما أسست للوحدة
والنسك، ال للتفرق والفرقة، يقول الشيخ الحاج مالك
:
ا إَلى ا َّلر ْحَم ِان
لَه ِ
ُّ
لط ْر ُقُ ك
ُّ
ا
اني
َ َ ا ج ِ
ُم ِوصَلٌة ُ م ْسِلَكٌة ي
ومن قصائده في حق الشيخ عبد األحد امباكي:
ِْن اْلَع ِار ِف ا ُّلسِّنِّي
ِمِّن ِي إَلى اب
َِكِّي
ِ ِع اْلَوَرى اْلب
َخِد ِيم َ شاف
أ َحِد
َْ
ِْد ال
ِه َ عب
َّ
َن ْجِل َ حِب ِيب الل
دِد
ُّ
َواِر ِث ِ سِّرِهِ بَل َا تَر
ويقول مخاطبا شيخ اإلسالم الحاج إبراهيم انياس
:
َة اْلُعَلَم َ ا كْنَز اْل َم َس ِاك ِين
َ
َ ُ ا ن ْخب
ي
ِْإ ْسَل ِام َ وا ِّلد ِين
في ال
ِ ِخ ِ
ْ َخ اْل َم َشائ
َشي
ِه َ واِرِثِه
َّ
ِْد الل
ُسَل َالَة اْلُق ْط ِب َ عب
ق ُ ا د َون َ ت ْخِم ِين
ًّ
ْ ِخ َ ح
َخِل َيفِة ا َّلشي
ويقول في حق الشيخ يحيى الكونتي:
َ ْه َل َ ج َ اس ِان
َا أ
ْ ُن َ ع ِّمُكُم ي
ََتى اب
أ
إ ْخَواِن
َْرِ
ُْد اْلَعِز ِيز ُ يَعِّز َي خي
َعب
َ َى رِف َيع ا ِّ لص ِيت َ واْلِه َمِم
َ ْحي
َسِّيَد ي
َح ِامي ا َّلشِر َيعِةِ ب َّ التْقَو َى وِع ْرَف ِان
ًا
م ْولَاَنا اْلَعِل ُي رَتب
َُّه َ
َم ْن َ خ َّصُه الل
ُْرُه ِ م ْن ُ د ِون ُ ن ْكَراِن
َ ْحِو َه َ ا غي
َل ْم ي
تراثه العلمي:
للشيخ الحاج عبد العزيز سي تراث علمي
ذخير، وإنتاج ثقافي هام، وينقسم هذا التراث إلى
قسمين، وهما:
أوال: الشعر، وله فيه حوالي )12112( بيتا،
موزعة على )358( قصيدة، و)110( مقطوعات، أبرز
موضوعات شعره، هي:
.1 التوسالت: وتحتوي على ما يقرب من نصف
قصائده.
.2 المدائح.
.3 اإلرشادات.
.4 المراثي.
.5 المناسبات األخرى.
ثانيا: في النثر، وله فيه مجموعة من المؤلفات، منها:
.1 أوضح المسالك في التعريف بالشيخ الحاج
مالك
.2 تنبيه المغترين وتبصرة المخطئين )في الدعوة
إلى وحدة األمة ونبذ التفرق(
.3 إنقاذ اإلخوان من نزعات الشيطان
.4 الحرز الواقي من جميع المخاوف
.5 كنز المطالب لذوي الرغائب
.6 خطب رسائل.
فجزى الله عنا هؤالء األعالم النبالء خير جزاء،
وأسكنهم جنات الفردوس مع النبيين والصديقين
والشهداء، ونفعنا ببركاتهم، وحشرنا في زمرتهم يوم ال
ينفع مال وال بنون إال من أتى الله بقلب سليم.
ولله الحمد بدء ومختتما
بقلم العبد الفقير إلى عفو ربه القدير
الحاج عبد امبنغ
فاتيك: /07 ديسمبر/ 2015 م
15
من العبد الفقير إلى الله تعالى
أحمد بن محمد التجاني الحسني
عامله الله بلطفه وفضله
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم
لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك
المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
وصية لجميع اإلخوان من العبد الفقير إلى الله تعالي
أحمد بن محمد التجاني الحسني عامله الله بلطفه وفضله
في الدارين. السالم عليكم ورحمة الله وبركاته
عبادة اهلل وطاعته هي الغاية من خلق الخلق
وبعد فاعلموا رحمكم الله أن الناس ما خلقوا في
هذه الدنيا إال لعبادة الله تعالى وتوفية أوامره، واجتناب
نواهيه وأن توفية أمر الله تعالى والقيام بحقوقه من أوكد
الواجبات وأعظم التوجيهات إلى الله تعالى، قضى
بذلك حكم المرتبة اإللهية والشرائع النبوية قال سبحانه
))).
وتعالى׃ ″وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون ″
وقال سبحانه وتعالى : ″ ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن
ال تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا
صراط مستقيم ″ )))وقال سبحانه وتعالى ׃ ″ إن هذه
))) وقال سبحانه
أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ″
وتعالى ׃″ تلك حدود الله، ومن يطع الله ورسوله ندخله
جنات تجري من تحتها االنهار خالدين فيها، وذلك
الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده
))) إلى غير
ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ″
ذلك من اآليات المطردة في الحث على هذا الطلب
آكد العبادات الصلوات الخمس بشروطها ثم آكد ما
1الذاريات ١٥٦
2يس ٦٠
3 األنبياء ٩
4 النساء ،١٤ ١٥
يحفظ عليه من أمر الله تعالى هو׃ الصلوات الخمس
بجميع أحكامها ومقتضياتها ولوازمها وهي مضبوطة
في كتب األئمة، فالواجب لها المحافظة على شروطها
المعلومة، واستكمال فرائضها المشهورة وتثقيل هيئتها
في الركوع والسجود على الحد الذي ذكره رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح بقوله׃ ″ ثم
تركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ترفع حتى تستوي قائما ثم
تسجد حتى تطمئن ساجد ثم تطمئن ساجدا ″ وافعل في
))) واحذركل الحذر من الوقوع في
بقية صالتك هكذا ″
الهالك الذي وقع فيه الناس من عدم مباالتهم بتكميل
أمر صالتهم، فإنهم يقرونها نقر الديكة للحب، وذلك
مبطل لها بشاهد قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر
الصحيح للرجل الذي رآه يفعل ذلك ″ ارجع فصل
فإنك لم تصل ″ وهو يصلي ثالث مرات على الهيئة
التي هي اإلسراع في الركوع والسجود وفي الرابعة ّعلمه
الكيفية السابقة وقد قال صلى الله عليه وسلم :«صلوا
))) فإنه صلى الله عليه وسلم كان
كما رأيتموني أصلي”
يتم الركوع والسجود بالطمأنينة، وحقيقة الطمأنينة في
الشرع׃ عدم االضطراب،والسكون، ومعناه أن الراكع
والساجد إذا بلغ حد الركوع والسجود يتراخى فيهما قدر
ما يسبح الله تعالى ثالث تسبيحات بالترتيل في التسبيح
ال أقل من ذلك، هذا أقل الطمأنينة. ومن نقص من هذا
))) أنها
القدرفسدت صالته، فإنها هي التي وقع فيها الخبر
إذا صالها صاحبها فبعد فراغه منها يأخذها الملك فيلفها
كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها وجه صاحبها.
والمطلوب في الشرع أن يأتي االنسان لصالته مثل
إتيانه لنومه، فإن آتب النوم إذا غلبه النوم يلقي عنه جميع
5 يقصد حديثه املسيء صالته الذي اخلمسة ׃ عن أبي هريرة رضي اهلل عليه
أن النبي صلى اهلل عليه وسلم دخل املسجد فدخل رجل فصلى ’ ثم جاء
فسلم على النبي صلى اهلل عليه وسلم فرد النبي صلى اهلل عليه وسلم
فقال ” ارجع فصل فإنك لم تصل ” ثالثا – أي أرجعه ثالث مرات – فقال ׃ والذي
بعثك باحلق ما أحسن غيره فعلمني’ فقال ׃ إذا قمت إلى الصالة فكبر ثم اقرأ
ما تيسر معك من القرآن’ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ’ ثم ارفع حتى تعتدل
قائما ’ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ’ ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ’ ثم
اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صالتك كلها ” وزاد أبو داود ” فإذا
فعلت هذا فقد متت صالتك ’ وما انقصمت من هذا شيئا فإمنا انتقصته من
صالتك
6 رواه البخاري في صحيحه حديث 631 والدرامي في سننه حديث 425
7 عن أنس بن مالك رضي اهلل عته قال ׃ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
׃ من صلى الصلوات لوقتها ’ وأسبغ لها وضوءها ’ وأمت لها قيامها وخشوعها
وركوعها وسجودها خرجت وهي بيضاء مستقرة تقول ׃ حفظك اهلل كما
حفظتني’ ومن صالها لغير وقتها ’ ولم يسبغ لها وضوءها ’ ولم يتم لها
خشوعها ’ وال ركوعها ’ وال سجودها ’ خرجت وهي سوداء مظلمة ’ تقول ׃
ضيعك اهلل كما ضيعتني’ حتى إذا كانت حيث شاء اهلل لفت كما يلف الثوب
16اخللق ثم ضرب بها وجهه ″ رواه الطبراني في األوسط.
من منشورات معهد
الشيخ الحاج مالك سي للدراسات االسالمية
والبحوث العلمية
تحت رعاية الخليفة الشيخ أحمد التجاني سي
وتحت إشراف الشيخ عبد العزيز األمين
تواوون المحروسة
أشغاله، ثم ينام منحطا للنوم مطمئنا غير مستعجل للفراغ
من النوم، والمتخفف له، فكذلك حالة المصلي مع
صالته، يأتيها متثاقال في أدائها ، قد كليته إليها، تاركا
لكل ما يشغله عنها، ثم يفعلها بشروطها المذكورة. وأما
من صالها مستعجال، ال يطمئن في ركوعها و سجودها
على الحد الذي ذكرناه فإنها غير مقبولة منه، وإليها يشير
قوله صلى الله عليه وسلم ׃ ″ أول ما ينظر الله فيه من
أعمال العبد : الصالة ، فإن قبلت ينظر في سائر عمله ،
.
)))
وإن لم تقبل لم ينظر الله في شيء من عمله ″
إتقان الطهارة شرط عظيم من شروط صحة الصالة
ثم الواجب لها تكميل الطهارة من الحديث والخبث
فليتعلم العبد أحكام الطهارة من الحدث بتكميل غسل
أعضاء الوضوء وظاهر الجسد كله في الغسل، وإن
أكثر العامة اليوم متالعبون في غسل أعضاء الطاهرة
ال يستكملونها فصالتهم باطلة. يعرف ذلك من رآهم
حالة الوضوء ، فإن من فسدت طهارته فسدت صالته
استكمال الطمأنينة واالستواء من أركان الصالة
كما أن من لم يستكمل الطمأنينة في الركوع والسجود
ولم يستكمل استواء القيام من الركوع أو من لم يستكمل
استواء الجلوس بين السجدتين بطلت صالته فالحذر
الحذر من وقوع الخلل في صحة الصالة ، فإن الصالة
في االيمان وأعمال االيمان بمنزلة الروح من الجسد ، إذا
وجد الروح وجدت حياة الجسد وإن فقدت الروح منه
فقدت الحياة .
الدعوة إلى صيانة فريضة الصيام
ثم بعد الصالة ׃ المالحظة على صومرمضان بتكميل
شروط صيامه، وليحذر االفطار بالعيش الحرام فإنه مضر
بالدين .
التأكد على المحافظة على صالة الجماعة السنية
وإتقان حفظ وتالوة فاتحة الكتاب
وأوصيكم بالمحافظة على أداء الصلوات الخمس في
الجماعة إن كان اإلمام يستكمل ركوعها وسجودها كما
سبق، وإال فال تحل الصالة خلفه، وأوصيكم بإتقان حفظ
فاتحة الكتاب وتكميل تالوتها في الصالة بالترتيل على
الوجه الذي أنزلت به، ال تختل، فإن الفاتحة من الصالة
بمنزلة العمود من البيت، إذا سقط العمود سقط البيت
فحافظوا عليها.
الدعوة إلى االعتناء بأداء الزكاة
وعليكم بالمحافظة على أداء زكاة األموال واالعتناء
كل االعتناء بها ، وحفظ نظامها وتكميل شروطها بتمامها
على الحد المحدود فيكتب الفروع المبسوطة .
الدعوة إلى استعمال مكفرات الذنوب في زمان ال
1 عن عبد اهلل بن قرط رضي اهلل عنه قال׃ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ׃ ” أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصالة’ فإن صلحت صلح
سائر عمله ’ وإن فسدت فسد سائر عمله ” رواه الطبراني في األوسط بسند
ال بأس به . وروي الطبراني أيضا عن أنس رضي اهلل عنه قال ׃ قال رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ׃ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصالة ’ ينظر
في صالته ’ فإن صلحت فقد أفلح ’ وإن فسدت فقد خاب وخسر”.
انفكاك فيه ألحد عن مفارقتها .
واعلموا أن بحر الذنوب قد طما في هذه األزمان
وتالطمت أمواجه، وتراكمت ظلماته، حتى عجز الخلق
عن الخروج عنها إال صديق واصل أو من قارب مقامه،
أومن جذبته العناية، ومن عدى هؤالء فممن تمكن
العجز فيهم عن الخروج عن الذنوب، فحين كان األمر
هكذا بقضاء موالنا جل جالله، فليشتغل العاقل بعد
تصحيح فرضه بمكفرات الذنوب، وهي كثيرة بحمد
الله تعالى، فإن من اشتغل بها معكثرة الذنوب بعد إنقاذ
المجهود في مدافعتها ما أمكن، تخف عنه مؤونة الذنوب
وال يأتي بمكفرات، قال تعالى׃ ″إن الحسنات يذهبن
)))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
السيئات″
″وأتبع السيئة الحسنة تمحها )))″ أو كما قال صلى الله
عليه وسلم مما معناه هذا، وذلك بمنزلة من تجدد عليه
الجراح في جسده، فكلما وقع به جرح أسرع إلى دوائه
فهو خير]له [ من الذي تنصب عليه الجراح وال يتداوى
ويقول׃ إن الدواء ال يفيد فيه لكثرتها .
وكل معصية ال بد لها من عقوبتين، عقوبة دنيوية
وأخرى أخروية، أما الدنيوية فال ترفع عن المعصية إال
بأحد أمرين، األول هو إخراج صدقة خالصة لله تعالى من
مال حالل، أو كالحالل شرعا، فيها ترفع ويندفع عنه بالء
المعصية، والثاني من األمرين هو الرجوع إلى باب الله
تعالى بالضراعة واالبتهال والذل واالنكسار والتصريح
في الدعاء بطلب العفو منه سبحانه وتعالى وطلب رفع
مصيبة ذلك الذنب، فإنه بسبب ذلك إذا أحسنه يرتفع
عنه بفضل الله تعالى، وأما عقوبة اآلخرة فال ترفع عنه،
وال بد له منها إال أن يعفو عنه سبحانه وتعالى بسبب أو
بال سبب.
مكفرات الذنوب
وأسباب العفو كثيرة ، وهي المكفرات وأعظمها
قدرا وأكبرها خطرا، وأبلغها في محو الذنوب والسيئات
كثرة الصالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر
االستطاعة فإنها الذخيرة العظمى والحصن المنيع
األحمر ، فمن ثابر عليها بقدر االستطاعة ، فإنها كفيلة
بمحو الذنوب واآلثام ، مقبولة الشفاعة لصا حبها بين
يدي خالق األنام . والستعمالها شروط׃ الطهارة الكاملة
كالصالة، وإال فالطهارة من الخبث دون الحدث، وهي
الطهارة البدنية والمكانية والثياب. وأن يقصد صاحبها
بها وجه الله العظيم واإلجالل لله ولرسوله صلى الله عليه
وسلم دون غيرها من سائر النيات، فإن لها أحواال في
النيات. وإخالص العمل فيها من شوائب الرياء والسمعة.
فإنها إذا صحت على المنهج،كانت فائدتها أعظم وأكثر
من جميع أعمال البر، إال النزر القليل فإنه ثبت الخبر بها׃
2 هود ١١٤
3 عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال ׃ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
׃ ” اتق اهلل حيثما كنت وأتبع السيئة احلسنة متحها وخالق الناس بخلق
حسن ” رواه النرميذي وقال حديث حسن صحيح
17
أن المرة الواحدة منها تعدل أربعمائة غزوة في سبيل الله،
وكل غزوة تعدل أربعمائة حجة مقبولة، وكذلك الطائر
الذي يخلقه الله في الصالة الواحدة منها، يخلقه الله
تعالى يسبح بجميع ألسنته، وثوابه للمصلي ، وكذا في
الحديث الشريف׃ أن الله تعالى يخلق ملكا من الصالة
الواحدة فينغمس ذلك الملك في بحر الحياة، فإذا خرج
ينتفض، فيخلق الله تعالى منكل قطرة طارت منه ملكا
يستغفر الله للمصلي إلى يوم القيامة، وفيها أيضا عشر
حسنات ومغفرة عشر سيئات، ورفع عشر صلوات،
ويصلي عليه ربه عشر صلوات، وتصلي عليه مالئكة سبع
سماوات ، كل واحد عشر صلوات، وهذا أمر ال يقدر
قدره، وبكل صالة العبد حوراء وقصر في الجنة ويكفي
هذا فيها. )))
)2( وكذا من مكفرات الذنوب الصالة على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثمانين مرة ليلة الجمعة ويومها
بعد العصر، فإن الثمانين التي في الليل تكفر ذنوب
أربعمائة سنة ، والثمانين التي بعد العصر تكفر ذنوب.
.
ثمانين سنة )))
)3( و من مكفرات الذنوب ׃ صالة التسبيح وهي
مشهورة فيكتب الحديث فال نطيل بذكرها، فإنهاكفيلة
بتكفير جميع الذنوب من بداية تكليف العبد إلى مماته
والله ذو الفضل العظيم
)4( ومن مكفرات الذنوب ׃ الدوام على قراءة آخر
سورة الحشر، )))فإن صاحبها يغفر له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر .
)5( ومن مكفرات الذنوب سبحان الله والحمد لله
والله أكبر وال حول وال قوة إال بالله ملء ما علم وعدد
ما علم وزنة ما علم ″فإن المرة الواحدة منها تكفر جميع
الذنوب، وتؤمن العبد من عذاب الله تعالى
)6( ومن مكفرات الذنوب ׃ المواظبة على المسبعات
العشرة بكرة وعشية، فإن من قرأها دائما لم يكتب عليه
ذنب.
)7( ومن مكفرات الذنوب׃ مداومة قراءة الحزب
السيفي مرة في الصباح ومرة في السماء ، فإن من داومه
لم يكتب عليه ذنب
)8(ومن مكفرات الذنوب ׃ دعاء )يا من أظهر
1 األحاديث الواردة في فضل الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم كثيرة
جدا منها ׃ “من صلى علي واحدة صلى اهلل عليه عشر صلوات ’ وخطت عنه
عشر سيئات ’ ورفع له عشر درجات ” أخرجه النسائي وغيره عن أنس بن مالك
رضي اهلل عنه ومنها ׃ ” من صلى علي صالة كتب اهلل له بها عشر حسنات
’ ومحا عنه بها عشر سيئات ’ ورفعه بها عشر درجات وكانت له عدل عشر
رفاب” رواه ابن ابي عاصم عن البراء بن عازب رضي اهلل عنه .
2 عن ابي هريرة رضي اهلل عنه ׃ ” من صلى صالة العصر من يوم اجلمعة فقال
قبل أن يقوم من مكانه ׃ اللهم صل على محمد النبي األمي وعلى آله وسام
تسليما. ثمانني مرة ’ غفرت له ذنوب ثمانني عاما ’ وكتبت له عبادة ثمانني
سنة” رواه ابن بشكو
3 من قوله تعالى ׃ }لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا{ إلى آخر
السورة
، فإن الخبر ثبت أنه يمحو
)))
الجميل وستر القبيح الخ (
جميع الذنوب، ويعطى صاحبه ثواب جميع الخالئق في
كل مرة منه ويكفي هذا.
الوصية بالبعد من موجبات الكفر
وأوصيكم بالمحافطة على البعد من أموركل من وقع
في أمر منها ׃ أماته الله كافرا من غير شك والعياذ بالله
تعالى
األولى اإلكثار من الزنى من غير توبة، والثاني كثرة
إذاية المسلمين، والثالث إدعاء الوالية بالكذب، الرابع
االنتصاب للمشيخة من غير إذن، الخامس تعمد الكذب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكاية، السادس
االنهماك في الغيبة والنميمة بال توبة أنه يموتكافرا، ولو
عمل ما عمل إال أن يتوب، فهذه أمور يقطع لصاحبها
وإنما يختم له بالكفر إذا بقي مصرا على ذلك حتى مات،
والعياذ بالله .
الوصية بسالمة الصدر وحسن الظن بالله وبعباده
وأوصيكم بطهارة القلب من الغل والحقد على المسلمين،
فإن من تخلق بذلك اليفلح. وأوصيكم بالبعد عن سوء
الظن بالله وبعباده المؤمنين، فقد قال صلى الله عليه
وسلم ׃ ″ خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر׃ سوء الظن
)))
بالله وسوء الظن بعباد الله”.
ال نفع في العبادة مع القوت الخبيث
وأوصيكم بالبعد عن أكل الحرام شرعا ، فإن المداوم
على ذلك يحبط عمله ال محالة ، فقد قال صلى الله عليه
وسلم ׃ ″ ليجيئن أقوام يوم القيامة معهم من الحسنات
أمثال جبال تهامة ، حتى جيء بها صارت هباء منثورا ″
فقالوا يا رسول الله ׃ صف لنا هؤالء ، فوالله إنا لنخشى
أن نكون منهم ، فقال ׃″ أما والله إنهم كانوا يصومون،
ويصلون، ويأخذون وهنا من الليل، ولكنهم إذا الح
لهم الئح من الحرام وثبوا عليه ، فأدحض الله أعمالهم
وقذفهم في النار″ .) الحديث (
ثم إن المحرم وإن عم األرض كلها فله أحوال في
التحليل على حسب الضرورات واألعذار، وسيذكر في
آخر الوصية ، إن شاء الله، توجيه ما يتناول من ذلك.
وأوصيكم بالبعد عما دأب عليه الناس اليوم وأكبوا
عليه وعم جميع آفاق األرض، إال النزر القليل من
الخلق وهو׃ المعاملة بالغش في جميع أحوال المبايعات
والمعامالت ، واالنهماك في تناول المعامالت الفاسدة
في البيع والشراء، مما حرمه الشرع المطهر صريحا أو
ضمنا، وهي مفصلة في الفروع الفقهية .
الدعوة إلى التوجه إلى اهلل في األوقات المرعية
وأوصيكم بالمحافظة على أوقات تتوجهون فيها إلى
4 هذه املكفرات من األذكار اإلخبارية غير الالزمة ׃ تنظر في “اجلواهر” و”البغية”
و”أحزاب وأوراد ” وغيرها من كتب الطريقة .
5 روي الديلمي في مسند الفردوس عن علي رضي اهلل عنه ׃ “خصلتان ليس
فوقهما شيء من اخلير׃ االميان باهلل والنفع لعباده ’ وخصلتان ليس فوقهما
شيء من الشر ׃ الشرك باهلل والضر بعباده ” حديث رقم 2988 .
18
الله تعالى بالتوجه الصحيح ، إما بذكر أو تالوة قرآن في
الصالة أو خارجها، وإما بالصالة على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وأقل ذلك وقتان׃ صباحا ومساء، واألفضل
ثالثة أوقات صباحا ومساء في جوف الليل.
وليجعل فيكل وقت منها ما استطاع من الصالة على
النبي صلى الله عليه وسلم، فمن استكمل في جميعها
عشرة آالف موزعة على األوقات المذكورةكان من أعظم
الفائزين برضى الله تعالى في الدار اآلخرة، وأعظم من
ذلك في النفع ما زاد على العشرة آالف، وإن لم يقدر
فما دونها إلى ألف في كل وقت، وإن عجز فخمسمائة
في الصباح ومثلها في العشي، وإن عجز فثالثمائة في
الصباح ومثلها في المساء، فمن داوم على ذلك كما
ذكرنا׃ فاز برضى الله في الدار اآلخرة، وفي الدنيا اآلخرة،
وفي الدنيا تسهل عليه مطالبه وتيسر له أمور له معاشه،
ويجد بركة ذلك في رفع الباليا عنه والعصمة من شرور
األعداء والحساد، والحاصل׃ أنه يجد لها بركة في جميع
المطالب الدينية والدنيوية وبالدوام عليها تغشاه البركة
وولده وولد أوالده. ومتى وقع منه ما يوجب هدما لدينه،
أو محقا لحسناته أو طردا له من باب ربه، أو ما يوجب
الوقوع في المهالك الشديدة صارت هي شافعة له بين
يدي الله تعالى، وخرج له من عناية الله بسببها ما يقيه من
جميع ذلك كله، ويغفر له، فإنها أعظم الوسائل إلى الله
تعالى، وأعظم المعارج إلى مرتقى إدراك رضي الله في
الدار اآلخرة، ألن الله عز وجل بشدة عنايته بحبيبه صلى
الله عليه وسلم تكفل لتاليها أن يصلي عليه بكل واحدة
عشرا، ومن صلى عليه ربه في أوقاته تباعدت عنه النقم
والباليا في الدنيا واآلخرة.
الصالة على رسول الله عليه وسلم للمنهمكين في
الشهوات أفضل من تالوة القرآن، فإنها للعامة المنهمكين
في شهواتهم أحق لهم من تالوة القرآن العظيم، فإن القرآن
درجته عالية، ومرتبته متسامية ، فهو أفضل من الصالة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ال ينال فضله
في التالوة إال توقف عن تخطي حدود الله تعالى، قال
سبحانه وتعالى ׃ ″ تلك حدود الله فال تعتدوها ومن يتعد
))) فال يتأنى لقارئ
حدود الله فأولئك هم الظالمون.″
القرآن أن يتلوه وهو ظالم ، ألن الله تعالى جعل القرآن
محل القرب والتداني، فال ينال فضله عند الله تعالى إال
من وقف عند الحدود، وأما من تخطى الحدود فال يناله
فضله، قال سبحانه وتعالى׃ ″ومن الناس من يشتري
لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها
هزؤا، أولئك لهم عذاب مهين ، وإذا تتلى عليه آياتنا
ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره
))) وقال سبحانه وتعالى ׃ ″ويل لكل أفاك
بعذاب أليم ″
أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم
يسمعها فبشره بعذاب أليم ، وإذا علم من آياتنا شيئا
1 البقرة ٢٢٩
2 لقمان ،٦ ٧
اتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم
وال يغني عنهم ما كسبوا شيئا وال ما اتخذوا من دون
الله أولياء، ولهم عذاب عظيم ))).″ فأنت تسمع شدة
الوعيد لمن قرأ القرآن ولم يعمل به والله الموفق. ثم
بعد الصالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمارة
األوقات بذكر الله تعالى فإنه إن دام على الصالة على
رسول الله عليه وسلم عشرة آالف مرة أو أكثر ، يكفيه
معها ال إله إال الله مائة مرة وإن عمل في كل وقت من
األوقات الثالثة׃ سبحان الله ، والحمد لله، وال إله إال
الله، والله أكبر وال حول وال قوة إال بالله ملء ما علم
وعدد ما علم وزنة ما علم عشر مرات فيكل وقت،كانت
كل مرة منها أفضل عند الله تعالى ممن يستغرق الليل
و اللنهار وال يفتر، فحافظوا على هذا ما استطعتم فإن
المحافظ على هذا تناله من الله تعالى عناية عظيمة في
الدنيا واآلخرة .
الدعوة إلى بذل الصدقة
وأوصيكم وأؤكد عليكم في بذل صدقة فيكل يوم
أقلها׃ ربع رغيف إلى درهم إلى ما وراء ذلك من كسب
يرتضيه الشرع ، على الوجه الذي نذكره في آخر الوصية
في التصرفات في المعامالت المالية ، فإن الدوام على
الصدقة فيكل يوم يحفظه الله تعالى من الباليا والمحن
ولكن النية في الصدقة لله تعالى ال لغيره .
الترهيب من المجاهرة بالسوء
وأوصيكم وأؤكد عليكم بالتباعد عن المجاهرة
للناس بسوء القول، بل تعاملونهم بما تقدرون عليه
من حسن الخلق، قال سبحانه وتعالى ׃ ″ ال يحب الله
)))″ وقال الله تعالى
الجهر بالسوء من القول إال من ظلم
׃ ″ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ال تعبدون إال الله ،
وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين
))) ″ وقال صلى الله عليه وسلم في
وقولوا للناس حسنا
)))″ وقال صلى
آخر حديث׃ ″وخالق الناس بخلق حسن
الله عليه وسلم ׃ ″ رأس العقل بعد االيمان التودد إلى
))))الحديث (
الناس ″
صورة المال الحرام
تنبيه اعلم أن إجماع األمة قد انعقد على أنه ال
يحل مال امرئ مسلم إال عن طيب نفس، وكل ما أخذ
ال عن طيب نفس فحرام، إال ما يؤخذ بصورة شرعية
قهرية كأخذ الزكاة من مانعها، وما يتبع من الحقوق
الالزمة شرعا، وهي كثيرة مفصلة في كتب الفروع فال
نطيل بذكرها، فإن أخذ ذلك من صاحبها من غير طيب
نفس حالل لتعلق الحق الشرعي به، لقوله صلى الله
3 اجلاثية ٧ إلى ١٠
4 النساء ١٤٨
5 البقرة ٨٣
6 تقدم تخريجه سابقا.
7 رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه حديث
رقم 3256 ورواه البيهقي عن أنس ورواه احلاكم وأبو نعيم.
19
عليه وسلم׃ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا الإله إال الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحقها
)))وأما غير هذا فإن أخذ مال المسلم
وحسابهم على الله ″
من غير طيب نفس حرام باإلجماع ، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ׃ ″ إن الله حرم
عليكم دمائكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة ربكم
هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، اللهم هل بلغت
. وقصته مشهورة في
)))
؟″ فقالوا: اللهم نعم)الحديث(
الصحاح وقال سبحانه وتعالى ׃ ″ ياأيها الذين آمنوا ال
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن
تراض منكم ″ فالمرجع في الحكم إلى هذه النصوص
المحكمة العظيمة القدر، والوقوف عند حدودها فرض
الزم على كل مسلم، فإذا عرف هذا، فما مضت عليه
عادة األعراب والظلمة من اقتحامهم وأخذهم مال اليتيم
بغير صورة شرعية ، فكلما بأيهم حرام ال يحل لمسلم
معاملتهم بوجه من الوجوه العوضية، وال قبول عطياتهم
وهداياهم كل ذلك حرام ، فهذا حده قي األصل ثم إن
كان البلد قد غلب عليه جميع ذلك، وال يوجد غيره
بأيديهم بوجه من وجوه المخالطة، فكل ذلك حرام ومن
تعلل – ممن ينتسب للفقه وإلى االسالم – فأخذ ذلك
مستحال له، متعذرا بعدم وجود غير ذلك قال عذر له في
الشرع، ويسجل عليه بأنه مقتحم ما حرم الله تعالى ظلما
وال تحل سكنى المومن في ذلك المحل وال بقاؤه بينهم
والهجرة عليه من ذلك المكان واجبة لتواتر نصوص
الشرع الطاهر.
وأما ما كان مخلوطا عندهم بوجه من وجوه التجارة
مثال ، أو أتلف عينه واشترى بدله عينا آخر، أو بوجه من
الحراثة أو الصناعة، أو ضم حالل بصورة شرعية إليه׃
فاألصل المعول عليه أن ذلك حرام بسبب ما اختلط فيه
فمن قدر على ذلك تمسك بهذا األصل وجرى عليه . ثم
إن تنزل األمر إلى عموم ذلك في األرض واختلط ذلك
بصورة حالل وصورة حرام بأيديكاسبيه ،كما هو صورة
الوقت ، فعلى المؤمن في إقامة فرض طلب الحالل أن
يجتنب ما عملت صورته صورة الغضب والمحرم .
تطور صورة المال الحالل
وما جهل من ذلك، وكان األصل االختالط بصورة
حالل وصورة حرام كما ذكرنا أوال من عموم الفساد في
األرضكما هو صورة الوقت رجع إلى األصل الثالث من
1 أخرجه البخاري في كتاب اإلميان باب “فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة
فخلوا سبيلهم” احلديث رقم 25
2 حتى ظننا أنه جاء في خطبة حجة الوداع ׃” أتدرون أي يوم هذا ؟ فالوا
اهلل ورسوله أعلم سيسميه سوى اسمه قال ׃” أليس يوم النحر؟ قلنا بلى يا
رسول اهلل قال فأي شهر هذا ؟ قلنا اهلل ورسوله أعلم قال أليس بذي احلجة ؟
قلنا بلى يا رسول اهلل فقال فأي بلد هذا ؟ فلنا اهلل ورسوله أعلم قال) أي رأي
احلديث ( حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس بالبلدة ؟ قلنا بلى
يا رسول اهلل قال إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا’ في
شهركم هذا ’ في بلدكم هذا ’ إلى يوم تلقون ربكم ’ أال هل بلغت ؟ قالوا نعم
قال اشهد “.
أصول الحالل وهو ׃ كون الحالل ما جهل أصله.
فإن صورة الحاللكان في عهد رسول الله صلى الله
علبه وسلم ׃ ما عرف أصله وأصل أصله، ثم لما انقصت
مدة الخالفة ورجعت ملكا عضوضا، صار الحالل هو
ما عرف أصله فقط، ثم لما زاد الفساد وطما بحره
صار الحالل هو׃ ما جهل أصله، وهي المرتبة الثالثة في
الحالل، وعلى هذا الحد وهذا المنوال يجري الحكم في
معاملة هذه الطوائف بوجوه العوض، وقبول عطيتهم ،فال
يجتنب منها إال ما عرف صورة الحرام فيه، مثل الشيء
المغضوب والمأخوذ في ثمن الخمر، والمأخوذ من ربى
النسيئة أو ربى الفضل، ويقاس ما لم يذكر على ما ذكر.
وأما ما جهلت صورته، فإن علم من صاحبه أنه لم
يكن عنده إال الحرام ولم يخلطه بصورة أخرىكالحراثة،
والتجارة، وإبدال عين بأخرى، وإضافة حالل له لم يحرم
مما بيده إال ما له عين قائمة في التحريم وما جهل اصله
فحالل، وقولنا في هذا المجال حالل إنما هو حالل
غرضي ال أصلي لعدم وجود غيره بكثرة الفساد وعمومه
في األرض، واحتياج العبد إلى القوت، يكون حالال بما
أعطاه الوقت وحكمه الضرورة فقد قال سبحانه وتعالى ׃
)))
″ وما جعل عليكم في الدين من حرج .″
وكذا قال القطب الكامل الوارث الواصل׃ أن سهل
عبد الله التستري رضي الله عنه׃ لو كانت الدنيا عبطة
من دم ، لكان قوت المؤمن منها حالال ، ألن الله تعالى
فرض العبادة على العبد وأباح له أن يأكل مما في األرض
حالال طيباكما هو تص اآلية . فإذا تتبع في األرض وجوه
الحالل وعمت البليةفي األرضكان تناول الحالل األعلى
فأعلى ، إما أن يكون مما عرف أصله وأصل أصلهكمعاملة
الحربيين بأخذ األجره منهم على الخدمة واالشتراء مما
بأيديهم، فإن ما بأيديهم كله حالل ال معارضة فيه فمن
وجد السبيل، إلى هذا وأمكنه فال يعامل المسلم المجهول
ما بيده بوجه من وجوه وال يعامل إال الكفار الحربيين
لتمحص الحالل بأيديهم ولو أخذوا مال المسلمين فماله
كله حالل، ومعاملتهم حالل في غير الخيانة واألخذ
باإليمان الكاذبة والغدر فذلك حرام .
ثم إن لم يوجد هذا فيتنزل إلى ما عرف أصله ، فقط
كمن وجد كنزا من المال بصورة الجاهلية في أرض غير
مملوكة ، وكذا المعدن على هذه الصورة والصيد وغيره .
ودون هذا في المرتبة ما جهل أصله وعرف اختالطه
بأيديكاسبيه، وله مراتب مفصلة في كتب الفروع وآخر
مراتب الحالل إذا عمت البلية في األرض ولم يجد
المؤمن منه لقوته إال الصورة المحرمة وألجأه الحال إلى
ذلك حال له أخذ قوته فقط كاقتيات الجائع من لحم
الميتة والخنزير فقط.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
3 احلج ٧٨
20
21
اإلنسان ال يحب ان يموت، وال يحب أن يفنى ، وال
يرضى لنفسه ان تكون ذرة حقيرة تافهة في هذا الكون
الفسيح، أو ريشة في مهب الريح. انه طبع على حب
الحياة وحب الخلود وحب السيطرة فهو يحب أن يلمس
كل جميل وينالكل جديد، ويشمكل زهرة، وتمتع بكل
لذة في وقت واحد ال تفوت نعمة من نعم الدنيا ، وال
تفوته لذة من لذات الحياة، إنه يحب أن يجمع في نفسه
الواحدة سعادة الدنيا كلها، وجمال الكون كله، وهذا ال
يقنعه، وال يهدى من أواره فيبقى في ظمأ مستمرة وحسرة
دائمة ال يزال ينادي هل من مزيد؟ هل من مزيد؟
ال تكفيه هذه الدنيا وال تتسع لرغباته ومطامحه،
فيتوجه إلي الجو ،ويطير نحو السماء عسى أن يجد
شيئا جديدا ، وينال صيدا سمينا. هذا هو اإلنسان وتلك
مطامحه ورغباته وآماله وأحالمه ، وهي آمال وأحالم ال
يمكن ال عظم ملك من ملوك األرض،
وال أقوى دولة من دول العالم ان تحقق منها جزءا
فضال عن كل . وهي رغبات ومطامح ال يمكن أحدا إن
يحققها ولو أوتيكنز قارون وحكمة لقمان، ولو تكدس
عنده دهاء العقالء أجمعين،. فما هو الطريق إذا ؟
هل نترك اإلنسان هكذا حائرا مشدوها، يقضي أيامه
في هذه الدنيا مشاء الله ان يقضي، ويتمتع بالحياة ما
شاء الله أن يتمتع، ثم يصير إلي الفناء كاألجسام الحية
األخرى ، ويقضي على مستقبله ومطامحه وأحالمه وآماله
لألبد ؟
هنا طريقان : الطريق األول : لإلنسان أن يؤمن
ويعتقد أن هذه الدنيا هي أمنيته الوحيدة التي يستطيع ان
يحلم بها ، فيبالغ في تقديسها وإجاللها وحبها والتفاني
فيها حتى يأتيه اليقين ، ويقضي عليه الموت ، ولم يشبع
منها نهمه ، ولم يرو غلته، ويريد أن يسخر هذه الحياة
ألهوائه ويخضعها إلرادته ، ويرتوي منها ما يشاء ،
فيجدها مليئة باألشواك محفوفة بالمخاوف مفطورة على
الغدر والجفاء ويهبها قلبه وشعوره وروحه وجسده وكل
ما يملك فيجدها تغدر به، وتسخر منه وتتملص من يده ،
وتلقيه في عذاب مهين يهدمكيانه ويحطم أعصابه . هذا
الطريق يحدث في اإلنسان رد فعل شديد فيركز كل همه
في هذا العالم المحدود، وال يستطيع ان يفكر في آفاق
اخرى غير محدودة تليق بإنسانيته وتجدر لطيرانه
وطموحه، وكلما تزداد هذه الدنيا غدرا وجفاء يزيد
هو حبا لها وافتنانا بها . ويجري وراءهاكالمفجوع الذي
رزئ رأس ماله ، وذالك ألنه ال يعلم مجاال أفسح من
هذا المجال، وال يعرف حقيقة أسمى من هذه الحقيقة
البسيطة التي يراها بالعين ، ويلمسها بالبنان، وال يستطيع
أن يفكر في اكثر من ذلك، فطريقه يرغمه على أن يقضي
حياته في هذا القفص الضيق الذي يقال له 🙂 الدنيا(
ويبذلكل نشاطه فيها وال يسمح له ان يفكر في ما يعيش
في خارجه من حقائق وما يوجد وراءه من أجواء وآفاق.
هذا الطريق يظل مستقبل االنسان ويتركه في حيرة
وضالل ، أنه يعمل ويكافح ، وهو ال يدري لم هذا العمل
وفيم هذا الكفاح ؟ أكل هذا العمل والكفاح في سبيل
“الفناء” أكل هذه التضحيات الجبارة والجهود المضنية
الطويلة في سبيل ” حياة” قصيرة األمد طويلة الحزن ،
قليلة السعادة كثيرة الشقاء ، أكل هذا الطموح في سبيل
نهاية مردية أليمة ال شيء بعدها ؟
هذا الطريق يحدد إمكانيات الفرد، ويضيق وجوده
ويكبت مطامحه ونفسه األبية األنفة الطامحة التي
ال ترضى بالذل، وال تقنع بالزهيد ويخنق مطامحه
وصالحيته قبل أن يستعملها ويصل بها إلي درجة التصل
إليها المالئكة . ويسد عليه أبواب الكمال في هذه الحياة
الدنيا كما يسد عليه أبواب السعادة في الحياة اآلخرة .
وموجز القول أنه ال يستجيب لهذا النداء الذي ال يزال
ينبعث من أغوار الضمير اإلنساني، نداء نفسه الطامحة
الراغبة في كل شيء وال يزال يطلق صراحه لينطلق في
األجواء الفسيحة ، ويركض في طريقه الى الخلود واألبد
، ويحرم على نفسه الموت والفناء .
أما الطريق الثاني :
وهو الذي اختاره الله للناس وهو يقول : إن اإلنسان
يستطيع إذا صحت عالقته مع ربه وكان كل طموحه
ونشاطه لنيل رضاه وابتغاء وجهه إن يصل إلى مدارج
من الكمال ال يتصور فوقها في هذه الحياة ويحظى بحياة
إبدية ونعيم خالد في الحياة اآلخرة إن هذا الطريق يترك
اإلنسان في حقل ال حد له وال نهاية له ويربطه مع حياة
تخطت الحدود المادية ودخلت في الالنهائية .
انه ال يترك اإلنسان حائرا في أمره ال يدري لمن كل
هذا الكفاح ، وال يدعه يكافح في سبيل فناء سريع أو نهاية
أليمة ، أو في سبيل حياة قلت أفراحها وكثرت أحزانها ،
اإلنسان هنا يعلم لماذا يكون هذا الكفاح والجهاد ولمن
كل هذا النشاط الحيوي الدافق وألي يوم يبذل نفسه
وماله بال تردد وال حساب ) يأيها اإلنسان انككادح الى
ربككدحا فمالقيه( االنشقاق )أية٦(
الكمال والرقي في هذا الطريق غير محدود كما أنه
السعادة فيه خالدة وغير محدودة ، فال محل لليأس وال
مكان للكبت وال حاجة إلى التشاؤم، إن اإلنسان اذا عرف
هذا الطريق وانطلق في هذا الميدان الفسيح ، فهو يطلع
على حقائق غريبة هامة ودنيا جديدة ، ال تشبه هذه الدنيا
في شيء ، دنيا كلها نور وصفاء ، وبهجة وسناء سعادة
وهناء .
وفي أمثال هؤالءالسعداءقال الله جل وعال ) أال إن أولياء
الله ال خوف عليهم والهم يحزنون( يونس آية .٦٣
بال Pal مدينة َّ مقدٍم ٍ مشهود له بالسبقية والحرمة
والوفاء
فبال الحديثة أسسها مقدم البركة الشيخ الحاج
روحان نغوم بطلب من كبار األعيان في القديمة، وبإذن
من شيخه ومربيه ووسيلته موالنا الشيخ سيدي الحاج
مالك سه رضي الله عنهما ونفعنا ببركاتهما حوالي العام
1327هـ الموافق: 1910م، حينما طلبوا منه بإلحاح
مستمر قدومه إليهم لشدة احتياجهم إلى ما ّمن الله عليه
من النفحات اإللهية واإلشراقات الربانية، فامتنع بحجه
ضرورة تعمير قرية، لها مكانتها في قلبه، أسسها والده
الشيخعلي نغوم على أساسمن التقوى، والعمل الزراعي،
وتحفيظ القرءان العظيم، وتربية أتباعه في الطريقة
القادرية، واسمها سانجة آل نغوم SanthiaAlyngom
وهي مكان والدته، ومدفن والده رضي الله عنه، وأول
محل استضاف فيه شيخه المحبوب الشيخ الحاج مالك
رضي الله عنه عدة مرات، وقاما فيه بإحياء ليلة مولد
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في ريعانة شبابهما،
أصر
وهي تبعد عن مدينة بال بثالث كيلومترات، ولما ّ
على امتناعه واعتذاره بعث أهل القرية وفدا ّ يضم كال
ََرْم َجْو، َحِم ْيد
ََرْم َجْو، َمِدِكْه أ
من هؤالء األجداد: ُك ِودى أ
ال، َم ِال ْك ِس ْك رضي الله عنهم، إلى َمن يسرع
ال، َس ْامَف ْ
َف ْ
الحاج روحان إلى إجابة مطالبه ورغباته، العارف الرباني،
شيخه ومربيه، الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه،
وأحاطوا علىكرم علمه بشدة احتياجهم إليه، وأن انتقاله
إليهم، مما يسهل ذهابه إليه، والتواصل معه، حيث ال
يحتاج إلى وسيلة نقل أخرى بعد نزوله؛ لكون بال على
مقربة من السكة الحديدية،كما اعتاد في زيارة مريده.
وأشار له الشيخ بتلبية دعوتهم، وأنه سيأتيه في
أقرب فرصة ممكن لزيارة المحل وتفقده، وأذن له بإقامة
االحتفال بالمولد النبوي، وأمر األتباع المجاورين أن ال
يجاوزوا بال إلى تواوون، وهو نفس القرار الذي كان
َا ِس ْك )Seck Thianaba Serigne )قد
َسِر ْيج ْتَي َانب
أخذه في عهده، كما أفاد الشيخ الحاج مالك رضي الله
عنه لألتباع بأن من أراد االنخراط في الطريقة ولم يره
فليأخذها من يد الحاج روحان، ومن أراد أن ّ يقدم إليه
شيئا ولم يره ّ فليقدمه إليه، وقد أشار إلىكل ذلك الشيخ
إبراهيم جوب فيكتابه )تحفة اإلخوان(.
كما أن الشيخ الحاج مالك قد أذن لمريده الشيخ
الحاج روحان رضي الله عنهما بإقامة االحتفال بالمولد
النبوي في بال، وكانا قبل ذلك يقيمانه في أماكن شتى
قبل االحتفال الرسمي العالمي في اندار، وهو االحتفال
األول بالمولد الذي أقاماه على مرآى ومشهد من الناس،
فكانا ينطلقان من منتصف جسر فيديرب، فيتوجه موالنا
الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه صوب لوض وسندون
وهو يقرأ النصف األول من القرآن، بينما يتوجه موالنا
الشيخ الحاج روحان رضي الله عنه إلى ُس ْور، وهو يقرأ
النصف، ويلتقيان في نفس نقطة البداية، فيختتمان
المصحف قبيل الفجر، فكان هذا أول احتفال لهما
بالمولد على مرآى ومشهد من الناس.
هذا وكان الشيخ الحاج روحان لما أذن له شيخه
سيدي الحاج مالك رضي الله عنهما بتلبية دعوة القوم
قد اختار بقعة تبعد عن تلك القرية التي اشتهرت فيما
بعد ببال القديمة، بمسافة كيلومتر ونصف، العتبارات
لعل من أهمها: ّ أن أهلها تقليديون ورعاة، ورسم له شيخه
ّ
الحاج مالك رضي الله عنه خريطة بال الحديثة، وسمى
مكان نزوله بـ )دار السالم (، والمقبرة بـ )دار الرحمة(،
وأول من دفن فيها هي السيدة الفاضلة التقية البرة مام
حواء جيي والدة الشيخ الحاج روحان نغوم، وصلى عليها
الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه، وأشرف على دفنها.
كما دعا الشيخ الحاج مالك للشيخ الحاج روحان
رضي الله عنهما في هذا المكان بالبركة والقبول في
الدارين أي: )دار السالم ودار الرحمة(، وأذن له بتأسيس
مسجد جامع فيها في نفس العام، وهي أول مسجد
جامع ُيبنى في المنطقة، َّ ووظف فيه الشيخ الحاج روحان
22
رضي الله عنه قراءة القرءان يوميا في السحر قبل الفجر
بساعة ونصف، أي: الساعة الرابعة، وقد اكتسبت صفة
الدوام واالستمرار إلى يومنا هذا، فال يخطر في بال
القائمين بها التغافل عنها، أو االنشغال إلى شيء آخر في
الوقت ّ المحدد لها من قبل الشيخ، مهما كانت الظروف
والمناسبات، وذلك منذ تاريخ تأسيس قرية بال الجديدة
في عام 1327هـ – 1910م.
كما أسس الشيخ روحان قرى زراعة قرآنية تابعة لها،
وكان يوزع محاصيلها على ثالثة أقسام:
1- قسم ألهل داره ومدرسته.
2- القسم الثاني إلى تواون، ال يدخله أحد، وال
يستعمل فيه شيء.
3- والقسم الثالث لجميع المحتاجين من القرى
المجاورة والمارين به، ال يمنع عنه أحد.
وجعل في كل مدخل للقسم األخير آلة للقطع
والحفر، كما أقام في جوار المسجد مبنى كبيرا، عجيب
الهيكل، سماه قصر الضيافة، َ)ت ُ اخ ْومَك ْن(، ال يسكن فيه
إال أبناء السبيل، ومن ضاقت عليه الحياة، مثل: الذين
احترقت منازلهم فكانوا يستضافون فيه مدة إصالحه
لمنازلهم، وتجهيزها باللوازم.
وكانت بال بموقعها المتميز، وبمحاصيلها الزراعية،
قاعدة ينطلق منها الشيخ الحاج روحان لتأسيس منشئات
إسالمية لها أهميتها في نشر تعاليم شيخه اإللهية،
وترسيخ مبادئه الربانية، فأصبحت بذلك مركزا من أهم
المراكز االجتماعية والثقافية واالقتصادية والروحية في
السنغال، ولعل من أهم المنشئات التي أسسها الشيخ
الحاج روحان نغوم رضي الله عنه انطالقا من بال، ما
يلي:
.1 المسجد الجامع في ُس ْور ْانَد ْار NDAR، وهو
ثاني مسجد جامع في هذه المدينة، أسسه على بحيرة
كانت مزعجة لألهالي ولإلدارة االستعمارية بعد
تسويتها وجعلها صالحة للسكن، وبعد تمام التسوية
رسم خريطة المسجد، وخصص للسيدة الفاضلة
العفيفة مام ياسين جينغ الزوجة الثالثة للشيخ الحاج
مالك رضي الله عنه مساحة واسعة، علما بأن الشيخ
الحاج روحان رضي الله عنه نقلها إلى بال بعد وفاة
الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه ريث ما يصلح لها
مسكنها في اندار، وكانت تتولى تربية وتعليم بناته
وتربيتهن.
ثم إن الشيخ الحاج روحان رضي الله عنه أمر أخاه
اْل َح ِ اج َسِال ْف ْ امِبْن ْغ رضي الله عنه أن ِّ يقسم
وصديقه َ
البقعة إلى قطعات متساوية تقدم إلىكل من يجيب نداء
حي على الصالة دون أن يخصص له وال ألحد من أوالده
أو أقاربه قطعة واحدة، فهو لم يتمتع بدار وال ببناء في
تلك البقعة إال مسجده.
لِف ْين
وكان أهل سور ِ)ت ْينِجِغ ْين Ténedieguene ُ نجُ
Ndioloféne )في حاجة ماسة إلى مثل هذا الجامع
ألداء فريضة الجمعة، وكانت الظروف تمنع عن ذلك
َارات الكبرى، مثل:
أحيانا ساعة عبور السفن أو َ العب
ُ)ب ِوي ْل ُم ْخَت ْار(. وكان يقتضي إغالق جسر فديرب وهو
الطريق الوحيد لعبور النهر إلى الجامع العتيق.
.2 زاوية دار السالم في )كورنيش اندار( التي اتخذها
مكان خلوة؛ لكثرة تدافق الناس في بال، وفي جامع
اندار، وأصبحت مركز إشعاعكبير للغرض نفسه.
.3 زاوية ) بكين( التي أسسها بعد دار السالم لنفس
األسباب المذكورة.
.4 قرية فاس نغوم التي في الحقيقة نسخة طبق األصل
لمدينة بال وامتداد لها بكل المعايير والمقاييس.
.5 ـزاوية جربيل: انجاريم، التي كانت محورا وملتقى
لِي َين(في باوول،
ول ْانَك ْان ُجُ
لإلخوة التجانيين ْ)انَك ْان ُج ْ
وكانت وال تزال عامرة بالذكر، ونقطة تواصل.
فإنها )أي: بال( مدينة َّ مقدٍم رافق شيخه في ريعانة
شبابهما عبر مراحل مختلفة: )كر بارا صل(، )انجابا
لي(، )نغامبو جله(، )اندار(، )منغيج بوي(، )نجاردي(،
)جاكساو(، وكان معروفا بتفانيه في حبه، واإلخالص في
خدمته، فاعترف له الجميع ُّ بتفوِقه وسبقيته وخصوصيته،
وشهد له شيخه العالم الرباني الشيخ الحاج مالك رضى
الله عنه بذلك شهادة توثيق وترشيح ببدائع الدالالت،
َرْوَن ُم ْ وس، َرْوَن ُم ْ وس، َرْوَن ُم ْ وس، حقا قد سبق، حقا
قد سبق، حقا قد سبق، فكانت هذه العبارات وأمثالها
الكثيرة موجزة، بقدر ماكانت مؤثرة في أعماق النفوس،
فكانت تهدف إلى إيقاظ همم السالكين، ورفع مستوى
إراداتهم السلوكية .
.1 روحان َرْوَن: قد سبق،كررها ثالث مرات.
يُول.
.2 روحان َرُي ْل، ِر ُير ْل، ِر ْ
َرُي ْل : إشارة إلى سالمة صدره من الكبر واألمراض القلبية
المماثلة.
ِر ُير ْل: إشارة إلى سالمة صدره من الجهل والجهالة.
يُول : إشارة إلى سالمة صدره من سوء األخالق مع الله
ِر ْ
ومع خلقه.
وكلمة َرْوَنْه: لها مدلوالتها الروحية واألخالقية والعلمية،
وهي تنبع من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم: »ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم وال
صالة، ولكن سبقكم بشيء وقر في صدره«.
ومن معاني هذه الكلمة:
.1 اإلفالت من الشيطان وأعوانه ومن أساليبه اإلغوائية
واإلضاللية.
.2 النجاة من المعوقات السلوكية.
.3 الدخول في كنف: »إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان«.
.4 النجاة من األمراض القلبية والروحية والنفسية.
.5 الرسوخ في المعرفة بالله.
23
.6 النجاح في الوصول إلى سالمة الفناء في الله وصفاء
البقاء فيه.
.7 يأس الشيطان وأعوانه منه.
.8 التفوق على أقرانه.
شهد له الشيخ سيدي أبوبكر سه الخليفة األول لشيخه
رضي الله عنهم بعد أن صلى على جنازته ودفنه بيده في
مثواه األخير: بأن الحاج روحان ٌعبد رضي عنه ربه،
والعبد إذا رضي عنه ربه من اقترب منه نال من بركاته،
وعند عودته من بال قال: إن الحاج روحان لكثير الحرمة،
فإنه كان يستسمح منه حينما أدخله في قبره: سامحني
يا أبا بكر، بتنقلك من تواون إلى هاهنا ألجلي أنا فقط،
جزاك الله خيرا.
وشهد له الخليفة الثالث الشيخ الحاج عبد العزيز سه
رضي الله عنه بأنه أوفى بجميع ذممه للشيخ الحاج مالك
رضي الله عنه بعد انتقاله إلى الرفيق األعلى، وإنه لذو
عهد ووفاء، وقال عنه في إحدى قصائده:
البر أخي التمكين والرشد والصالح واليقين
ِّ وعمنا ّ
روحاننا ذي المنصب الكبير أكرم به من سند شهير
وشهد له الخليفة الحالي المكتوم موالنا الشيخ سيدي
أحمد التيجاني-حفظه الله، وأمد في عمره، وبارك في
صحته، ذخرا لإلسالم، وحصنا للوطن الغالي- عقب
دفنه، وكان في رفقة والده الكريم رضي الله عنه، وقال:
راح إلى جنة رضوان روحان
ففاح من روضه روح وريحان
وشهد له الخليفة الرابع الشيخ محمد المنصور سه
ابن القطب المشهور الشيخ أبي بكر سه رضي الله عنهم:
الحاج روحان انغوم دامت مناقبه وشاع تاريخه في هذه
ّ الدول
ونال منزلة قعساء مفردة
بصحبة الحاج مالك قدوة الكمل
ونال ما نال حظا وافرا وغدا
للدين داعية بالقول والفعل
وكم حدا نعما لله محتسبا
لشيخه الحاج مالك مضرب المثل
ّ وهم ّ ه كان أن يحظى مسرته
مثل القوا ُ فل تبدي الشيخ باألمل
ويعمالت عليها القوت قاصدة
إلى تواوون دار أفوح المحل
لذا تقلد أعباء الخالفة بـ
تقوى اإلله وقفو نهج خير ولى
أكرم به قد حوى رضاء مالكه
ّد ا ّلرسل
ّ كما حوى بالرضى من سي
ويشهد فضله وعلو رتبته
وأنه من ذوي ا ّلتخصيص في األزل
يوم رأيت مناما مخبرا جهرا
أدن إلى الحاج روحان واعد األجل
أخبرت ذا والدي شيخي خليفتنا
ّ فأرسل توه وفدا على عجل
الغرو في ذاك إن الحاج مرشده
قطب يحلق أعلى دارة ا ّلزحل
وشيخه في أصول ا ّلشرع جملتها
وفي الفروع لهاد أقوم ا ّ لسبل
وكان الحاج روحان عالما فقها
وحافظا مقرئ القرآن للكهل
َّقرت به العين طابت نفسه وبه
َّحفت كذا بركات الشيخ بالبطل
ًّا للرسول وقو
إن القران وحب
ل شيخنا الحاج قوت الحبر ذي الفضل
جزاه ربي من اإلسالم أفضل ما
جزى األوائل أهل العلم والبسل
وال يزال يفيض النور جامعه
لقاصدين من الجيران والنزل
ما ناح ورق على األيك ا َّ لمخضل أو
أم ا َ لوفود إلى غْن ُج ْول مع النقل
َّ
على النبي وآل والصحاب معا
أزكى صالة مع التسليم كالوبل
ما أنشد أحمد المنصور مرتجال
ِّصرف عنانك نحو اْنَد ْر على عجل
ولي قصيدة في مدحه سميتها بالشمائل الروحانية في
مدح العارف بالله العالمة الحاج روحان نغوم، ومنها:
فسل عصره حقا فهو خير شاهد
مواقفه العظمى ذوات التعدد
وسل مبله سكام سل جوامع شيخنا
َّد
وسل انجارد جكساو أو مراكز عب
وسل حين هزت من فرنسا حروبها
ُّ ت لويالت حروب تشدد
ّ وعض
كذا سل كتاب الله حاجاته التي
إلى البيت والقدس الشريف ا َّ لممجد
إلى مسجد المختار طه بطيبة
ِّ محط أمين الوحي مرقد أحمد
بلى سل بيوت الله في طول قطرنا
وسل عن ليال في ضياء التهجد
سل الشيخ عنه العالم الحاج مالكا
إمام رجال الله أكمل مرشد
يجبك بأن الشيخ روحان في التقى
وفي ا ِلبِّر واإليفاء عال كفرقد
هو الشيخ في التقوى وفي الجود والهدى
وإرشاد حيران وإصالح مبتد
الكاتب/ الدكتور محمد بشير أنغوم
مدينة تياس /01 ربيع األول/ 1436هـ
الموافق: /23 ديسمبر/ 2014م
24
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اللهم صل على سيدنا محمد وسلم
ال يخفى على أحد أن الحاسة الخليفة انبعاث داخلي
قد طبع في نفس اإلنسانية منذ نشأتها، قال تعالى: )ونفس
وما سواها فالهمها فجورها وتقواها( االمر الذي من أجله
يقدر االنسان مهما انخفضت درجة نضجه الفكري على أن
يميز إلى حد ما، ما هو خير وما هو شر، فيكل ما يقوم به
من أنواع السلوك، وذلك مثلما يميز في عالم المحسوس
بين الجميل والقبيح.
غير أن هذه الملكة الفطرية المركوزة في عمق الكيان
اإلنساني قد يكون ناقصا وغير كاف، ألن العادة، وأثر
البيئة والمصالح المباشرة تلقى أحيانا طاللكثيفة تحجب
البصير الفطرية فتحتاج البشرية الى الوحي اإللهي إليقاظ
الضمائر وإزاحة الغشاوات عن النور الفطري، لهذا تسبب
أن يبعث الله األنبياء من حين آلخر الى أن وصل إلى سيدهم
وخاتمهم موالنا رسول الله محمد صلى الله تعالى عليه
وسلم الذي كان قرآنا يمشي على األرض لموقيمه وعظم
مكانتها، فنفض القيم اإلنسانية المتوارثة، عبر الرساالت
السابقة من غبار الجاهلية الذيكان غطاها مدة مديدة من
الزمن فقال “إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق”، ثم توارث
مقتضى رسالته من بعده الصحابة الكرام والتابعون االجالء
والعلماء المجددون الذين من خيرة صفوتهم موالي سيد
الحاج مالك سي رضي الله تعالى عنه، إمام الحضرة التي
هي مدار الحديث، ومحور البحث في هدي المقالة لقد
شاء الله تعالى أن يجر أذيال عنايته في رحاب الحضرة
المالكية الظاهرة النيرة المتميزة منذ نشأتها بااللتزام بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيمه األخالقية السامية
نتيجة لتوجيهات المؤسس المرشد الرباني الحكيم حيث
قال في احدى منظوماته الفريدة
فتب إلى الله توبا خالصا حسنا
الزم حياتك يا باغي الهدى سننا
ومن أتى غير مسنون فقربته
ّ مردودة شر رد كلما علنا
فمن ضوء البيتين يتضح للقارئ المنصف الواعي أن
منطق الدعوة وغايتها في رؤية الشيخ الحاج مالك سي
الواقعية الواضحة هو إخالص التوبة واحسانها ومالزمة
السنة مدة العمر ثم االدراك على وجه اليقين أن أي عمل
تقرب به العبد إلى ربه ال يعتبر وال يحظى أي تقدير في
نظر إن خالف السنة المطهرة لكنه يرد إلى صاحبه أسوأ
ما يكون ّ الرد، ألن معيار حجة العمل وقبوله هو التقيد
بالسنة اعتقادا وتطبيقا، وذلك هو السلم المرتقى به الى
قمة الهداية واالستقامة.
أرجو أن يقف القارئ الكريم معي أمام أبيات أخرى
للشيخ يركز فيها على ترسيخ قيم إسالمية اجتماعية أصيلة
في النفوسكعادته حيث قال:
أوصيكم يا قوم بالتباعد
بسوء قول إن ربي ال يحب
فالئموا الناس من االقوال
ورأس عقل بعد ما االيمان
إجماع أمة النبي انعقدا
إال الذي طاب به النفوس
ال تأكلوا أموالكم بالباطل
عن المهاجرات والتحاقد
الجهر بالسوء كلغو وكذب
من أحسن الكالم والفعال
تودد إلى الورى يا حاني
بمنع مال مسلم على اعتدا
أو قهر شرع ذلك النفيس
تدلوا به لحاكم مماطل
أبيات تضمنت وصايا قيمة وإيحاءات موقظة تضمن
للمسلمين التفاهم فيما بينهم وتقيهم شر التنافر وفتنة
التفرق وبينت ما ينبغي التجنب عنه من التهاجر والتحاقد
واطالق العنان للسان يسرح في مراتع السوء من القول، ألن
الله تعالى أفاد في محكم تنزيله أنه ال يحب الجهر بالسوء
من القول كما أوضحت األبيات في صريح العبارة أن أبرز
السمات لنضج عقل االنسان وذكائه بعد االيمان بالله أن
يتقرب الى الناس بالمودة والحب والحنان، أصف الى ما
سبق ذكره بيان هذه االبيات إجماع االمة المحمدية على
حرمة أكل مال المسلم بالباطل واالعتداء عليه أياكان نوع
االعتداء. وحرمة استغالل بعض الحكام والقضاة نفوذهم
وسلطاتهم اإلدارية في استجالب الثروات عن طريق
الرشوة وغيرها من أنواع الكسب المحرم شرعا، وهكذا
استمر قلم السيد الحاج مالك سي يلتقط فرائد القيم
المتبعثرة في القرآن ومختلفكتب السنة ثم بنظمها بشكل
قالئد غالية باهرة يتجلى بهاء حضرته الربانية ال غرو إن
الطريقة األحمدية التجانية التي قد شاء ربي أن يكون السيد
الحاج مالك سي من أكابر أعالمها وأجلة قادتها الخبراء
بأسرار مبادئها ومقاصدها تهدف إلى ترسيخ االيمان بحمية
االقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأدرجت ذلك في
قائمة تعالمها.
لقد أفاد الشيخ في هذا الجانب أثناء عرضه سيرة سيد
أحمد التجاني في كتابه ]نعمة عافي الجاني[ فقال رضي
الله عنهما
يجل أمر سيد العباد أن
يحب أن يفعل ما النبي
لو لم يكن على سبيل األمر
يخالف الدهر بسر وعلن
فعله عفا لنا الولي
صلى عليه الله كل الدهر
يقول ينبغي من االنسان فعل الذي سمع عن عدنان
لو مرة ينوي بها الموافقة على الرسول المصطفى موافقه
معطيات األبيات تتلخص في أن السيد أحمد التجاني
25
ليس من باب الصدفة أن تخصص مجلة معهد
الشيخ الحاج مالك للعلوم والبحوث العلمية في كل
موسم ذكرى المولد النبوي زاوية لتسليط الضوء لعلى
إحدى شخصيات الحضرة المالكية وما أكثرها وفي هذه
المرة وقع االختيار على أول اتباع الشيخ الحاج مالك
سي وأول من نال شرف االجازة من الشيخ الحاج مالك
وهو الحاج مالك صار.
ولد الشيخ الحاج مالك صار عام 1850 في
قرية يقال لها نيوروال مد جولب )Niorolamdo
Diollbbé )وترعرع تحت كنف والديه الكريمين هما
الشيخ آتمان صار و فاطمة جنغ بتور ، وعلى يد والده
حفظ القرآن الكريم ، ثم صال وجال لطلب العلم، وخالل
تجواله التقى الحاج مالك صار بالشيخ مالك فاواد،
وصاحبه مدة طويلة ، في ربوع فوتا الحافلة بمعاقل العلم
والمعرفة، و لما ارتحل الشيخ مالك فاواد إلى اندر في
شمال البالد ، التحق به الحاج مالك صار ، ثم بعد نهاية
موسم الخريف رجع إلى حيث أمه في قرية نيورو ، وقد
ربطت أواصر الصداقة بينه وبين أحد أبناء الشيخ عمر
الفوتي تال وهو الشيخ نور تال وهو والد العالم المشهور
الشيخ سعيد نور تال، وبه سمى الحاج مالك صار نجله
الحاج منير صار المشهور .
الحاج مالك صار نموذج للصحبة في اهلل:
ليس من اليسير في هذه العجالة ذكر جميع المواقف
التي تدل على إخالص الشيخ الحاج مالك صار في
تعامله مع الشيخ الحاج مالك سي وأسرته، وحسبنا في
ذلك أن ما قاله الشيخ الحاج مالك سي نفسه عن الشيخ
الحاج مالك صار، من أنه ال يذكر أنه مكث في مكان ما
شهرا إال وجده فيه الحاج مالك صار، ليطمئن على حاله،
وال يغادر المكان إال بعد إذن منه.
ويحكى أن الحاج مالك سي لما رجع من الحج،
الذي دام عامين كاملين قالت له والدته السيدة فاواد
ول: يا مالك أوصيك بمالك صار فمنذ مغادرتك إلى
الحج ما برح يعيننا في أعمال البيت إلى حد االحتطاب
وتجهيز الطعام، وإحضار أزهار وأوراق شجرة التمر
الهندي لتجهيز العصيدة بدل اللبن في حالة فقدانه كما
يأتينا بأوراق )تياخت( بدل اللحم لتجهيز الثريد. ويأتينا
بأوراق التبلدي لتجهيز الثريد، بل ويغسل لنا المالبس.
فقال لها الشيخ الحاج مالك يا والدتي إن الطالب النشط
مثله كمثل من يقصد موضعا له فيه كنز ثمين ويخاف
ضياعه، فهمته ال تقاس بمن يذهب إلى ذات المكان
بدون هدف معين.
رضي الله عنه كان يجل ويقدر غاية التقدير كل ما ورد
من رسول ويشدد التنديد واالنكار على مخالفة أمره.
وكذلككان يود دائما أن يفعلكل ما فعله صلى الله
عليه وسلم حتى لو لم يكن أمرا يوجب االلزام.
ولم يكن يكتفي بهذا التوجيه لنفسه وأتباعه ولكن
وجهه إلى كل إنسان حرص منه على إحراز االتفاق مع
النبي ولو مرة واحدة.
أيها القارئ المحبوب هذا هو اإلغراء في أوضح
صور والتشجيع على تتبع مواقف خير بني البشر واختفاء
آثاره تحقيقا وتطبيقا لقوله تعالى )ولكم في رسول الله
أسوة حسنة( غير أني أرجو أن يرافقني القارئ في روضة
الحضرة المالكية التي من قطوفهافاكهة الطالب،في باب
ما وجب على المريد من الحقوق إلخوانهم لنرى القيم
والمثل الراقية التي ال يستغنى من ينتمي إلى أمة محمد
صلى الله تعالى عليه وسلم وخاصة المريد التجاني، هذا
ليس من باب النصيحة واإلرشاد ولكنه من صلب “تعاليم
الطريقة ومكونات بنيتها األساسية “: قال السيد الحاج
مالك سي رضي الله عنه:
أما الذي حق على المريد
لجملة االخوان في الطريق
فهو المحبة وال يستأثر
وكل ما لنفسه محبوب
أعاذنا الله من المريد
الواضح المنجي من الحريق
دونهم شيئا فذا المآثر
يحبه لهم أيا حبيب
إلى أن قال:
تسامح في ظاهر وباطن أفضل رأس المال عند الفاضي
فليرجع إلى الكتاب من يرغب في ازدياد المعرفة
والغنيمة الباردة من تلك الكنوز الغالية، مع الوضع في
االعتبار أن الحضرة المالكية إنبنت من لبنات تلك القيم
المحمدية واألحمدية فأصبحت موضع تكوين الرجال
واعدادهم للدفاع عن الدين والحفاظ بالتراث األخالقي
الخالد إلى آخر الدهر.
26
بقلم أخيكم
مختار سي بن سيد مور جور سي المقيم بدكار
وقد سئل الشيخ الحاج مالك سي هل هناك مكان
يجتمع فيه رجاالت الباطن الكمل ليبرزوا مواهبهم؟
فقال: لو كان حضرة الديوان ميدان مصارعة وتنافس بين
فحول الباطن لما ذهبت بل أبعث مالك صار فيغلبهم
جميعا ويأتيني بالراية.
وذات مرة جمع اللقاء بين الشيخ الحاج مالك سي
وتلميذه البار الشيخ الحاج مالك صار عند العالم التقي
الشيخ مالك صال في لوغا، فقال الشيخ الحاج مالك
سي وصفا للشيخ الحاج مالك صار إن صاحب الساقين
الغليظتين، من أقل مراتبه أنه إذا صلى على جنازة فازت
بالجنة، وكان أحد العامة من القوالين حاضرا في الجلسة،
يقال له برام سل صمب، فاسترسل أمام الشيخ الحاج
مالك صار ليصلي عليه حيا، فلما ألح على مطلبه طلب
منه الشيخ الحاج مالك أن يفعل ذلك ففعل.
ومما يؤكد حسن الصحبة بين الشيخ الحاج مالك
سي و الشيخ الحاج مالك صار تزويجه له ببنته الكبرى
فاطمة سي، و تسليمه إليه ابنيه السيد أحمد سي و السيد
أبي بكر سي ليعلمهما القرآن الكريم، و عندما استقر
الشيخ الحاج مالك سي في تواوون كان الشيخ الحاج
مالك صار من أول الذين التحقوا به هناك مع أسرهم ، و
كان الشيخ مالك صاربمثابة مبعوث تربوي للشيخ الحاج
مالك سي حيث أرسله إلى قرية كر ير ساجو القريبة من
تواون ، ثم إلى سنج پر و هناك ولد بعض أوالده ثم أخيرا
أرسله إلى بودي ساخو، على بعد قرابة خمسة وثالثين
كيلو مترا من لوغا حيث استقر أخيرا بأفراد عائلته ، وله
زوجات أخريات في المنطقة أنجبن له أوالدا وبنات.
ومما تجدر اإلشارة إليه أن الحاج مالك صار هذا
كان همزة الوصل بين الحاج مالك سي وكثير من
زعماء المنطقتين جلوف وانجامبور، حيث أن كثيرا من
المقدمين الشهيرين أخذوا الورد التجاني من الحاج
مالك صار قبل لقائهم بالشيخ الحاج مالك سي،كالشيخ
الحاج داود جه، في مباالقي والشيخ الحاج مدمب تيام
فيكانكت، والشيخ الحاج غومو طورى في مكة طورى،
وغيرهم.
والحاج داود جه والشيخ الحاج غور ساني نيانغ هما
اللذان نشرا التجانية في منطقة جولوف. وكانا متزوجين
ببنتي الشيخ الحاج مالك سيكما هو الحال عند الحاج
مالك صار قبلهما.
وكذلك مما يلتفت االنتباه، أن الحاج مالك صار
أكبر سنا من الحاج مالك سي وكانا رفيقين في طلب
العلم، فأصبح مالك صار تابعا للحاج مالك سي إلى أن
زوجه ببنته الكبرى لتكون ربة بيته األولى
صفات الحاج مالك صار:
كان وسيم الوجه، طويل القامة، نحيف البنية، جميل
الصوت، نشيطا في العمل، قليل الكالم؛ زاهدا عن أمور
الدنيا التي ال تثمن وال تغني من جوع. وكان محبا للعمل،
سخيا في العطاء، محبا إلخوانه وعشيرته. وكان مضرب
المثل في الزراعة في بودي، كما كان مصلحا ومعلما
وموجها ألهل المنطقة، ولذلك كان شيخا لكثير من
القرى المجاورة لبودي مثل ير فال،كر ممر صار كانكت
…. الخ
وكان الحاج مالك صار، شاعرا كبيرا وكاتبا المعا
ّخلف تركة ثمينة تعتبر ديوانا؛ لكن مع األسف ال تزال
تركته مخطوطات مبعثرة، وغير مجمعة بين دفتين.
قل وال تخف، ان الحاج مالك صار، كاد أن يكون
صورة طبق األصل من الشيخ الحاج مالك سي في كثير
من األمور. رضي الله تعالى عنهما.
لقد استقر الحاج مالك صار بعد ارتحال الشيخ
الحاج مالك سي إلى رفيق األعلى في بودي، حتى وافاه
االجل سنة 1934 / م ودفن في لوغا جنب ربة بيته بنت
الشيخ الحاج مالك سي، السيدة فاطمة سي، التي بكى
وفاتها الحاج مالك صار بمرثية مطلعها:
غابت حبيبتنا تالله بشرانا
فاطمة الفضل في دنيا واخرانا
رضي الله تعالى عنهما
وللشيخ الحاج مالك صار ]على ما علمت أنا[ 8
بنات و7أوالد. وأكبرهم جميعا، أبي وخالي، ومعلمي،
ومربي الشيخ محمد المنير صار الذي جدد مسكن والده
في بودي، فأوجد كل وسائل العيش من الماء الكافي،
والطريق المعبد؛ ويواصل أعماله ابنه الشيخ محمد
منصور صار خليفته في بودي.
ويساعده في ذلك عمه السيد أحمد سي صار ابن
الحاج مالك صار.
والسيد أحمد سي صار هذا هو الوحيد على قيد
الحياة من أوالد الشيخ الحاج مالك صار.
أما البنات فالسيدة ياسين صار هي الوحيدة على
البسيطة.
هذا هو الشيخ الحاج مالك صار.
هذا هو العلم الفريد من نوعه.
هذا هو العالم العارف.
هذا هو الطالب الواثق بشيخه.
هذا هو المعلم المربي.
هذا هو المتصوف الزاهد.
هذا هو فخر الشيخ الحاج مالك سي. رضي الله
تعالى عنهما.
وهذا قليل جداً من الكثير الذي يمكن قوله عن العلم
القرم الحاج مالك صار رضي الله عنه وأرضاه.
بقلم محمد المصطفى سي مدير
27
تميزت الطرق الصوفية في السنغال بالعالقات
األخوية والودّية القائمة بينها منذ تواجدها في البالد,
وارتقت هذه العالقات إلى أعلى مستوايات القيادات.
ّ ومن أبرز صور هذه الروابط الممتدة الجذور نموذج
ّ األخوة والصداقة بين الطريقة التجانية والطريقة
المريدية, و التي تلفت أنظار الجميع، ولم تبدأ اليوم
ولكنّها ترجع إلى عهد الشيخين الجليلين : الشيخ
الحاج مالك سه والشيخ الخديم أحمد بمب امبكي
رضي الله تعالى عنهما. وقد أرسيا قواعدها وطيدة،
ّ التاريخ تشهد إشراقات
ّت الروابط على مر
واستمر
ّوا
ّ حقبة بعد حقبة ، وفي ظل جميع الخلفاء الذين تول
ّ مهام الخالفة بعد الشيخين, وناهيك مثال األخوة
ّ والتعاون المثالي الذي جرى على يد الشيخ الشيخ
الخليفة أبي بكر سه والشيخ الحاج فاضل امبكي رضي
الله تعالى عنهما.
وقد تصاعدت عالقات الطريقتين ّ متطورة تشهد
أوج مجدها في حياة الشيخ الحاج عبد العزيز سه ّ الدّباغ
ّة والشيخ عبد األحد امبكي
الت ّجاني
الخليفة ّ العام للطريقة ّ
الخليفة ّ العام للطريقة المريدية ،هذا ناهيك عن الزيارات
األخوية ّ والودّية المتبادلة بين هؤالء وأولئك ، ومن
ّ
أشهرهاوأبقاها أثرا في نفوس ّ السكان السنغالين زيارات
الشيخ الحاج عبد العزيز سه رضي الله عنه والزيارة
ّة للشيخ أحمد التجاني سه الخليفة العام للطريقة
التاريخي
العالمة الشيخ ّ محمد
التجانية حاليا لمدينة طوبى . وكان ّ
المنصورسه الخليفة العام للطريقة التجانية رضي الله عنه
يذكرفي بعض أحاديثه ّقصة نسخة من المصحف القرآني
الذي كتبه الشيخ فاضل امبكي ّ بخط يده وأهداه لوالده
الشيخ أبي بكر سه الخليفة أوان زيارته لمدينة / تواوون.
ّا وممارسة عملية
لكن هذه ّ األخوة، أخذت شكال واقعي
مثالية بصورة أخرى منذ أن أصبح الشيخ سيدي مختار
امبكي خليفة ّعاما للطريقة المريدية في عام 2010م
. حيث أعلن إعالنه الشجاع ,وقد بثته وسائل اإلعالم
المكتوبة والناطقة على السواء: بأنه من اآلن فصاعدا
يدعو المسلمين إلى توحيد الصف, وعلى وجه ّ أخص
بين الطريقة المريدية والطريقة التجانية ، ّ وحث الجميع
ّا عن الخالفات الوهمية , مانعا
عن التخلي فورا وكلي
ّ التحدث عنكل ما قد يثيرفتنا مثل تعصب أو مقارنة أو
تفاضل بين الطرقالصوفية. وبالتالي يتابع أسلوب اتصال
دائم بالشيخ عبد العزيز سه األمين للتباحث والتشاور
والتنسيق في المواقف حول قضايا ّ األمة والوطن. وال
يزال ُم ْقدما على إيفاد وفود مرموقة إلى جناب القيادة
ّة المشيخة بمدينة /تواوون.
التجاني
ّ
والهدف في ذالك كله تقوية وتعزيز معاني ّ األخوة
ّ والصداقة في مختلف المجاالت: الدينية، والصوفية،
وصلة األرحام علما بأن هناك قرابة دم ّ تشد بين آل سي
بمدينة تواوون المحروسة وآل امبكي بمدينة طوبى
المحروسة.
وفي إطار تغذية روح هذه الصالت والروابط العريقة
جعلت ساللة امباكي شخصية الشرف بمناسة يومية
ذكراها )بمغل( )في دار القدوس ( بمدينة طوبى الشيخ
الحاج مالك سه رضي الله عنه. إحتفالها هذا ّ العام وعليه
أوفد الشيخ عبد العزيز سه وفدا رفيع المستوى مؤلفا من
كبار الشخصيات من الحضرة التجانية المالكية للحضور
والمشاركة مع إخوانهم المريدين بهذه المناسبة السعيدة.
وقدألقى السيد مختاركيبي المتحدث ِباسم الوفد ّ الممثل
للحضرة التجانية المالكية,نيابة عن الشيخ عبد العزيز
سه الناطق ّ الممثل للشيخ أحمد ّ التجاني سه، ومعرباً عن
سعادة وتقدير ساللة الشيخ الحاج مالك سه ضي الله عنه
وإعجابهم بحكمة الزعامة المريدية وقدرتها على تنشيط
العالقات في هذه المرحلة الدقيقة. وأشاد أيضا بأواصر
األخوة والصداقة بين مدينة تواوون ومدين طوبى مؤكداً
على أهمية الوحدة، فهي مطلب شرعي واستجابة لنداء
المولى العزيز, وضرورة ّ يحتمها الواقع السيما لمواجهة
التحديات الحادقة في المنطقة.
من جانب آخر، وجه الشكر منوهاً إلى المكانة السامية
التي تتمتع بها المشيخة الصوفية الذين شحذوا الهمم
وقوموا السلوك ، ونشروا في نفوس أبناء الشعب ّ السنغالي
السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي األمر منهم. وأعرب عن
أمله في أن تساهم هذه العناية الخاصة باألسرة المالكية
في إحداث نقلة نوعية في العالقات بين الطريقتين ترتقي
بها إلى آفاق أرحب ومستوى أكثر تميزا.ً
وننقل لكم خطاب السيد باب مختار كيبي بالكامل
فيما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
28
الحمد لله رب العالمين فاطر السماوات واألرضين
وبديعها باعث األنبياء والمرسلين لإلرشاد والتبليغ
ّة.
والهداية والتعليم والتزكي
والصالة والسالم على صفوة خلق الله الناهض
بأعباء الرسالة الذي أرسله الله على فترة من الرسل شاهدا
ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وآله
وأصحابه وخلفائه األبرار األطهار ّ الذين جاهدوا في الله
حق جهاده إلى أن أتاهم اليقين.
ورضي الله عن التابعين وتابعي التابعين، وعن علمائنا
األجالء ومشايخنا األعزاء الذين ساروا على الدرب إلى
أن وصلوا إلى أعلى مراتب اإليمان بالله والوقوف بباب
سبحانه وتعالى: “…فما وهنوا لما أصابهم في سبيل
الله وما صعقوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما
كانوا قولهم إال أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا
في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب اآلخرة والله يحب
المحسنين”سورة آل عمران آيات ،146 ،147 .148
رضا يعم أهلهم وأتباعهم إلى يوم ّ الدين.
ّدي
سماحة ّ الشيخ المكرم ساللة األفاضل ّ الشيخ سي
المريدية حفظه الله
محتار امباكي الخليفة العام للطريقة ّ
ورعاه بما حفظ به الذكر الحكيم والسبع المثاني وأبقاه
ذخرا لإلسالم والمسلمين.
ّد أحمد المختار امباكي
سماحة ّ الشيخ الجليل السي
حليفة والده المرضى عنه ّ الشيخ محمد المصطفى
امباكي بدار القدوس حفظه الله ورعاه ّ وكافة إخوته
وأبنائه وأتباعه.
حضرات ّ السادة المدعوين والمدعوات
السالم عليكم ورحمة الله وبركاته
سالما كعد القطر والرمل والحصى ونبت
الصحارى والحبال الشواهد
سـالما يباري الريـح مسكا وعنبرا
ويعــلو بهــــــام الود فـوق الفـراقد
وبعد،
ّ إن من أسعد اللحظات وأمتع األوقات هذه التي
ّة
ّة العلمي
نقضيها معكم في رحاب هذه المدينة الديني
المباركة التي أسست على تقوى من الله ورضوان مدينة
طوبى المحروسة للمشاركة في فعاليات هذه الذكرى
المنظمةكل عام في اليوم العشرين من شهر محرم والتي
تجسد ذكرى عودة الشيخ خديم المصطفى الشيخ أحمد
بمب ” إلى أرض الوطن المحبوب.
وبعد رفع ما يليق لجنابكم السامي من أطيب
ّة
التحيات وأعطرها وأحر التهاني بهذه المناسبة الديني
العظيمة يسعدنا غاية السعادة باسم صاحب الفضيلة
والمشيخة السيد عبد العزيز األمين الناطق ّ الرسمي باسم
صاحب المشيحة والمجادة السيد الشيخ أحمد التجاني
المكتوم الخليفة العام للطائفة التجانية وإخوته الكرام من
أفراد أسرة الشيخ الحاج مالك وجميع زعماء وخلفاء
ّة المتواجدة في طول البالد وعرضها
الطرق الصوفي
ّر لكم عما يختلج في مواطن أسرارنا من سمات
أن نعب
الفرحة ومالمح والغبطة واالمتنان العميق لما عقد عليه
ّة هذه
العزم من اختيار الشيخ الحاج مالك سي” شخصي
الدورة،دورة 2015ملمغال دارالقدوس وهوالذيتربطه
أخوية عميقة وأواصر صداقة
بأخيه الشيخ الخديم روابط ّ
وعالقات حميمة تبلورت تارة في لقاءات ضمتهما في
أصقاع مختلفة كانت ً مناسبة ً وفرصة لوضع خطة طريق
ورسم معالم الجهاد العلمي والثقافي المشترك الذي قاما
به ًمعا إلنقاذ الناس من متاهات الجهل والظالم الدامس
الذينكانوا يتخبطون فيه، وتارة أخرى تبلورت في تبادل
قوالب ّ شعرية تعكس مدى ما يكنه كل منهما ألخيه من
عواطف رقيقة ومشاعر نبيلة واالستعداد الالزم ّ للدفاع
عن رسالة اإلسالم الخالدة ومحاربة الشرك والوثنية
وطمس معالمها في ربوع هذه البالد، مهما كلفهم ذلك
من ثمن.
ونشكركم غاية الشكر على هذه المبادرة الطيبة التي
إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى عمق ومتانة
ّة وتفعيل آليات التعاون
جذور التآخي بين الطرق الصوفي
المشترك للدفاع عن تراثنا األصيل الذي أصبح مستهدفا
ّة هدفها الوحيد هواستطال
ّة وخارجي
من طرف قوى داخلي
هذا التراث وفق خطط مدروسة وتنظيمات دقيقة.
ويشهد الواقع المعانس أن وصول الشيخ سيدي
المريدية ووصول أخيه السيد
محمد المختار إلى الخالفة ّ
ّة
الشيخ أحمد التجاني المكتوم إلى سدة الخالفة التجاني
تميزا ببذل مجهودات جبارية من أجل تفعيل الطاقات
ّة ّ والمادية لفتح آفاق جديدة من التواصل ونبذ
الروحي
ّة والعكوف على
الخالفات الهامشية والمشادات الكالمي
العمل الحاد إلظهار صورة اإلسالم الصحيحة المتبلورة
في المحبة والسالم والمودة والرحمة واإلحسان.
وهذا ما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله
ّة
عليهم أجمعين الذين كانت ديارهم وكتاتيبهم القرآني
ومساجدهم وجوامعهم وزواياهم حصونا ومعاقل
وصخورا راسية إلعالء كلمة ال إله إال الله محمد رسول
29
الله ” والذب عنها، والفناءالتامفي محبة الرسول “والدفاع
عن سنته الغراء.
إخواتي األعزاء،
فهل أمثال هؤالء الجهابذة اإلعالم المتضلعين في
ّة والعقلية المتبحرين في لغات القرآن
كافة العلوم النقلي
وتجويده وتفسيره والمجازين في الحديث وعلومه
والمبرزين في سيرة رسول الحبيب المصطفى” والذين
رغم تكدس الصعوبات والعقبات الكأداء والظروف
ّة الحرجة التي عاشوها تمكنوا من القيام
التاريخي
بنشاطات دعوية مكثفة وتضحيات غالية إلبراز معالم
اإلسالم وتعاليمه السمحة كتشريع رباني واسع المدى
واألفق متسم باللين والرحمة واإلحسان حيث أقاموا
منارات الهدى ما زالت أنوارها وأشعتها تنتشر إلى كافة
أرجاء العالم.
أقول فهل أمثال هؤالء الذين يسجل التاريخ
اإلسالمي أسماءهم الالمعة وجهودهم الموفقة بمداد
من الذهب في أنصح الصفحات يستحقون أن تنتهك
حرماتهم ويوصفون بأنهم جهالء أو أنهم خارجون عن
إطار اإلسالم لتبنيهم منهج التصوف الذيكله قيم وقوى
موجودة داخلكتاب الله الكريم وسنة رسوله “.
نعم إن البعد التصوفي الروحي والمعنوي في اإلسالم
يطلب منكل إنسان أن يسعى إلى نشد أن الكمال ضمن
ّة التي هي جوهر
اإلطار العام للعالقات الروحية واإلنساني
ّة التي ما زلت تلعب دورا
ولب هذه المدارس الصوفي
بارزا في إعالءكلمة ال إله إال الله محمد رسول الله فيكل
ّة بنجاحكبير.
ّة والثقافي
ّة والديني
مناحي الحياة االجتماعي
وهذا بطبيعة الحال ما فهمه أجدادنا الكرام من
أمثال الشيخ الحاج عمر الفوتي والشيخ الخديم والشيخ
الحاج عبد الله نياس والشيخ الحاج مالك وغيرهم من
مشايخنا الكرام الذينكرسوا حياتهمكلها في التوجه إلى
ّة والتمسك
الدنيوية واألهواء النفسي
الله وترك الشهوات ّ
بمبادئ مجاهدة النفس ورياضتها وتزكيتها وتطهيرها من
ّة وإغناء الحياة
رعوناتها لتصبح نفسا زاكية راضية مرضي
العامة ّ والخاصة بروح العبادة الحقة وتحصيل المعاني
السامية التي هي الصفاء والمحبة والرضي والشكر
ّة في ّكل األمور.
واالعتدال والوسطي
نعم إننافي أمس الحاجة إلى إحياء هذا التراث األصيل
وما أفرزه منكتابات وخطب ومواعظ ودرر غالية وكنوز
ثمينة وجذور ّ ثقافية عميقة ما زالت لم تستخرج بعد في
أبعادها ّ المتنوعة وآلياتها المختلفة.
فالشباب المسلم الذي يعيش عهد المواجهة بين
أنواع من التغيرات والتموجات والدعايات المكثفة ّضد
ّة في أمس الحاجة إلى
ّة وحضارته اإلسالمي
هويته الديني
فهم ودراسة تعاليم هؤالء العلماء األفذاذ التي يشكل
المدد الروحي والغذاء المعنوي والخالص الوحيد من
األزمات والويالت واالنتكاسات والنيران التي تندلع من
فوهة ما يسمى بسياسة العتف والتفجير والتدمير وزرع
القلق والهلع في قلوب النساء والعجزة واألطفال الذين
ال حول لهم وال قوة.
فمن هذا اإلطار العام وهذا المنطلق السامي تكمن
ّة
ّة وإنجازاتهم الديني
ّة تناول هذه الشخصيات الديني
أهمي
ّة التي ما زالت صالحة لكل زمان ومكان.
ّة والعلمي
واألدبي
وعلى هذا فإننا ننوه ونبارك هذه الخطوات التي
تخطوها اللجنة المنظمة لمغال دار القدوس تحت
ّد الشيخ علي امباكي والتي تندرج ضمن
إشراف السي
سلسلة المواقف الواجب اتخاذها للدفاع عن مقدسات
اإلسالم والوقوف وقفة رجل واحد ّضد كل ما من شأنه
أن يشوه صورة اإلسالم أمام الذين يتربصون بنا الدوائر.
ّة وعلى رأسها الخليفة
وختاما تجدد األسرة المالكي
ّد الشيخ أحمد التجاني سي المكتوم باسم
العام السي
أخيه وأمين سره السيد الشيخ عبد العزيز األمين وأخيه
الشيخ السيد أبي بكر محمد المنصور وصنوه السيد
ّة
الشيخ الحاج مالك عبد العزيز وكافة أفراد األسر الديني
ّة في
والخلفاء والمقدمين واألتباع وكافة الزعامات الديني
الشكر َ والثناء َ والدعاء لكم بطول العمر
ربوع هذه البالد. َ
والنجاح في تدعيم أواصر األخوة التي تربط بين مشايخنا
الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من أجل تبديد كل
الغيوم والسحب التي تعكس صفو العالقات الروحية
الحميمة القائمة بين هذه األسر التي إليها يرجع الفضل
في ترسيخ وتوثيق عرى اإليمان واإلسالم واإلحسان في
ربوع هذا القطر السنغالي المسلم فجزاهم الله عنا خيرا
عميما وفتح لهم ولنا وللمسلمين أجمعين أبواب جناته
الواسعة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
عاشت العالقات الروحية واألواصر األخوية بين
أهل ال إله إال الله سيدنا محمد رسول الله ” في مشارق
األرض ومغاربها في ّجو من التسامح والتفاهم والتواصل
ّة
والتعاضد والتجاور والعكوف على القضايا اإلنساني
ّ الهامة التي تمس حياة األمة ّ الخاصة ّ والعامة.
ونتمنى للسادة األساتذة والباحثين المكلفين بتناول
حياة وأعمال الشيخ الحاج مالك سي ” التوفيق الشامل
وأن ينفع الله الناشئة واألجيال الصاعدة هذا العمل
العلمي المبارك إنه ولي ذلك القادر عليه وهو على ما
يشاء قدير وباإلجابة جدير نعم المولى ونعم النصير.
وآخر دعوانا عن الحمد لله رب العالمين.
باسم صاحب المشيخة موالنا
الشيخ عبد العزيز سي األمين
الناطق باسم ولسان فضيلة الشيخ المحترم
الشيخ أحمد التجاني المكتوم
الخليفة العام للطريقة التجانية
حفظه الله ورعاه
ّ بمدينة تواوون المحروسة/جمهورية السنغال
30
لقد جاء القرآن الكريم بأصول العقائد الدينية ّ ووضح
لنا باألدلة القاطعة أن الله تعالى ّمتصف بكلكمال وبعيد
عنكل نقص , وكماالته النهاية لها، و بينكذلك ّ أن الله
ـ تعالى- أرسل الرسل الكرام لئال يكون للناس ّحجة بعد
هؤالء الرسل عليهم الصالة والسالم , ّوأن السعادة في
حياتي الدنيا واآلخرة منوطة ّ باتباع منهج الرسل عليهم
الصالة و السالم وكان اعتقاد السلف مستندا على ما
رسمه القرآن ّ ووضحه ّ النبي صلى الله عليه وسلم .
لقد فهموا إشارات القرآن ودالالته ونزهوا المولى –
جل وعال – عنكل شيء ال يليق به ّ وفوضوا إليه األمور
في كل ما يوهم التشبيه مثل قوله تعالى :)الرحمن على
.
)))
العرش استوي(
ولم تكن نفوذ السلف ّ تتشوف إلي التوسع في البحث
عن بعض تفاصيل األمور , بلكانوا عاملين بما اعتقدوا
ومخلصين لله في اإليمان والعمل . وهكذا كان األمر
حتى ظهرت المصيبة الكبرى بسبب استشهاد الخليفة
الراشد سيدنا عثمان ـ رضي الله عنه ـ ودخل في اإلسالم
أصحاب الديانات األخرى ممن يكيدون لهذا الدين ,
ومن هنا تصدى لهم العلماء وردوا عليهم ودافعوا عن
العقيدة فنشأت الفرق الكالمية , وبدأ التدوين فيها , ولما
توسعت الرقعة اإلسالمية نتيجة الفتوحات ظهرت أفكار
جديدة صيغت صبغة إسالمية .
ومن هنا نشأ الخالف في أصول الدين فظهرت الجبرية
التي تؤمن بأن أإلنسان مسلوب اإلرادة , وكان يرأسهم
جهم بن صفوان , وفي مقابلها الفرقة القدرية المثبتة
بحرية اإلرادة اإلنسانية وزعيمها معبد بن الجهم وبعد
تطور هذا العلم قامت جماعة من العلماء المخلصين لله
يشرحون العقيدة الصحيحة للمسلمين على طريقة القرآن
والسنة ومنهم أبو الحسن البصري ـ رحمه الله ـ وبسبب
خالفه مع تلميذه واصل بن عطاء نشأت فرقة المعتزلة
التي تعتمد على العقلكليا في أمور العقيدة .
وقد كانوا أصحاب نظر وتمحيص ودافعو عن
التوحيد ونشروه وشغلوا أنفسهم ّضد الملحدين ووضعوا
الكتب ّ للرد عليهم كما أسسوا مبادئ لعلم البحث
والمناظرة وعلى رغم من ذلك ّكله كان للمعتزلة ّ تعسف
سياسي معيب حينما كان لهم النفوذ في نظام الدولة
والسيطرة على الحكم , حين فرضوا نظرياتهم الكالمية
على خصومهم ومن شواهد ذلك محنة اإلمام أحمد بن
حنبل في مسألة خلق القرآن .
وبسبب هذا ّ التعسف السياسي الذي أدى إلي العنف
1 طه، اآلية ٥
ازداد للناس كرههم وبغضهم . ولما جاء المتوكل أبطل
القول بخلق القرآن , ّ وهدد لمن أشار إلي هذه المسألة
بالعقاب , وأقصى المعتزلة ّ وقرب منه خصومهم من
العلماء المسلمين فقدت المعتزلة سيطرتهم الفكرية
لعدم ثقة رأي العام اإلسالمي بهم .
ّض الله لحماية اإلسالم ونشر عقيدته
ومن هنا قي
اإلمامين الجليلين أبا منصور الماتريدي من سمرقند وأبا
الحسن األشعري من بالد العراق رحمهما الله .
وهذا اإلمامان قادتا الحركة الفكرية اإلسالمية قيادة
حكيمة ال استناد فيها على العقلكليا وال األخذ بظواهر
النصوص .
وعلى ذلك فإن األشعرية والماتردية من أهل السنة
والجماعة بل هما الطائفتان المؤسستان لها ولكل من
اإلمامين المذكورين فضلكبير في نشر عقيدة هذه الفرقة
وتثبيت مبادئها.
لقد سلك أبو الحسن األشعري طريقا وسطيا في
دراسة أمور العقيدة ال يهمل فيه النصوص الدينية , وال
ينقاد وراء شطحات العقل , فتوسط بين المشبهة الذين
يأخذون النصوص بال فهم وبين المعتزلة الذين أطلقوا
عنان العقل في تأويل النصوص أوردها.
ولذلك ّوحد كلمة األمة وألف كتبا عرض بها
مسائل اإليمان ّ ورد على مذاهب المخالفين ألهل السنة
والجماعة .
وعند تتبع ما ّدونه أبو الحسن األشعري وما دعا إليه
في أمور العقيدة يمكن القول ّ بأنه ينبني على أصول ثالثة :
.1 احترام النصوص الشرعية واعتبارها المصدر
الرئيس للعقيدة .
.2 حمل النصوص على ظاهرها مبدئيا .
.3 ضرورة التأويل.
هذا وقد اتخذ األشعرية الكتاب والسنة وما ثبت منه
الصحابة أصال للعقيدة , وكان يحترم النصوص الشرعية
ويحملها على ظاهرها مبدئيا ما لم تكن معطلة للصفات
أو مجسمة أو مشبهة لذات الله تعالى فيؤولها منزها
البارئ أن يكون شبيه بالحوادث .
وعلى هذا األساس جعل التأويل والقياس العقلي
من أصول مذهبه , وبين أن الشرع ّحث ّ بالنظر إلي
الموجودات ّألنها مصنوعات ّتدل على الصانع , وكل
أتمكانت المعرفة بصانعها أتم
ماكانت المعرفة بصنعتها ّ
واستدل بآياتكثيرة ومنها قوله تعالى )فاعتبروا يا أولوا
31
)))
األلباب (
وقوله : )أولم يروا إلي ملكوت السموات واألرض وما
)))
خلق الله من شيء(
فهذه النصوص ّ تحث على النظر واستعمال القياسي
العقلي والشرعي معا .
فاالعتبار استنباط المجهول من المعلوم وأخذه منه
وذلك هو القياس والبرهان .
وعليه فال يصح القول بأن النظر ولقياس العقلي
بدعة لعدم وجوده في صدر األول إذ النظر في القياس
الفقهي وأنواعه شيء استنبط بعد هذا الصدر ولم يقل
أحد منصف إنه بدعة .
والنزعة التوفيقية التي اتخذها اإلمام األشعري في
أمور العقيدة رحمه الله تعبير عن رغبة الفكر اإلسالمي
في االهتداء إلي منهج متوازن متسم بالسماحة واالعتدال
وال غرابة في ذلك ألنه خرج من صفوف المعتزلة وكان
يعرف خبايا المنهج االعتزالي ومآزقه الفكرية , وكان
محيطا باألقطار التيكانت تهدد حقيقة الدين اإلسالمي
مع اتساع هوية ذات العقلية للفرد في مواجهة النصوص
الدينية ولهذا تصدى ّ للرد على المعتزلة على طريقته
الجامعة بين العقل والنقل .
وقد استطاع اإلمام األشعري بفكرته الصائبة وميله
إلى الوسطية بين االتجاهات المتعارضة أن يحفظ لنفسه
نوعا من االستقالل حتى بين المذاهب الفقهية في زمانه
ّمما جعل ّكل إمام يظن ّأنه من مذهبه وقد ذكر بعض
المؤرخين بوصفه مالكيا وبعضهم جعلوه حنفيا بينما
إلا ّأنه كان ال يتحزب
يعده األغلبية شافعيا , وما ذلك ّ
لمذهب دون اآلخر بل يرى كل مجتهد مصيبا وكلهم
على الحق ّوإنما الخالف في الفروع دون األصول .
ّ ومما يؤكد وسطية عقيدة هذا اإلمام مذهبه في
اختالف الكالميين حول صفات المعاني حيث نفي
المعتزلة هذه الصفات عن الله – تعالى – ّمدعين أن
االعتراف بها واعتبارها قديمة زائدة عن الذات يؤدى إلى
تعدد القدماء – وهذا اعتقاد يفضى إلى إيجاد شرك لله
في صفة القدم ولذلك قال ابن المرتضي : “من أثبت
صفات المعاني يكون قد أثبت مع الله إله ثانيا.”
وعلى هذا األصل يستند المعتزلة في اعتقادهم أن
القرآن الكريم مخلوق لنفيهم عن
الله صفات الكالم وكذلك قولهم في استحالة رؤية
الله تعالى .
ويقابل المعتزلة المجسمة والمشبهة فألفوا عقولهم
بصحة التمسك بالظاهر فأضافوا لله ـ تعالى- من
الصفات ما ال يمكن قبولها لدالالتها على أن لله جهة
ومكانا وأجزاء ونحوها وقالوا : ّ إن الله موصوف بصفات
حادثة .
1 سورة احلشر، اآلية ٩٢
2 األعراف، اآلية ١٨٥
وقد ّجرهم إلى ذلك الفرار من تعدد القدماء
كالمعتزلة .
وأما األشاعرةفقد ظهرلهم انحيادالمجسمة والمشبهة
عن الصواب في التمسك بالظاهر ّ فردوا عليهم بقولهم ّ إن
القديم ال يوصف بالحادث ّألن ذلك يفضي إلي تعطيل
القديم عن االتصاف بالكمال قبل حدوث الصفة وهذا
مستحيل في صفة الله تعالى .
ّ وردوا على المعتزلة الذين وقعوا في تطرف آخر حين
نفوا عن الله تعالى كل صفة وزعموا ّ أن صفاته غير ذاته
لقولهم ّ إن نفي الصفات ينافي وصف الله بالوجود إذ ال
يمتنع الوصف ّ إال على المعدوم وقالوا: ّ إن لله صفات
قديمة زائدة عن الذات وال يلزم من كثرة الصفات
القديمة كثرة القدماء وتعددهم فالمستحيل هو تعدد
الذات القديمة ال ذات واحدة قديمة موصوفة بصفات
معدودة قديمة ال هي عين الذات و ال غيرها.
ومن المسائل التي دار حولها نقاش بين الكالميين
مسألة أفعال العباد ويمكن تلخيصها في هذه النقاط تبيانا
لوسطية العقيدة األشعرية .
1 – قالت القدرية : فعل اإلنسان وقف إرادته ورغبته
الذاتية واختياره ال يقدر الله أعمال العباد في األزل وليس
لقدرته تدخل في إيجاد الفعل
ب – قالت الجبرية : ّقدر الله في األزل ما يحدث
في هذا الكون من أفعال العباد , وقد أوجدها بقدرته ,
واإلنسان عاطل عن الفعل واالختيار وهذا مناقض لكالم
القدرية
ج – المعتزلة قالوا : ّ إن الله علم ّكل شيء وقدره أزال
سواء فعله أو فعل عباده وأفعاله ما يريده ويوجبه موافقا
لعلمه األزلي وكل أفعاله خير وال يخلق ّ الشر بحال .
وحاول أهل السنة والجماعة ـ وخاصة األشاعرة ـ أن
يكونوا وسطا بين المعتزلة و الجبرية وذلك بإثبات شيء
من التأثير لإلنسان في إيجاد الفعل , وأن األثر األول
واألهم قدرة الله ، فهو الفاعل الحقيقي وفعل اإلنسان ال
يزيد على الكسب والتسبب .
ومن هنا أثبتوا أن لإلنسان قدرة ومشيئة للفعل لقوله
)))
تعالى )لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت (
والواقع من اإلنسان هو الكسب , والفاعل حقيقية
)))
هو الله تعالى بدليل اآلية ) والله خلقكم وما تعملون (
وقد بين الشيخ الحاج مالك سي رضي الله عنه هذا
المعني قائال :
كل امرئ خلقه الرحمن
مع الذي يفعل يانومان
ال تسنـد الفعـل لغـير الله
تـظلــم مسيـئا أدبــا لله
وقد قرر األشاعرة أن فعل العبد مقترن بإرادة بشرية
3 البقرة، اآلية ٦٢
4 الصافات، اآلية ٩٦
32
من غير أثر , ومشيئة الله تنفذ في العباد من خالل ما
يفعلون.
وعلى ذلك ّ فإن الحبر المطلق طعن في الشرائع
واالختيار المطلق إنكار لمشيئة الله مناقض للتوحيد .
و ال يمكن االعتراض على األشاعرة إذ ّأنهم جعلوا
للعبد دورا صغيرا هو التكسب ال غير.
وبعد دراسة بسيطة للعقيدة األشعرية وذكر شيء
من األصول التي تنبني عليها يمكن القول : بأنها حاولت
أن توفق بين العقل والنقل ، واتخذت منهجا وسطا بين
اإلفراط والتفريط .
وانتهاج الوسطية في عقيدتنا وشريعتنا هو الحل
للتعايش السلمي وحسم النزاعات التي نشاهدها اآلن في
الواقع المعاش .
فما أحوج العالم اإلسالمي اليوم من أخذ دروس وعبر
من مذهب اإلمام األشعري ، فيتبنى الوسطية كمنهج
فكري وشرعي وعقدي ، فبدونه ال يظهر اإلسالم بصورته
الحقيقية ،وتبقى العقيدة ّ تشتت شمل المسلمين في
مشارق األرض ومغاربها ويوجب العداوة والبغضاء بين
ّب في تناحرهم فتزداد األمة
الفر ق والجماعات ، وتسب
وهنا بعد وهن يوما تلو اآلخر.
فليتعاون المسلمون فيما ّاتفقوا عليه ويعذر بعضهم
بعضا فيما اختلفوا فيه ، شريطة أن ال يكونكفرا بواحا أو
مخالفا لما هو معلوم من الدين بالضرورة .
األستاذ ، حسين فال
33
34
ال شك أن الشيخ الحاج مالك لما أذن للناس بتعظيم
ليلة المولد الشريفة: “
أال عظموا ليل الوالدة حسبة
إذا لم يكن نحو الحرام عدول”،
كان ينوي للبشرية جمعاء سودا و بيضا، غنيا وفقيرا،
صغيرا وكبيرا، ذكرا وأنثى، أن تستفيد بما تحتوي هذه
الذكرى من معان عقلية وموارد روحية إلصالح البشرية
اجتماعيا…ذلك أن ميالد مفخرة اإلنسانية يعتبر ميالدا
جديدا للعوالم كلها، بشرا وحيوانا، نباتا وجمادا، ألنه
بمجرد كونه نورا قبل وجوده آدميا امتألت األكوان
بطلعته، و تبدد الحالك بضيائه، وتحولت الفوضى إلى
نظام، بسبب تكريم ذي اإليجاد والقدم إياهكما أنشد ابن
عثمان :
“وإنه إذ أراد الله نشأتنا
أبان من نوره نور الهدى العلم
نعيش اليوم في عالم أضحى في أمس الحاجة إلى
إعادة إشعاع سنته في حياتنا المظلمة بعدم تغذية أرواحنا
بالموارد المعنوية النابعة من سلوكه، وبفقداننا للوعي
العالمي الذي ورثه إيانا باعتبارنا خلفاء في األرض نور
النبي العلم
إن العوالم عاليها وسافلها
أشعة طلعت من أفضل النسم”
وخير أمة أخرجت للناس. وبسبب هذا الفقدان
أصبحنا غافلين عن مسؤوليتنا تجاه أنفسنا وتجاه البشرية
والكون ككل. وها نحن اليوم نعاني بما لم يخطر ببال
األجيال السابقة من فاحشة وفساد و خطر ما تجعل
األرض في حالة من الخوف و انعدام األمن واالستقرار
فوق البسيطة كله، كما تهدد العالم من االنهيار قبل قيام
الساعة.
ولترسيخ هذا الوعي العالمي الذي يذكرنا مسؤوليتنا
في الحفاظ بضوابط الحياة الصالحة والرعاية باإلنسانية
في محيطها االجتماعي و بيئتها الطبيعية، دعا الشيخ
الحاج مالك إلى هذه الندوة العالمية، “غامو”، لالحتفال
بمولده، بكونه “شرف وخير وعيد دون أعياد العيون”.
لكن في نفس الوقت نرى أنه لفت االنتباه إلى عدم
المبالغة في توزيع الحلويات واألشربة اللذيذة واألطعمة
الشهية، تفاديا من عدم الوصول إلى غاية المناسبة
وقيمتها الحقيقية التي تتمثل في إحياء القيم التي ال
يصلح مجتمعنا إال بتوظيفها في يومياتنا, وأيبات الخليفة
الشيخ أحمد تجان سي المكتوم ألبلغ شهادة في هذا
المجال:
“أكرم بأحمد في نظام المولد
أكرم بمولد أحمد من مولد]…[
فالروح تبتهج ابتهاجا باهرا /
والنفس تنتعش انتعاش مخلد
والنور فيه مقسم بجميعه
واليمن بعد ميسر للمجتد
والرشد يرجع للقلوب مجددا
والرشد خير وسيلة لمجدد .
فنداء الشيخ الحاج مالك، عليه رضى المالك،
لتعظيم هذه الليلة ليس إال تجديد اكتشاف القيم الخالدة
وتجديد النظر ألنفسنا وإدراك دورنا في إصالح حالتنا
النفسية والروحية واإلجتماعية.
ال أحد ممن يتمتع بعقل سليم أو بنية سليمة يجهل
أن مجتمعاتنا في األيام الراهنة تعاني من وطأة اآلالم
الوجودية والمفاسد اإلجتماعية والمخاوف السياسية،
نتيجة العولمة، ما لم يتصوره أحد من األجيال السالفة.
ذلك أن العالم بأسره أصبح رهينة الرأسمالية الليبرالية
التي ال تزال تنظر إلى األمور، مهما دقت، بعين ضوابط
السوق والربح. ولذلك تتألم الدنيا بانعدام قيم العدل
واإلحسان وقيم التعاون والتعارف المبنية على اإلخاء
والمحبة واإلحترام.
في هذه الظروف، سار االستعالء على اآلخرين
والسيطرة على األموال واألراضي، القاعدة التي تسود
بين الدول مع ما تتولد عنها من ردود أفعال سلبية على
الدوام.
كل منا يشتكي مما يقاسيه عالمنا في الوقت الراهن
من األمراض الوجودية واالنحرافات الخلقية و تفشي
الضالل، وما كانت البشرية قد تعرضت لها قبل ميالده
السعيد. وبمجرد حمل أمه به، صلى الله عليه وسلم،
تحولت الدنيا وانقلبت من الظلمات إلى النور، من الظلم
إلى العدل، من العداوة إلى التآلف، كما يشهد به الشيخ
الحاج مالك سي عليه رضى المالك:
“ليل العروبة حل الدر في رجب /
ثم ا ُ لمنادي ينادي م ِسمع الفهم
تنبهوا أن نور الختم ليلكم
قد حل في خيمة من أطهر الخيم
أن عطروا بخروا خير البخور وأفـ
ـرشوا السجادات تكريما على ا ُلقذم
قال المالئك أبواب السما فتحت
كذا الجنان ونور الشمس في العظم
وأن رن اللعين الخب يحضره
جنوده وهو رعديد من السدم
وقال ويلكم يا أمتي حملت
في هذه درة من أحسن التوم ]…[
وقد تالقت وحوش الحافقين كما /
35
سواكن البحر قد ال قت من النعم”
فهذه اإلشارات تدل على أن نور المصطفى الساطع
يضيء الدنيا و يفيض بشائر العدل والرحمة الربانية
والسالم العالمي علينا، لندرك أن رسالته
تؤهلنا لتوظيفها في العالقات بين
اإلنسان وعالم الملكوت، وبينه
والمكونات األخرى، على
أساس العلم والمعرفة والسلوك.
الن الدنيا في حاجة إلى تجديد
بناءها، وعلينا ـ نحن “أصحاب
الرسول وأصحاب التجاني
وأصحاب بن عثمانا”ـ حسب تعبير
الشاعر المفلح الحاج هادي توري، أن
نكون بانيها لتحقيق رسالة السالم واألمن الدائم. ولن
يتحقق ذلك إال باتخاذنا موقفا صارما يالئم مسؤوليتنا
في التوفيق بين اإلنسان واأللوهية والكون، توفيقا
ال ينحصر على النظريات بل يتعداها إلى تصحيح
ِّلة، ويحول السلوكيات التي ال
المفاهيم الخاطئة والمضل
تليق باإلنسانية، ويصحح االنحرافات كي نعود ربانيين.
وعلى الرغم من هذا النور المبين الذي أوتينا به إلرشاد
العباد، ال تزال البشرية تعيش في وحشة مقلقة في جميع
الميادين و باألخص في مجال التدين. ومن جديد،
بأسلوبه الرائع، يرسم لنا الخليفة الشيخ أحمد تيحان
المكتوم، لوحة غنية بالمشاعر والدالالت:
“كثرت أساطير الضاللة في الورى
والدين معهود بما لم يحمد
والحق عارية بأيدي ظالمة
والخير شر وديعة للمعتدي
والعلم أضحى للهوى كمساند
والعدل عدل تحت أمر الحسد
والمال صرف في العناد وإنما
حظ األمير الفرد حظ المفسد.”
أجل، إن العالم اليوم ضحية اختفاء الفضائل الخلقية
وانعدام القيم األساسية والجوهرية.
وإذا كان األمر كما شخصناه، فالدواء يكمن في
استرجاع تلك القيم في أعمالنا، والدواء األكثر فعالية
هو العدل ألن اإلسالم، باعتباره دين يشمل في تعاليمه
كل القيم السماوية، يولي اهتماما بالغا لقيم التعامل و
التعايش، والعدل مكون جوهري لتلك القيم. هذا أمين
الوحي يبلغ أهمية العدل إلى رسول الله آية فآية، نقتبس
منها ثالث آيات في مختلف السور:
في سورة النحل: ” إن الله يأمر بالعدل واإلحسان
و إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تتفكرون “. في سورة المائدة: “يا أيها الذين
ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط وال يجرمنكم
شنئان قوم على أن ال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى
واتقوا الله إن االله خبير بما تعملون.” وأخيرا في سورة
الحديد : “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب
والميزان ليقوم الناس بالقسط..”
فاإلشارة إلى الميزان دليل على مكانة العدل في
اإلسالم، ألنه رمز مخلد للقسط اإللهي يوم الفزع األكبر:
“ونضع الموازين بالقسط فال تظلم نفس شيئا وإن كان
مثقال حبة من خردل آتيناه وكفى بنا حسيبا”.
إن قيمة العدل في رؤية اإلسالم، كما تجلت في
حياة خير البرية، ال تتوقف على مجرد مفهوم فلسفي بل
هي من دعائم القيم التي تميز بها نور األكوان وصاحب
الحق الرباني، صلى الله عليه وسلم، وصفة من صفات
الله العليا. وهو أساس التعرف باآلخر واحترامه بدينه
وثقافته وحقوقه ما لم يهتك الحرمات. فمن الالزم أن
نراجع حقيقة الرسالة المحمدية الخالدة التي تلقي روابط
حوارية بين الجسد والروح، بين النفس والقلب وبين
الدين والدنيا، بين الثقافات والشعوب،كي تستقر الحياة
على ميزان، هذا الميزان الذي وضعه الرحمان ثم استوى
على العرش يراقبنا ويبلونا أينا أحسن عمال.
ولذلك أي لمراجعة لتلك الصفحات التي تحمل
رسوم المعاني وتفيض أنوارا تضيء الحالك في عالم
حرج، كأنه في قبضة الشياطين، يلزمنا االمتثال لما
وجهنا الشيخ الحاج مالك سي إلى االتباع آثاره واالقتداء
بأخالقه الحميدة، وما أوجب علينا من طاعته ومحبته
وإتباع سنته، إذ ال سبيل لخلق جو االستقرار والطمأنينة،
وال حيلة لإلنسانية أن تتمتع باألمن الشامل واإلحترام
المتبادل إال بمحبته. ألن محبته تزرع في نفوسنا وعي
اإلنسانية الحقيقية الذي ال يفصل بين الروح والمادة، وال
يرى حاجبا بين األرض والسماء، بل يتخذ الدنيا معبرا
إلى دار السالم، فيعيش فيها اإلنسان بشرف ويموت
بشرف وبذلك يحظي بالحسنيين معا.
وإلدراكه بماهية الرسالة المحمدية وحقائق أهله
نسبا ودينا في بلدان القارة السمراء، وضع لنا الشيخ
الحاج مالك هذه الذكرى لتجديد تعلقنا به صلى الله عليه
وسلم، مراجعين سطوره المنيرة في سيرة خير العرب،
وإلحاحه في محبته لكونها مفتاح السعادة والمنهاج إلى
تغيير حالة المجتمع تغييرا شامال وإيجابيا:
” وواجب طاعة الهادي محبته
كذا اتباع الذي ياتي من األمم]…[
وليس نفع على حب بال عمل
وتابعن سنة المختار تغتنم.”
د. عبد العزيز كيبي
أستاذ الدراسات اإلسالمية المعاصرة
رئيس مركز الدراسات حول اإلسالم والتغييرات
في المجتمع.
جامعة شيخ أنتا جوب- دكار السنغال
بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين
والصالة والسالم على اشرف المرسلين والتابعين الى يوم
الدين
القرن الحادي عشر الميالديكان من أزهى مراحل
الدين اإلسالمي والثقافة العربية اإلسالمية في أفزيفيا
الغربية. ويذكر “البكري” و”ابن حوقل” انه كان نصف
سكان مدينة “غانة” في عهدها المملكي مسلمين، حيث
يوجد في القسم اإلسالمي من المدينة اثنا عشر مسجدا ،
وفيكل مسجد امام ومؤذن ومقرئ للقرآن.
وفي السنغال في نهاية القرن السابع وبداية القرن
الثامن أسلم زعيم مملكة التكرور العظيمة ـ شمال
السنغال حاليا ـ واري جابي” ت432هـ 1059م ثم
حذت حذوها قبائل الولوف وسراخولى وسونينكي
وغيرها من القبائل وتحالفت زعامة مملكة التكرور مع
األمير اللمتوني يحيى بن عمر سنة 448 هـ 1056 م في
نشر اإلسالم وعلومه في غرب أفريقيا.
والحق ان المدرسة القرآنية في السنغال مؤسسة
تقليدية قاعدية ، ارتبط فيها التعليم القراني بالعربي
اإلسالمي ارتباطا وثيقا لرابط الدين ، ودرع واق لقيم
المجتمع، لها آفاق واسعة في تعليم وتحفيظ القران
الكريم لبراعم اإليمان، وتلقين الناشئة القيم الدينية
واالجتماعية، الى جانب كونها ووسيلة رائدة للتقدم
الثقافي اإلسالمي في السنغال.
وقديما عد ت البالد السنغالية من اكثر األمم
األفريقية تحمسا للمدرسة القرآنية واللغة العربية والعلوم
الشرعية تعلما واتقانا، وأكدت دراسات إحصائية انه في
مطلع القرن العشرين، حيث يبلغ عدد سكان السنغال
)1250000 نسمة، كان عدد المدارس القرآنية 1093.
ويدلل على هذه الحقيقة ـ حديثا ـ دراسة أخرى تقول:
إن السنغال تحتل المرتبة الثانية، بين عدد الوافدين الذين
تخرجوا قي األزهر من سنة1961 إلي سنة 200
وهكذا على مر السنين ظلت المدارس القرآنية
تكتسب أهمية كبيرة في نفوس المجتمع السنغالي ،
واتخذوها وظيفة شعبية. فكان يعتمد معاش المدرسة
القرانية بالدرجة األولى على الزراعة، و بالدرجة الثانية
على اإلعانات التي يقدمها لهم القريةأو المدينة، وكثيرا ما
كان التالميذ ينصرفون الى األهالي لالستطعام والكسوة
والغسل والخياطة. والعادة قيام النساء بهذه الخدمات
اقتداء بأمهات المؤمنين، أمهات المساكين: زينب بنت
جحش وزينب بنت خزيمة، العالية بنت ظبيان وكانت
العائالت التي لم تنجب أطفاال تساهم هي األخرى
مساهمة سخية في هذه اإلعانات، وبعض المحسنين
يخصون سكنا للطالب، وذالك العتبار هذه المدارس
ثانية مؤسسة في بناء الشخصية السنغالية المسلمة، بعد
مؤسسة األسرة. وقد كان حفظ القرآن وكذالك رسم
المصحف مخطوطة مفخرة دينية واجتماعية عظيمة قد
يقوم مقام الصداق في الزواج ، فالكثير من كبار مشائخ
السنغالكان صداق أمهاتهم أو الجزء األهم منه مصحفا
مخطوطة من رسم الوالد الخطيب
وجاء عهد االستعمارفوضعت السلطات االستعمارية
36
سياسة تعليمية مسيحية ــ يهودية من غاياتها فرض
النظام التعليمي الفرنسي، وإزاحة التعليم القراني والعربي
ــ اإلسالمي عن الدور الريادي والشعبوي، وتقليص
دور أبطال االستقالل، ورجال الدين خريجي المدارس
القرانية والثقافة العربية اإلسالمية
فخلف من بعدهم خلف، هي النخبة الحاكمة بعد
االستقالل، أضاعوا التعليم القراني، واتبعوا الدرب الذي
نهجه عهد االستعمار وعززوا هذه السياسة، ولم يفعلوا
إال النذر اليسير لصالح النظام العربي اإلسالمي القديم،
وال يزالون إلي هذا الحين من الدهر يرون ان نظام التعليم
الموروث عن فرنسا هو األصلح للسنغاليين. والدليل
على هذا تساؤل السيد الرئيس عبد د يوف ـ طيلة فترة
حكمه ـ عن جدوى االستمرار في تمويل تعليم العربية،
وكفاءة المستعربين لإلدارة. أما خلفه الرئيس عبد الله
واد، فتصريحاته كانت دائما تنم عن اعتقاده الجازم في
إن هذا النظام التقليدي ال يخول للذين تتلمذوا عليه
مهنة ذات أهمية في الحياة العملية، ولكنه هو بجراءته
ومراوغاته السياسية أول من اطلق مصطلح تحديث
المدارس القرآنية ، وأنشأ مفتشية بهذا الصدد، وغادره
تسمية بال محتوى. وال يزال النظام الحالي برئاسة السيد
مكي صال يسعى للمحتوى المقبول لهذه التسمية،
بمشروع قانون التحديث الذي ال يزال يثير جدال وأخذا
وردا بين مؤسسات التعليم القراني والجمعيات القرآنية
من جهة، وبين وزارة التربية والتعليم من جهة أخري
فشيوخ مدارس القران كانوا قديما يتحسسون من
أخذ األجرة واالعتماد على مساهمة أولياء األمور العتبار
تعليم القران عبادة يقوم بها الشيخ احتسابا لوجه الله
تعالى ينتقل بها العلم والقيم الروحية واألخالقية من
جيل إلى جيل. لكن الكثير من هؤالء بادروا حديثا إلي
وضع معالم للتحديث يمكن إجمالها في هذه الجوانب:
جانب البنية التحتية: إنشاء أو استئجار مباني سكنية
لمدارس قرآنية على النظام الداخلي
الجانب المالي: إقناع أولياء التالميذ على دفع
اشتراكات شهرية منعا للتسول وتغطية لنفقات التغذية
والرواتب والفواتير والصيانة والصحة ــ الجانب
التنظيمي: تنظيم المؤسسة القرانية الى شؤون : الرقابة،
المصالحية، التربية، المالية
الجانب التربوي: التحفيظ بتطبيق أحكام التجويد
صرف التلميذ غير المؤهل للحفظ في الزمن المعقول
الى الدراسة العلمية أو المهنية، اكتشاف القدرات
والمهارات، التصنيف البيداغوجي، التقييم لمهارات
الحفظ واألداء والتحصيل.
الجانب التكويني: تكوين مقرئ القران عبر هذه
المواد :
1ـ أخالقيات مهنة مدرس القرآن الكريم
2 ـ طريقة التدريس والتحفيظ
3التشريع المدرسي
4 ــ سيكولوجية الطفل
أما مشروع قانون التحديث المقدم من طرف وزارة
التربية والتعليم فيرمي إلي ضرورة توفير مستندات أداريه
معينة، لفتح وقانونية مؤسسات تعليم القران، والبنيات
التحتية، والتجهيزات، والمقررات الدراسية، وتدريب
المعلمين، وحماية التالميذ في مجال التغذية والصحة
واألمن والمستقبل المهني أو النجاح في الحياة العملية
كما يقولون وها هي ذي أطوار الدراسة الثالث التي قد
تستمر لمدة 8 سنوات:
]الطور األول، ويستمر لمدة ثالث سنوات مخصصة
لحفظ القرآن
الطور الثاني، ويستمر لمدة سنتين يجمع بين حفظ
القرآن وبرامج الفصل التحضيري األول والتحضيري
الثاني وبرنامج االبتدائي األول
الطور الثالث، ويستمر ثالث سنوات مخصصة
لبرنامج الفصل االبتدائي الثاني و برامج الفصلين
المتوسط األول والثاني االبتدائية.[
والمشروع في نظري عبارة عن تحفيظ قراني وتعليم
عربي إسالمي قد يوفق فيها المتعلم لحفظ القران أو
قسط منه إضافة إلي مبادئ التربية اإلسالمية وأساسيات
اللغة العربية والفرنسية والغاية من هذه الكفايات كون
هذه األطوار مرحلة تمهيدية لالنخراط في النظامالتعليمي
الفرنسي
وعلىكل فالمشروع ليس من غاياته التربوية المعلنة
والمخفية النهوض بما عهد للمدرسة القرآنية من دور
رائد في تربية خيار هذه األمة الخيرية ابتداء من نبيها
ومرورا بالصحابة والتابعين وانتهاء بالسلف والخلف
الصالحين. واقرب مثال الينا رموزنا الوطنية الحافظة
على الهوية اإلسالمية التي تخرجت من هذه المؤسسة
التعليمية العتيقة
بقلم
الحاج مالك فال التواوني البري
37
38
39
40
المقدمة
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله القائل في محكم تنزيله: ) ولكل قوم هاد(
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
فالموضوع الذي نحن بصدد البحث فيه ) األدب
الصوفي(، ألدب إسالمي رفيع وله مجال واسع في الشعر
والنثر وباع طويل في كل أغراض األدب و منزلة عالية
في التجديد في معاني األدب وأخيلته وأساليبه. باإلضافة
إلى الوازع الديني الذي يخاطب النفس والقلب فينهى
األولى) النفس( عن أهوائها الظاهرة والخفية و يمأل
الثاني) القلب( بنور المحبة اإللهية،بل يغرس فيه النزعة
الخيرية وينزع منه نوازع الشر. فهو موضوع تعليم وتربية.
اهتم به الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه كل االهتمام
فبذل فيه الجهد والنفس والنفيس،فما وهن ما ضعف وما
استكان. لما أصابه في سبيل االستفادة و اإلفادة. ولذلك
توصل إلى نتائج مهمة جدا نجدها مثاال حيا في العلم
والتربية ال يجوز لباحث العلم أن يتجاهل عنه. وفي ذلك
المنوال نسجت فتشمرت عن ساق الجد ألشاطر إخواني
القراء لمجلة الفاتح، شيئا من الفرائد التي تمخضت
عن عقلية هذا األديب الصوفي السنغالي )الشيخ الحاج
مالك سي رضي الله عنه(.
وبما أن األدب الصوفي يتميز بالقيم الشعورية
اللدنية واألخالقية فقارئه يأخذه جمال أسلوبه األخاذ
من حضيض المحسوسات إلى رحاب المعنويات، ذلك
العالم المليء بالحب اإللهي والعشق اللدني. ألنه أدب
يصدر عن نفوس إنسانية استغرقها الحب اإللهي ومألت
جوانحها لواعج األشواق ذلك الذي يحكي التجربة
الحية التي عاش بها الصوفيون بين الحلم واليقظة، وبين
األمل واأللم، وبين المحن والمنح ،وبين حر العبرات
)))
وبرد النشوات….
ذلك التراث الثري الجميل الرائع،هوالذ ي خلفه
لنا الشيخ الحاج مالك وكان حافال بالحكم والمواعظ
واإلرشادات اإللهية، فالنفحات الربانية تفوح منه من
جميع الجوانب.ولذلك يتحتم علينا نحن معشر الورثة
أن نوليه االهتمام الالئق به. لندرك ما فيه من العلوم
و اآلثار الخلقية التي يغرسها في النفوس.وقد حاولنا
معالجة الموضوع معتمدا على ما يلي:
ـ أوال: مفهوم األدب والتصوف:
1 نفس املرجع، ص ١٣
فاألدب دلتكلمته في العصر الجاهلي: على القرى
الذي يعني إكرام الضيف بدعوته إلى الطعام. ويدل ذلك
قول طرفة بن العبد:
ال ترى اآلدب فينا ينتقر ))) نحن في المشتاة ندعو الجفلى
وفيصدراإلسالماتسعتمعانيهفدلتعلىمعنيالتثقيف
والتعليم، والكرامة وتلتمس تلك المعانى في قول علي بن
أبي طالب للرسول عليه الصالة والسالم:)يارسول الله
نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما ال نفهم
أكثره( فقال الرسول:)أدبني ربي فأحسن تأديبي وربيت
. فالتأديب هنا في قول الرسول صلى الله
)))
في بني سعد(
عليه وسلم بمعنى التثقيف والتعليم.
ولذلك فهو اصطالحا: تجربة فنية متأثرة بالواقع
المعاش )القيم الشعورية( و تثير العواطف واألحاسيس
عبر صياغات لغوية جميلة )القيم التعبيرية(.
وأما التصوف فهو لمن المواضيع التي امتصت حبر
أقالم الباحثين المتصوفين وغيرهم ، قديما وحديثا،بين
منكرين ومثبتين له في اإلسالم.
فاألول مذهب يرى التصوف أجنبيا عن اإلسالم في
أصله ونشأته وأفكاره. وذلك رأي من يرفض التصوف
)))
جملة وتفصيال وهم غير المتصوفة.
الثاني: مذ هب يرى التصوف إسالميا في أصله
)))
وأفكاره، تلبس بالفلسفة الحقا وهم المتصوفة.
وعليه: فمنه اإلسالمي )المعتدل السني( ومنه:
الفلسفي)الغالي البدعي(.
وجدلية الخالف تكمن في تعدد داللة الكلمة عند
القوم واختالف معانيها بينهم، وقد وردت لها تعاريف
متعددة بين المتقدمين والمتأخرين . وقبل أن نسرد
تلك التعريفات نتأمل هذين الفرقين:)الفرق بين الفقه
والتصوف، والفرق بين التصوف والفلسفة(.
الفرق بين الفقه والتصوف:
»الفقه علم بأحكام الشريعة، والتصوف عمل بها،
والفقه من علوم الظاهر والتصوف من علوم الباطن،
2 تاريخ األدب العربي / للدكتور شوقي ضيف ج1 /ط /24 ص/7 الناشر دار
املعارف، 1119 كرنيش النيل.
3 في النقد األدبي/ لدكتور عبد العزيز عتيق/ ص 26 ، تاريخ اإلصدار .1972 دار
النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت.
4 موضوع التصوف/، للدكتور لطف اهلل خوجه.مكة املكرمة ص /.10 تاريخ
اإلصدار 1432 هـ/ دار الطباعة صوفية خضر موت.
5 ـ نفس املرجع ص12
41
ومصادر الفقيه الكتاب والسنة واإلجماع والقياس،
وهي وإن كانت مصادر التصوف إال أنه يستمد مع ذلك
من الوجدان والذوق والروح، واإللهام مادة فهمه لهذه
))) والعمل
المصادر ،بينما يستمدها الفقيه من عقله
والعبادة اللذان توجبهما معرفة األحكام الشرعية هما:
يقفان عند حدود الظاهر، أما العمل والعبادة اللذان
يوجبهما التصوف فهما ال يقفان عند غاية وال عند حد.
ـ الفرق بين التصوف والفلسفة:
الفلسفة محاولة لكشف نواميس العلم ولفهم
حكمة الله وأسراره في مختلف جوانب المعرفة،، أما
التصوف فهو محاولة لكشف حكمة الله في شتى جوانب
الحياة،وللحياة مع الله المنبثة في السماء واألرض،
ولشهود جمال الكون العظيم وجالله، وتمتع القلب
والروح بلذة المشاهدة للصعود عن طريق ذلك إلى
رحاب النفس األعلى.
إن العقل هو أداة التفكير الفلسفي، والروح أو الفلب
أداة هي أداة الفهم الصوفي، ولذلك كان التصوف فطرة
قائمة في النفس اإلنسانية شأنه في هذا شأن التدين، و إن
كانت نشأتهما واحدة، وغايتهما واحدة، وكانكل منهما
مكمال لآلخر، فالدين إن خال من التصوف جفت أصوله
وذوت أغصانه وعطبت ثمرته. والتصوف بغير دين
سحاب جهام ال مطر معه وسراب خادع يحسبه الظمآن
)))
ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.«
ـ ثانيا:صور من أدب الشيخ الحاج مالك الصوفي رضي
اهلل عنه.
إن األدب الصوفي، ذلك الذي كتبه المتصوفون
ودونوه وخلدوه في آثارهم شعرا ونثرا، حكمة ونصيحة،
موعظة ومثال وعبرة، نجد هذا البدر المنير )الشيخ الحاج
مالك سي( الذي ازدانت بوالدته قرية ) غاية Gaya)
البعيدة عن مدينة )داغانا Dagana)ببضعة أميال بمنطقة
)))
)والو walo((( )والذي عاش فترة 1855 ــ 1922م.
بلغ فيه شأوا بالغا، ويظهر ذلك، في انتاجه العلمي بصفة
خاصة، والمدرسة التواونية بصفة عامة. ألن مما الحظناه
فيكتاباته، وكتابات خلفائه وبعض مقدميه،هو: التمكن
من مخاطبة العقول والنفوس، باألسلوب الجميل األخاذ
الذي يرشد العقول التائهة، وينبض القلوب الميتة،
ويكشف ستار العيون المسحرة، ويجدد رسوم الدين
ومعالمه الحضارية ويزكي النفوس الغافلة. وإليكم هذه
األمثلة من أدبها .
أدب التوسالت: )اإللهيات(.
1 املدخل إلى التصوف اإلسالمي/ للدكتور أبو الوفاء الغنيمي التفزتازاني /
ص/23 ط2 1972م/ دار الثقافة للنشر والتوزيع.
2 األدب في التراث الصوفي/ ص .9
3 مجلة الفاحت العدد /1 مقالة الشيخ احلاج مالك بن الشيخ احلاج عبد العزيز
سي/. ص3
4 من الشيخ احلاج مالك سي ابن الشيخ احلاج عبد العزيز دباغ في يوم
العاشوراء 2015م 1437 هـ..
وسيلة المتقربين إلى حضرة المتين المشهورة
ب:)فال بد ( التي مطلعها:
»فال بد من شكوى إلى الله كربـتي
فمـــــا لي غير الله جابر كســــــرتي
وقرعي باب الغيـــر يارب لم يفد
لذاك صـــرفنا نحو بابك وجهــــتي”
أدب الزجر والوعظ واإلرشاد
قصيدته زجر القلوب للشيخ الحاج مالك سي،
والتي يقول في مطلعها:
»هل الدهـــر إن طار الغراب يطيب
وجاء رسول المـــــوت بعد ينوب
أراك نســيت الموت والموت مورد
)))
فللكل من بحر الممـــات نصـــيب«
أدب النصائح والتوصيات:
وفي هذ الصدد يقول الشيخ الحاج مالك رضي الله
عنه:
»راعوا وصية حب ناصــح لكم
مقدم النصح في اإليصاء إخــــــواني
طال الوقوف بنا إخـــواني شبعا
)))
نوما حديــثا وتأنيسا بأخـــــــــدان«
أدب المناجاة
وللشيخ الحاج مالك في المناجاة اإللهية هذه
القصيدة بعنوان:)ياكاشف الداء( التي مطلعها:
»يا كاشف الداء واألســوا وأضرار
مفيض أبحر أنوار وأســـــــــــرار
باالختيار كمــــا قد شاء جل إلـــــى
أحبة كان أخيارا وأحـــــــــــــــرار”
أدب الزهد
وله في الزهد وعدمالركون إلى هذه الدار الفانية قوله:
»أال إن أبناء الزمان تســـابقوا
إلى زينـــــــة الدنيا ونيل عــــــالء
لقينا زمانا اليبالون صفـــــوة
وما همــــهم إال طوال بنـــــــــــاء”
أدب المدح:
وفي المدح قوله في قصيدته المشهورة )خالص
الذهب في سيرة خير العرب( المشهور بالميمية والتي
تعتبر مرجعا أساسيا في السيرة النبوية في السنغال و ما
حولها، والتي مطلعها:
»الحمد لله ذي اإليجاد والـــــقدم
ممدنا بوجود البـــــدر ذي القـــــــــدم
))) ثم الصالة وتسليم يفوق علــــى
مســــك ورند على ذي الفضل والكرم«
5 هذه القصيد للشيخ احلاج مالك سه مخطوطة .
6 هذه القصيدة للشيخ احلاج مالك مخطوطة.
7 هذه امليمية خالص الذهب في سيرة خير العرب للشيخ احلاج مالك
سي.
42
ثالثا: صورة من تصوف الشيخ الحاج مالك السني
الوسطي:
فالتصوف الذي تربى به الشيخ الحاج مالك وربى
به أتباعه رضي الله عنه«تصوف بكل ما للكلمة من
مدلوالت عميقة، ولكنه في توسط ووضوح، وفي علم
وبيان، وفي يسر وقرب، تصوف ال يسرف في شيء، لكنه
يكثر من ذكر الله تعالى مصداقا لقوله تنعالى: )واذكروا
))) تصوف، بل طريقة تعرف بتعمير المساجد
الله كثيرا(
بالصالة والذكر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، طرقة
االلتزام بالدين اإلسالمي الحنيف، طريقة العلم والعمل
بالشريعةالمحمدية، طريقةارتياحالبال، وانشراحالصدر،
واطمئنان الجأش، والتعلق بالرب فهي ليست زيادة في
عدد الطرق، وإنما هي ضرورة زمنية يقتضيها التصوف،،
)))
ليتكيف وصالحية اإلسالم لكل زمان ومكان..«
ـ رابعا: أثر أدب الشيخ الحاج مالك في تزكية النفوس.
إن اآلثار التي لعبت دورها في تزكية النفوس من
تعاليم الشيخ الحاج مالك و تأثرت في المجتمع تأثيرا
بالغا يمكن أن نجملها فيما يلي:
ـكثرة مقدميه.
كثرة الزوايا والمساجد:
ـكثرة المدارس القرآنية والمعاهد اإلسالمية،
والمجالس التعليمية في تواون
ـ حلقات الذكر
ـ االحتفال بعيد المولد
بدءا من هذا التاريخ ) 1900 ( وعلى أغلب األقوال
) 1902( أنشأ الشيخ الحاج مالك فكرة االحتفال بعيد
1 سورة األنفال اآلية .45
2 التجانية األحمدية والسنة احملمدية/ لشيخ جتان غي /ص 6 ط1 السنة
2005م..
المولد، والتيكان يهدف منها تعليم األتباع سيرة المختار
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فكانت مناسبة تمثل مدرسة مفتوحة على األمي
والمتعلم وعلى العامة والخاصة، بل ملتنقى للتعارف،
ولتبليغ الرسالة، وتطبيق أوامر الله، ووسيلة لربط
العالقات بين المسلمين، وفرصة سانحة لتدارس أمور
الدين والدنيا وكل ذلك على مبدأ الصفاء واإلخالص
والبعد عن المحرمات وفي ذلك يقول الشيخ الحاج
مالك رضي الله عنه:
” أال عظموا ليل الوالدة حسبة
إذا لم يكن نحو الحرام عدول”
لهذا ولغيره اتخذ الشيخ الحاج مالك هذه الوسيلة من
جملة وسائله التربوية. لتبليغ رسالته الدعوية واإلصالحية.
هذه جملة من اآلثار التي تذرع بها المدرسة التواونية
لتزكية النفوس، ووجدناها في أدبه الصوفي.
ويشهد ذلك سرنج علي غي بقوله:
فصارت زواياه في قرى جميعـــها
مالء بفوج راكـــــعين وسجــــــــد
وللشيخ الهادي توري قوله:
كم صلت كم عظت كم بشرت كم ولكم
كم كم وكم ثم كم أرشدت جـــيــــرانا
وهذه الدرر النفيسة التي التقطتها من أدبه الصوفي،
لهي مما أود أن أشاطرها مع إخواني الباحثين،نسأل
المولى جل جالله أن يلهما التقوى ويجعلنا من العلماء
العالمين المخلصين، إنه ولي التوفيق والنجاح.
من الفقير إلى رحمة ربه محمد في.
43
سرى لكيان الدين روح التجدد
وسارت معاني الشوق كالراح تبتغي
وهاجت رياح البشر والفتح والهنا
لذكرى ولي الله ذي المجد والعلى
عظيم الجدى هامي الفدا واسع العطا
كريم السجايا والطباع دنيسة
عزيز المرامي ال يضاهي حماسة
جليل المعاني والمحيا كأنه
فذاك بن عثمان الذي عاش طيبا
فذاك الذي أمضى الحياة مجاهدا
فذاك الذي قاد اآلنام مربيا
فكان بذا دنياه تخدم دينه
ولم يوقف اإلصدار يوما ولم يكن
أتم به الرحمان تكوين قادة
وتهذيب عباد ونشر معارف
وتربية األرواح ترقية لها
وإعالء ذكر الله في الصبح والمسا
وجعل حياة البدر خير سلوكنا
أال عظموا ليل الوالدة حسبة
وفي حلبة التعليم ضمر طرفه
وفي انجارد قل بل في تواوون بعدها
مدارسه في العلم خير مدارس
ثالثة أشيا ال أحاول غيرها
وللحاكم العام الفرنسي قال ذا
هنيئا بهذا االحتفال ألمة
عليه صالة الله ما ذر شارق
ودار على األرواح صرف التودد
فؤاد المعاني أو كجمر بمفأد
تنيل قلوب العاشقين بموجد
مجدد ركن الدين دون تأود
سليل الرضى النامي ألكرم محتد
يفيض على الجالس أعذب مورد
لذا الدين وقاف له عند مرصد
سنا قمر يلتاح في وسط الندى
ومات حميدا سائرا نحو أرشد
بإصالح ما في العصر من كل مفسد
حكيما سياسيا بأسلف مقود
وترفع شأن العلم في كل معهد
مطبقه يرضى به قلب مفتد
وتدريب عمال وتثقيف زهد
وتأهيل رواد وتعليم ورد
وفتح الزوايا مسجدا تلو مسجد
وحفظ كتاب الله بله التعهد
بها نستقي أنماط خير ونجتدي
مقالة شهم أريحي مسود
يبين أن العلم أشرف مصعد
بنا بيت مجد خالد متوطد
وأوراده قول الشريف الممجد
سوى مكسب في الحل من عمل اليد
أال فاتركوا ديني وعلمي ومورد
ينادى بها فخرا أأمة أحمد
كذا اآلل واألصحاب مع كل مقتد
بسم الله الرحمن الرحيم
قصيدة دالية في منهج العارف بالله الشيخ الحاج مالك التربوي والتعليمي والصوفي
44
يوم صدع عميد الحضرة المالكية، ونزيل الديار
التواوونية بدعوته إلى االحتفال بمولد منقذ البشرية في
هذه البقعة من األراضي السنغالية، شكل ذلك حدثا
مهما، وانقالبا عظيما في مسيرة اإلسالم والمسلمين
في هذه المناطق، لقد كان نداء مجلجال، وآذانا مزلزال،
دعوة أطلقت من صميم القلب، وإعالن رفع من منابر
أعلى البيوت وأكثرها شموخا وعلوا، ليصل بث موجاته
األثيرية إلى قلوبكل مسلمي ومؤمني هذه الديار.
وكانت دعوة “مالك بن عثمان” بكل المقاييس
واالعتبارات استثنائية، فمن الناحية االجتماعية انطلقت
هذه الدعوة في وسط دأب الناس فيه على االحتفال
وإقامة األعياد حول حياة النبالء والوجهاء من أعيان
طائفة “تيدو”، وفي بيئة تغلب فيها العصبيات القبلية
والمآثر العشائرية، وحيث الجاه والثروة هما العمدتان
األساسيتان في استجالب واستنطاق المداحين
والشعراء، وحيث يمدح الملك وحاشيته، ال لمثل عليا
يدافعون عنها، وال لمستضعفين مغلوبين ينقذونهم، بل
لترفهم وبذخهم واستهتارهم بكل قيم الرجولة والنخوة
والمروءة، ولشدة انهماكهم في احتساء أكواب وأقداح
الخمر والمسكرات، في مثل هذه البيئة صدع مؤسس
الحضرة المالكية بدعوته إلى االحتفال بمولد النبي.
وبالمقياس السياسي كانت السلطات االستعمارية
تراقب عن كثب وعن ريبة تحركات كل المشائخ
والمصلحين، وتتوجس منها الشر واإلخالل بهيمنتها
على الوضع العام، وما من شك أن دعوة الناس في تلك
الظروف لالحتفال بمولد صاحب السيرة العطرة، لم
تكن ُترى بعين الرضا والقبول من طرف هذه السلطات،
وبهذا االعتبار، فقد كان السيد الحاج مالك سي حكيما
وشجاعا في تبني هذا القرار ، الذي يستجيب من ناحية
لمطلب ديني، ومن ناحية أخرى يتحدى السلطات
االستعمارية بالوقوف ضد مشروعه الداعي إلى تغريب
قيم وأخالق هذا الشعب عبر تقديم نماذج أخرى غير
منبثقة من قناعات هذا الشعب.
وبالمعيار الفلسفي والديني، ف”مود” لم ير على مر
التاريخ شخصية كونية غيرت والدته مجرى التاريخ،
وربحت اإلنسانية، بل والعالمين بأجمعهم أيما ربح من
مجيئه، واستبشر بطلعته كل من كان همه إنقاذ البشرية
وإخراجها من دياجير الكفر والظالم، شخصية يجدر
بالمحتفلين والمحتفين أن يخلدوا ذكراه، وأن يرفعوا
ذكره، وأن يملؤوا في يوم مولده الخيام والسرادقات
كشخصية صاحب البهاء المحمدي والجمال األحمدي
دع اإلطناب قل كل البرايا
أنيلوا ما أنيلوا بالمبين
إذ اإليجاد واإلمداد منه
نبي بثنة عين الحصون
لقد رضع “مود” صغيرا حب المحمود صفاته،
السامي ذكره، المصلى عليه من لدن من أمر المخلوقين
بالصالة عليه، وتغلغلت ذرات هذا اللبن المحمدي في
كل خلية من خالياه، وغذت لحمه ودمه، وترعرعت في
غالميته وشبابه، ال يرى لنفسه أسوة وال قدوة سوى في
صاحب الرسالة الخاتمة، والدعوة الخالدة.
والزم في صباه كبار الصالحين ونخبة العارفين،
يستمد منهم حب النبي الهاشمي، ويستزيد من أحاديثهم
ومؤلفاتهم كل يوم تعلقا وهياما بذي الخلق الرفيع
والشمائل الكريمة، وكانت له شهيته في قضم وهضم
سيرة المجتبى المصطفى، وكان يرصد في مطالعاته
وقراءاته تجليات الجمال المحمدي، ويستخلص من
ذلك الكماالت المحمدية من خالل أروع القصائد
وأعذب األلحان:
من كل وصف حميد حاز أفعل تفـ
ضيل رجاء البرايا يوم مزدحم
وكان أشجع أسخى الناس أحسنهم
خلقا وخلقا وخير الحزب واألمم
كان الشيخ الحاج مالك سي مقتنعا بأن هناك
جاهلية مستبدة ومسيطرة، جاهلية ذات شقين، شق له
صبغة وثنية ضاربة في القدم، له قيمه، وأخالقه، وعاداته،
وقومه، ويصعب استئصالها أو محاربتها بالوسائل
التقليدية المتعارفة عليه، نظرا لشدة تحكمها وتغلغلها في
حياة القوم، وشق آخر من الجاهلية ذو نزعة استعمارية
نصرانية، دخل البالد على حين غفلة من أهلها، يتحكم
اليوم بمصائر الناس وبثروات البالد، زخرف للناس
الباطل، وألهاهم عن الحق، وزين لهم الفحش والفسق،
ووقف بالمرصاد للدعاة والمصلحين، يراقبهم ويتتبعكل
صغيرة وكبيرة من تحركاتهم، ويملك من وسائل اإلغراء
والجنود ما ال قبل وال حول وال قوة لهم بها.
كما وهبت لنا ترتيب سيرته
فهب لنا االقتدا يا هادي التهم
لقد رأى صاحب “ري الظمآن في مولد سيد ولد
عدنان”، أن ال ذكر يعلو في زكاءه وطيب عطره ، ويسمو
ببهائيته ورونقه، ويغذي روائحه الغادين والرائحين،
ويؤلف العباد والبالد، ويبقى حديثا حسنا للراوين،
أعظم وأجل من ذكر صاحب األخالق الرفيعة، والشمائل
الكريمة.
وليس لي عمل ألقاك يا أملي
سوى المحبة والتعظيم والسلم
رئيس التحرير
Allah’d serviteur humble’l par Conçue
Al Tijânî At Mahammad Ibn Ahmad
grâce Sa de couvre le Allah’Qu .Hassanî
.Magnanimité Sa de et
Malick Hadj El Institut’l par Publiée
la et islamiques sciences les pour Sy
.scientifique recherche
Khalif du patronage haut le Sous
Ahmad Cheikh Tidianes des Général
Maktum Al Sy Tidiane
Abdoul Shaykh du directives les sur Et
la de parole Porte .Amîne Al Sy Aziz
.Famille
fidèle le par Arabe’l de Traduite
: Hadra la de serviteur
Gaston Université .Fall Tidiane Cheikh
.Louis-Saint .Berger
Leave A Comment