ّ الل ّ جنة العلمي ّ ة لليومية
1445 – 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمــد للــه رب العالميــن، وبــه نســتعين،
وهــو خيــر معيــن، وال حــول وال قــوة إال باللــه
العلــي العظيــم، ثــم الصــاة والســام علــى
الرســول االميــن ســيدنا محمــد بــن عبــد اللــه
وعلــى آلــه وصحبــه الغــر المحجليــن.
وبعد؛
فـإن حاجـة اإلنسـان إلـى األمن واالسـتقرار
حاجـة فطريـة وضـرورة حياتيـة لديمومـة جنسـه
وبق اءه ف ي سبــيل تحقي ق مسؤــولية عمـ ران
األرض المناطــة علــى عاتقــه، فــإن ســياحه فــي
مش ارق األرض ومغاربه ا مـا هـو إال بحـث عـن
مراتــع آمنــة تســتقر فيهــا حياتــه ويطمئــن بهــا
قلبــه، يحكينــا اللــه – ســبحانه وتعالــى- عــن
طبيعــة اإلنســان- وهــو أدرى منــا منــه، وهــو
أقــرب إليــه مــن حبــل الــوري:-
َ ْو
ــر َ دَع َان ِ ــا ل َجِنب ِــه أ
الض ُّ
ُّ
إ َ نس َ ــان
ِ
ــس ْ ال
إَذ َ ا م َّ
َ}وِ
ن ل ْم
َ َّ
ـرَ كأ
َّ
ُه َ م
ـر
ض َّ
ُ
ـه
ُ
َ ْو َ قِائًم َ ـا فَلَّم َ ـا كَش ْـفَن َ ا عْن
َق ِاع ًـدا أ
ي َ ـنِ لْلُم ْسِـرِف َين َ مـا
زِّ
ُ
ـهۚ َ ك َٰذِل َ ـك
َّس ُ
م
َّ
ـر
ـى ض ٍّ
ُ
إَل
ِ
عَنـا
ُ
َيْد
ل َ ـون{
ان َ ـوا ي ْعَمُ
َكُ
]سورة يونس: 12[
فاالسـتقرار هـو اللبنـة األساسـية التـي عليهـا
ينبنيـ تق دم أي مجتم ع، وب ه يسـعى سـعيا حثيثـا
لتحقيــق أهدافــه التــي يرتبــط بتحققهــا نجــاح
األفــراد والجماعــات أكتعهــم، وذلــك يســتلزم
توفــر شــروط وقوانيــن تعايــش محكمــة تنبنــي
علــى أساســي العدالــة واألمــن، الذيــن يعتبــران
مفتاحــا للتنميــة االقتصاديــة، وهمــا، بهــذا
المنظـور أيضـا، يقومـان علـى أقـدام راسـخة مـن
مقومـات عـدة تحـدد لهمـا ديمومتهمـا لتحمـل
األمــن واالســتقرار المنشــودين.
وإذا رجعنـ ا إلـ ى التـراث اإلسـلامي، نجـ د
لعلمائــه بصمــات واضحــة فــي ترســيخ األمــن
واالســتقرار فــي مجتمعاتهــم، بــدءا مــن رســول
اإلسـام الـذي أعطـي دينـا مشـتقا مـن السـام؛
أعنـي: »اإلسـام«، وقـال فـي حديـث أبـي هريرة،
)قــال: قــال رســول اللــه صلى الله عليه وسلم: ال تدخلــوا الجنــة
َ حتــى تؤمنــوا، وال تؤمنــوا حتــى تحابــوا، أوال
أدلكـم علـى شـيء إذا فعلتمـوه تحاببتـم؟ أفشـوا
الســام بينكــم.(، فمــن هنــا يتجلــى للقــارئ أن
ســدنا محمـدا -صلـى اللـه عليـه وس ّلـم- رسـول
الســام واألمــان واالســتقرار، ومــن أجلــه بعــث
رحمــة للعالميــن.
ثــم خلفــه مــن بعــده صحابــة وتابعــون
وعلمــاء حافظــوا علــى هــذا المنهــاج، وشــيدوا
لــه ســياجا محكمــا مــن أحــكام تعامــل إنســاني
مســتنبط مــن القــرآن الكريــم والســنة المطهــرة.
ومــن بيــن أولئــك العلمــاء الدعــاة الشــيخ
محمــد المنصــور ســي )بــروم داري(، الــذي
قضــى نحبــه فــي خدمــة الديــن مــن جوانــب
شــتى، وبــذل جهــودا مضنيــة فــي ترســيخ قوائــم
االســتقرار االجتماعــي فــي المجتمــع الســنغالي.
المنص ور ســي )برــوم داري( فــي دورتهــا ّ لهـذا، تحـرت جمعيـة طلبـة الشـيخ محمـد
الســابعة مــن اليوميــة القرآنيــة، إصــدار العــدد
الســابع مــن مجلــة »بــروم دارج« تحــت عنــوان:
دور الحضــرة المالكيــة فــي ترســيخ االســتقرار
االجتماعــي، الشــيخ محمــد المنصــور ســي
بــروم داري نموذجــا« إطاللــة علــى جانــب مــن
جهـود الحضـرة المالكيـة فـي الدعـوة إلـى السـلم
واالسـ تقرار.
ه ذا، ونسأـل الل ه أن يفيدن ا وإياكـ م مــن
هــذا العــدد، نعــم المولــى ونعــم النصيــر.
الحاج مود مالك صو
المشــرف العــام لكتــاب الشــيخ محمــد
المنصــور ســي بــروم دار تــواوون
2
يُ ّ عـد الظلـم من أخطـر اآلفـات االجتماعية،
ومــن أبشــع األعمــال التــي تهــدد المجتمعــات
اإلنســانية باالنهيــار والدمــار وانعــدام األمــن
واالســتقرار االجتماعــي، ذلــك ألنــه يولــد
البغضــاء واالنتقــام والتشــاحن بيــن النــاس،
وبهـذا يـؤدي إلـى نشـر الفسـاد وخـراب البـلاد.
ولخطــورة الظلــم وتأثيــره الســيئ علــى
مســيرة المجتمعــات البشــرية، قــد حــذره اللــه
عبـ اده منـه، وتوعـ د الظالميـن بسـ وء العاقبـة.
وال شــك أن مــن أخطــر أنــواع الظلــم
االجتماعــي الــذي يهــدد الســام المجتمعــي:
انتهــاك معتقــدات اآلخريــن واإلســاءة إلــى
المقدســات الدينيــة. فذلــك ـ ال ريــب فــي أنهــا
ْــد أن
ـ خــط أحمــر ال ينبغــي االقتــراب منــه، بَي
أعــداء اإلســام يــؤدي بهــم البغضــاء والحقــد
والكراهيــة أحيانــا إلــى محاولــة هتــك حرمــات
ه ذا الدي ن الحني ف.
هــذا النــوع الخطيــر مــن الظلــم ارتكبــه
أعــداء اإلســام فــي الغــرب لمــا نشــروا الرســوم
الكاريكاتوريــة المســيئة للنبــي صلــى اللــه عليــه
ّ وسـلم. فكانـت رسـوما قامـت صحيفـة يوالندس
بوسـتن فـي دنمـارك بنشـرها، ذلـك فـي سـبتمبر
2005م، ثــم تبعتهــا عــدة صحــف أوروبيــة
فــي النرويــج وألمانيــا وفرنســا، وهــو مــا أثــار
موجــة غضــب عارمــة علــى الصعيديــن الشــعبي
والسياسـي فـي العالـم اإلسـامي، وتعرضـت عدة
سـفارات غربيـة للهجـوم، وأخـذت االحتجاجات
طابعـا عنيفـا فـي بعـض البلـدان اإلسـامية حتـى
أدت إلــى عشــرات القتلــى، كمــا صــدرت عــدة
ّ تهديـدات بالقتـل ضـد رسـامي الكاريكاتيـر ممـا
أدى إلـ ى اختفاءهـ م.
وال يشـك أحـد فـي أن محاولـة اإلسـاءة إلـى
مقـام هـذا النبـي النقـي هـي بمثابـة نبـح الـكالب،
فلـن يضـر السـحاب، لكـن ذلـك الفعـل الخبيـث
والظلـم المبيـن ـ ال ريـب فـي أنـه ـ يجـرح مشـاعر
ّ المسـلمين الذيـن جعلـوا النبـي أحـب إليهـم مـن
أنفسـهم ووالديهـم والنـاس أجمعيـن. وبنـاء علـى
ذلـك كان موقـف األمـة اإلسـامية علـى اختـاف
المذاهـب والمشـارب عـدم الرضـا بهـذا الظلـم،
ذلـك بالضغـوط الدبلوماسـية للـدول والمنظمات
اإلســامية إضافــة إلــى المقاطعــة االقتصاديــة
والتظاهـرات الشـعبية، كمـا انهالـت أقـام علمـاء
ّ األمــة وأدباءهــا مــن كل حــدب وصــوب إلدانــة
والسـتنكار ذلـك الفعـل الشـنيع.
ومــن بيــن العلمــاء واألدبــاء الذيــن عبــرت
أقالمهـم عـن مـدى اسـتنكارهم عـن تلك الرسـوم
الظالمـة: العالـم الع ّالمـة واألديـب األريب الشـيخ
ـر ْوم َ د َارِج« الـذي ألـف
ـي »ب ُ
ّ محم ِ ـد المنصـور س ُ
ّ فــي ذلــك كتابــا حصــل علــى إقبــال جماهيــري
3
أدى إلــى ترجمتــه إلــى اإلنجليزيــة والفرنســية.
ختـم المؤلـف الكتـاب بقصيـدة رائعـة فـي البحـر
الطويـل، والتـي تحتـوي 32 بيتـا مطلعهـا:
ِتـي
َّ
ُ ال
ُْع ْ ـصـبَــة
َا ال
ه
ُّ
ي
َ
ْ أ
َّ ْت يََد ُ اكــم
َـتَــب
ف
َِّــة
بَري
ِْ
ِّ ال
ِرِ ســـر
ْبَ ْ ــد
َ ْس ِ ــــم ال
ُِ بر
تُِـســـيء
ْ
ْتُـــم
ثَـر
َ
َ ْ ــد أ
َا ق
ْ َس م
ِْ بئ
َّ ْت يََد ُ اكـم
َ ُ ـشــل
ف
َِة
ْ َ ك َج ْمـر
َ ْضَغانًـا لََديُْكـم
ِر أ
َّ الص ْ ـد
ِم َ ـن
فالقصيــدة تهــدف إلــى الــرد علــى هــذا
الظلـم العظيـم والدفـاع عـن نبـي الرحمـة صلـى
اللــه عليــه وســلم، لكــن فيهــا جانبــا آخــر ينبغــي
أن نلفــت النظــر إليــه وهــو أن المؤلــف ـ رضــي
اللــه عنــه ـ كمصلــح اجتماعــي عالــج أيضــا فــي
القصيــدة قضيــة مــن القضايــا االجتماعيــة وهــو
الظلـم االجتماعـي الـذي يهدد االسـتقرار والسـلم
فـي المجتمـ ع اإلنسـ اني.
ّ يــرى المؤلــف الشــيخ محمــد المنصــور ـ
رحمــه اللــه تعالــى ـ أن الســبيل الوحيــد لألمــن
والســلم واالســتقرار فــي المجتمــع هــو اجتنــاب
الظلـم االجتماعـي والسـعي إلـى مواجهتـه، وفـي
هـذا الصـدد يقـول في مقدمـة القصيـدة: »وأقترح
ّ ٍّ ـة جمعـاء إيجـاد وفـاق دولـي
ّ إلـى األسـرة الد ْوِلي
ّ يكمــل ويضمــن لكاف ّ ــة األديــان بالت ّمت ّ ــع بحريــة
ّ ممارســة العقائــد والش ّ ــعائر والعبــادات، وســن
ّ قانــون دولــي ُ يقضــي ويلــزم الجميــع باالحتــرام
َ ْي األديــان، وينهــى عــن
والصيانــة للثوابــت أ
ّ االنتهــاك بالمقد ّ ســات والعقائــد حت ّ ــى يتســنى
َ للع ّ الـم أن يعيـش فـي جـو يسـوده األمـن والسـلم
واالسـ تقرار واالحتـ رام المتبـ ادل«.
إن مواجهـة الظلـم مـن األمـور المهمـة للغاية
لبنـاء السـام والتعايـش بيـن مختلـف المكونـات
المجتمعيــة، ذلــك ألن مــن أولويــات اإلصــاح
ّ االجتماعــي حــل مشــاكل المجتمــع، ومعظــم
هـذه المشـاكل يسـببها الفقـر والجهـل والظلـم،
ّ والشــيخ محمــد المنصــور كمصلــح اجتماعــي
قضـى حياتـ ّ ه كلهـا فـي سـبيل مسـاعدة الفقـراء،
ونشـر العلـم، ومواجهـة الظلـم االجتماعـي، وهذه
األخيـرة عالجهـا الشـيخ فـي قصيدتـه هـذه.
ومـن أبـرز النقـاط والمرتكـزات التـي تناولها
ّ الشـيخ محمـد المنصـور فـي القصيـدة لمواجهـة
الظل م االجتماع ي م ا يل ي:
1ـ اإلفصــاح عــن الظلــم: اإلفصــاح عــن
ّ الظلـم والتشـهير بالظالـم مـن األسـاليب الفعالـة
لمواجهــة الظلــم، فقــد فضــح القــرآن الكريــم
الكثيــر مــن الظالميــن، وكشــف األســرار عــن
ممارســاتهم الظالمــة، بنــاء علــى ذلــك ينبغــي
التشــهير بالظالــم وذكــر مــدى خطــورة ظلمــه
حتـى يرتـدع مـن تسـول لـه نفسـه أن ينتهـج نهجه
ويســلك مســلكه، ومــن هــذا المنطلــق اســتخدم
المؤلــف هــذه الوســيلة ففضــح مســاوئ الطغــاة
الظالميـن، وكشـف مخازيهـم، وذلـك فـي قولـه:
ِتـي
َّ
ُ ال
ُْع ْ ـصـبَــة
َا ال
ه
ُّ
ي
َ
ْ أ
َّ ْت يََد ُ اكــم
َـتَــب
ف
َِّــة
بَري
ِْ
ِّ ال
ِرِ ســـر
ْبَ ْ ــد
َ ْس ِ ــــم ال
ُِ بر
تُِـســـيء
ْ
ْتُـــم
ثَـر
َ
َ ْ ــد أ
َا ق
ْ َس م
ِْ بئ
َّ ْت يََد ُ اكـم
َ ُ ـشــل
ف
َِة
ْ َ ك َج ْمـر
َ ْضَغانًـا لََديُْكـم
ِر أ
َّ الص ْ ـد
ِم َ ـن
ْ
ْ َ خابَ ْ ـت َ و َض َ اع ْ ـت ُ جُهودُُكم
َالُُكـم
َآم
ف
َِة
ِد َ ينِ ب َح ْســر
ْــتَ
ُْمع
ْ َ حيَـاةَ ال
َوِع ْ ـشـتُــم
ؤ َونِ ب ِ ــــه َِ وبِـد ِيـن ِ ـــه
ُ
ُِـســيــــ
م
ْ
نْـتُـــم
َ
َوأ
َِّــة
ً َ ا علَ ُ ـى س ِ ــوءِ نـي
َ ْ ــوز
ْـتُ ُ ــم ف
َ َ ــاِ نـل
ف
َ ْس ِــم ِ ـــه
ْ ِ ـــهِ بـر
ْ َ عـلَـي
نْـتُـــم
َ
تُ ُ ــــم أ
ْ
أ
َّ
تَ َجـر
َِة
َ يُ َ ـط ُ ـــاقِ بـنَ ْ ـظــــر
ٌ ال
ْ َس ُ ـــم نُـــور
يُـر
َ
أ
فنجـد أن المؤلـف فصـح فـي هـذه األبيـات
ّــن مــدى خطــورة
ّ عــن ظلــم المعتديــن، ثــم بي
فعلهـم الشـنيع، وظلمهـم العظيـم، وهـو محاولـة
ّ اإلســاءة إلــى الحبيــب صلــى اللــه عليــه وســلم.
ّ وذكـر الشـيخ أن مـا وراء هـذا الظلـم المبيـن إنمـا
هـو حسـد وحقـد وضغـن يحملـه المعتـدون فـي
صدورهـم، لكـن جهودهـم قـد ضاعـت، وآمالهـم
قـد خابـت.
2ـ الدفـاع عـن المظلـوم: يتحمـل المجتمـع
ّ مســؤولية كبيــرة فــي مســاعدة المظلوميــن بــرد
المظالــم إليهــم، واألخــذ بحقوقهــم، والدفــاع
عنهــم، وإذا كان هــذا فــي حــق بقيــة النــاس،
فكيـف بحـق النبـي الـذي أكـرم اللـه بـه البشـرية،
فأخرجهـا مـن الظلمـات إلـى النـور، ومـن الـذل
إلــى العــز، ومــن المهانــة إلــى الكرامــة. إن مقــام
ّ رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسـلم رفيـع برفعـة
4
اللـه لـه، لـن ينـال الشـانئ منـه شـيئا. فقـد رفـع
ّ اللــه ذكــره صلــى اللــه عليــه وســلم رغــم أنــوف
الحاقديـن والجاحديـن، كمـا كفـاه المسـتهزئين،
ّ وعلــى الرغــم مــن ذلــك يجــب علــى كل مســلم
أن يدافــع عنــه، ويــذب عــن عرضــه المصــون،
وينافـح ويناضـل أهـل المجـون. بنـاء علـى ذلـك
ّ دافـع الشـيخ محمـد المنصـور عـن حبيبـه صلـى
ّــة،
ّ اللــه عليــه وســلم بعــد أن ذكــر مراتبــه العلي
وذلــك فــي أبيــات عديــدة مــن القصيــدة، نذكــر
منهـا مـا يلـي:
ذي
السـبَ ُب الَِّ
َّ
َْم ْكنُ ُون َ و
ُ ال
ْ َجْو َهر
ُه َـو ال
َ ِــة
ْـق
ْ ُ ـُوجـــودُِ ب َخـل
َ َ ـا ك َ ان ال
َهُ م
َـلَ ْ ــوال
ف
ْـتَِـد َ يــنِ بِـه َ غ َ ــد ْت
ـمه
ْ ُ
ــل ال
ِّ
َْو ُ اح ُ ك
ر
َ
َوأ
ة
الد ُجــنَِّ
ُّ
ًِا ل َك ْش ِـف
نَْوار
َ
ْ ِــي أ
السـق
َّ
ِم َ ـن
ْ
ِْـرِهــم
ْ َسِـل َ يــن َ و َغـي
ُْمر
نْبيَ َ ـا وال
ِ
َ
ْأل
ِم َ ـن ا
ِة
َ
َ ْص ُ ــل نَ ْ ـشــأ
ُ ُ وحـهُ أ
ِن َ يــن ر
ِم
ؤ
ُْمْ
ِم َ ـن ال
ْ ِ ــحًدا
ُل
ِه بَ َ ات م
ِْــي
سـق
ْ يَنَ ْلِ م ْن َ
َ َم ْ ـن لَم
ف
ِة
ــل دَ ْع َ ـــو
َّ
ً ُ ا ك
ًّ َ ا كِافــر
َو َع َ ــاش َ ش ِــقــي
َِّــذي
السـنَ ُ ــد ال
َّ
َ ُس ُ ــــول ِ الله َ و
َ َ ــذا ر
َـه
ف
َ ْهــبَِة
َ ر
ْ َج َ ـى غ ً ـدا يَ ْ ــوم
َ َ ـاعـتُــهُ تُر
َشـف
َِّــذي
َُّم ال
الـســل
ُّ
َ ُس ُ ــــول ِ الله َ و
َ َ ــذا ر
َـه
ف
َِة
ًِا ل َح ْضــر
ْر
ســـي
ُ َ
َار
بْـــر
َ
ْأل
ِقي ا
ْتَ
ِبِــه يَـــر
إلى قوله رضي الله عنه:
ُْنِ مثْلَهُ
َي
ْع
َى ال
َ ُس ُ ـول ِ الله لَ ْن تَـر
َ َ ـذا ر
َه
ف
ُ آيَِـة
َ ْكـبَـــر
َأ
ْ ِــق ف
ُْخـل
ْ ِــق َ وال
ْ َخـل
ِم َ ــن ال
ْـتٍَــد
ُــع
َ م
َــام
ـمـــا ق
َّ َ
نُ َ ــدِاف ُ ـــع َ عـنْــهُُ كـل
ة
َِّ
يِ عـــــز
َ َّ
ُّنَا أ
ًّ ِ ـــا عـــــز
ـم ُ ــــد َ حــق
َ ْح َ
َـأ
ف
3ـ رفــض الظلــم وإدانتــه: يجــب علــى
المجتمــع ـ كمــا األفــراد ـ رفــض الظلــم بجميــع
ّ صــوره وأشــكاله، ذلــك ألن قبــول بالظلــم هــو
تشــجيع للظالــم علــى االســتمرار فــي ظلمــه،
وضيــاع الحقــوق، وانتهــاك الحرمــات، وتجــاوز
ّ الحــدود… وكل ذلــك يهلــك الفــرد ويهــدد
االســتقرار االجتماعــي، وعليــه عبــر الشــيخ ـ
رحمــه اللــه ـ فــي األبيــات اآلتيــة عــن مــدى
رفضـه رفضـا قاطعـا، واسـتنكاره، وشـجبه لتلـك
الرسـ وم الظالمـ ة:
َةَ نَ ْ ـح َ ــوهُ
إل َســاء
ِْ
بَـى ا
ْ
ـنَــا نَـأ
َّ
ن
َ
ك َ َــمــا أ
َِّـة
ِئـم
َ
ْأل
ً ِ ــا ت َ ـجــاهَ ا
َ ْ ـطـع
َا ق
َ َ ــضــه
ْف
ِلـنَـر
إلى قوله:
ذي
ِه الَِّ
َّ ْس ِــمِ ف َي ش ْ ـخِص
ََذا الر
ِد ُ ينِ به
نُ
ِة
َ
ْم
َ ْع َ ـظُم ُ حر
ِْض أ
ر
َ
ْأل
ــم َ ا وا
الس َ
َّ
ْ َ ـن
َـبَي
ف
5
ْ يَ ُ ـك ْ ــن
َــلَم
َاتَ ْت ف
ُ ف
ـســاء
ْ َ
َـع
ْـق
ُتْبَتُهُ ال
َور
ــمِـة
ْ َ
َْو يُــنَ ُ ـالِ بــتُـه
ًــا أ
ــــوهُ يَ ْ ــوم
تُ َ ــش َّ
4 ـ عــدم التعــاون مــع الظالــم: إن التعــاون
تقويــة شــأنه وقوتــه، وهــذا يــؤدي إلــى زيــادة ّ مــع الظالــم والميــل إليــه والرضــا بــه يــؤدي إلــى
مسـاحة الظلـم والجـور فـي المجتمـع. وعلـى هذا
يحذرنــا المؤلــف فــي األبيــات التاليــة مــن نشــر
تلـك الصـور التـي تحـاول اسـتهزاء النبـي صلـى
ّ اللــه عليــه وســلم، ألن ذلــك يعيــن المعتديــن
عل ى ظلمه م:
ً
ِّ الـدِين ُ ج ْ ـمـلَـة
إ ْخ َـوِان ِ ــي م َن
ِ
نَِاش ُ ـــد
ُ
أ
َِة
ْهً َ ا كِـسـيـر
ِّ الـدِينِ فـق
ِي
ِْـم َ و ْع
َـه
َعلَى ف
َى
سـع
َ َم ْن َ
ُُّس ِ ـوم ف
َْل الر
َ ْن يَ ْمنَُعـوا نَي
َوأ
َِّـة
سـب
َ ِ ـاعِـل َ
َعلَى نَ ْ ـشِــر َهـا يَ ْ ـغ ُ ــد َ و كـف
5 ـ الدعـوة إلـى احتـرام معتقـدات اآلخريـن:
ّ إن ّ محاولــة التهجــم علــى معتقــدات اآلخريــن
كانــت دائمــا أكثــر الطــرق المؤديــة للمشــاكل
واالضطرابــات فــي المجتمــع. والرســومات
المســتفزة لمشــاعر مــا يزيــد عــن مليــار مســلم،
ومــا تولــدت منهــا مــن غضــب وردود أفعــال
لدليــل علــى أن المجتمــع ال يمكــن أن يســود
فيــه األمــن والســلم واالســتقرار بــدون احتــرام
المشــاعر الدينيــة. ومــن هنــا يدعــو المصلــح
ّ االجتماعــي الشــيخ محمــد المنصــور الجميــع
ّــن أن ذلــك لــن
ّ إلــى التعايــش الســلمي، ثــم بي
يمكـن إال باحتـرام معتقـدات اآلخريـن، فيجتنـب
ّ الجميـع هتـك الرمـوز الدينيـة، وفـي هـذا الصـدد
يقـول:
َـادَةً
ـعـــوبً َ ا وق
الـدنْــيَ ُ ا ش ُ
ُّ
َِة
ُ ْســـر
َعلَى أ
ِـة
َّ
َِ جــل
َـة
ْم
ــس ُ حـر
ـم ِّ
ْ َ
ـمـنِْـع ال
َ ٌ ــاقِ ل َ
ِوف
َا
ن ذ
إ َّ
ـم َ ـش ِ ـاع ِ ـــرِ
ْ َ
َ ٍ ــاكِ لـل
ْ َ ــي انِْـتـه
َونَه
َِـة
ْ َخِـلـيـق
ِّـنًِا لـل
ْ ً ـش َ ـا هـي
ـم ُ ـن َ عـي
لَـيَ ْ ـض َ
ِم َ ه َكَذا
َ ُ ـاه
ـف
ـو الـتَّ
َّ
َ َى ج
ْ َـور
َـيَ ْ ـحـيَا ال
ف
َِّــة
ْـثَ َ ـلِ مـل
م
َ
ُ أ
إل ْس َ ـــام
ِْ
دَ َع ِ ـــا ديــنُـنَـا ا
نسـتنج ممـا سـبق أن المؤلـف كان مصلحـا
ّ ّ ـا لـه دور فعـال فـي اإلصـاح االجتماعي
اجتماعي
لـدى المجتمـع، بـل كان يهمـه التعايـش السـلمي
واالســتقرار االجتماعــي. فقــد كان غرضــه
األساسـي مـن قصيدتـه الدفـاع عـن حبيبيـه صلـى
ّ اللــه عليــه وســلم، لكــن ذلــك لــم يمنعــه عــن
إرشــاد النــاس إلــى الســبل المؤديــة إلــى األمــن
والسـلم االجتماعـي، فاسـتخدم فـي قصيدتـه هذه
الوســائل واألســاليب واآلليــات التــي ذكرناهــا
لمقارعــة الظلــم، والوقــوف بوجــه الظالميــن،
والتوعيـة باحتـرام المعتقـدات الدينيـة، وتجنـب
ّ المســاس بمشــاعر اآلخريــن. فالشــيخ محمــد
ِ المنصـور س ّ ـي ـ رضـي اللـه عنـه ـ كان حقـا مـن
دعــاة اإلصــاح والعلمــاء المســلمين الذيــن
تصــدوا لإلصــاح االجتماعــي. جــزاه اللــه عــن
األمــة اإلســامية خيــرا.
ب ّ قلم الطليب محم َ د المنصور س ْي ابن اإلمام
المرحوم الحاج عثمان سي رحمه الله
مدينة فال ـ اتياس.
6
ّ ثم ّ ــة مفهومــان عصريــان ومقدســان
تتنافــس وتســعى المجتمعــات الحديثــة
جاهــدة فــي الوصــول إليهمــا، وتعزيــز
وجودهمـا واسـتمراريتهما، إنهمـا السـلم العـام
واالســتقرار االجتماعــي، وبقــدر مــا يمثــان
نتيجــة وحصيلــة نهائيــة لمجموعــة متداخلــة
ومتواصلــة مــن المســاعي واألعمــال والخطــط
والمواقــف واإلجــراءات التــي تصــدر مــن
األفـراد والجماعـات، وتصـب فـي قالـب صنـع
هـذا المحتـوى التعايشـي بيـن أفـراد يتقاسـمون
العيـش داخـل مسـاحة جغرافيـة معينـة، فإنهمـا
أيضــا يعبــران عــن حالــة نفســية وسياســية
واجتماعيـة وثقافيـة واقتصاديـة ووضـع عـام لـن
تصــل إليــه تلــك المجتمعــات إال بعــد حــراك
ونضــال ورغبــة مؤكــدة فــي التغييــر، يقلــب
األمــور رأســا علــى عقــب، ويحــول الوضــع
المــزري الســابق إلــى وضــع جديــد أفضــل،
يسـري مفعولـه فـي كل خليـة أو عنصـر يشـكل
جــزء مــن هــذا المجتمــع.
الســلم العــام أشــمل فــي المعنــى وأكبــر
فــي المســاحة عندمــا يتحقــق مــن االســتقرار
االجتماعـي، الـذي يتولـى تحقيـق جانـب واحـد
مــن جوانــب الســلم العــام، إنــه يعنــي وصــول
المجتمـع إلـى حالـة عامـة ووضعيـة شـاملة مـن
األمــن واالســتقرار والرفاهيــة والنمــو واالزدهــار
والتنميــة الشــاملة، بحيــث يشــعر فيــه كل فــرد
مـن أبنـاءه بالعـزة والكرامـة فـي ذواتهـم اإلنسـانية
وبتوفــر كل المقومــات والركائــز الضروريــة
للعيــش الكريــم والتحــرك الحــر المطلــق،
وبالقــدرة المنبنيــة علــى القانــون واللوائــح
المنظمــة الســتمتاع كل فــرد فيــه بالحقــوق
والحريــات والمميــزات التــي تتكفــل بهــا
القوانيــن والدســاتير المعمــول بهــا فــي الدولــة
دون أي تمييــز أو اســتثناء أو محابــاة أو تفضيــل
أو تفريــق، إال إذا قــام علــى أســاس موضوعــي
ومعيــاري مقبــول.
فـي حالـة السـلم العـام يشـعر األفـراد باألمـن
الداخلـي واالسـتقرار النفسـي واالنسـجام الوطني
مــع بقيــة أفــراد مجتمعاتهــم، حتــى مــع وجــود
خالفـات بيـن بعضهـم مـع البعـض فـي مسـائل
وأمــور تتعــدد فيهــا وجهــات النظــر، وتتنــوع
فيهــا اآلراء الممكنــة إصدارهــا وتبنيهــا مــن أي
فــرد مــن أفـراده، بيـد أن القاســم المشــترك لهــم
جميعــا هــو أنهــم يســعون إلــى تحقيــق الخيــر
والنجـاح واالزدهـار والنمـاء لمجتمعاتهـم مهمـا
كانـت وجهـات نظرهـم متباينـة، ومهمـا تعـددت
مواقفهــم السياســية والحزبيــة أو الطائفيــة التــي
ينتمــون إليهــا، يغطــي جــو الســلم العــام األفــراد
العائشـين تحـت مظلتـه بشـعور جماعـي مشـترك
بــأن المجتمــع والهيــاكل المختلفــة الممثلــة لــه
تسـهر دائمـا علـى تلبية مطالبـه، وتحقيـق رغباته،
والدفـاع عـن حقوقـه، والعـدل فـي التعامـل معـه
فـي كافـة القضايـا واألمـور المختلفـة التـي تنشـأ
بينـه وبيـن بقيـة األفـراد أو المكونـات الموجـودة
فـي المجتمـع.
تمتــد آثــار الســلم العــام علــى المجتمــع
إلــى آفــاق أرحــب، ومجــاالت أوســع، ليضمــن
توفيــر الحمايــة الكاملــة والوقايــة التامــة ألفــراده
حتــى مــن األخطــار الخارجيــة والكــوارث
الجســيمة التــي قــد تتعقبهــم جــراء عــدوان
خارجــي، أو تلحــق بهــم نتيجــة كــوارث طبيعيــة
أو ظــروف قاســية تحــدث فــي العالــم بيــن
ُ الفينــة واألخــرى، أو ت َحمــل إليهــم تبعــة ألفــكار
دخيلــة وتيــارات فكريــة مناوئــة، فيــدرأ عنهــم
الويــات والمصائــب والمخــاوف التــي تهــدد
7
حياتهــم أو تقضــي عليهــا، ويســاهم جــو الســلم
العـام الـذي عملـت السـلطات المعنيـة فـي هـذه
المجتمعــات علــى تحقيقهــا واســتتبابها فــي
طمأنــة األفــراد والجماعــات، وإعــادة الســكينة
الداخليــة واالســتقرار والهــدوء فــي أوســاطهم،
ومـا مـن مجتمـع ينجـح فـي تحقيـق أكبـر قـدر
ممكـن مـن عناصـر السـلم العـام إال ويكـون حظـه
مـن االسـتقرار االجتماعـي واالسـتتباب األمنـي،
والســير الموفــق فــي دروب التنميــة واالزدهــار
أكثـر مـن غيـره مـن الـدول أو المجتمعـات التـي
لــم تســتطع تحقيــق ذلــك القــدر الــذي حققــه.
االســتقرار االجتماعــي مرحلــة مــن مراحــل
تحقيـق السـلم العـام أو بتعبيـر آخـر، هـو عنصـر
مهــم مــن عناصــره؛ إنــه حالــة ماديــة محسوســة
وملموسـة، االسـتقرار االجتماعـي يكـون أفضـل
وســيلة يلجــأ إليهــا المجتمــع لحفــز أبنــاءه
وتحريــض مفكريــه وعلمــاءه وعامليــه علــى
توقــع آفــاق مســتقبلية بهيجــة وواعــدة، واألمــل
ّ فـي غـدو أكثـر إشـراقا ورجـاء، إن المـرء يتفـاءل
الخيــر فــي غــده، ويأمــل فــي مســتقبل أمثــل
مــن حاضــره ألبنائــه وأحفــاده، إذا كان واقفــا
علــى أرضيــة صلبــة مــن االســتقرار االجتماعــي،
ويجــد أن كل المؤشــرات والدالئــل الموجــودة
حولـه تنبـئ عـن اإلمكانـات الهائلـة التـي تكمـن
فــي هــذا الواقــع المعــاش إلعــداد غــد أفضــل،
وفـي هـذه المرحلـة التـي تسـبق وجـود األرضيـة
المناســبة للمجتمــع لالنطــاق نحــو اإلبــداع
واالبتــكار والتنميــة والتقــدم، تكــون الظــروف
الماديــة والحقيقيــة المرتبطــة بحيــاة األفــراد قــد
تطـورت إلـى األحسـن، وعـم العـدل واإلنصـاف
والحكــم الرشــيد واقــع حياتهــم اليوميــة، وغــدا
تفكيرهــم وهمهــم منصبــا نحــو استشــراف
المســتقبل، والتخطــط ألعمــال وبرامــج وأفعــال
تزيـد مـن الجـودة والقيمـة النوعيـة للحيـاة التـي
يحيونهــا حاليــا.
فــي أدبيــات السياســة الحديثــة وســردياتها
تــوكل -غالبــا- إلــى قــوى أساســية فاعلــة فــي
المجتمعـات مهمـة إدارة وتدبيـر وتنظيـم وتثبيـت
األمـن والسـلم االجتماعي فيها، هـذه القوى عبارة
عــن ثــاث ســلطات هــي: الســلطة التشــريعية،
والســلطة التنفيذيــة، والســلطة القضائيــة، توعــز
إليهــا مسـئوليات التعريــف والتحديــد والتشـريع
للقواعـد واألسـس واللوائـح التـي تلعـب دورهـا
فـي إدارة الدولـة ومرافقهـا العديـدة، ومـن بينهـا
مســئولية ترســيخ األمــن االجتماعــي وتثبيــت
الســام الداخلــي فــي المرافــق المختلفــة
واإلدارات المتعــددة التــي تشــكل الهيــاكل
الرئيســية لهــذه المجتمعــات، ومــن المؤكــد أن
تلــك القــوى المعروفــة باالســم والهويــة ليســت
وحدهــا القــوى الفاعلــة والحاســمة والمتحكمــة
فــي مصيــرة المجتمــع، بــل هنــاك قــوى أخــرى
ال ترتقــي رســميا إلــى مرتبــة القــوى التنفيذيــة
والتشـريعية والقضائيـة فـي هـرم السـلك اإلداري
للدولـة، لكـن لهـا نصيبهـا مـن التأثيـر علـى أفـراد
المجتمــع، ولهــا واقعهــا الميدانــي الــذي يشــهد
لهــا بقدرتهــا علــى اســتقطاب طاقــات هائلــة
وتوجيـه جماهيـر كبيـرة، وإحـداث تغييـر جـذري
إبـان القضايـا والمشـكالت المصيريـة التـي تهـم
الدولــة.
فـي المجتمعـات ذات الصبغـة الدينيـة، هنـاك
قـوى أخـرى العبـة وحيويـة فـي تحريـك األمـور
وتنشـيط الحيـاة فيهـا غيـر القـوى الثالثـة اآلنفـة
الذكـر، لهـا وجودهـا وتمثيلهـا البـارز والجلـي فـي
كل المجـاالت والقطاعـات المختلفـة التي تمس
مـن قريـب أو بعيـد أوجـه الحيـاة فيهـا، مـن هـذه
القـوى السـلطات الدينية أو التنظيمات المتأسسـة
وفـق رؤيـة دينيـة معينـة، يبـرز دور هـذه السـلطة
فــي كل مناحــي الحيــاة الواقعــة فــي المجتمــع،
ويتحكــم رواد وقياديــو هــذه الســلطة فــي كثيــر
مـن مفاصـل المجتمـع، ولهـم قـدرة علـى توجيـه
الـرأي العـام بصـورة مباشـرة أو غيـر مباشـرة فـي
كثيــر مــن مجتمعاتهــم التــي يتواجــدون فيهــا،
بــل إن القيــادات والزعامــات التــي تنتســب إلــى
هــذه الســلطة الروحيــة والدينيــة تتمتــع بشــعبية
ومصداقيـة ميدانيـة كبيـرة، ال تسـتطيع القيـادات
السياسـية الكالسـيكية أن تتمتع بها أو أن تسـتفيد
منهــا، رغــم مــا يبذلونــه مــن صنــوف الحيــل
والمكــر لكســب تعاطــف مؤيديــن وأنصــار مــن
مريــدي وتابعــي هــذه الجماعــات الدينيــة.
ميــزة الســلطة الروحيــة تكمــن فــي عالقتهــا
الوطيــدة الثنائيــة التــي تجمعهــا باألفــراد
والجماعـات التـي تفتخـر باإلنتمـاء إليهـا، وكـون
هــذه العالقــة عميقــة والئيــا ووجدانيــا وعاطفيــا
وذات جــذور راســخة مــن القــدم فــي مجــال
8
االعتقــادات واأليدلوجيــات الميتافيزيقيــة،
والتـي ال تخضـع للمواصفـات وال للمعاييـر التـي
تحكـم عالـم الساسـة مـع جماهيـره الذيـن يبـدون
لـه الـوالء تـارة، والبـراءة تـارة أخـرى، بنـاء علـى
وعـود انتخابيـة محققـة، أو طمعـا فـي مكاسـب
سياســية منتظــرة، طبيعــة العالقــة القائمــة بيــن
القـوى الروحيـة ومجتمعاتهـا توصـف بالعموديـة
الرأســية، حيــث أن الزعامــة الدينيــة تتربــع علــى
رأس القائمــة وتصــدر األوامــر والتوجيهــات،
وعلـى القاعـدة المتمثلـة فـي الجماهيـر والتابعيـن
االنصيــاع والتنفيــذ لتلــك األوامــر تحــت طائلــة
الوقــوع فــي العصيــان الدينــي المنهــي عنــه، أو
الســقوط فــي حفــرة التمــرد علــى أوامــر تــكاد
تكــون لهــا صفــة األمــر الصــادر مــن الــرب،
فخطابهــا نافــذ ومؤثــر، ومفعولــه أســرع مقارنــة
بالخطابــات األخــرى، أمــا العالقــة القائمــة بيــن
الساسـة والرعيـة فبعكـس العالقـة السـابقة، فهـي
تشـبه عمليـة البيـع والشـراء فـي العالـم الحقيقـي؛
أخــذ وعطــاء، أو »نصرتــي لــك« مقابــل »أربــاح
ماديــة أجتنيهــا منــك«.
تسـتطيع السـلطة الروحيـة بمـا تمثله مـن نفوذ
وتأثيـر كبيريـن علـى المجتمـع، وبمـا تملكـه مـن
رصيـد شـعبي فـي أوسـاط العامـة والخاصـة؛ مـن
تقديـر واعتبـار وكلمـة مسـموعة؛ علـى لعـب دور
فعـال وتبنـي موقـف عـادل ومنصـف تجـاه كافـة
أطــراف المجتمــع؛ الشــعب والحكومــة وباقــي
القــوى الفاعلــة فيــه، فهــي تســتمتع بالقيــادة
السلسـة والمرنـة والهادئـة بالنسـبة ألفـراد كثيريـن
مـن رعايـا المجتمـع، فـي مقابل سـلطة أو حكومة
تلجـأ أحيانـا إلـى أسـاليب عنيفـة أو غيـر مرغوبـة
لفـرض الطاعـة والخضـوع ألوامرهـا، وهـي أيضا
وسـيطة مقبولـة ومعترفـة بهـا مـن قبـل السـلطات
التنفيذيــة الحاكمــة لتمريــر الكثيــر مــن برامجهــا
وسياســاتها وأجنداتهــا، إن الوضــع السياســي
واالجتماعـي واالقتصـادي يسـبب فـي كثيـر مـن
األحيــان انــدالع أزمــات وقالقــل واضطرابــات
بيـن السـلطات الحاكمـة مـن جهـة، وبيـن الرعيـة
التـي عليهـا واجــب الطاعــة واالنقيـاد مـن جهــة
ثانيـة، فـي مثـل هـذه الظـروف االسـتثنائية، يكـون
تدخــل الطــرف الوســيط إليجــاد حــل لألزمــة
القائمــة حاجــة وطنيــة ملحــة، وفريضــة دينيــة
محتمـة عليهـم القيـام بهـا بوصفهـم قيـادة دينيـة
يؤمـل منهـا القيـام بمسـاع جـادة إلعـادة األمـور
إلـى مجاريهـا الطبيعيـة ولوضـع حـد للفوضـى أو
النـزاع المشـتعل بيـن أطـراف مـن أبنـاء المجتمع.
إن وعـي الزعامـة الدينيـة بوظيفتهـا الجوهريـة
ودورهــا الحيــوي الــذي يمكــن أن تقــوم بهــا
فــي المجتمــع إلصــاح ذات البيــن بيــن فرقــاء
متعدديـن فاعليـن فيـه، أو لـإدالء بـرأي توافقـي
إبــان أزمــات واضطرابــات سياســية، أو للمبــادرة
بتقديــم مقترحــات وتقديــم حلــول واقعيــة
لمشــاكل آنيــة أو عصيــة ذات صلــة بالقضايــا
السياســية واالجتماعيــة واالقتصاديــة المرتبطــة
بالبلــد ســينبئ ويؤشــر إلــى المــدى ودرجــة
المســئولية التــي توليهــا هــذه الزعامــة لموضــوع
السـلم العـام واالسـتقرار االجتماعـي لمجتمعهـا،
كمــا ســيؤكد حرصهــا وســهرها علــى تجنيــب
المجتمــع وأفــراده كل المخاطــر والتبعــات
المنكــرة للثــورات واالحتــراب الداخلــي
والخصومــات بيــن أفــراد المجتمــع الواحــد.
وفــي المجتمعــات التــي لــم يصــل قادتهــا
وزعماءهــا -حتــى اآلن- إلــى تحقيــق هــذه
الحالــة المرجــوة مــن الســلم العــام واالســتقرار
االجتماعــي – وبالدنــا تصنــف ضمــن هــذه
الخانــة- حيــث الطبقــة السياســية فيهــا ال
تــزال تتنــاوش بينهــا وتتقاتــل علــى المناصــب
والمكاســب الماديــة علــى حســاب المواطــن
العــادي، وحيــث ال تــزال األزمــات االقتصاديــة
الخانقــة ســببا فــي ظهــور العديــد مــن المشــاكل
المتولــدة مــن الفقــر المدقع؛مــن قبيــل الهجــرة
غيـر الشـرعية نحـو البلـدان األوروبيـة، والنـزوح
مـن األريـاف نحـو المـدن الكبيـرة، وتكـون طبقـة
مــن األثريــاء الناهبيــن لثــروات البلــد وخيراتهــا،
وحيــث تنتشــر األمــراض االجتماعيــة األخــرى
كاإلباحيــة واللصوصيــة واالعتــداءات المتكــررة
علــى الممتلــكات واألشــخاص، فــإن نفــوذ
الزعامــات الدينيــة المعتبــرة قــادر علــى اإلســهام
بشـكل كبيـر وفعـال فـي إيجـاد مخـرج مـن هـذه
الوضعيـة، وفـي نشـر خطـاب تهدئـة بيـن شـركاء
السـاحة السياسـية، إلعـادة السـلم والتوافـق إلـى
للبلــد، والعمــل علــى وضــع الخطــوات األولــى
لتحقيــق هــذه األمنيــة الغاليــة: الســلم العــام
واالســتقرار االجتماعــي للجميــع.
سمب أم جو
9
ّ إن حــب ُ الســعادة فطــرة بشــرية، جِبــل عليهــا
ُ االنسـان، منـذ أن كان فـي بطـن أمـه جنينـا، إلـى
أن صـار فـي المهـد صبيـا، وال ينفـك عنـه حتـى
لـو بلـغ مـن الكبـر عتيـا، فهـي )السـعادة( الشـغل
الشــاغل للجميـع.
ولئــن اختلــف النــاس فــي تفســيرهم لمفهــوم
الســعادة، أو تباينــت وســائلهم فــي ســبيل
تحقيقهـا، فلـم يختلفـوا عـن الهـدف الـذي مـن
ّ أجلـه يعملـون؛ فالتاجـرـ وهـو يغـدو إلـى متجـره
ـ همــه كلــه أن يحقــق الســعادة لنفســه ولعيالــه.
والعامــل الــذي يضــرب فــي األرض يبتغــي مــن
فضـل اللـه، أو المـزارع الـذي يـزرع ارضـه فتبـت
زيتونـا ونخـا، وحدائـق غلبا، هدفهما األساسـي
أن يضمنـا ألنفسـها ولذويهمـا السـعادة. والعابـد
الزاهــد عــن الدنيــا، المنعــزل عــن النــاس، إنمــا
يســعى لنيــل الســعادة األبديــة.
فاالختــاف إذا، ليــس فــي الهــدف، وإنمــا
هــو فــي مظنــة الســعادة لــدى كل منهــم، وفــي
الوسـ ائل المتخـ ذة لنيلهـ ا، ]إن سـ عيكم لشـتى[
فالـذي يـرى أن مكمـن السـعادة فـي مرضـاة اللـه
تعالـى، وفـي تحقيـق العبوديـة لـه، ال يألـو جهـدا
فــي القيــام بــكل مــا مــن شــأنه إرضــاء الخالــق،
فيسـبح بحمـد ربـه بكـرة وأصيـا، وال يفتـر عـن
ذكـر مـواله آنـاء الليـل وأطـراف النهـار، ثـم إنـه ـ
بعـد التسـبب والكسـب ـ يرضـى بمـا قسـم اللـه
لــه، وال يقــول: أهاننــي ربــي إذا مــا ابتــاه ربــه
فقـدر عليـه رزقـه، فمرضـاة اللـه بالنسـبة لـه هـي
الســعادة، وأيمــا ســعادة.
والـذي يؤمـن أن السـعادة رهينـة بتوفـر مقومـات
الحيـاة لـدى الفـرد ـ مـن أمـن، وطعـام، ومسـكن
يأويــه، وملبــس مــن البــرد والحــر يقيــه ـ قــد
يكتفـي بالمشـي فـي مناكـب األرض ليـأكل مـن
رزق اللـه، ثـم ال يلهيـه مالـه عـن ذكـر اللـه وعـن
الصــاة ]مــن أصبــح منكــم آمنــا فــي ســربه،
معافــى فــي جســده، عنــده قــوت يومــه، فكأنمــا
حيـزت لـه الدنيـا[
ّ وأمــا الــذي يتوهــم أن ال ســبيل إلــى الســعادة
إال بالحصــول علــى الماديــات، مــن القصــور
العاليــة، والســيارات الفاخــرة، واالســتمتاع
بــذوات الجمــال، فــا يهــدأ لــه بــال، وال تقــر
ً لــه عيــن، إال إذا وجــد فــي حوزتــه مــاال يحقــق
لــه ذلــك، ولــوكان علــى حســاب نفســه ودينــه
وعرضـه، وربمـا اسـتبطأ ّ رزقـه، أو تقـال نصيبـه،
إذا رأى أن أحـدا مـن خالنـه أو إخوانـه ـ ممـن في
أيـام الصبـا لعبـوا مـع بعـض، أو درسـوا جنبـا إلى
جنبـا ـ قـد أكرمـه ربـه ونعمـه. فيضيـق ذرعـا بمـا
ســول لــه نفســه الحســد
ُ آتــاه اللــه لهــذا األخ، فت ِّ
ويــأكل حســناته كمــا تــأكل النــار الحطــب،
ودس ر، تج ري به ا الري اح بم ا ال تشــتهي، ّ أو ربمــا جرتــه الغبطــة إلــى ســفينة ذات ألــواح
فيغــرق فــي أعمــاق البحــار التــي ال ترحــم، أو
تلتقمــه الحــوت وهــو مليــم.
ولعــل مــا نشــاهده االن مــن موجــات الهجــرة
لـدى الشـباب، وهـم يركبـون البحـار أو يسـلكون
القفــار، إنمــا ذلــك كلــه مــن أجــل البحــث عــن
هــذه الســعادة المفقــودة لديهــم، فليــت شــعري
أهـم مـن الصنـف األول أم مـن الصنـف االخـر؟
ُ أهــم ممــن اضطِهــدوا فــي بال ُ دهــم، واســتغلت
ت طــرق النجــاح أمامهــم،
ُ
ُ ثرواتهــم، وس ّ ــد
يــدت حرياتهــم، فيكــون ذلــك مبــررا لهــذه
وقِّ
ُ
المغامـرة، فيكـون سـعيهم طلبـا للسـعادة، لسـت
أدري!
أم هـم ممـن طمحـوا فـي ثـروة طائلـة، وطمعـوا
فيمـا حصلـه غيرهـم، فتركـوا أشـغالهم، وباعـوا
دكاكينهـم ومنازلهـم، ودفعـوا المالييـن وراهنـوا
بأنفســهم بالولــوج فــي البحــار فيكونــوا ممــن
يبحثـون عـن تعاسـتهم، وينطبـق عليهـم المثـل:
]مــن أوتــي نعمــة ولــم يشــكر خــرج منهــا مــن
حيــث ال يشــعر[ ، أفتونــي فــي أمــري!
الباحث: عبد العزيز كولي
تواوون 21/11/2023
10
أوال: شعر المديح
ّ المــدح فــن أصيــل فــي الشــعر العربــي،
عـرف شـأنه قديمـا وقـد اتبـع الشـعراء المتأخرون
نهـج وطريـق القدمـاء فـي األمـداح، وفـي المقابل
فقــد ســلك الممدوحــون مســلك مــن ســبقهم
حيــث يغدقــون الماديحيــن بالعطايــا الجزيلــة،
والهبــات النفيســة، والمنــح الجســيمة. وقــد
تطــور شــعر المديــح فــي العصــر الحديــث إلــى
ّ منزلـة رفيعـة، والشـعراء فيـه يصوبـون، اهتمامهـم
فـي المقـام األول بالتعبيـر عـن المعانـي السـامية
والقيــم النبيلــة، والغايــات الهادفــة، التــي يلتقــي
فيهـا الجميـع كالنزعـة والمبـادئ الدينيـة والقيـم
الوطني ة، وبالتالــي العنايــة بالصفــات الحميــدة،
واألخــاق الفاضلــة »ككــرم النفــس، وســماحة
الخلــق، والعفــة، والتجــارب الثريــة، والدهــاء،
والبطوليــة، واال تصــاف بالشــخصية القياديــة
الخبيــرة، ومــا إلــى ذلــك ممــا يتــواءم ويتناســب
ذوق العصــر، ويرتــاح لــه الممــدوح بــاال.
وعنــد مــا نلقــي الضــوء لمحاولــة الكشــف
وإزالــة اللثــام عــن شــعر المديــح لشــاعرنا
العالمـة، الشـيخ المربـي، السـيد محمـد المنصور
ســه الثانــي الخليفــة العــام للطريقــة التجانيــة
)1997ــــ2012م( نالحــظ بــأن الشــيخ محمــد
المنصـور سـه الثانـي تطـرق غـرض شـعر المديـح
وبـرع فيـه براعـة فنيـة متميـزة، فمدحـه رضـي الله
عنــه يوجهــه ويخصــه فــي المقــام األول لســيد
الوجــود وعلــم الشــهود، ويتجلــى ذلــك عنــد
البحــث عنــه مــن خــال طائفــة مــن قصائــده،
وأبرزهــا عنــد التصنيــف والنظــر إلــى األهميــة
منهـا فقصيدتـه التائيـة، للدفـاع عـن النبـي صلـى
اللـه عليـه وسـلم ولنصرتـه، وسـار في ذلـك تماما
علـى سـنن الشـعراء فـي صـدر اإلسـام، يقومـون
بالدفــاع وبالــذب عــن النبــي وحمايتــه بســاح
القلــم ألن ســاح الشــعر أشــد وقعــا وأبقــى أثــرا
مـن وقـع السـنان؛ فكتـب الشـيخ هـذه القصيـدة
ّ للـرد علـى مـن تجـرأ برسـم صـورة النبـي صلـى
اللــه عليــه وســلم، والقصيــدة تبلــغ 32بيتــا مــن
بحـر الطويـل، وتعتبـر واحـدة مـن أحسـن وأروع
مــا نظــم وقيــل فــي الســنغال، بــل وحتــى فــي
خرجهــا. وقــد قــام الشــيخ عبــد العزيــز بمناســبة
إلقــاء القصيــدة أمــام الحضــور مــن الجماهيــر
والضيـوف بمناسـبة يوميـة الزيـارة السـنوية، التـي
أهــل »دائــرة المنتدبيــن لتعليــم علــوم الديــن،«
مبديـا أثنـاء خطابـه فيهـا سـمو معانـي القصيـدة،
وأنهـا مـن أروع مـا كتـب لنصـرة النبـي صلـى اللـه
عليــه وســلم، وهــذا انطالقــا وبنــاء علــى أعمــال
البحـوث العليمـة التـي قـام بهـا علمـاء المسـلمين
فـي العالـم عمومـا، وفـي البلـدان اإلسـامية بوجه
خــاص. ونقتطــف منهــا هــذه األبيــات اآلتيــة:
ّـت يداكـم أيهـا العصبـة التـي
فتب
ّ البريــة
تســيئ برســم البــدر ســر
ْ عليــه برســمه
ُ تجرأتــم أنتــم
أيرســم نــور ال يـــطاق بنظــرة
11
هـو الجوهر المكنون والسـبب الذي
فلــواله مــا كان الوجــود بخلقــة
وأرواح كال المهتديـن بـه غـدت
مـن السـقي أنـوارا لكشـف الجنّة
مــن األنبيــا والمرســلين وغيــره
مـن المؤمنيـن روحـه أصل نشـأة
فمـن لم ينل من سـقيه بـات ملحدا
ّ وعــاش شــقيا كافــرا كل دعــوة
فهـذا رسـول اللـه والسـند الـذي
شــفاعته ترجــى غــدا يــوم رهبــة
ّ فهـذا رسـول اللـه والسـلم الـذي
بـه يرتقـي األبـرار سـيرا لحضـرة
فهــذا رســول للبريّــة كلهــم
ســعادتهم وفوزهــم عيــن رحمــة
فهـذا رسـول الله واألكمـل الذي
فمـا رمقـت عيـن شـبيها لروعـة
فهـذا رسـول اللـه والمنبـع الـذي
فيوضاتـه تجـري إلـى يـوم نفحـة
فهـذا رسـول لـن تـر العيـن مثلـه
مــن الخلــق والخلــق فأكبــر آيــة
ندافــع كلمــا قــام معتــد
ّ فأحمــد حــق عزنــا أي عــزة
كمــا أننــا نأبــى اإلســاءة نحــوه
لنرفضهــا قطعــا تجــاه األئمــة
رويدكــم هــذا االمــام مالذنــا
وقدوتنــا فــي ديننــا أي أســوة
علىـ مهلك م إنـا اعتصمنـا بحبله
بملتــه اإلســام نحيــا كأمــة
إلى أن قال:
صـاة وتسـليم علـى خيـر مـن دعـا
جميـع الورى للدين جبرا لكسـرة
مـع اآلل واالصحاب ما قلت منشـدا
ّ البريــة
تســيئ برســم البــدر ســر
وباإلضافـة إلـى جانـب ذلـك فقـد خصـص
الشـيخ محمـد المنصـور سـه لطائفـة مهمـة مـن
مشـايخ البـاد السـنغالية، من أصحـاب الزعامات
الدينيــة الصوفيــة فــي الطريقــة التجانيــة، وفــي
طليعـة هـؤالء شـخصية والـده، ومحبوبه وشـيخنا
الشــاعر فخــور ومعتــز بــه ومتعلــق بجنابــه غايــة
التعلـق، والزم بعتبـة بابـه فـا يفارقـه، فالقصيـدة
12
مــن بحــر البســيط، والقافيــة هائيــة يمتــدح بهــا
الشــيخ محمــد المنصــور شــيخه ووالــده الشــيخ
أبــا بكــر ســه الخليفــة ابــن الحــاج مالــك ســه
رضـي اللـه عنهـم أجمعيـن، ويعـدد فيهـا مناقـب
شـيخه العـارف باللـه، منوهـا بمسـاعيها لحميـدة،
الجليلـة كاإلرشـاد والهدايـة بالنـاس، وأنـه رضـي
ّ اللــه عنــه بقضــي جــل أوقاتــه ســاهرا لمواســاة
األنــام، ويربيهــم ويعلمهــم حرصــا منــه علــى
أن يفــوزوا بالرضــوان والفــاح فــي الداريــن،
وشـيخنا الشـاعر يرغبنـا مـن خـال القصيـدة فـي
زيــارة الشــيخ الخليفــة أبــي بكــر ســه، باعتبــاره
كنـز الهدايـة، ومحـط اإلجابـة، الـذي يفـد النـاس
إليـه علـى متـن المراكـب وعلـى المشـي باألقـدام
جماعـات ووحدانـا متزاحميـن إلـى سـاحة مغناه،
أمــا فــي لقيــا عطاءاتــه الربانيــة الجســيمة، ألنــه
هــو كهــف الســماحة، وعــذب المناهــل، وحلــو
الشــمائل، فقــال رضــي اللــه عنــه :
َ ْع َ ــاهُ
أ
إلَــه ُ
ِ
ْ
َِــة واَل
ُ َ الخِليف
زَ ْور
ْ َـواهُ
ْ َض َ ـى ويَه
َك َمـا يَر
َ
ِن ُِ ـي المريـد
يُ ْغ
من زاره قدر حلب الشاة من زمن
يفـز بـه مـا نـوى مـن سـيب نعمـاه
مـن زاره بسـليم القلـب نـال منـى
ّ فاســأل بــه كل مــن تــراه يغشــاه
أعني الخليفـة نجل القطب مالكنا
مـن قـد هـدى النـاس لاللـه ملجاه
كهف الس ماحة بل كن ز الهداية بل
عــون البريــة مــن مرضــات مــواله
بشـرى للكـم خير قـوم نلتـم وزرا
يهــدي المريــد إلــى جنّــات مــأواه
إلى أن قال في خاتمة القصيدة :
علـى النبـي أفصـح اآلنـام قاطبـة
ّا ســاماه
وآلــه صحبــه طــر
مـا قال منصور في االنشـاء مرتجال
زور الخليفــة وااللــه أعــاه
يبــدو أن الشــيخ محمــد المنصــور اطلــع
بقصيـدة هائيـة مقطوعـة الضـرب لوالـده الشـيخ
أبــي بكــر الخليفــة فتأثــر بهــا أي تأثــر ونســج
قصيدتــه علــى منوالــه، ولــم يحــد عنهــا وزنــا
وقافيــة، نظمهــا والــده ممتدحــا الشــيخ أحمــد
التجانــي الشــريف، ومطلعهــا:
الحمــد للــه هــذا الشــيخ ربّــاه
خيـر الوجـود الـذي أعـاه مـواله
ومــن عــادة الشــيخ محمــد المنصــور أنــه
ّ يوجــه ويخــص أمداحــه ألهــل الصــاح والعلــم
مـن الشـيوخ، فـا نـراه فـي هـذا البـاب مـن شـعر
13
المديـح، يرفـع ريـش قلمـه لكـي يمـدح أحـدا من
النـاس، جريـا وراء مطامـع مـا، ولكـن ينظـم شـعر
المديـح للتنويـه علـى تمجيـد مواقـف لشـخصية
أو ألشـخاص مـن قـد تربطـه بهـم صـات القرابـة
الدينيةـ، أو القيـم الـو طينيـة أو القرابـة الثقافيـة،
مـن أهـل الفضـل والصـاح، أو مـن فاعلـي الخير
ّ لعــز اإلســام والمســلمين. ومــن نمــاذج شــعره
فـي هـذا الخصـوص، قصيـدة مديحـه لصاحـب
الجاللـة الملـك محمـد السـادس، ملـك المملكـة
المغربيــة الشــريفة، الشــتغاله واهتمامــه الدائــم
بأمـر اال والمسـلمين، ويعـد ملـكا مـن بيـن أبـرز
المحسـنين فـي سـبيل اللـه بدليـل تقديـم أياديـه
البيضــاء، ومؤازرتــه لدينــه الحنيــف، واشــتغاله
برفـع الرايـة لسـنة نبيـه األكـرم، وتكريـم العلمـاء
والمشـايخ الصوفيـة، ومـن نمـاذج ذلـك إهـداؤه
للشـيخ محمـد المنصـور سـه الثانـي »بـروم داري
ّ » مجموعــة تذاكــر للحــج يبلــغ عددهــا إحــدى
عشـرة تذكـرة، فبعـث الشـيخ إلـى جاللـة الملـك
محــد الســادس – لإلشــادة والتنويــه بفعلــه
الجميــل – رســالة شــكر لــه، ودعــاء لــه بالخيــر
والتوفيــق فــي تحمــل مهامــه، يختتــم الشــيح
كلمتـه بقصيـدة شـعر يمـدح فيهـا جاللتـه، علـى
عملــه الكريــم ،بحيــث يســهل ويتيــح جاللتــه
لبعــض المكلفيــن مــن المســلمين فــي الســنغال
فرصـة أداء فريضـة الحـج خامس أركان اإلسـام،
فقـال قصيدتـه بعنـوان: الوفـاء فـي ذكـر مناقـب
صاحـب الصفـاء، فـي واحـد وثالثين بيتـا)31(،
ومطلعهــا:
فجــزى األميــر لنــا إلــهُ النــاس
ِ أعني الشـريف محمد المكناسـي
ّ بــل مغربــي الملــك قــاد بــاده
لبنـاء مجـد الديـن فـوق أسـاس
أهـدى لنـا أغلـى الهديـة قاصـدا
وجــه االلــه الخالــق األجنــاس
ُّ ُّ مــا وتحســبا
ِســخيَ ْت يــداه تكر
مـن فضلـه كالغيـث بعـد اليـأس
ّ ّ ــة للحجــاز لحجــة
فدعــا األحب
ِ وزيــارة روض النبــي اإللياســي
ُّ ّ األميــر وبحــره قــد موجــا
ِبــر
ّ فجميعنــا غرقــى بــرب النــاس
ْ
ِّ ْ فت ُ بقدومكــم
َ شــر
إن الطريقــة
ملــكا كوالــده رفيــع الــرأس
إنــي وقومــي واألحبــة جملــة
ّ ّ شــك ّ ر والدعــا لآلســي
نبــدي الت
أعنـي الكريم ابـن الكريم محمدا
السـادس فـي المغرب األلماسـي
ورعــى االلــه لشــخصه ولشــعبه
مـن فيضـه المـدرار أعـذب كاس
صــن ربنــا هــذا األميــر وشــعبه
ّ وألهلــه مــن مفســد جســاس
ْرك باركــن أعمالــه
ِ واســتره ســت
ولشــعبه فــي وحــدة األنفــاس
ّ ّ التقــدم والرقــى
بــل ال يــرى إال
ّــاس
ِّ بالعب
نحــو العــا والعــز
أعنـي التجاني شـيخنا وبجاه من
ّ هـو جـده المسـرى بـدون نعـاس
ّ وبجاه شـمس الدين جد ٍ ي مالك
ِ انْــدراس
مبــدي المعالــم فتــرةَ ال
ويالحــظ فــي هــذه القصيــدة أنهــا تحولــت
وانتقلـت مـن غـرض المـدح إلـى غـرض التوسـل
إلـى اللـه تعالـى بدعـاء الخيـر للملـك، وهـذا يدل
علــى أن الرجــال المتصوفــة يعطــون األولويــة
فـي كل شـيء اللجـوء إلـى اللـه ألنـه هـو القـادر
والقديــر علــى تحصيــل كل شــيء، والصفــات
التــي يضفيهــا الشــاعر الشــيخ محمــد المنصــور
يراعــي فيهــا مــواله ألنــه تعالــى: »مــا يلفــظ مــن
قــول إال لديــه رقيــب«.
بقلم عبد العزيز سار،
باحثا للشيخ محمد المنصور، بمدينة تواون
السنغال
14
مقومات االستقرار االجتماعي، تأصيل في
في تراث الحضرة المالكية
اإلنسـان بطبيعتـه كائـن مجبـول علـى حـب
الســام والعيــش فــي ســياج األمــن واالســتقرار
واالطمئنــان، ســواء علــى المســتوى الفــردي أو
الجماعــي، فمــن المعقــول أن يعيــش المــرء فــي
عالــم الســلم واالســتقرار واألمــن طيلــة حياتــه
وال يزعجــه ذلــك أبــدا، بــل يزيــده رفاهيــة
وهنــاءة وتمتعــا بحياتــه، لكــن العكــس غيــر
معقــول منطقيــا، فــا يمكــن للمــرء أن يعيــش
فـي فتنـة دون أن تزعجـه وتقـض مضاجعـه ولـو
فــي لحظــات قليلــة مــن حياتــه، وهــذا يعنــي أن
االســتقرار صفــة طبيعيــة فــي اإلنســان وحاجــة
فطريـة، فـأي عـارض الح لتعديـل هـذه الطبيعـة
يـؤدي إلـى تدهـور فـي حالتـه، وقـد يدفعـه ذلـك
التدهــور إلــى تهــور فــي تصرفاتــه ومعامالتــه.
وللـه المثـل األعلـى حيـث يصـور لنـا طبيعـة
اإلنســان، الــذي هــو خالقــه وباريــه، وهــو أدرى
من ا م ن نفس ه، يق ول -ج ل وعلا:- } وإذا
مــس اإلنســان ضــر دعــا ربــه منيبــا إليــه ثــم إذا
خولــه نعمــة منــه نســي مــا كان يدعــو إليــه مــن
قبــل وجعــل للــه أنــدادا ليضــل عــن ســبيله قــل
1
تمتـع بكفـرك قليـا إنـك مـن أصحـاب النـار{
فاآليــة تثبــت وتؤكــد أن االســتقرار
ـي فـي اإلنسـان؛ إذ اإلنسـان
ِّ ٌّ
والطمأ ِ نينـة شـيء جبل
لحظــة شــعوره بغيــاب هــذه النعمــة اإللهيــة
ِ يصبـح قلَقـا هلوعـا، وفـي مثـل هـذه الحـاالت ال
يسـتطيع إنجـاز شـيء ذا قيمـة تذكـر، ألن اإلنجـاز
نتـاج عمـل فكـري، والفكـر وثيـق صلـة بالحالـة
النفسـية، أضـف إلـى ذلـك أن الفتنـة ال تصافـح
بــه، ومــن ثــم يصبــح اقتصــاد
َّ مجتمعــا إال خر ُ
المجتمــع يــرزح بيــن مطرقــة وســندان.
فمــن هنــا تتجلــى أهميــة هــذا الموضــوع
)مقومـات االسـتقرار االجتماعـي؛ تأصيـل فـي
تــراث الحضــرة المالكيــة( وتتكشــف ضــرورة
1 سورة الزمر/ آية 8
معالجتــه؛ لمــا لــه مــن أثــر فعــال فــي دفــع
عجلــة التقــدم واالزدهــار للبلــد؛ ألن االســتقرار
االجتماع ي ولي د أمـ ن اجتماعـ ي و«األمــن
هــو األســاس والمنطلــق للتنميــة والتطــور،
وهــو الســاح الفاعــل فــي مواجهــة الخــوف،
وهــو الصيانــة والوقايــة لمنجــزات الحاضــر
2 ب ل ه و البوابـة األساسـية لالنفتـاح
والمسـتقبل«
أمـام دول أخـرى لتحقيـق تعـاون متبـادل يرجـع
بالنفـع العـام إل ى البل د: وقـد أثبـت ذلـك القـرآن
الكري م فــي قولهــ تعالـ ى:} وضــرب اللــه مثــا
قريــة كانــت آمنــة مطمئنــة يأتيهــا رزقهــا رغــدا
مـن كل مـكان فكفـرت بأنعـم اللـه فأذاقهـا اللـه
لبــاس الجــوع والخــوف بمــا كانــوا يصنعــون{
اتضــح مــن اآليــة أن باألمــن االجتماعــي ينمــو
اقتصـ اد المجتمـ ع.
»أمـا إذا نعـدم األمـن فـإن ذلـك يـؤدي إلـى
القلـق والخـوف ويحـول دون االسـتقرار والبنـاء،
ويدعــو إلــى الهجــرة والتشــرد، وتوقــف أســباب
الــرزق ممــا يقــود إلــى انهيــار المجتمعــات
ومقومــات وجودهــا، فنعمــة األمــن واالســتقرار
ّ فـي األوطـان، مـن أجـلِ النعـم التـي أنعـم اللـه –
3
تعالـى- بهـا علـى اإلنسـان بعـد نعمـة اإلسـام«
ولمــا كان االســتقرار االجتماعــي حاجــة
فطريــة وضــرورة حياتيــة للحفــاظ علــى الوجــود
اإلنسـاني وخلـق جـو يملـؤه الرفاهيـة والطمأنيـة
والتغلــب علــى األمــراض والجهــل والفقــر
المدقــع… جــاءت مقاصــد الشــريعة )حفــظ
الديــن والنفــس والعقــل والنســل »العــرض«
والم ال( خادم ة لـه فـي جميـع أبعـاده، وأصبـح
الحفـ اظ عليهـ ا وصيانته ا لحساســيتها ضــرورة
دينيـة وإنسـانية، فـي جميـع طبقـات المجتمـع.
هـذا، وقـد بذلـت الحضـرة المالكيـة جهـودا
ملحوظــة فــي ترســيخ االســتقرار االجتماعــي
وربـط أوتـاده. ولعلنـا سـنقف معـك أيهـا القـارئ
– فيــ ه ذه الورق ة المختصرــة – علــى بعــض
2 عبــد الســتار الهيتــي، مســؤولية األفــراد واألجهــزة الحكوميــة فــي
تحقيــق األمــن االجتماعــي. ص7
3 االســتقرار المجتمعــي: مفهومــه، مقوماتــه، ســبل تحقيقــه فــي
ضــوء مقاصــد الشــريعة اإلســامية. العــدد،36 الســنة: 2020م.
ص133
15
مقومــات األمــن واالســتقرار االجتماعييــن علــى
ضــوء تعاليــم وتوجيهــات الحضــرة المالكيــة.
ينبغــي أن نعــرف بــأن حلــول وبقــاء
االســتقرار فــي المجتمــع يتطلــب مقومــات
عــدة يتــأزز بهــا، ويقــوم علــى أساســها، وعندمــا
نسـتقصي تـراث الحضـرة المالكيـة نلفيـه زاخـرا
بتالـك المقومـات، وفيمـا يلـي سـنحاول إجمـال
بعــض منهــا:
الشــعور بضــرورة األمــن واالســتقرار
االجتماعييــن.
إن االهتمــام بشــيء فــرع شــعور بأهميتــه
وضرورتــه، فعلمــاء ودعــاة الحضــرة المالكيــة
مــن الشــخصيات الذيــن أدركــوا ضــرورة األمــن
وأهميتــه فــي البــاد، فهــا هــو الشــيخ الحــاج
مالــك ســي نجــده يعتــز بجهــود شــيخه الشــيخ
عمــر الفوتــي فــي إحــال األمــن علــى أراضــي
الســنغال ومحاربتــه الجــور والظلــم ومناهضتــه
الخــوف والزعــر مــن حدودهــا. يقــول:
َةً
ُ ْخ َضر
ِـه – م
َّ
ْ ُض -يَـا لَل
ر
َ
ْأ
َتُ ِْصب ُ ـح ال
ف
ََّغ ُ ــد
ُ َ والر
إ ْســلَام
ِ
ْ
ْ ُ ــن َ وال
م
َ
ْأ
َــا ال
ُّمه
يَُع
َُّه ُم
ُ َ وت ُ ( جل
َ ْه َ ـل )ف
س َ ـاق أ
ِْ ب َم ْن َ
ِرم
َ ْك
أ
َ ُ ـدوا
لِ آب ِّ ـي الد ِيـن َ و ْ اجتَه
َّ
َ َج َ اه ُ ـد ُ وا ك
ف
ٌ
ِد ُي ع َمــر
ِّ
ســي
سِــعٍيد َ
َّ َ ــذا ابْ ُ ــن َ
يَ َ ــا حب
َْولَ ُ ــد
َّ َ ــذا ال
َّ َ ــذا يَ َ ــا حب
َّ َ ــذ َ ا حب
يَ َ ــا حب
وكثيـرا مـا يرفـع أكـف الضراعـة إلـى اللـه داعيـا
للبـاد السـام واألمـن، يقـول في خطبـة العيدين:
ؤِمِن َينَ…و ْ اجَع ْ ــل َ ه َ ــذا
ــر ْج ُ هُم َ ــوم ْ الُمْ
ــم َ ف ِّ
َّ
للُه
َّ
َ»ا
ل
ِّ
ِت ِ يــه ِ رْزُق ُ ــه َ رَغ ً ــد ِ ا م ْ ــن ُ ك
ْ
َأ
نــا ي
ًّ
َل َ ــد ِ آمًن ُ ــا م ْط َمِئ
َ
ْالب
إ ْس َ ـاٍم…
َل َ ـد َ د َ ار َ ع ْ ـدٍل َ وِ
َ
َم َ ـك ٍان َ ، ،… و ْ اجَع ِ ـل ْ الب
م ْ ـن
َ ِّ
أ ْه َ ـو ِال َ وأ
َْ
ـا م َ ـا ن َ ـزَلِ بَن ِ ـا م َ ـن ال
ن َ
َّ
ـر َج َ ع
َ ْن ُ تَف ِّ
4 َوأ
اتَن ا »
َرْو َع ِ
التربية الروحية:
ال يتصــور اســتقرار ونفــس المــرء مغمــورة
بضبــاب األخــاق الالإنســانية، بــل تحتــاج إلــى
أنسنـتها وتطبيعهــا بطابــع إنســاني خليــق بحمــل
المسـ ؤولية وحمايتهـ ا، وذلـ ك يتـ م بتربيتهـ ا
وتزكيتهـا؛ ألن » عمـر اإلنسـان يمضـي وهـو فـي
صـراع دائـم بيـن الخير والشـر في عالمـه الداخلي
وعالمـه الخارجـي، ألن كليهمـا يريـد أن يتحكـم
فـي اإلنسـان…ويجب فـي تلـك الحـال أن يؤخـذ
العقـل تحـت نظـام معيـن. هـذا النظـام هـو تربيـة
الوحــي وإرشــاد األنبيــاء ، فالعقــل تحــت رقابــة
الوحــي يحمــل اإلنســان إلــى الســامة. ولكــن
العقــل لــو حــرم مــن إرشــاد الوحــي لــكان ســببا
5 فحــوى الــكالم
فــي ســوء العواقــب لإلنســان«
هــو أن األمــن الروحــي واالطمئنــان النفســي
مــن أهــم المؤشــرات فــي تحقيــق االســتقرار،
والعامـل فـي ذلـك هـو التربيـة الروحيـة النزيهـة،
4 خطبة العيدين للشيخ الحاج مالك سي
5 ّ عثمــان نــوري طوبــاش، الشــخصية المثاليــة الفريــدة، محمــد
رسوـل الل ه –ص- ط،2: مــط: دار األرقــم، ص214-213
16
التـي تنـزع نزغـات األنانيـة مـن نفـس اإلنسـان،
وتجعلـه يعـرف حـق ربـه وقـدره، معترفـا بقدرتـه
ومشيـئته –جــل وعــا.-
وال يخفــى علــى ذي بصيــرة أن هــذا كان
الـدور األساسـي لعلمـاء اإلسـام عامـة، وأخـص
بالذكــر علمــاء الحضــرة المالكيــة التــي أدت
لإلسـام ولإلنسـانية فـي هـذا المجـال خدمـة ال
تنسـى، وعلـى رأسـها الشـيخ الحـاج مالـك سـي،
وفــي بعــض قصائــد الشــيخ محمــد المنصــور
ســي مالــك إشــارة إلــى ذلــك الــدور، يقــول:
َ ً ــة
اللـه َ ت ْ ــرِبـي
ل ِ ــد ِين ِ
ُّ الـن ُـف َ ــوسِ
ُر ْض َ ـت
ْ َـت َ ـس َ ـم ْ ـتِ م ْـن ُـه َ الـم َ ـك ِ ـاي ُ ــيـد
ما اب
ـل ُ ـيس َ
ْ ِ
إب
ِ
وقال في توصياته:
م ْه َمــ َ ا ت ْشـَتِه َي فَلَكـ ْم
َّ النْفـ َس َ
الـ ِف
َو َخ ِ
6
ل َادا
َّ
الط ْر َف َ ج
َّ
ض
َّ
ظ ُ غ
َّ
َت ْ ــحِو ِي بِه َ الــح
-3 األمن الفكري:
التنميــة الفكريــة والتربيــة الثقافيــة ضــرورة
ملحــة لتحقيــق االســتقرار االجتماعــي، ألن
اإلناــء –كمـا يقـال- بمـا فيـه ينضـح، والجيـل
المشـ حون عقلـ ه بمعـ ارف خاطئـ ة ومفاهيـ م
متطرفـة، ال شـك أنـه سـينقلب نقطـة سـوداء وداء
عض اال فــي مجتمعــه بتصرفــات بالغــة الغايــة
فــي البشــاعة والتطــرف واالعتــداء؛ لهــذا يتحتــم
انتقـاء المحتويـات المدروسـة وغربلتهـا مـن كل
شــائبة، ال عالقــة لهــا بالديــن الســمح، لحمايــة
عقــول الناشــئة مــن األفــكار المنحرفــة المتلوثــة
6 سي الحاج منصور )مالك(، ديوانه، ص69
بالمعتقـدات والمفاهيـم الخاطئـة لتعاليـم الديـن،
والتــي قــد تــؤدي بهــم إلــى ســوء تفاهــم بينهــم
وعـراك فكـري يزعـزع فـي النهايـة اسـتقرار البلـد.
لهــذا، كان الشــيخ الحــاج مالــك يناشــد
علمــاء اإلســام المتبوعيــن بقولــه:
ؤ َ اخ ُ ــذوا
ْ َ ــا تَُ
تْبَ َ ــاع َ كي
َ
ْأ
ُِّهــوا ال
َ نَب
ال
َ
أ
س َ ــوِاء
ِّ ــي الد ِ يــن دُ َون َ
َ ْحَدثُ ِ ــوا ف
ِب َمــا أ
ُ تَِاب ٍــع
َلَــة
ْبُ ٍ ــوع دَال
َت
ل م
ِّ
َعلَ ُ ــى ك
ْ ِ ــب َ ع َط ِ ــاء
ِ ل َجل
َ
َ ْج َ ــدى ال
ِل َم ُ ــا ه َ ــو أ
ٍَة
إ َجــار
ْ ٌض َ ولَ ْ ــو ِ بِ
َــر
ْ ف
ِْل ُ يمُهــم
َوتَع
َ ِ ــاء
َ ِ لق
ْ ُ ــم يَ ْ ــوم
إث
ِ
ْ
َــك ال
ْ
َّ َ علَي
إال
َوِ
ويقــول الشــيخ محمــد المنصــور ســي
»بــروم داري«:
7 أناشد إخواني من الدين جملة على فهم
وعي الدين فقها كسيرة
الدعوة إلى السالم:
ّ مــن أحــب شــيئا دعــا إليــه وتــزي بزيــه،
ومعلـوم أن الحضـرة المالكيـة فئـة مولعـة بحـب
الســام والدعــوة إليــه، وترســيخ أوتــاده فــي
المجتمـع، يقـول الشـيخ الحـاج مالـك سـي فـي
خطبتــه المشــهورة التــي مازالــت تقــرع اآلذان
وتأســر األفهــام والقلــوب بعبرهــا وزواجرهــا،
ُ َ ــف،
َّ الت َخال
َّ ُاك ْ ــم َ و
إي
ِ
َّ ــا الن ُ ــاس:
يَه
َُّ
تحتف ظ: »أ
ُ ُ ــف
َّ الت َخال
ُ َ ــف ،َ و
َّ التآل
اللــه َ و
ْ ِ ــل ِ
َو ْ اعَت ِصُم ِ ــوا ب َحب
َّ ـا الد ْه ُ ـر
ضَن
ُّ
ََع
ـه ي
ـه ،َ وِب ِ
الِ ب ِ
َّ
إ
َلُك ْ ـم ِ
ْ
م ْ ـن َ قب
َم َ ـا هَل َ ـك َ
ــه …«
ِبَن ِاب ِ
فهــذه دعــوة مباشــرة للمجتمــع إلــى إعــادة
ميــاه الســام إلــى مجراهــا، ويقـ ول فيهـ ا –
أيضـا- واصفـا حالـة المجتمـع ومفهـوم السـام
َ ْ ــوَم َ ال ُ ت ْس َــل ُك
ــة ْ الي
َ ِ
افي
عنــد أهلــه: َ »…و ُس ُ ــب ُل ْ الَع ِ
ـا ل َس ُ ـان ْ ال َح ِ ـال ،َ فَما
َُن ِ
ّذب
َ َـز ُ ال ُ يَكِ
الِ ب ْال َمَق ِ ـال ،َ و َال ي
َّ
إ
ِ
ة َ ال
ٌ
َ
ْ ِص ُـر ،َ وُقُل ٌ ـوب َ ق ِاسـي
ة َ الُ تب
ٌ
ـون ناَ ِظ َـر
ٌ
ال ُ عُي
َّ
إ
ِ
َلَنـا
ائ َ ـن َ ق ْـد
ن َّ الرَه ِ
أَّ
َ
ِ
ْ َآذ ِان؛ ل
ـد َ ص َم َ ـم ال
َّ
َ َش
ُتَفِكّ ُـر ،َ فَمـا أ
وا«
اتِخ ُ ــذ ُوه َ ع ُ ــدًّ
َّ
َْط ِان ،َ ف
الشــي
َّ
َغِلَق ْ ــت ِ عْن َ ــد
التربيــة علــى أخالقيــات التعايــش
ا لســلمي
تبنـت الحضـرة المالكيـة- منـذ نشـأتها-
7 من قصيدة فتبت يداكم للشيخ محمد المنصور سي بروم داري
17
منهــج تربيــة أتباعهــا علــى تحــري الصبــر
ّ والتغاضـي عـن كل مقولـة تقـود قـارورة السـام
وتزلــزل عمـاد االســتقرار، يقــول الشــيخ الحــاج
مال ك س ي ف ي إح دى توجيهات ه األتب اع: »َولَا
ْ َ ـر لَاِئ ٍ ـق ،َ وِفـي
ًْئ َ ا غي
ف ُيك ْ ـم َ شـي
َُق ُ ـول ِ
ُ ِ ـوا ب َم ْ ـن ي
َال
ُتب
َ َ ـارَك
َّ ُـهَ تب
َ ِاخُك ْم ،َ وَم ْ ـنَ ك َان الل
َ ْشـي
َطِر ِيقُك ْ ـم ،َ وِفـي أ
ـلَم
ـه َ و َس َّ
ْ ِ
َّ ُـه َ تَع َال َ ـى عَلي
لـى الل
َّ
ُُه َ ص
َوَتَع َال َ ـى وَرُسـول
َ ْ ـل
ـرُكِ بَش ْ ـيٍء، ب
َّ
ََت َح
ـه َ ف َـلا ي
ً َ ا عَل ُ ـى خ ُص َومِت ِ
َوِكيـل
ــه َ … وَم ْ ــن
ــة َ نْفِس ِ
َ ِ
َ ْعِن ِ يــه َ وُم َح َارب
َ ُ ــد ُوم َ عَل َ ــى مــا ي
ي
ُك ْ ـم
ْ
إَلي
ِ
ـاء
َ َس َ
ـه ،َ وَم ْ ـن أ
ْ ِ
إَلي
َ ْحِسُـنوا ِ
ُك ْ ـم َ فأ
ْ
إَلي
َ ْح َس َ ـنِ
أ
ــرُه »
َ ْكِفُك ْ ــم َ ش َّ
ــه، ي
َّ ِ
إَلــى الل
ِ
َ ْم َ ــرُه
َفِكُلــوا أ
ـه
َّ ِ
َ ْع َـد َ نْفِس ِ ـي بَتْق َـوى الل
ُ ِوص ُيك ْ ـم ب
َ ويقـول: وأ
ف َ ــي ش ْ ــيٍء
ــرِك َ و ْال َ ــكَل ِام ِ
ُّ
َّ الت َح
ْالَعِظ ِيم َ …و َع َ ــدِم
ل ِ ــم،
ُّ
َّ التَع
أ ْر ِض َ ، و
َْ
َ ِ ــاء ْ ال َم َس ِ ــاجِد َ ، وال
إ ْحي
ْ ِ ــر ِ
َغي
َّ الن ِ ــاس ِب ُح ْس ِ ــن
ــة َجِم ِ يــع
امَل ِ
َّ الت ْعِل ِ يــم، َوُم َع َ
َو
َِّتِه ْ ــم«
أَد ِب ُ ، مُل ِوكِه ْ ــم َ ، وَرِعي
َْ
ال
هــذه وغيرهــا مــن التوجيهــات التــي لهــا
مفعولهـا فـي ترسـيخ سـام المجتمـع السـنغالي
برمتــه.
تبادل االحترام
يقــال: تنتهــي حريــة الفــرد حيــث تبــدأ
حريــة اآلخريــن، وهــذا مبــدأ أساســي فــي
ترســيخ األمــن االجتماعــي، إذ تعتبــر مراعــاة
آراء ومعتقــدات اآلخريــن، واحترامهــا مــن أهــم
مقومــات االســتقرار فــي المجتمــع، خاصــة فــي
المجتمعــات المتعــددة التوجهــات الفكريــة
والعقديــة، فالمجتمعــات التــي ال تحتــرم فيهــا
حريــة اآلخريــن، دائمــا ترضــخ تحــت ضغــوط
فتــن ال انتهــاء لهــا؛ حيــث يصبــح يحكمهــا
نظــام الغابــة؛ يــأكل القــوي الضعيــف، لهــذا
كان الشــيخ محمــد المنصــور ســيبروم داري
يناشـد السـلطات الدوليـة فـي خطاباتـه إلـى سـن
قوانيـن تضمـن أمـن جميـع المجتمعـات تحـت
مظلـة االحتـرام المتبـادل، يقـول: »وأقتـرح علـى
األســرة الدوليــة جمعــاء إيجــاد وفــاق دولــي
يكفـل ويضمــن لكافــة األديــان بالتمتــع بحريــة
ممارســة العقائــد والشــعائر والعبــادات، وســن
قانــون دولــي يقضــي ويلــزم الجميــع باالحتــرام
والصيانــة للثوابــت، أي؛ األديــان، وينهــى عــن
االنتهـاك والمسـاس بالمقدسـات والعقائـد حتـى
يتسـنى للعالـم أن يعيـش فـي جـو يسـوده األمـن
8
والســلم واالســتقرار واالحتــرام المتبــادل«
ه ذا، وال أختتمــ كالم ي دون ســرد جزئيــة
مــن إرشــادات المصلــح االجتماعــي الكبيــر،
المشــهور عنــد القاصــي والدانــي الشــيخ الحــاج
عبــد العزيــز ســي الدبــاغ، الــذي مــا زال صوتــه
مسـموعا، ومواقفـه مضـرب مثـل فـي اإلصـاح
االجتماعـي، فهـو علـى الرغـم مـن انتقـال روحـه
إلـى جـوار ربـه فإنـه الغائـب األشـد ظهـورا مـن
الحاضــر، لنصــغ إلــى هــذا الخطــاب التوجيهــي
اللطيـف الزاخـر بمعانـي اإلصـاح الهـادف إلـى
كب ح جمــاح الوشــاة الراغبيــن فــي شــن غــارات
الضغــن والعــداوة بيــن الطــرق الصوفيــة فــي
الســنغال، يقــول:
َلَ ْ ـك َ جنَ َب
ُطوبَ ْ ـاكِ تَو ْ اُون َ جِسـينَ ْك َ جام
َلَ ْل
اس ْ ـان ُ ك ْمِـجِ ر ْكِ تر
ِي ْ يـن َ و َج َ
َ
َك َ ـذ َ اك ال
ْ
ِهم
ِع
َ ْج َم
ْبَِاق َ يـن أ
َ َ ـع ال
َك َذ َ اك – َصِاح – م
ْ
ُ ِوفِك ْ ــس ِ ك ْ ــن ِ ج ُجــوم
يَ ْ ــو ف
ُ ْ ــك َك ْل ِ تبُ ْ ــل دُيَ َ ــد ْل
ف
َلَ َـو ْخ يَْو َس َ ـا خِـر ْت بَ َجبَـهْ
َّ ْ ـلِ جِ لـي م
َجب
ُنَ َ ـاك تَنَ ْل
ِر ْت م
ِف ِ ـي ل َ يمَو ْخ َ خ
يَ ْ ـو ُ س ِ ـو د
ْ
َُهــم
َ ْج َمع
ــكِ ر َج َ ــال ِ اللــه أ
ُ ُّ
نَ ْ ــج َ هنْ َ ــد ف
َ ْكِد ريَ ْل
َ ْ ـالِ لَو ْجِـه ِ اللـه أ
ْم
َهنْ َ ـد ْك ِ د ُحر
ِفتُ ْ ــل
َ
ــل َ انــد ْخ ر
َّ ِّ
َ ْكِ تق
بُِل ْ يــنِ د َ ك ْم َك ْمِــل أ
9
ِِّلينْ ً ـك َ كنُ ْ ـل
َْم َشِـايِخ لُِولـي بَي
ْ َ ـن ال
بَي
هــذا، ولعلنــا نكبــح زمــام القلــم هنــا،
خوفــا مــن اإلطالــة، علمــا بــأن هــذا الموضــوع
موضــوع واســع فضفــاض؛ فــا يمكــن هضمــه
فــي مقالــة محــدودة الصفحــات كهــذه؛ لذلــك
اكتفينــا بالتلميــح إلــى الجهــود التــي قدمتهــا
الحضــرة المالكيــة فــي الحفــاظ علــى االســتقرار
االجتماعــي، مــن أجــل توجيــه ســفينة المجتمــع
السـنغالي إلـى سـواحل السـام، واألمـان، ولعـل
القـدر سـيواتينا بفرصـة أخـرى نسـتغلها لتكملـة
المقوم ات الباقي ة.
الباحث: شيخ أحمد التجاني ساخو
8 الشيخ محمد المنصور سي »بروم دارج«، الشؤمة على هامة
البومة«، تاريخ اإلصدار/4:مارس/ 2006م
9 الحاج عبد العزيز الدباغ، ديوانه، ط،1 مط: بني ازناسن. سنة
2002م. ج.1 ص502
18
ف ِي ذْكِر ْ الَغَز ِال َ و َع ْن َ دِد
ف ْ ـي الِح ِ يـن ِ م ْق َـوِد ْ ال ْ قـــــــو َل ِ
ْ َدِع ٍخ َ ع ِ ــد ِيم ْ الِمْث ِ ـل ِ
ِلَشـي
ــــتي
َ ِ ا ب ْالُعُل ِ ــوم َ كَفْرَق َم ِ ــد َ ــاِذ َي وُق ْطِب ُ ــي قْدَوِت َ ــي وَو ِس َيل ِ
َ َ ـــراي
َف َ ــــف َ اق ْ الب
َّ الــرَدى
َ ِ ــاد ِ م َ ــــــن
إْنَق ِ ــاذ ْ الِعب
ِ
ِ
ــيط ل
ٌ
ُ ْ ا َلمِن ُ يـع ِ م َن ْ ـن َ ه ْ ـوِل ُ م ْكِم ِـد ِش
ُه َ ـــو ْ ال َمْل َجـأ
لُه ْ ـم
َّ
ل َّ ــور َف ِد َس َ ـاد ْ ال َـوَر ِى ب ْالِح ْ ــلِم َ و ْال ُج ِ ـودُ ك
َوِعْل ٍ ـــم َ و َ آد ٍ اب َ وِل ٍ ــيـــن ِ
ُّ التَق َ ـى فُخْذ
َ ِ ــد َ ـا ق ِ اص ًـد َ ا ن ْح َـو ْ الُه َ دى و
م ْق َص َفي
ْ ِ ــر َ
ــب َ ن ْح َ ــو َ خي
ٍّ
َن ِص َ يح َ ــة ِ ح
ائ ِ ــل َ و ْالُمَنـــى
ْ َ ــل ْ ا َلف َض ِ
ائ ًم َف ِ ــد َ ــا ني
َ َ ــا رِ
ْ ِخ ِ ـــي ت َ ــو ُ اُوون ُ – ت ْر َوي
َ ِّم ْ ــم َ ذَر َى شي
َفي
َ ِ ــادُروا
ْ َ ـل ُ ظْفٍـر َ فبـ
ُْت ْ ـم َ ني
إَل ْ ــى ال َمَت َ ــى م َغ ِ ــد َ ـا طَلب
ِ
مَف ً ــازا
نْلُت ْ ـــم َ
ــه ِ
َ ِاب ِ
إَلــى ب
ِ
َ َخ ُ اف ِ م ْن
ِْو ِي بِه لَا ي
َأ
م ْن ي
ََلْن َ ــدِد ِح ْص ُن َ
و ي
ُ ُ ــر ٍوق َ وُظْل ٍ ــم ِ م ُهَو ْ ال ْ ــن َ ع ُ ــدٍّ
ب
ـــة
َ ْه َج ٍ
ف ُي س ُـر ٍور َ وب
وِد ْم َ آب َ ش ْ ـخ ٌصِ
َّ
ْ ٍ ــر ُ م َفَك َ ــز
ف ُ ــي ح ْ ـــزٍن ِ ب َخي
1 َ ك َان ِ
َل َمــا
ـــه
م ْ ــرٍء لَاِئ ٍ ــذ َ ظ ْه َ ــرُه ِ ب ِ
ل َ
ُّ
َ َن َج ِ ــد ُ ــا ك
ل ْ ال َم َ ــك ِارِم ُ م ْرتـ
ُّ
ْ ِ ــل ْ الُمَن ُ ــى ك
ِبَني
َِّنــا
لَرب
َْو ْى الُو ُص ِ ــول ِ
ــا مــأ
ً َ
الب
َ َ ــا ط ِ
ي
َ
م َ ــاٍذ َ وُم ْر أ ِش ِ ــــد
ْ ٍخ َ
إَل َ ــــى شــي
ِ
َفَه ْ ــرِو ْل
َ ُ ـــادُه
قيـ
َ ِ ــى ل َم ْ ــن َ ه ِجِد َ ــذ َّ ا الصِم ُ يــم ِ
ـق ُ مْن َفُطوب
ِّ
إَل ْى ال َح
ِ
مْل َج َانـا
ُه َ ـــو ْ الُق ْط ُ ـــب َ
َ ً ــة
َ ْح ِص ِ ــي ب َم َ ــا ح َ ـــاز ُ رْتب
ات ٌ ــب ي
َ ْع َ ــد ُ مْنِش َف َ ــا َ ك ِ ــد ِ
ف ِ ــــي ذْك ِ ــرِه ب
َولَا َ ش ِ ـــاعٌر ِ
َ ِابُك ْم
َْن ِ ـا بب
ْ َخَن َ ا ه َ ــــا ن ْح ُ ـن ِ جئ
َ ِد َ ـا شـي
َ ْح َ ـــم َفي
َْنُت ْ ــم َ و ِار ُث ْ الُق ْط ِ ــب أ
َوِل ْ ــم لَا َ وأ
َ ِابُك ْ ــم
ْ َ ــر ب
َْتِغــي لَا َ نْلَتِف َ ــي غي
ـــر َول ِد َا َ نب
َّ
ل ْ الُعُي ِ ـوب ُ م َج
ِّ
ْ َخ َ ع ْ ـن ُ ك
ــرى الشـي
َّ
َت
ًــا
ب
َ
إ ْذُ كْنُت ْ ــم ِ بَن ُ ــا م ْرِش ً ــدا أ
ِ
ــظ
ُّ
ؤَد َل ِد َن ْ ــا ال َح
ل ُ ســـْ
َّ
ي ُ ــا ك
َحِل ًيم َ ــا صُب ً ــور َ ا ح ِاوًّ
َّ الن ِ ـاس ِ ع ِد ْل ًم َ ا و ِح ْ ـك َ ــمًة
ــر َوُفْقُت ْ ـم َ جِم َ يـع
َّ الت َخ ُّ
ـــم
ِّ
َ ْك ِ ــر ْم ِ بَه َ ــذ ْ ا الَق ْ ــرِم َ ج
َفأ
ــا م َالَذنــــا
َ َ
م َض ْ ــت ي
ة َ
ٌ
ج َف ِ ـــد َه ِ ــذ َي شَه َ ـــــاد
ْ ِ ــد ْ الَعِز ِ يــز ْ الُم َم َّ
ِّمُك ْ ــم َ عب
َفِم ْ ـــن َ ع
ــالًكا
ــا م ْج َ ــد ْ ال ُج ُ ــد ِود َ و َس ِ
ً َ
َ ِ ــد َ ــا و ِارث
لُم ْهَت َفي
ف ُّ ــي الـــر ْشِد َ ه ٍ ــاد ِ
ِبَن ْه ِجِه ُ ــم ِ
الِقي
اف ُي ش ْ ـكِرِ ذ ْي الَع ْ ـر ِش َ خ ِ
نَن ِ
ََّ
ا ف َ يك ُ م ْر َعَلـى أ ِش ِـدي
إ ْذ َ س َ ـاقَن ِ
ِ
ِب َ ــم ْح ِض ِّ الر َضا
م ْ ـن َ س َ ـعى
ْ ِـر َ
ـل ٌيم َ عَل َ ـى خي
اة َ وَت ْس ِ
ٌ
َ َص ْص َح ٍ ــاب ِ ك َ ـــر ٍام َ وُم ْقَت ِ ــد َـل
َوَء ٍال َ وأ
ـه
ف َ ــي طِو ِيل ِ
ء ِ اس ٌ ـف ِ
ـد َ
ْ ٌ
ف ِ ــي ذْك ِ ــر َوَم ْ الَغ َ ــز ِال َ و َع ْ ــن َ دِد َ ـا ق َ ـال َ عب
َدِع ْ الَق ْ ــو َل ِ
بقلم / مود مالك صو / توواون
1( أي بعد ما كان
بسم الله الرحمن الرحيم
ّم تسليما.
ّدنا محمد آله وأصحابه الكرام وسل
ّى الله على سي
وصل
وبعد؛ فهذه قصيدة دالية من بحر الطويل جادت بها قريحة عبيد حقير ضعيف الحاج مود مالك صو
ّامة والقطب الواصل والمال ّ ذ الكامل الشيخ محمد المنصور سه
ّكا إلى شيخه ووسيلته العالم العل
تبر
)بروم دارج( رضي الله عنه. وقلت:
19
20
المضامين التربوية الصوفية عند الشيخ محمد
المنصور سي »بروم دراجي«، السنغالي،
كتاب »المحجة البيضاء في إنقاذ األمة الغراء«
نموذجا دراسة تحليلية
تأليف: الشيخ عمر جابي
فيمــا يقــرب مــن ٢٤٠ صفحــة حــاول مؤلــف
كتــاب »المضاميــن التربويــة الصوفيــة عنــد الشــيخ
محمـد المنصـور سـي »بـروم دراجـي« الغـوص فـي
القضايــا الكبيــرة والحساســة التــي تطرقــت إليهــا
كتــاب »المحجــة البيضــاء فــي إنقــاذ األمــة الغــراء«
والــذي قــام بتســويد صفحاتــه وتحريــر أفــكاره
الشــيخ الكبيــر والعالــم الجليــل الخليفــة العــام
للطائفــة التجانيــة الشــيخ محمــد المنصــور ســي،
)رحمـه اللـه ونـور ضريحـه(، وهـو هنـا يسـعى عبـر
صفحــات وفصــول ومباحــث الكتــاب إلــى تقديــم
صـورة مكبـرة تعرفنـا بالشـيخ محمـد المنصـور سـي
»بــروم دراجــي«، عبــر التنــاول المســهب والمطــول
لســيرته وحياتــه وأعمالــه وإنجازاتــه وإســهاماته
العلميــة المتعــددة والنافعــة وتالميــذه المنتشــرين
فــي هــذا القطــر الكبيــر مــن غــرب إفريقيــا، حيــث
يحصـي لنـا المؤلـف عـددا كبيـرا مـن هـؤالء وأماكـن
نشـأتهم وسـكنهم، وهـو مـا يعطـي داللـة مؤكـدة على
الجمهـور الكبيـر والسـواد األعظـم مـن النـاس الذيـن
تـرك هـذا الشـيخ الجليـل أثـرا عظيمـا وتراثـا هائـا
فــي مســيرة حياتهــم الفكريــة والتربويــة والعلميــة.
لقــد كانــت الغايــة مــن الفصــل األول لهــذا
الكتــاب المهــم والمرجعــي عــن حيــاة وأعمــال
وأدوار الشــيخ محمــد المنصــور ســي إبــراز الخلفيــة
األســرية واالجتماعيــة والعلميــة التــي نشــأت فــي
أحضانهــا الشــيخ الجليــل، وبيــان دور األحــداث
والوقائـع المختلفـة التـي عايشـتها فـي مشـوار حياتـه
الحافلــة بالمواقــف الخالــدة فــي تكويــن الشــخصية
الفــذة والوطنيــة واإلســامية لهــذا الزعيــم الدينــي،
ولقـد كانـت النتيجـة أن كان لهـذا الشـيخ دورا فاعـا
وموقفــا مســئوال تجــاه كل القضايــا واألحــداث
السياســية واالجتماعيــة والدينيــة التــي حدثــت فــي
بلـده بعـد ذلـك، وقـد أورد المؤلـف القديـر سلسـلة
مــن المواقــف والشــهادات والكتابــات التــي تبرهــن
علــى هــذه المكانــة الكبيــرة وعلــى هــذه الزعامــة
الدينيــة والفكريــة للشــيخ فــي عــدة مناســبات.
يأتــي مؤلــف الكتــاب فــي الفصــل الثانــي إلــى
التنــاول المباشــر والملمــوس للغــرض مــن تأليــف
الكتــاب موضــوع الدراســة التحليليــة التــي قــام
بهــا؛ وهــو كتــاب »المحجــة البيضــاء فــي إنقــاذ
األمــة الغــراء«، فبيــن كيــف أنــه جــاء رد فعــل مــن
تصريحــات ومواقــف رئيــس الجمهوريــة »عبــد
اللــه واد« مــن مبــادرة مســئولة وواعيــة قامــت بهــا
عــدة جمعيــات إســامية لتعديــل قانــون األحــوال
الشــخصية الســنغالية ومحاولــة توفيقهــا مــع أحــكام
الشــريعة اإلســامية، وإثــر تصريحــات الرئيــس
بمعارضتــه المبدئيــة للقبــول بهــذه المبــادرة وعــدم
ســماحه بدخــول هــذا القانــون المقتــرح لمبنــى
البرلمــان، ســعى الشــيخ محمــد المنصــور إلــى ضــم
كلمتــه إلــى كلمــة أولئــك الزعمــاء والقــادة الدينييــن
مــن منطلــق تأييدهــم ومؤازرتهــم وتقويــة موقفهــم،
فــكان هــذا الكتــاب المفحــم فــي إعطــاء األســباب
الوجيهــة والمبــررات المنطقيــة لدعــوة الســلطات
الحاكمــة إلــى القبــول بهــا.
إن هــذا الكتــاب حافــل بكــم هائــل مــن
المعلومــات النــادرة والنفيســة عــن الشــيخ محمــد
المنصــور ســي، كمــا يكشــف النقــاب عــن موقــف
وطنــي شــريف ووعــي تربــوي كبيــر اضطلــع بهمــا
هــذا الشــيخ الجليــل فــي ذلــك الوقــت العصيــب
ّ مــن تاريــخ الســنغال، ودونــه كتابــا يبقيــه لألجيــال
القادمــة، وخيــرا فعــل »األســتاذ عمــر جابــي« عبــر
قيامــه بدراســة تحليليــة مســتفيضة لمضاميــن هــذا
الكتــاب القيــم.
Leave A Comment